Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عودة إلى الوطن أم إلى السجن؟ حين يدعو النظام الإيراني أبناءه للعودة

يستغل النظام سجن الأجانب وحاملي الجنسيات المزدوجة لتحقيق مآربه في صراعه مع المجتمع الدولي

الصحافية الأميركية الإيرانية مسيح علي نجاد تلوح بزهرة عباد الشمس خارج قاعة المحكمة في نيويورك، في 29 أكتوبر 2025 بعدما حكم القاضي بسجن رجلين لمدة 25 عاماً لكل منهما بتهمة التخطيط لقتلها (أ ف ب)

ملخص

من منظور النقاد والمنظمات الحقوقية، يشكل هذا النمط المتكرر من الاعتقال والاستجواب وانتزاع الاعترافات والتبادل نموذجاً واضحاً للاحتجاز السياسي الرسمي. وأكدت منظمات دولية مثل "العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش" ضمن تقارير منفصلة أن النظام الإيراني يستغل مزدوجي الجنسية والأجانب لممارسة ضغوط سياسية ومالية على الدول الغربية.

وصف مساعد وزير العدل الإيراني لحقوق الإنسان والشؤون الدولية عسكر جلاليان أمس الأربعاء الـ29 من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، المصادقة النهائية على مشروع "قانون دعم الإيرانيين في الخارج"، بأنها خطوة تاريخية، زاعماً أن الهدف الرئيس من هذا القانون هو تسهيل عودة الإيرانيين إلى أرض الوطن.
وعلى رغم حديث وزارة العدل الإيرانية عن تحول كبير في القوانين الخاصة بدعم الإيرانيين المقيمين في الخارج، تشير تجارب العقود الماضية إلى أن مثل هذه الوعود التي تكررت مراراً من قبل تحولت عملياً إلى فخ جديد للإيرانيين مزدوجي الجنسية أو المعارضين، بهدف اعتقالهم وممارسة الضغط عليهم واستغلالهم في عمليات احتجاز ذات طابع سياسي.
وقال جلاليان إنه "كل إيراني، في أي مكان في العالم، إذا كان يرغب في العودة إلى بلده، فالأوضاع مهيأة لذلك ولا يوجد أي عائق أمامه".
وأكد أن القانون الجديد يلزم جميع الممثليات الدبلوماسية الإيرانية حول العالم بتسهيل إجراءات إصدار جوازات السفر للإيرانيين المقيمين في الخارج، مشيراً إلى أن في بعض الحالات الخاصة مثل أبناء الأمهات الإيرانيات، يمكن إصدار جواز السفر دون الحاجة إلى موافقة الأب.
وأشار المسؤول الإيراني إلى تعديل المادة 989 من القانون المدني، موضحاً أن من أبرز بنود القانون الجديد إلغاء العقوبة المفروضة على الخروج غير القانوني من البلاد، مضيفاً أنه "كل من غادر الحدود بطرق غير مشروعة قبل دخول هذا القانون حيز التنفيذ، لن يكون عرضة للسجن أو الغرامة المالية، وسيتمكن من العودة إلى الوطن دون قلق".
وأوضح جلاليان أن وزارة الخارجية الإيرانية أنشأت نظاماً إلكترونياً لتسجيل تقييمات الأجهزة الأمنية والقضائية والاستخباراتية في شأن كل فرد، بحيث يتمكن من العودة إلى البلاد بحرية إذا لم يكن اسمه مدرجاً في قوائم المطلوبين أو من لديهم شكاوى خاصة.
ومع ذلك، أشار مساعد وزير العدل إلى أوضاع اللاجئين السياسيين قائلاً إنه "قد يكون بعض غادر البلاد لأسباب سياسية، ومن الطبيعي أن يتمكن من العودة متى شاء، لكن إذا ارتكب جريمة فلا ينبغي أن يفلت من العقاب، التزاماً بمبدأ مكافحة الإفلات من العقوبة".

النظام الإيراني يستغل مزدوجي الجنسية في لعبة جني الأموال

تبدو هذه التصريحات، في ظاهرها، محاولة لتقديم صورة ناعمة عن السلطة في إيران، إلا أن سجل النظام الإيراني في التعامل مع المهاجرين العائدين ومزدوجي الجنسية يكشف عكس ذلك تماماً.
تجارب آلاف الإيرانيين الذين عادوا إلى البلاد خلال الأعوام الماضية بعد الاطمئنان إلى وعود مشابهة، وانتهى بهم الأمر معتقلين فور وصولهم إلى المطار، تعد دليلاً واضحاً على زيف هذه الادعاءات. ومن بين هؤلاء الصحافي رضا ولي ‌زادة الذي كان يعمل لموقع "راديو فردا". ولي زادة، مواطن إيراني حاصل على الجنسية الأميركية، عاد إلى إيران صيف 2024 لزيارة عائلته، فاعتقل في المطار وصدر بحقه لاحقاً حكم بالسجن 10 أعوام.
كثير من هذه الاعتقالات تحول لاحقاً إلى أدوات في صفقات دبلوماسية ومفاوضات تبادل سجناء بين طهران والدول الغربية، وهي سياسة تتكرر بصورة واضحة خلال الأعوام الأخيرة. فخلال سبتمبر (أيلول) 2023، أفرجت إيران بوساطة قطر عن عدد من الأميركيين الإيرانيين، تزامناً مع سماح واشنطن بتحويل نحو 6 مليارات دولار من الأرصدة الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية إلى حسابات في قطر.
وعلى رغم إعلان إدارة الرئيس جو بايدن آنذاك أن الخطوة جاءت لـتحرير أشخاص، فإن وسائل الإعلام والمراقبين الدوليين وصفوها بأنها مثال جديد على دبلوماسية الرهائن التي تنتهجها طهران.
النمط ذاته تكرر سابقاً في قضية مراسل صحيفة "واشنطن بوست" جيسون رضائيان، الذي أطلق سراحه خلال يناير (كانون الثاني) 2016 تزامناً مع تنفيذ الاتفاق النووي وتحويل مليارات الدولارات نقداً إلى إيران. وخلال عام 2021، أفرج عن نازنين زاغري بعد تسوية بريطانيا ديناً قديماً لطهران يتعلق بعقد بيع دبابات "تشيفتن"، بلغت قيمته الرسمية 394 مليون جنيه استرليني.
سياسة احتجاز الرهائن التي ينتهجها النظام الإيراني ليست مقتصرة على مزدوجي الجنسية فحسب. فخلال الأعوام الأخيرة، استهدف هذا الأسلوب أيضاً السياح الأجانب. من أحدث الأمثلة على ذلك اعتقال لينار مونترلوس الدراجة الفرنسية - الألمانية، التي اختفت أثناء زيارتها لإيران خلال يونيو (حزيران) 2025، ولم تتلق عائلتها أية معلومات رسمية في شأن مكان احتجازها أو وضعها الصحي. وفي نهاية المطاف، وبعد مطالب متكررة من وزارتي خارجية فرنسا وألمانيا ومفاوضات مستمرة، أعلن وزير خارجية فرنسا جان نويل بارو خلال الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري إطلاق سراح لينار مونترلوس وعودتها إلى فرنسا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تحذيرات أوروبية مستمرة في شأن السفر إلى إيران

خلال العام الماضي، وجهت وزارات خارجية عدد من الدول الأوروبية، منها بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وكندا والسويد وهولندا، وأكثر من 10 دول أخرى، تحذيرات لمواطنيها بعدم السفر إلى إيران، نظراً إلى الخطر الجدي المتمثل في الاعتقالات التعسفية والحبس الطويل في إيران.
وضمن قرار صدر عن البرلمان الأوروبي خلال الـ23 من يناير 2025، دان بشدة سياسة احتجاز الرهائن التي ينتهجها النظام الإيراني، وطالب بالإفراج الفوري عن جميع مواطني الاتحاد الأوروبي، من بينهم أحمد رضا جلالي وسيسيل كوهلر وجاك باريس وأوليفييه غروندو. وطالب القرار مجلس أوروبا بإدراج "الحرس الثوري" ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، وتوسيع العقوبات ضد المرشد علي خامنئي ورئيس السلطة القضائية غلام حسين محسني إجئي، وغيرهما من كبار المسؤولين في النظام الإيراني.
هذا ومن منظور النقاد والمنظمات الحقوقية، يشكل هذا النمط المتكرر من الاعتقال والاستجواب وانتزاع الاعترافات والتبادل نموذجاً واضحاً للاحتجاز السياسي الرسمي. وأكدت منظمات دولية مثل "العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش" ضمن تقارير منفصلة أن النظام الإيراني يستغل مزدوجي الجنسية والأجانب لممارسة ضغوط سياسية ومالية على الدول الغربية.
وأشار ناشطون حقوقيون وعائلات سجناء في إيران إلى غياب أية إجراءات قضائية شفافة، إذ تصدر عدد من الأحكام الأمنية داخل محاكم سرية وغير علنية.
والآن، بينما يعيد مسؤولو النظام الإيراني الحديث عن "الأحضان المفتوحة للوطن الأم"، تكشف الحقائق أن العودة إلى إيران بالنسبة إلى كثير من الإيرانيين المهاجرين أو المعارضين ليست رحلة آمنة، بل بداية لمغامرة محفوفة بالأخطار.
ويعتقد النقاد أنه ما لم يعترف النظام الإيراني فعلياً بالاعتقالات السياسية كأداة ضغط دبلوماسي وأن يقر بمبدأ ازدواجية الجنسية، فلن تضمن أية منظومة تسهيل التنقل أو قانون دعم عودة آمنة، وستظل وعود المسؤولين الإيرانيين مجرد تكرار لرواية قديمة تتزين بالوعود الجميلة على الورق، لكنها في الواقع بوابة إلى السجون الأمنية.

نقلاً عن "اندبندنت فارسية"

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير