ملخص
إن السعي المحموم وراء تعظيم حضور أميركا كقوة اقتصادية ضاربة وعدم السماح بظهور منافسين لا سيما الصين يكاد يخل بمعايير الحقائق المتعلقة بالكوكب الأزرق، الذي يكاد ينفجر بمن عليه.
في أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي، قرر الرئيس الأميركي دونالد ترمب التقليل من أهمية الأبحاث المرتبطة بقضايا تغير المناخ، أو حذفها بالكامل، مما أثار مخاوف من حملة أوسع نطاقاً لقمع النقاش، مع عواقب وخيمة على البحث العلمي.
هل أنهى دونالد ترمب، في الأقل في الداخل الأميركي، سردية كأس المناخ المقدسة التي يجمع العالم برمته على أنها تمثل إشكالية حقيقية تواجه البشرية، لا سيما بعدما تغيرت الأوضاع من عند حال الاحتباس الحراري وصولاً إلى ما أطلق عليه أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، حال الغليان؟
الثابت أنه طالما نظر العالم إلى قضية التغير المناخي على أنها الكأس المقدسة، أي الغرض الذي يسعى الجميع في طريقه لارتباطه بسر الكون المناخي، لكن الوحيد الذي لا يرى ذلك هو الرئيس ترمب، وعلاقته هذه في واقع الأمر ليست حديثة العهد، فقد سارع الرجل عام 2017 بخروج الولايات المتحدة من "اتفاق باريس" للمناخ، مما عالجه خلفه جو بايدن، ولكن ها هو من جديد، وبمجرد دخوله البيت الأبيض، يصدر أمراً تنفيذياً بالتحلل من الاتفاق.
يبدو الداخل الأميركي في حال من الرفض لتوجهات الرئيس ترمب، لا سيما مجتمع العلماء، أولئك الذين اكتشفوا في الأسابيع القليلة الماضية ما يمكن أن يعد فضيحة أخلاقية وعلمية جرت بها المقادير من خلال تقرير صدر عن وكالة الطاقة الأميركية، وجاء به خمسة من الباحثين المهمشين بهدف لا يغيب عن أعين الراسخين في العلم الإيكولوجي، وهو تحدي الإجماع الدولي في شأن أزمة الاحتباس الحراري المطبق على رقبة بشريتنا القلقة من مفاعيل الطبيعة.
ولعل سيد البيت الأبيض قد وجد دعماً كبيراً في شخص وزير الطاقة كريس رايت، الذي يزعم بدوره أن علم المناخ ضحية لثقافة الإلغاء، حيث يتم قمع النقاش العلمي، ويجري تعزيز الادعاءات المثيرة للقلق، بينما يتم دفن الحقيقة من قبل الباحثين الحزبيين والفاسدين، على حد وصفه.
ماذا عن هذا التقرير المثير والخطر لوزارة الطاقة؟ ولماذا يجابه بحال من الرفض المصحوب بالقلق الشديد من العلماء في الداخل الأميركي؟ وهل كراهية ترمب لعالم الطاقة النظيفة، لا سيما بعدما ألغى أخيراً أكبر مشروع للطاقة الشمسية في أميركا والعالم، وعودته إلى دعم صناعة الفحم والطاقة الناجمة عنها، يمكن أن يعرض الولايات المتحدة عينها، قبل بقية العالم، لحال من حالات غضب الطبيعة التي تتهيأ بالفعل لمهاجمة البر والبحر والجو في داخل الإطار الجغرافي للإمبراطورية المنفلتة؟ وهل يجد ترمب أنصاراً له من بين عصبة المناهضين لفكرة التغيرات المناخية في قادم الأيام، وبزيادة مضطردة؟
تغيرات صادمة
قبل أن ينتهي عام 2024، كان تقرير للأمم المتحدة يفيد بأن سياسات المناخ الحالية ستؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية بأكثر من ثلاث درجات مئوية (5.4 درجة فهرنهيت)، وذلك بحلول نهاية القرن، مما يزيد على ضعف الارتفاع المتفق عليه قبل نحو عقد من الزمان.
وجد تقرير فجوة الانبعاثات السنوي، الذي يقيم وعود البلدان بمعالجة تغير المناخ مقارنة بما هو مطلوب، أن العالم يواجه مرحلة من الاحترار فوق مستويات ما قبل الصناعة بحلول عام 2100، إذا لم تتخذ الحكومات إجراءات أكبر لخفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري.
والمعروف أنه في عام 2015، وقعت الحكومات على "اتفاق باريس" للمناخ، وحددت سقفاً للاحتباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية (2.7 فهرنهيت) لمنع سلسلة التأثيرات الخطرة.
على هامش صدور هذا التقرير، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "نحن نتأرجح على حبل كوكبي مشدود، إما أن يسد القادة فجوة الانبعاثات، أو نغرق في كارثة مناخية".
والمعروف أن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمية بنسبة 1.3 في المئة بين عامي 2022 و2023، ارتفعت إلى مستوى جديد يبلغ 57.1 غيغا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، بحسب التقرير.
قبل هذا التقرير، وفي مارس (آذار) الماضي، خلص تقرير حال المناخ العالمي الصادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى أن عام 2024 كان في الأرجح أول عام تتجاوز فيه درجة حرارة سطح الأرض 1.5 درجة مئوية عن معدل ما قبل الصناعة، مما يجعله العام الأكثر حرارة في سجل الرصد الذي يمتد على مدار 175 عاماً.
هذا التقرير أشار إلى أن تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بلغ أعلى مستوياته في الـ800 ألف عام الماضية، مؤكداً أن "كل عام من الأعوام الـ10 الماضية كان على حدة بين أكثر من 10 أعوام دفئاً على الإطلاق، كذلك فإن كل عام من الأعوام الثمانية الماضية سجل رقماً قياسياً جديداً لحرارة المحيطات".
التقرير عينه أكد أن معدل ارتفاع مستوى سطح البحر تضاعف، وتشير توقعات المناخ إلى أن ارتفاع درجة حرارة المحيطات سيستمر حتى نهاية القرن الـ21 في الأقل، حتى في ظل سيناريوهات انبعاثات الكربون المنخفضة.
ووفقاً للتقرير، فإن درجة الحرارة العالمية القياسية التي سجلت عام 2023، وتحطمت عام 2024، تعود بصورة رئيسة إلى الارتفاع المستمر في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، إلى جانب التحول من ظاهرة "النينا" الباردة إلى ظاهرة "النينو" الدافئة.
أما الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية سيليست ساولو فقد رأت أن "ارتفاع درجة الحرارة أكثر من 1.5 درجة مئوية لمدة عام واحد، جرس إنذار بأننا نزيد من الأخطار على حياتنا واقتصاداتنا وكوكبنا".
والشاهد أن هذه البيانات لم تكن لتغيب عن أعين العناصر الفاعلة في حملة ترمب، ناهيك عن الذين يرسمون خطوط إدارته قبل الدخول إلى البيت الأبيض، لكن السيد الجديد كان قد وقر في يقينه العودة إلى سيرته المناخية الأولى.
انسحاب وكراهية
في أول يوم له بعد عودته إلى منصبه رئيساً للولايات المتحدة، أعلن دونالد ترمب رسمياً انسحاب بلاده من "الاتفاق العالمي" للمناخ، وهو معاهدة دولية حيوية تسعى إلى الحد من تغير المناخ.
قبل التوقيع على الأمر التنفيذي، أعلن ترمب أسبابه أمام ساحة من المؤيدين المبتهجين، ووصف الاتفاق العالمي بأنه "نسخة غير عادلة من جانب واحد من (اتفاق باريس) للمناخ".
ويعن لنا أن نتساءل "هل هذا الانسحاب يختلف عن الانسحاب السابق في ولايته الأولى؟".
المؤكد أنه في المرة السالفة، لم تنسحب الولايات المتحدة من "اتفاق باريس" إلا لأربعة أشهر، نظراً إلى الوقت الذي استغرقه الانسحاب ليدخل حيز التنفيذ، ثم عاد الرئيس جو بايدن للانضمام إلى الاتفاق في أوائل عام 2021.
غير أنه هذه المرة سيصبح الانسحاب رسمياً بصورة أسرع، وبذلك تنضم الولايات المتحدة إلى إيران وليبيا واليمن، الدول الوحيدة غير الموقعة على الاتفاق في الأمم المتحدة.
إضافة إلى بدء عملية انسحاب الولايات المتحدة من "اتفاق باريس"، يسعى الأمر التنفيذي إلى "وضع أميركا أولاً في الاتفاقات البيئية الدولية"، والحد من إسهامات الولايات المتحدة المالية للدول الأخرى في جهود التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه عالمياً.
كان الأمر التنفيذي هذا واحداً من أوامر تنفيذية عدة صدرت في الـ20 من يناير (كانون الثاني)، وقد تؤثر في قوانين وسياسات تغير المناخ في الولايات المتحدة وخارجها، كما حدد إعلان الرئيس ترمب نيته الانسحاب من "اتفاق باريس" مبادرته الأوسع نطاقاً "لجعل أميركا أكثر اقتصاداً وهيمنة على الطاقة من جديد"، بما في ذلك "مراجعة جميع اللوائح التي تفرض أعباء غير مبررة على إنتاج الطاقة واستخدامها، بهدف إلغائها".
وعلى رغم القلق الشديد الذي تسبب فيه أمر ترمب التنفيذي، فإن أصواتاً رأت فيه فرصة لإفساح الطريق لبقية الأطراف الأممية الأخرى في "اتفاق باريس" لإحراز تقدم في مفاوضات المناخ العالمية، لا سيما أنه لا يبدو في هذه المرحلة أن هناك دولاً أخرى سوف تسعى سعي ترمب إلى الانسحاب من الاتفاق".
غير أن الخطوات التالية التي اتخذها سيد البيت الأبيض، لا سيما على صعيد فعاليات مؤسسات المناخ، والعودة إلى الطاقة الأحفورية الكربونية تحديداً، إلى جانب كراهيته للطاقة النظيفة، تستدعي، من دون أدنى شك، قلقاً عالمياً حقيقياً، فماذا عن ذلك؟
تفكيك المؤسسات
بعد الانسحاب المباشر من "اتفاق باريس"، أصدر الرئيس ترمب أمراً تنفيذياً يهدف إلى تفكيك كثير من الإجراءات الرئيسة التي اتخذت على المستوى الفيدرالي لمعالجة تغير المناخ، ويتضمن الأمر المعنون بـ"تعزيز استقلال الطاقة والنمو الاقتصادي" كثيراً من العناصر، منها:
خطة الطاقة النظيفة: يوجه الأمر وكالة حماية البيئة (EPA) بمراجعة خطة الطاقة النظيفة فوراً، التي وضعت حدوداً لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون (CO2) لمحطات الطاقة الحالية التي تعمل بالوقود الأحفوري، وإذا لزم الأمر بإصدار لائحة جديدة للإشعار وتعليق الخطة أو مراجعتها أو إلغائها، كما يوجه الأمر المدعي العام بطلب إيقاف الدعوى القضائية المتعلقة بخطة الطاقة النظيفة، ريثما تعيد وكالة حماية البيئة النظر في اللائحة.
معايير الانبعاثات لمحطات الطاقة الجديدة: يوجه الأمر أيضاً وكالة حماية البيئة الأميركية بمراجعة معايير الانبعاثات لمحطات الطاقة الجديدة التي تعمل بالفحم، وإلغاء أو إعادة صياغة تلك القاعدة إذا كان ذلك مناسباً.
لوائح الميثان: يدعو الأمر إلى مراجعة وإمكانية إلغاء كثير من اللوائح التي تهدف إلى خفض انبعاثات الميثان من عمليات النفط والغاز، بما في ذلك معايير أداء المصدر الجديد لوكالة حماية البيئة لقطاع النفط والغاز، وقاعدة نفايات الميثان.
الكلفة الاجتماعية للكربون والميثان وأكسيد النيتروز: يلغي الأمر التنفيذي مجموعة العمل المشتركة بين الوكالات المعنية بالكلفة الاجتماعية للكربون، ويلغي التقديرات الفيدرالية للكلفة الاجتماعية للكربون والميثان وأكسيد النيتروز.
هل تعني تلك الإجراءات، وغيرها كثير، أن الرئيس ترمب يمضي في طريق مضاد لفكرة وجود أزمة مناخية عالمية، وأن الولايات المتحدة، عوضاً عن إمكان إسهامها في التخفيف من وطأة الأزمة، تعمل على تعميقها؟
ربما يتضح ملياً ما ستقود إليه قرارات وتوجهات الرئيس ترمب على صعيد الأزمة الإيكولوجية الكونية عبر النظر إلى بعض الإجراءات التي أقدم عليها بالفعل، سواء على الصعيد الأدبي، الفكري الدعائي، أو من ناحية المستوى الإجرائي العملياتي.
كلمات محظورة
في الأيام الأخيرة من سبتمبر الماضي، أضافت وزارة الطاقة الأميركية عبارات "تغير المناخ" و"الأخضر" و"إزالة الكربون" إلى "قائمة الكلمات التي يجب تجنبها" في مكتب كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة، بحسب رسالة إلكترونية حصلت مجلة "بولتيكو" الشهيرة على نسخة منها.
وتشكل الكلمات الواردة في قائمة وزارة الطاقة جوهر مهمة شركة "EERE"، فهي أكبر مستثمر حكومي في التقنيات التي تساعد على تقليل الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، التي تسبب تغير المناخ، إضافة إلى التلوث الخطر الناجم عن الوقود الأحفوري، وتعد هذه الخطوة الأحدث في سلسلة من جهود إدارة ترمب الرامية إلى دحض حقائق تغير المناخ أو إسكاتها أو التقليل من شأنها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تنطبق هذه التعليمات على كل من الاتصالات العامة والداخلية، وتغطي وثائق مثل طلبات المعلومات الخاصة بفرص التمويل الفيدرالي والتقارير والإحاطات.
إضافة إلى مصطلحي "تغير المناخ" و"الأخضر"، تمنع هيئة الطاقة والبيئة المسؤولين من استخدام مصطلح "الانبعاثات" لتجنب الإشارة إلى أنها سلبية.
وتشمل المصطلحات الأخرى التي يتعين على المسؤولين التخلص منها "التحول في مجال الطاقة"، و"الاستدامة"، و"الطاقة النظيفة" أو "القذرة"، و"بصمة الكربون/ ثاني أكسيد الكربون"، و"الإعفاءات الضريبية/ الانتماءات الضريبية/ الإعانات".
هذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها إدارة ترمب تقييد الكلمات التي تستخدمها وزارة الطاقة، فمباشرة بعد تولي ترمب منصبه في يناير الماضي، تم حذف كثير من حالات استخدام مصطلح "تغير المناخ" من موقع الوزارة الإلكتروني.
هل توقف المشهد الترمبي المتنازع والمتسارع مع حال المناخ العالمي عند الحدود الأدبية والمصطلحات اللغوية، أم أن هناك إجراءات عملية على الأرض تعزز التوجه المضاد؟
حقول الفحم
في الأيام الأولى من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، أشار مسؤولون في واشنطن إلى أن إدارة الرئيس ترمب ستوسع نطاق تأجير مناجم الفحم على الأراضي الفيدرالية، وستقدم مئات الملايين من الدولارات لدعم مزيد من توليد الطاقة التي تعمل بالفحم.
تشكل الخطة جزءاً من جهد أوسع نطاقاً تبذله الإدارة الأميركية الحالية لعكس اتجاه تراجع استخدام الفحم في الولايات المتحدة، وهو الوقود الأحفوري الذي تضرر بشدة بسبب التنظيم البيئي والمنافسة مع الغاز الطبيعي في الأعوام الأخيرة.
في مؤتمر صحافي عقد في واشنطن، صرح وزير الداخلية دوغ يورغوم بأن وزارته ستخصص 13.1 مليون فدان من الأراضي الفيدرالية لتأجير الفحم، وتتجاوز المساحة المتاحة في ولايات داكوتا الشمالية ومونتانا ووايومنغ ثلاثة أضعاف المساحة المخصصة لقانون التمويل الضخم الذي أصدره ترمب.
والمعروف أن الرئيس جو بايدن كان قد أوقف تأجير الفحم على الأراضي الفيدرالية، وكان آخر مزاد لحقوق التأجير في يناير 2021، قبل توليه منصبه مباشرة.
وفي الوقت نفسه، أعلنت وزارة الطاقة أنها ستوفر 625 مليون دولار من الأموال لتوسيع نطاق توليد الطاقة باستخدام الفحم.
وفي تصريح لا تنقصه الصراحة أو يعوزه الوضوح، قال مدير وكالة حماية البيئة لي زيلين إن وكالته ستمنح محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم مزيداً من الوقت للامتثال إلى اللوائح الخاصة برماد الفحم الذي يحوي ملوثات، بما في ذلك الزئبق والكادميوم والزرنيخ، ويجب التخلص منه بعناية.
هل كان الرئيس ترمب بذلك يعزف على أوتار عمال المناجم، أم رفضاً منه لفكرة التغير المناخي؟
ربما الأمران معاً، لا سيما أن الحديث عن مزيد من المساحات المتاحة للفحم الكربوني يعني بصورة مباشرة مزيداً من تعزيز الاقتصاد الأميركي وخلق فرص عمل.
أما وزير الطاقة الأميركي كريس رايت فأعلن من جانبه أنه يتوقع أن تؤجل معظم محطات الطاقة التي تعمل بالفحم في البلاد تقاعدها للمساعدة في توفير الكهرباء اللازمة لتغذية الذكاء الاصطناعي.
والشهر الماضي، مدد رايت أمر الطوارئ الخاص بإبقاء محطة توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم في ميشيغان قيد التشغيل، على رغم أن مشغل المحطة كان يخطط لإغلاقها بصورة دائمة لأسباب اقتصادية.
هل مضى ترمب في طريق أكثر خطورة في مواجهة التغيرات المناخية؟
أكبر المشاريع
باختصار غير مخل، صحا الأميركيون في منتصف أكتوبر الماضي على قرار أثار القلق لدى الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، ويتعلق بإلغاء أكبر مشروع للطاقة الشمسية.
تعرف مجموعة مشاريع الطاقة الشمسية السبعة في ريف ولاية نيفادا باسم "أوميرالد"، وكان من المقرر أن تولد ما يصل إلى 6.2 غيغاواط من الطاقة عند اكتمالها، أي ما يكفي لتزويد مليوني منزل بالطاقة، وتعد هذه كمية هائلة من الطاقة تضاف إلى شبكة كهربائية في أمس الحاجة إليها، نظراً إلى الطلب المتزايد من مراكز البيانات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي والحاجات السكنية المتزايدة.
في عهد الرئيس السابق جو بايدن، كانت الحكومة تمرر المشروع المترامي الأطراف عبر إجراءات الحصول على التصاريح الفيدرالية كمقترح واحد، وكان المطورون قد خططوا لاستخدام 118 ألف فدان من الأراضي الفيدرالية في صحراء نيفادا كموطن لألواح الطاقة الشمسية والبطاريات لتخزين طاقة الشمس.
لكن بحلول الـ14 من أكتوبر غير مكتب إدارة الأراضي التابع لوزارة الداخلية حال المشروع إلى "مُلغى" على صفحته الإلكترونية المخصصة للتصاريح الفيدرالية، وصرح متحدث باسم الوزارة بأن تغيير الحال لا علاقة له بالإغلاق الحكومي المستمر، وأن مطوري المشروع والحكومة الفيدرالية اتفقا على "تغيير منهجهم" في إطار "محادثات روتينية" حول المشروع.
هل السبب الرئيس في هذا القرار هو كراهية الرئيس ترمب لفكرة الطاقة النظيفة، حتى لو جعل الأمر على هذا النحو الولايات المتحدة متخلفة عن بقية العالم؟
عند كبير المفاوضين في شأن المناخ بالولايات المتحدة خلال فترة ولاية ترمب الأولى كيم كارناهان، أن الوضع الآن في الولاية الثانية يشهد تركيزاً على التفكيك بدلاً من البناء في الداخل الأميركي، وإن كان من الصعب ملاحظة ذلك، ويضيف "لسنا حاضرين في قضية عالمية كبرى، ونتنازل عن هذه المساحة لمنافسينا، وهو أمر ليس في صالح الولايات المتحدة".
هل يقودنا هذا التوجه إلى النقطة مركز الموضوع الرئيس في هذا الطرح؟
التقرير الخفي
في الأسبوع الأخير من سبتمبر الماضي أسفر الحديث في الداخل الأميركي عن قيام وزارة الطاقة بإخفاء الحقائق الكاملة عن التغيرات المناخية عن عموم المواطنين، وذلك عبر مناورة لا أخلاقية قام فيها البيت الأبيض بتجنيد خمسة باحثين، وصفتهم مجلة "بولتيكو" الأميركية بأنهم مهمشون، فيما مهمتهم الحقيقية هي إظهار نوع من أنواع التحدي للإجماع الدولي الذي ينذر ويحذر من أزمة الاحتباس الحراري.
كانت القصة مثار ومدار أحاديث عدد كبير من وسائل الإعلام الأميركية، المنطلقة من عند تصريحات وزير الطاقة عينه كريس رايت، الذي يزعم أن علم المناخ ضحية لثقافة الإلغاء، وأنه يتم تعزيز الادعاءات المثيرة للقلق، ودفن الحقيقة من قبل الباحثين الحزبيين والفاشيين، على حد تعبيره.
القصة باختصار غير مخل تدور حول مراجعة لأوضاع المناخ العالمي كلفها رايت، وخلصت إلى أن "تغير المناخ يشكل تحدياً وليس كارثة".
والتقرير الذي يقع في 141 صفحة، جاء في غالب الظن لدعم حجج ترمب الداعية إلى إلغاء القواعد التي تحد من التلوث المسبب للاحتباس الحراري الناجم عن عوادم السيارات ومحطات الطاقة والمصانع.
والنتيجة النهائية هي تقرير يروج لأفكار تتعارض بصورة صارخة مع الغالبية العظمى من الأدلة العلمية، ومؤلفوه هم جون كريستي وجوديث كاري وستيفن كونين وروسماكيتريك وروي سبنسر.
يعرف هؤلاء بأنهم من الباحثين المهمشين والمعارضين البارزين لتغير المناخ، وما جاء في تقريرهم يتناقض بصورة صارخة مع عقود من التقييمات التي نشرتها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة، وهي السلطة الأبرز في العالم في مجال البحوث المتعلقة بظاهرة الاحتباس الحراري على كوكب الأرض.
هل جاء هذا التقرير مصمماً بصورة خاصة لتعميق حال التضليل حول شؤون وشجون المناخ حول العالم؟
هذا ما تقوله مجلة "بولتيكو" في تقرير مطول لها، وفيه أن التقرير يستشهد بمصدر مفاجئ غير موثوق يرى أن تغير المناخ ليس خطراً كما يقول العلماء، لا سيما اللجنة الدولية للتغيرات المناخية نفسها.
لنأخذ الأعاصير كمثال، يشير مؤلفو وزارة الطاقة إلى عدم وجود بيانات كافية لاستخلاص استنتاجات حول آثار تغير المناخ على شدة العواصف، كذلك فإن هناك ثقة منخفضة في معظم الاتجاهات الطويلة الأجل المُبلغ عنها، وذلك بسبب التغيرات في التكنولوجيا المستخدمة لجمع البيانات الأكثر دقة، ويغفلون وجود صلة بين ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية من جانب، والعواصف الشديدة من جانب آخر.
هل كان لمثل هذا التقرير المطول وما جاء فيه أن يمر مرور الكرام على علماء الداخل الأميركي؟
قلق العلماء
المقطوع به أن التقرير المشار إليه، الذي جاء تحت عنوان "المراجعة النقدية لتأثيرات انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري على مناخ الولايات المتحدة"، لاقى إدانة شديدة من المجتمع العلمي ودعوى قضائية تتهم إدارة ترمب بتنفيذ "خطة دبرت ونفذت سراً" لتقويض الإجماع العلمي.
من أهم الاستنتاجات المثيرة للجدل في التقرير، القول إن ثاني أكسيد الكربون يمارس تأثيراً دافئاً على المناخ والطقس، لكنه يضيف أن الأدلة تظهر أن السيناريوهات المتعلقة بالانبعاثات المستقبلية مبالغ فيها.
كتب المؤلفون أيضاً أن "النماذج والخبرة تشير إلى أن الاحتباس الحراري الناجم عن ثاني أكسيد الكربون قد يكون أقل ضرراً اقتصادياً مما يعتقد عادة، وأن سياسات التخفيف المفرط في العدوانية قد تثبت أنها أكثر ضرراً من نفعها".
وتساءل التقرير عما أطلق عليه "التوقعات المتطرفة لارتفاع مستوى سطح البحر العالمي"، مشيراً إلى أن هذه التوقعات "مرتبطة بسيناريو انبعاثات متطرفة غير معقول"، وقلل من وتيرة وشدة الجفاف في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم، لكن العلماء رفضوا هذا المسعى، قائلين إنه طريق ينتقي البيانات لدعم مبررات إدارة ترمب لتعزيز استخدام الوقود الأحفوري.
في هذا الصدد يرى مارك أليسي، وهو زميل علمي في اتحاد العلماء المعنيين، تعليقاً على توقيت تقرير وزارة الطاقة الأميركية الخاص بالمناخ، أن هذا العمل "مناهض للعلم بصورة صارخة".
هل من خلاصة؟
يبدو الإشكال في أن الأيديولوجية تكاد تطغى على الأبستمولوجيا، بمعنى أن الصراع البراغماتي القصير النظر والساعي وراء تعظيم حضور أميركا كقوة اقتصادية ضاربة، وعدم السماح بظهور منافسين أمميين في الطريق، لا سيما الصين، هذا الصراع يكاد يخل بمعايير الحقائق المتعلقة بالكوكب الأزرق، الذي يكاد ينفجر بمن عليه.
فهل سيمضي الرئيس الأميركي خلال بقية زمن ولايته في المسيرة نفسها؟ وهل ستعاني الجهود العالمية لإطفاء نيران الأرض المشتعلة غياب الدور الأميركي الكبير والفاعل والناجز؟ كثير من التساؤلات تبقى معلقة في رقبة سيد البيت الأبيض في فترته الرئاسية المتبقية، فيما النتيجة المؤكدة أن ترمب يرفض كأس المناخ غير المقدسة، في الأقل بالنسبة إليه.