ملخص
تضع بعض أكبر الشركات الصناعية في روسيا موظفيها في إجازات موقتة أو تقلص أعدادهم، في محاولة للحد من الكلف من دون رفع معدلات البطالة.
تواجه روسيا واحدة من أكثر فترات التباطؤ الاقتصادي حدة منذ عقود، إذ بدأت تداعيات الحرب والعقوبات الغربية تضرب البنية الإنتاجية للبلاد.
فمن صناعة السيارات إلى التعدين والطاقة، تتسع موجة الإجازات القسرية وخفض ساعات العمل، في وقت يسعى الكرملين إلى تهدئة المخاوف من ركود واسع النطاق.
وبينما يحاول بوتين إظهار تماسك الاقتصاد، تتزايد المؤشرات إلى أزمة هيكلية عميقة في السوق المحلية والقطاعات غير العسكرية.
تقليص أسبوع العمل
وتضع بعض أكبر الشركات الصناعية في روسيا موظفيها في إجازات موقتة أو تقلص أعدادهم، في محاولة للحد من الكلف من دون رفع معدلات البطالة. ووفقاً لوكالة "رويترز"، خفضت ست شركات كبرى في قطاعي التعدين والنقل أسبوع العمل إلى أربعة أيام، في وقت يتراجع فيه الطلب المحلي وتتوقف الصادرات بسبب العقوبات.
وتقول الوكالة، إن شركة "سيمروس"، أكبر منتج للأسمنت في روسيا، أعلنت الأربعاء الماضي عن تقليص أسبوع العمل حتى نهاية العام الحالي، بسبب التباطؤ الحاد في قطاع البناء وزيادة الواردات من الصين وإيران وبيلاروس.
وأوضح المتحدث باسمها سيرغي كوشكين، أن "الإجراء ضروري للحفاظ على الموظفين"، مشيراً إلى أن الإنتاج سينخفض إلى 60 مليون طن فحسب من الأسمنت، وهو أدنى مستوى منذ جائحة كورونا، وتوظف الشركة نحو 13 ألف موظف من خلال 18 مصنعاً في جميع أنحاء روسيا.
بحسب مسؤول الشركة لا تتعلق المسألة بالحرب فحسب، إذ إن زيادة الواردات من دول مثل الصين وإيران وبيلاروس، إضافة إلى انخفاض بناء المنازل الجديدة، قد حد من الطلب على الأسمنت.
تباطؤ نمو الناتج المحلي إلى 1 في المئة
وبحسب المركز الروسي لتحليل الاقتصاد الكلي، تراجعت القطاعات غير العسكرية بنسبة 5.4 في المئة منذ بداية العام، ويتوقع أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى ما بين 0.7 و1 في المئة خلال العام الحالي.
وعلى رغم النمو القوي في عامي 2023 و2024، إذ سجلا 4.1 و4.3 في المئة على التوالي، تواجه موسكو هذا العام ضغوطاً مزدوجة من ارتفاع أسعار الفائدة وضعف قوة الروبل وتراجع الاستهلاك.
كان تقرير للبنك المركزي الروسي أظهر في رسم بياني أن الناتج المحلي الإجمالي لروسيا انكمش لربعين متتاليين هذا العام وهو ما يوصف اقتصادياً بحال "الركود التقني".
يشار إلى أن الولايات المتحدة وأوروبا وحلفاء فرضوا أكثر من 25 ألف عقوبة مختلفة على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا منذ عام 2022 وضم شبه جزيرة القرم عام 2014، في محاولة لإغراق الاقتصاد الروسي وتقويض الدعم لبوتين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في غضون ذلك، واصل البنك المركزي الروسي رفع سعر صرف الروبل الرسمي أمام الدولار الأميركي واليورو أمس السبت، إذ زاد سعر الروبل بواقع 22 كوبيكاً (أصغر وحدة في العملة الروسية) أمام العملة الخضراء التي سجلت مستويات 81.2 روبل مقابل الدولار الواحد.
فيما ارتفع سعر الروبل 65 كوبيكاً مقابل اليورو إلى 95.67 روبل، وبقي سعر صرف الروبل الروسي أمام اليوان الصيني من دون تغيير عند مستوى 11.36 روبل مقابل اليوان.
وأشار البنك في بيان إلى أن التضخم انخفض قليلاً في يوليو (تموز) وأغسطس الماضيين، لكنه لا يزال مرتفعاً عند 8.2 في المئة، ومع ذلك حذر البنك من أن توقعات التضخم لم تتغير كثيراً في الأشهر الأخيرة، مضيفاً "لا تزال مرتفعة، مما قد يعوق تباطؤاً مستداماً في التضخم".
يأتي ذلك في وقت يرفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحذيرات كبار المصرفيين من الركود، مؤكداً أن حكومته "تبطئ الاقتصاد عمداً للسيطرة على التضخم"، إذ يتوقع أن يبلغ 6.8 في المئة بنهاية العام.
قطاعات السيارات تواجه واقعاً أكثر قسوة
لكن قطاعات مثل السيارات والمعادن والفحم تواجه واقعاً أكثر قسوة، إذ انتقل مصنع "جوركي" للسيارات و"كاماز" و"أفتوفاز" إلى أسبوع عمل من أربعة أيام، في حين خفضت شركة "ألروسا"، أكبر منتج للألماس في العالم، رواتب موظفيها 10 في المئة وأوقفت عمليات في مناجم غير مربحة.
ووفقاً للبيانات الرسمية، بلغت متأخرات الرواتب في روسيا بنهاية أغسطس (آب) الماضي 1.64 مليار روبل (692 مليون دولار أميركي) بزيادة 1.15 مليار روبل (12.5 مليون دولار) عن العام الماضي.
وتواجه شركات الفحم ضغوطاً هائلة، إذ تم تسريح نحو 19 ألف عامل خلال النصف الأول من عام 2025، بينما أغلقت 18 شركة من أصل 151 شركة في حوض كوزباس في سيبيريا.
أما في صناعة الصلب، خامس أكبر قطاع في العالم، تدرس الحكومة تعليقاً موقتاً لإجراءات الإفلاس ودعماً مالياً للمصانع المتعثرة، وبحسب "رويترز" قال مصدر مطلع في قطاع المعادن إن "الإنتاج يتراجع تدريجاً بفعل ارتفاع أسعار الفائدة وضعف الطلب"، مؤكداً أن "المصانع تقلص أعداد الموظفين المساعدين لتجنب خسائر أكبر".
روسيا هي خامس أكبر منتج للصلب في العالم، بإنتاج يبلغ نحو 71 مليون طن عام 2024.
في عام 2022، وهو العام الذي بدأت فيه حرب أوكرانيا انكمش الاقتصاد بنسبة 1.4في المئة، لكنه تفوق بعد ذلك على متوسط مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، بعدما نما بنسبة 4.1 في المئة عام 2023 و4.3 في المئة عام 2024.
يأتي ذلك في وقت طلبت فيه السكك الحديد الروسية، التي يعمل بها 700 ألف موظف، من موظفيها في مكتبها المركزي أخذ ثلاثة أيام إجازة إضافية شهرياً على نفقتهم الخاصة، إضافة إلى العطلات الرسمية وأيام العطل، بحسب ما قالته مصادر لـ"رويترز".
إلى ذلك أجبرت الضغوط الاقتصادية الحالية الحكومة بالفعل على التدخل في جميع قطاعات الاقتصاد، من مصانع الأحذية إلى الفحم والمعادن، حيث قدمت خصومات على النقل بالسكك الحديد، وتأجيلاً للضرائب، ودعماً حكومياً مستهدفاً.
مع اتساع نطاق الإجازات القسرية وتراجع الطلب المحلي، يبدو أن الاقتصاد الروسي يسير في منطقة رمادية بين الصمود والانكماش، وبينما تراهن موسكو على الإنفاق العسكري لتمويل النمو، تتزايد هشاشة القطاعات المدنية.
ومع استمرار العقوبات وتراجع الاستثمارات، تبدو أزمة روسيا الاقتصادية مرشحة للاستمرار حتى العام المقبل في الأقل.