Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التكامل الكهربائي العربي

كل التوقعات الحالية تشير إلى نمو كبير في الطلب خلال العقود المقبلة

بحسب الخطط الحالية فإن الربط الكهربائي العربي الكامل يتوقع أن يتم بحلول 2038 (أ ف ب)

ملخص

يمكن حدوث تبادل تجاري من طريق الربط الكهربائي، وإحداث "تكامل كهربائي عربي" يخدم المستهلك العربي.

تشير الأدلة التاريخية إلى فشل التعاون العربي في المشاريع التي تخدم المستهلك الأوروبي، بينما نجحت المشاريع التي تخدم المستهلك العربي نجاحاً كبيراً. ونظراً إلى وجود عجز في الكهرباء في عدد من الدول العربية وفائض في دول أخرى، فيمكن حدوث تبادل تجاري من طريق الربط الكهربائي، وإحداث "تكامل كهربائي عربي" يخدم المستهلك العربي. ونظراً إلى أن الطلب على الكهرباء سيزيد بصورة ضخمة خلال العقود المقبلة في كل الدول العربية، فهناك تطورات جديدة، بخاصة في مجال الطاقة النووية، تحتم الربط الكهربائي من جهة وتوسعة إمكانية الربط الموجود من جهة أخرى.

شهدت دول العالم العربي نمواً سريعاً في الطلب على الكهرباء نتيجة للزيادة السكانية والتوسع الاقتصادي والانتقال من الريف للمدن. ونتج من ارتفاع مستويات الدخول، بخاصة في الدول النفطية، ارتفاع مستويات الرفاه، والتي تتضمن زيادة الطلب على التبريد. وتشير البيانات إلى زيادة مطردة في الطلب على الكهرباء تراوحت ما بين خمسة في المئة وثمانية في المئة في العقود الأخيرة. ولعب الدعم الحكومي لأسعار الكهرباء وبرامج التنمية الاقتصادية، بخاصة المتركزة على صناعات مختلفة، في رفع الطلب على الكهرباء، لا سيما في دول الخليج. وتشير البيانات إلى تباطؤ نمو الكهرباء في الأعوام الـ10 الأخيرة في الوطن العربي لسببين مختلفين: الأول في الدول المستقرة سياسياً بسبب تحسن الكفاءة في الاستخدام والثاني في الدول غير المستقرة سياسياً والتي شهدت حروباً أو ذبذبات سياسية أسهمت في خفض الطاقة الإنتاجية للكهرباء، كما أنها خفضت الاستهلاك. إلا أن كل التوقعات الحالية تشير إلى نمو كبير في الطلب على الكهرباء في كل أنحاء الوطن العربي خلال العقود القادمة.

الربط الكهربائي

الربط الكهربائي هو نوع من التكامل الاقتصادي، ومنتشر عالمياً على نطاق واسع نظراً إلى فوائده المثيرة. نظرياً، الفكرة بسيطة: الدولة الغنية بالكهرباء عادة تكون كلفها منخفضة، تقوم بتصدير الكهرباء للدولة الفقيرة كهربائياً أو ذات الكلف المرتفعة، أو أن اختلاف الأوقات ودرجات الحرارة يؤديان إلى تبادل بين الدولتين. وهناك حالات تكون فيه أقاليم متطرفة جغرافياً فتعتمد على الكهرباء من الدول المجاورة. ولكن مع تطور أسواق الكهرباء وتعدد مصادرها، هناك إمكانية كبيرة للتجارة في الكهرباء بين الدول على مدار الساعة.

بدأ الربط الكهربائي بين بعض الدول العربية في الخمسينيات من القرن الماضي، ولكن تعزز في الأعوام الأخيرة لفوائده الكثيرة، والتي تعزز أمن الطاقة والتعاون الاقتصادي.

هناك فوائد مباشرة وغير مباشرة للربط الكهربائي، كما أن هناك فوائد فورية وفوائد على المدى البعيد. من أهم الفوائد المباشرة هو استغلال الفائض في دولة لتلبية الطلب وقت الذروة في دولة أخرى، مما يخفف من انقطاع الكهرباء من جهة، ويخفض كلفها أيضاً. كما يخفض من الضغط على الشبكة فيقلل من أعطالها وكلف إصلاحها. بعبارة أخرى، اختلاف أوقات الذروة يعني تخفيض كلف الكهرباء في البلدين، المصدر والمستورد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المشكلة في الطلب على الكهرباء أنه متقلب خلال اليوم ومتقلب فصلياً. ومن دون أي ربط كهربائي، يتطلب بناء محطات كهرباء لمقابلة وقت الذروة فحسب، وتبقى متوقفة غالب الوقت. وكمثال على ذلك، نظراً إلى أن شبكة الكهرباء في ولاية تكساس الأميركية مفصولة تماماً عن بقية الولايات، هناك محطات كهرباء غازية تعمل لأيام محدودة فقط في العام لمقابلة وقت الذروة أو عند الارتفاع الشديد للحرارة، وتبقى متوقفة طوال العام، ويجب دفع كلفها بالكامل، مع أنها لا تعمل. كان من الممكن توفير ملايين الدولارات من طريق الربط الكهربائي واستيراد الكهرباء من الولايات المجاورة بدلاً من بناء هذه المحطات. باختصار، الربط الكهربائي يخفض الكلف ويمنع هدر الاستثمارات في مشاريع فوائدها منخفضة جداً. ونظراً إلى أن قطاع الكهرباء يعتمد على التقنية وتتأثر الشبكة بالأحوال الجوية، من المعتاد أن يحصل انقطاع لأسباب فنية أو بسبب أحوال الطقس، ويمكن التعويض عن ذلك بكهرباء من الربط الكهربائي، ومن ثم لا تتوقف عجلة الحياة، خصوصاً في المصانع أو المرافق التي تحتاج إليها. وتشير بعض الدراسات إلى أن العائد الاستثماري على الربط الكهربائي منافس مقارنة بالعوائد في الصناعات الأخرى، ولكن إذا أضفنا الفوائد السياسية والاجتماعية، فإن العائد على الربط الكهربائي كبير. ولعل أهم الفوائد غير المباشرة هو الاستقرار السكاني، إذ إن توافر الكهرباء، بخاصة في الريف، يخفف من الهجرة للمدن، كما يخلق فرصاً وظيفية إذا أنشئت مصانع في المناطق الريفية.

دور الطاقة النووية

يتحدث البعض عن دور الطاقة المتجددة ودورها في الربط الكهربائي، خصوصاً بعد نجاح مشاريع الطاقة الشمسية في المغرب وتصدير الكهرباء لأوروبا بسبب وجود الربط الكهربائي. هذه المشاريع مدعومة بصورة كبيرة من الحكومات الأوروبية وقد لا تلعب دوراً كبيراً في التجارة البينية في العالم العربي، ولكن من المتوقع أن تلعب الطاقة النووية دوراً كبيراً في تجارة الكهرباء عربياً. غالب الدول العربية التي تعاني عجزاً في الكهرباء لا يمكن حل مشكلاتها حتى بعد أعوام من الآن، كما أنها لا تستطيع بناء محطات نووية لأسباب مالية وسياسية. ولكن يمكن مثلاً، للمستثمرين بناء محطات نووية صغيرة داخل الحدود السعودية وتصدير الكهرباء للدول التي تحتاج إليها، وهذا لا يتم إلا من طريق الربط الكهربائي.

حالياً، هناك ربط خليجي منذ 2009 بين دول مجلس التعاون الخليجي، وهناك ربط بين مصر وليبيا، ومصر والسودان، ومصر والأردن، وهناك ربط بين تونس وليبيا والجزائر والمغرب، وهناك ربط جزئي بين بعض دول الخليج والعراق، كما يرتبط الأردن كهربائياً بسوريا والعراق ومصر وفلسطين، وهناك محادثات لإتمام الربط الكهربائي مع السعودية. ومن المقرر أن يتم الربط الكهربائي بين مصر والسعودية خلال الأشهر المقبلة. وبحسب الخطط الحالية فإن الربط الكهربائي العربي الكامل يتوقع أن يتم بحلول 2038. وتشير عديد من الدراسات المتخصصة في مجال التكامل العربي الكهربائي إلى أن أهم العوائق في وجهة ربط كهربائي في أنحاء العالم العربي سياسية.

على رغم التطورات الإيجابية الأخيرة في مجالات الربط الكهربائي العربي، فإنها متأخرة، وما تبقى من ربط أو توسيع لعمليات الربط يتم ببطء، والتجارة البينية في الكهرباء لا تزال بسيطة، هذا ليس في مصلحة أحد، بخاصة أن دولاً عربية عدة تعاني شحاً كبيراً في الكهرباء. عمليات الربط هذه تمكن المستثمرين من الاستثمار في محطات كهربائية يمكنها بيع الكهرباء لأي بلد عربي عبر شبكة تربط العالم العربي كله. وجود الربط الكامل يجعل مشاريع مكلفة مثل مشاريع الطاقة النووية في بعض البلاد أكثر جدوى. المستقبل مرتبط بالذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات، وهذه تحتاج كميات هائلة من الكهرباء. هذا يتطلب محطات كهرباء إضافية من جهة وربطاً كهربائياً من جهة أخرى.

المشكلة كما أراها أن العالم العربي مقسوم إلى جزأين، جزء غني بالكهرباء وجزء فقير بها. ولا يمكن تحقيق تنمية اقتصادية من دون توافر كامل للكهرباء. لهذا فإن الفجوة بين الفريقين تزداد، وموضوع الذكاء الاصطناعي في مراكز البيانات سيزيد من هذه الفجوة، بالتالي فإن العالم العربي سينقسم إلى قسمين، والفارق بينهما كبير، وستكون لهذا الانقسام آثار اقتصادية واجتماعية وسياسية سلبية على الجميع. الربط الكهربائي سيخفف من هذه الآثار السلبية، لهذا يجب الإسراع في إنهائه.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء