Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ذكرى اغتيال رابين تؤجج المخاوف من أحداث شبيهة في إسرائيل

يؤججها نشر اعترافات القاتل بعد 30 عاماً على رحيل "مهندس أوسلو" في ظل الشرخ الداخلي الإسرائيلي اجتماعياً وأيديولوجياً

نتنياهو يتحدث خلال حفل تأبين رسمي لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين، القدس 10 نوفمبر 2019 (أ ف ب)

ملخص

52 في المئة من الجمهور الإسرائيلي يخشى اغتيالاً سياسياً آخر في إسرائيل لمسؤول حكومي أو شخصية عامة بارزة، وهو ما كشفه مؤشر المجتمع الإسرائيلي لهذا العام، والجانب الذي لا يقل خطراً في النتائج هو زيادة عدم الثقة بين الجمهور والمؤسسات الرسمية، إذ أعرب 80 في المئة عن اعتقادهم بأن السلطات الإسرائيلية لا تتعامل بالصورة المطلوبة مع المحرضين من كلا طرفي الخريطة السياسية في إسرائيل، وهنا يكمن الخطر.

جاء إحياء الذكرى الـ30 لاغتيال رئيس الحكومة الإسرائيلية إسحاق رابين هذا العام مختلفاً عن السابق، إذ علت التحذيرات من تكرار حوادث الاغتيال السياسي في ظل الشرخ الداخلي والخلافات المتفاقمة، وقرر أرشيف الدولة الكشف عن شهادة قاتل رابين، يغئال عمير التي أدلى بها بعد شهر ونصف الشهر من الاغتيال أمام "لجنة شمغار"، وهي شهادة بمضمونها غير بعيدة من أجواء التحريض والانقسام في إسرائيل، فقد شرح عمير دوافع الاغتيال وهو يضحك، بل وأعلن "كنت أعرف ما سيحدث، وكنت مستعداً لدفع الثمن".

شهادة قاتل رابين تأتي أيضاً مع الصورة القاتمة التي كشف عنها مؤشر المجتمع الإسرائيلي لعام 2025، الذي أصدره معهد سياسة الشعب اليهودي (JPPI) في ذكرى مرور 30 عاماً على اغتيال رابين، ويؤكد ما حذرت منه جهات عدة من خطر تعميق الخلافات الإسرائيلية والشرخ الداخلي، والذي انعكس على مدار أكثر من عامين في التظاهرات الواسعة، بدءاً من الاحتجاجات على الانقلاب القضائي وحتى تظاهرات عائلات الأسرى الإسرائيليين وصولاً إلى تظاهرات الشباب الحريديم اليوم الخميس، وفي مجمل هذه التظاهرات أثيرت حال من الغضب وصلت إلى حد وصف قيادات بـ"النازية" وحتى التهديد بالقتل.

استدعاء الاغتيال

اعتبر أكثر من سياسي وباحث في المجتمع الإسرائيلي أن المعركة التي تدور اليوم حول ضم الضفة الغربية وتوسيع الاستيطان من قبل اليمين الإسرائيلي، وهي عملياً عقبة أساس أمام حل سلمي للقضية الفلسطينية تؤجج الصراعات الداخلية، مع عدم التجاوب إزاء تلك المخططات في ظل التطورات الأخيرة بالمنطقة والدور الأميركي فيها.

52 في المئة من الجمهور الإسرائيلي يخشى اغتيالاً سياسياً آخر في إسرائيل لمسؤول حكومي أو شخصية عامة بارزة، وهو ما كشفه مؤشر المجتمع الإسرائيلي لهذا العام، والجانب الذي لا يقل خطراً في النتائج هو زيادة عدم الثقة بين الجمهور والمؤسسات الرسمية، إذ أعرب 80 في المئة عن اعتقادهم بأن السلطات الإسرائيلية لا تتعامل بالصورة المطلوبة مع المحرضين من كلا طرفي الخريطة السياسية في إسرائيل، وهنا يكمن الخطر.

 

وبحسب نتائج مؤشر المجتمع الإسرائيلي، فان الخوف يتجاوز الخطوط الأيديولوجية، ولكنه بارز خصوصاً في الجمهور اليميني، فـ42 في المئة يخافون بصورة أساس على زعيم محسوب على اليمين، مقابل 15 في المئة يخشون اغتيال زعيم من اليسار، وأربعة في المئة فقط يخشون اغتيال شخصية من وسط الخريطة السياسية. وتشير المعطيات أيضاً إلى أن ربع اليهود (24 في المئة) عبروا عن خوف متساوٍ من اغتيال زعيم من أي معسكر.

أثار نشر شهادة يغئال عمير مخاوف من اغتيال سياسي جديد في إسرائيل، فبحسب شهادته فإنه ليس فقط غير نادم على القتل، بل أظهر أنه كان يخشى الفشل أو شيئاً ما يجعله يتراجع، واعتبر اغتيال رابين أكثر ما حققه من نجاح، "في البداية كان رابين (سيد الأمن)"، قال عمير مضيفاً "كل مقترحاته الأمنية كانت مكرسة للحفاظ على الجولان. ثم شيئاً فشيئاً، خلال ثلاثة أعوام، طرأ تدهور حاد في مواقفه، فخطر ببالي أنه يجب إسقاطه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يغئال أيضاً، وهو يتحدث بهدوء قال إن دافعه كان "حب هذه الدولة وحب شعبها"، إذ كان معجباً باليميني المتطرف باروخ غولدشتاين، الذي نفذ مجزرة الحرم الإبراهيمي خلال الـ25 من فبراير (شباط) عام 1994، ثم عدد في شهادته أسماء أخرى، وكيف نظم التظاهرات والاحتجاجات وجند شباباً للوصول إلى مختلف البلدات الفلسطينية، وتظاهرات أخرى داعمة للمستوطنات.

وشرح يغئال تنفيذ العملية بهدوء تشوبه بعض الضحكات، وقال "بعد الطلقة الأولى توقفت برهة لأرى ما يحدث وما هو رد فعل جسده، فلم يكن هناك أي رد فعل، استمر واقفاً كما هو، ثم تدافع الناس من الجانبين فأطلقت طلقتين أخريين من دون أن أرى ظهره".

هلع الاستقطاب

السماح بنشر شهادة يغئال عمير، اليوم بالذات، على رغم أن قانون كشف أرشيف الدولة يكون عادة بعد مرور 50 عاماً، ليس صدفة، وأثار غضب جهات عدت أن الشهادة قد تشجع كثراً على تنفيذ اغتيالات مماثلة.

هذه الأيام تزداد التظاهرات والاحتجاجات التي لم تعد مقتصرة على أصوات اليسار والمركز الداعية إلى وقف الحرب، بل تواجهها تظاهرات أخرى من جهات يمينية متطرفة يشارك فيها آلاف الشباب المنتمين لأحزاب وتجمعات سياسية ودينية كان ينتمي إليها عمير وتحدث عنها في شهادته. وما تشهده إسرائيل، اليوم من احتجاج عشرات آلاف المتدينين الحريديم الذين يحتجون على قانون الخدمة الإلزامية، غير منفصل عن الأجواء التي تحذر منها جهات إسرائيلية في شأن كل ما يتعلق بخطر الانزلاق نحو محاولات الاغتيال لشخصيات سياسية أو أمنية، سواء بالنسبة إلى الخدمة في الجيش، أو بخصوص حرب غزة أو ضم الضفة.

الرئيس والمدير التنفيذي لمعهد سياسة الشعب اليهودي والمشرف على نتائج مؤشر المجتمع الإسرائيلي لهذا العام يديديا شطيرن، يرى أن نتائج المؤشر تشير إلى أنه بعد 30 عاماً على الاغتيال لا يزال الجمهور الإسرائيلي يرى فيه حدثاً تأسيسياً، لكنه أيضاً حدث يواصل تقسيم المجتمع.

ويضيف "على رغم أننا لم نشهد على مدار 30 عاماً انفجاراً للعنف السياسي، لكن نتائج ما يمكن أن نسميه ’مؤشر الخوف‘ من العودة إلى مسار عنيف يرتفع عالياً حتى السماء".

 

وبحسبه فقد كان لاغتيال رابين دافع ديني وآخر سياسي، و"الوضع الحالي ليس أقل خطراً، إذ تخلق الأزمة الديمقراطية تباعداً بين الفئات، وشبكات التواصل تشعل النار، والتطورات الجيوسياسية، ومذبحة السابع من أكتوبر (تشرين الأول) والحرب التي تبعتها، هي أيضاً أحداث ترفع درجة اشتعال الوضع في الحياة العامة، وكل ذلك على خلفية هبوط حاد في الثقة بمؤسسات الدولة. وهناك إجماع جماهيري على ضرورة التعامل الحازم مع التحريض، ويجب علينا جميعاً التصرف بمسؤولية خلال هذا الوقت تجاه الدولة وقادتها".

عالم الاجتماع السياسي والرئيس السابق لمعهد "هرتسوغ" للإعلام والمجتمع والسياسة في جامعة "تل أبيب" يورام بيري، الذي سبق وأجرى بحثاً حول أسباب الاغتيال ومعناه وتداعياته، وله كتاب أعده بعد إجراء بحث آخر تحت عنوان "يد إنسان في أخيه... اغتيال رابين والحرب الثقافية في إسرائيل"، يرى اليوم بعد 30 عاماً على الاغتيال أنه "من دون شك فإن تفاخر قاتل رابين يأتي من الخلفية التي جاء منها، وهي معسكر معارضي اتفاق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، هؤلاء كانوا يعتقدون أن العنف وحده هو الذي سيمنع رابين من تنفيذ سياسته. وقليلون فقط اعتقدوا أنه يجوز فعل ذلك عبر القتل".

"من هذه الناحية، كان ذلك اغتيالاً سياسياً ناجحاً جداً"، يقول بيري، مضيفاً أن "الحكومات التي جاءت بعد رابين تراجعت عن عملية السلام التي كانت تتطلب تنازلات إقليمية حتى لو كان الثمن استمرار الصراع مع الفلسطينيين، وفي البحث الذي أجريته أكدت أنه خلال الأعوام اللاحقة سيكون الصراع السياسي بين من يسعون إلى تخليد الاغتيال كحدث مؤثر وبين من يحاولون إنكاره".

هنا يكمن الخطر

يربط بيري بين الأجواء آنذاك واليوم، إذ انتشرت بعد اغتيال رابين نظريات المؤامرة وترويج أخبار من بينها "رابين لم يقتل في الساحة بل داخل السيارة في الطريق إلى المستشفى"، و"رابين اغتيل داخل مستشفى إيخيلوف"، و"لم يكن يغئال عمير هو القاتل بل شمعون بيريز"، و"كانت مبادرة من الشاباك"، وغيرها من الأوهام التي لا أساس لها. حتى إن محاضراً يحمل لقب دكتور ومتخصص في الشرق الأوسط من جامعة "بار إيلان" (التي خرج منها القاتل) كرر قبل فترة وجيزة علناً نظرية المؤامرة السخيفة هذه، يقول بيري.

وبرأيه، فإن ما حصل من نظريات مؤامرة هو اغتيال ثان لرابين، ثم الاغتيال الثالث من خلال التشويه المتعمد لمواقفه السياسية عبر الخطاب المعروف باسم "رابين مجرم أوسلو". هذا الخطاب يروجه داعمو الائتلاف الحكومي اليوم، الذين يصورون رابين كـ"يساري، محب للعرب، خائن"، وبصفات شخصية مثل "ضعيف ومتردد وغير مستقر وسكير" وغيرها.

ويضيف بيري محذراً من تكرار ما حدث قبل 30 عاماً اليوم جراء الدعاية اليمينية "الهدف مما يحصل هو تصوير عملية السلام كعملية سلبية من خلال تشويه اتفاق أوسلو والادعاء بأنه جلب على إسرائيل كل الكوارث خلال الـ30 عاماً الماضية، منذ فك الارتباط مع قطاع غزة في عهد آرييل شارون عام 2005 وحتى هجوم "حماس" خلال "السبت الأسود".

ومن ناحيته، يرى المتخصص في الشؤون السياسية الإسرائيلية آلون عيدان أن إسحاق رابين قتل "لأنه قرر أن السلام مع الفلسطينيين أفضل من استمرار الحرب والاحتلال والاستيطان والضم. فقد كان يغئال عمير يعتقد عكسه تماماً، موضحاً "يغئال قتل رابين لقتل إمكانية السلام. حتى الآن، هو انتصر ولكن ماذا بعد".

ويحذر عيدان من وضعية إسرائيل في ظل سياسة حكومتها الحالية ووجود المتطرفين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، فـ"الكلام السياسي بات أشبه بشيفرة سرية يجب دائماً فكها، وأثناء كل لحظة يسأل المواطن نفسه، ما الذي يقصدونه حقاً؟ وبصورة أعمق فإن قتل الكلام البسيط هو قتل للحقيقة. والوضع العام في إسرائيل بات أشبه بمتاهة من الأكاذيب، ومهمة المواطن هي العثور على المخرج، لكن كثرة الالتفاف والخداع تنهك المواطن وتجعله ينهار في أطراف المتاهة ويستسلم للكذب، وعندها لا نرى إلا نتنياهو يظهر ويبتسم، وهنا يكمن الخطر".

المزيد من تقارير