Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مسيرات أوكرانية الصنع تنقل الحرب إلى العمق الروسي

تستهدف الطائرات المسيرة بعيدة المدى مصافي النفط ومستودعات الوقود

عسكري أوكراني ينظر من خلال جهاز الرؤية الليلية قبل إقلاع الطائرات المسيرة طويلة المدى من طراز "أن-126 ليوتيي" من مكان غير محدد (أ ب)

ملخص

تواصل أوكرانيا توسيع نطاق حربها داخل الأراضي الروسية باستخدام طائرات مسيرة محلية الصنع منخفضة الكلفة تستهدف مصافي النفط ومنشآت الوقود، مما أدى إلى تقليص قدرات التكرير الروسية وفرض ضغوط لوجيستية ودفاعية على موسكو، في تحول استراتيجي يمنح كييف زمام المبادرة على رغم الكلفة البشرية العالية.

تحت جنح الظلام في الريف الأوكراني تجمع قطع المسيرات الانتحارية الهجومية بتأنٍّ قبل أن تنطلق في مهام بعيدة المدى داخل العمق الروسي.

تمثل هذه الضربات التي تستهدف مصافي النفط ومخازن الوقود ومراكز لوجيستية عسكرية، تصعيداً لافتاً في حملة المسيرات الأوكرانية منذ الصيف، وهي قادرة اليوم على قطع مسافات غير مسبوقة.

يعمل الضباط بصمت شبه تام ودقة، وهم يرتدون دروعاً واقية، على وهج الضوء الأحمر المنبعث من مصابيح مثبتة على رؤوسهم، يضعونها في سبيل التخفي. تصدر المحركات صوت فرقعة متقطعاً قبل أن ترتفع كل مسيرة عن الأرض من مدرج موقت وتنطلق متجهة شرقاً عبر سماء يغيب عنها القمر.

بدأت الهجمات المتواصلة بالتأثير في روسيا متسببة بنقص في الوقود وبعض التقنين حتى في مناطق متفرقة من البلاد، مما يكشف نقطة ضعف حيوية في البنية التحتية ويشكل ضغطاً كبيراً يضعف دفاعات موسكو الجوية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يرى المحللون الغربيون أن الهجمات على البنية التحتية للطاقة إلى الآن قد خلفت أثراً كبيراً – من دون أن يكون مدمراً.

ضربت المسيرات الأوكرانية مرات عدة 16 مصفاة كبرى للنفط الروسي، مسؤولة عن نحو 38 في المئة من طاقات التكرير المفترضة في البلاد، وفقاً لمراجعة جديدة قام بها مركز كارنيغي للسلام الدولي، وهو مؤسسة بحثية تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها.

لكن المؤسسة تضيف أن التأثير الفعلي كان محدوداً إلى حد كبير: فقد استأنفت معظم المصافي عملياتها في غضون أسابيع، كما أسهمت قدرات الإنتاج غير المستغلة وفائض الوقود الحالي في روسيا في حماية عملية إنتاج الوقود المكرر.

ومع ذلك سمحت هذه الضربات التي طاولت العمق الروسي لكييف بالإمساك بزمام المبادرة في مرحلة مهمة. فالولايات المتحدة وأوروبا تشددان العقوبات على قطاع النفط الروسي، في وقت تعثر فيه طلب كييف الحصول على صواريخ توماهوك الأميركية بعيدة المدى.

يعتبر الرئيس فولوديمير زيلينسكي أن تحسين أوكرانيا لقدراتها الهجومية على المدى البعيد يلحق أضراراً حقيقية - ويرغم الكرملين على استيراد الوقود وتخفيض الصادرات.

وقال أمام جمع من المراسلين خلال إحاطة إعلامية في كييف "نعتقد أنهم خسروا نحو 20 في المئة من مخزون البنزين - كنتيجة مباشرة لضرباتنا".

في موقع إطلاق سري، يقف القائد المشرف على العملية - رجل عريض المنكبين، يعرف وفقاً للقوانين العسكرية الأوكرانية، فقط بلقبه العسكري فيديل - ويراقب المسيرات عبر نظارات الرؤية الليلية وهي ترتفع في السماء المرصعة بالنجوم.

ويقول فيديل "المسيرات تتطور"، موضحاً "فبدلاً من أن تقطع 500 كيلومتر (310 أميال)، أصبحت تقطع ألف كيلومتر. يتوقف نجاح المهمة على ثلاثة عناصر متداخلة: المسيرات والأشخاص والتخطيط. نريد أن نعطي أفضل النتائج. وهذه المهمة بالنسبة إلينا مقدسة".

أوكرانيا تعتمد على أسلحتها البسيطة

معظم أسطول أوكرانيا من الطائرات المسيرة محلي الصنع. وتعد مسيرة "ليوتيي" Liutyi العمود الفقري للهجمات الليلية، وهي طائرة صغيرة الحجم هيكلها على شكل أسطواني مزودة بمروحة في الخلف وذيل مثلث مميز.

ومع أنها لا تبدو أنيقة ولا مخيفة - فهي أشبه بمنتج صنع من متاجر الخردوات وليس من شركة "لوكهيد مارتن" - فإن سهولة تجميعها تعني أنه يمكن إخفاؤها عن الأنظار وتعديلها باستمرار: بحيث يعمل على تحسينها كي تتسلل عبر الرقابة المشددة في المجال الجوي للخطوط الأمامية.

وتشكل ليوتيي مثالاً على فلسفة الإنتاج الحربي البسيط في أوكرانيا، وقد غدت المسيرة - التي يعني اسمها "الشرسة" باللغة الأوكرانية - رمزاً للفخر الوطني ووضعت صورتها حديثاً على طابع بريدي محلي.

ويشير مدى هذه الطائرات المسيرة، إذ تضاعف مدى بعض نماذجها خلال العام الماضي لتضرب أهدافاً ضمن دائرة يبلغ نصف قطرها ألف كيلومتر من الحدود، إلى تغير في جغرافيا الصراع.

فالهجمات قبل عام كانت تلحق الأضرار بالمصافي ضمن نطاق أضيق بكثير، يتركز في المناطق الحدودية الغربية من روسيا. كما انخفضت الكلف، ما زاد من الضغط على أنظمة الدفاع الجوي الباهظة الثمن، إذ باتت الطائرات المسيرة بعيدة المدى تصنع في أوكرانيا مقابل نحو 55 ألف دولار فقط.

تحول في جغرافية الصراع

قال أدريانو بوسوني، مدير التحليل في شركة تحليل الأخطار العالمية "راين" RANE "ما نراه الآن هو أن أوكرانيا باتت تجيد نقل الحرب إلى داخل الأراضي الروسية". وأضاف "فطوال معظم فترات الحرب، كانت روسيا تعمل على افتراض أن أراضيها آمنة. لم يعد الأمر كذلك الآن".

وأوضح أن المنطق الاستراتيجي هو الاستنزاف من الباب اللوجيستي، أي من خلال إجبار روسيا على تغيير مسار الإمدادات وتكليف الدفاعات الجوية بتغطية منطقة أوسع، تسعى كييف إلى إضعاف قدرة موسكو على مواصلة العمليات على نطاق واسع.

تقول وكالة الطاقة الدولية التي تتخذ من باريس مقراً لها إن الضربات المتكررة بالطائرات المسيرة قد خفضت قدرات التكرير الروسية بنحو 500 ألف برميل يومياً. وقد أدى ذلك إلى نقص في الوقود المحلي وخفض صادرات الديزل ووقود الطائرات، حتى مع استمرار استقرار الإنتاج العالمي من النفط واستقرار الأسعار.

وتسمح القدرة التي طورتها كييف داخلياً لشن الضربات بإطلاق طائرات مسيرة بصورة مستقلة، متجاوزة بذلك الموافقة الغربية المطلوبة لاستخدام الأسلحة بعيدة المدى المستوردة. وقد جاءت هذه الاستقلالية قبل فرض عقوبات أشد على روسيا: لم يصعد الحلفاء خطواتهم ضد روسيا إلا بعدما أمضت أوكرانيا أشهراً طويلة في ضرب المصافي الروسية.

وعلى الأرض، تعد كل مهمة موازنة دقيقة بين المكاسب والأخطار. فبحسب فيديل، لا تصل سوى أقل من 30 في المئة من الطائرات المسيرة إلى منطقة الهدف، مما يجعل التخطيط المحكم أمراً حاسماً.

وقال فيدل، متأملاً الكلفة البشرية، "ألقت الحرب بعبئها على جيلنا كي نحارب من أجل أطفالنا، ليعيشوا في بلد حر وديمقراطي". وأضاف "نحن نكتسب الآن خبرة ستستفيد منها كل دولة في العالم، ونحن ندفع الثمن بأرواحنا وأرواح أصدقائنا".

© The Independent

المزيد من تقارير