Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الطب البدائي "الملاذ الأخير" في طريق الفرار من الفاشر

شباب يطلقون مبادرات لإنقاذ المرضى السودانيين باستخدام النباتات وعربات "الكارو" والحمير

عربات الكارو تمثل وسيلة وحيدة للتنقل والإسعاف في مناطق سودانية عدة حالياً (حسن حامد)

ملخص

يحتاج المرضى والجرحى إلى أحد ينقلهم إلى المرافق الصحية، في وقت باتت عملية الإسعاف نفسها مهمة ليست بالسهولة، لا سيما في ظل غياب خدمة طوارئ الإسعاف، مما قد يعرض حياة الحالات الحرجة للموت في أي لحظة.

خلفت المأساة الإنسانية التي يعيشها سكان الفاشر الذين تقطعت بهم السبل خارج المدينة جراحاً غائرة وخواطر كسيرة، بخاصة بعدما تداول السودانيون على وسائل التواصل الاجتماعي بكثير من الحسرة والغضب والاستياء الأنباء عن ظهور المئات من المرضى والجرحى في حالات حرجة، مما خلف فصولاً مأسوية أبرزها ما يعانيه المرضى والمصابون العاجزون من الوصول إلى المراكز الصحية في منطقة لتلقي العلاج وإجراء الفحوص الطبية، بسبب صعوبة التنقل والوضع الأمني، وكذلك معاناة آلاف يواجهون شبح الموت بسبب انقطاع علاج مرضى الفشل الكلوي والسرطان والسكري، بينما استهلك النزف أرواح آخرين في رحلة النزوح.

بعد رحلة شاقة سيراً على الأقدام لمسافة تتجاوز 10 كيلومترات وصل آلاف النازحين إلى أطراف مدينة الفاشر، منهم جرحى يحتاج معظمهم إلى تدخل طبي عاجل، وآخرون يعانون كسوراً تحتاج إلى العلاج، إضافة إلى معاناة مرضى السكري الذين فقد بعضهم بصره، في وقت لا يزال جسد من تعرضوا إلى إطلاق النار العشوائي يحمل آثار الحروق.

وسط هذه الظروف الصعبة نشطت مبادرات عدة، وعملت على مساعدة الفارين من مجازر وفظائع الفاشر، وسرعان ما تفاعل مواطنو عدد من المناطق التي وصل إليها النازحون، مع نداءات الاستغاثة التي أطلقها الناشطون لإنقاذ العالقين في الطرقات والعراء بمدهم بالطعام وماء الشرب والدواء.

 

كما نشط متطوعون في تقديم خدمات عدة لمساعدة النازحين، وبادر أطباء بإجراء فحوصات طبية على المرضى إلى جانب بعض العمليات الصغيرة للجرحى، وتكفل صيادلة بتوفير الأدوية والمحاليل الوريدية، وعقد متخصصون في علم النفس جلسات للأطفال.

تأمين النقل

في السياق يقول عضو لجنة الإشراف على مبادرة "إنقاذ المرضى والمصابين" أنور حماد إن "الأوضاع الصحية لآلاف النازحين في المناطق الطرفية لمدينة الفاشر مقلقة وكارثية، لذا نشط أعضاء المبادرة في تقديم الخدمات وتخفيف العبء عنهم، لا سيما تأمين وسائل النقل إلى مناطق طويلة (تبعد 64 كيلومتراً عن عاصمة ولاية شمال دارفور) وجبل مرة ومليط لتلقي العلاج، على رغم أزمة الوقود الطاحنة وارتفاع أسعاره"، وأضاف "استخدم متطوعون كثر مواقع التواصل الاجتماعي لحض الخيرين والمغتربين ونجوم الفن والرياضة على ضرورة تقديم الدعم المالي للإسهام في تعزيز الجهود وتوفير المعينات كافة".

وأوضح حماد أن "المبادرة نجحت في نقل نحو 400 من المرضى والجرحى إلى منطقة طويلة، منهم أطفال ونساء ومسنون، إذ يجري جمعهم وتسهيل سفرهم عبر الشاحنات إلى بلدة طويلة لإجراء الفحوص الطبية وتلقي العلاج خصوصاً بعدما استعدت فرق ’أطباء بلا حدود‘ لاستيعاب أي تدفق هائل للنازحين والجرحى".

تدخل عاجل

بدوره أشار الناشط في العمل المدني بمعسكرات الإيواء سالم عبدالله إلى أن "المرضى والجرحى يحتاجون إلى أحد ينقلهم إلى المرافق الصحية، في وقت باتت عملية الإسعاف نفسها مهمة ليست بالسهولة، لا سيما في ظل غياب خدمة طوارئ الإسعاف، مما قد يعرض حياة الحالات الحرجة للموت في أي لحظة".

ولفت إلى أن "المبادرة أسهمت في إنقاذ حياة المئات بخاصة بعد وصول الحالات الحرجة إلى المراكز الطبية في الوقت المناسب، فضلاً عن التدخل العاجل لمتابعة أوضاع النساء الحوامل والأطفال وأصحاب الأمراض المزمنة".

 

وبين عبدالله أن "تعامل المتطوعين مع الملف الإنساني لسكان الفاشر الفارين من جحيم القتال والمجازر لم يشمل المساعدة في توفير الأمن الغذائي فحسب، بل تقديم خدمات الرعاية الصحية ونقل المرضى والجرحى إلى المراكز الطبية من خلال توفير وسائل النقل".

خيمة للعلاج

في إحدى المناطق الطرفية التي تبعد من محلية طويلة، ونتيجة عدم توافر الرعاية الصحية نشط الطبيب السوداني خطاب كباشي في تقديم الخدمات بعدما نصب خيمة في أماكن تجمعات النازحين، ويساعده في ذلك عدد من الممرضين المتطوعين.

ويفحص كباشي يومياً 20 شخصاً ويقدم خدمات العلاج مجاناً، كما يتابع النساء الحوامل وحالات أمراض سوء التغذية وحمى الضنك بصورة دورية من دون كلل أو ملل.

وينشط عدد من المتطوعين في توفير الأدوية من مناطق بعيدة، لكنهم لا يتأخرون في تجهيز الحاجات الطبية للعيادة داخل الخيمة.

إسعافات أولية

وسط مناطق تجمعات النازحين شرع عدد من المتطوعين في تقديم خدمات الإسعافات الأولية بمواد بدائية للجرحى من المدنيين، من أجل إنقاذ حياتهم قبل الوصول إلى المستشفيات لإكمال مراحل العلاج.

تقول سامية الفضل التي تعمل في مجال التمريض إنهم "يعتمدون على مواد بدائية لعلاج الحروق أو الجروح الناجمة عن الرصاص وشظايا القذائف، وكذلك باستخدام نباتات طبية لإسعاف الجرحى، ومن ثم نقلهم إلى مناطق طويلة وجبل مرة لتلقي العلاج".

 

وعن أوضاع النازحين الذين يعانون كسوراً، أشارت الفضل إلى أن "هناك أشخاصاً لديهم خبرة في معالجة الكسور بالجبيرة وهو نوع من العلاج الشعبي باستخدام أخشاب وقطع قماش".

وسيلة بدائية

أجبرت أزمة الوقود الطاحنة سكان المناطق المتاخمة لمحلية طويلة وجبل مرة ومليط على استخدام وسائل النقل البدائية، ومنها عربات "الكارو" التي تجرها الخيول والحمير كبديل عن المركبات لإسعاف الجرحى إلى المستشفيات، وتحولت وسيلة النقل البدائية هذه إلى "سيارات إسعاف".

وفي هذا الصدد، يقول معاوية الفاتح صاحب عربة كارو إن "أزمة الوقود وتوقف حركة المركبات وسيارات الأجرة دفعته إلى العمل متطوعاً بعربة يجرها حمار لنقل المرضى وجرحى الحرب إلى المرافق الصحية من أجل إنقاذ حياتهم"، وتابع "في ظل استمرار تدفق النازحين من مدينة الفاشر حاولت استغلال الموارد المتاحة ومساعدة المرضى والمصابين من أجل تقديم خدمة الإنقاذ والإسعاف".

وأردف الفاتح "أخشى على جرحى القتال لأن الحمار يسير بسرعة متواضعة حتى وإن كان يركض طوال الطريق، وهذا يؤثر في المصابين الذين ينزفون دماً وهم على عربة الكارو، مما قد يعرض حياة من حالتهم خطرة للموت في أية لحظة، على عكس سيارات الإسعاف التي تصل بسرعة قياسية".

قلق أممي

في غضون ذلك أعربت منظمة "أطباء بلا حدود" عن خشيتها من أن يكون "عدد كبير من الأشخاص" لا يزالون "معرضين لخطر الموت" في مدينة الفاشر السودانية.

وتخوفت المنظمة غير الحكومية من أن يكون "عدد كبير من الأشخاص لا يزالون معرضين لخطر الموت المحدق"، ومن أن قوات "الدعم السريع" وحلفاءها "يمنعونهم من الوصول إلى مناطق أكثر أماناً"، كبلدة طويلة المجاورة التي استعدت فيها فرق "أطباء بلا حدود" لاستيعاب أي تدفق هائل للنازحين والجرحى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال المسؤول عن عمليات الطوارئ في "أطباء بلا حدود" ميشال أوليفييه لاشاريتيه "استناداً إلى ما يرويه لنا المصابون، فإن الإجابة الأرجح وإن كانت مرعبة، هي أنهم يقتلون ويحتجزون ويطاردون عند محاولتهم الفرار".

ودانت المنظمة في بيان "الفظائع الجماعية والمجازر المروعة" التي شهدتها الفاشر والمناطق المحيطة بها هذا الأسبوع، "سواء تلك التي ارتكبت عشوائياً، أو التي استهدفت تحديداً مجموعات عرقية".

وأبلغ عدد من شهود العيان منظمة "أطباء بلا حدود" أن مجموعة من 500 مدني، إلى جانب جنود من القوات المسلحة السودانية والقوات المشتركة المتحالفة مع الجيش، حاولوا الفرار في الـ26 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن قوات "الدعم السريع" وحلفاءها قتلت أو أسرت معظمهم.

وأخبر ناجون المنظمة بأن الناس فصلوا بحسب جنسهم أو أعمارهم أو أصولهم العرقية، وأن كثراً لا يزالون محتجزين للحصول على فدية، وأفاد أحد الناجين عن "مشاهد مروعة" لمقاتلين يدهسون سجناء بسياراتهم.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير