Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الخرطوم تعيش أطلالا من الذكريات ومحاولات للنهوض

النازحون العائدون يقاومون التحديات باستعادة الأنشطة وجهود خجولة من السلطات بسبب نقص الموارد

الحياة بدأت تدب في الخرطوم بصورة معقولة (اندبندنت عربية- محمد جادين)

ملخص

"الخرطوم الآن تحاول لملمة أطرافها على رغم التحديات، حيث إن شوارعها يخيم عليها الظلام، إلا القليل منها وبعض المنازل التي تمت إنارتها بواسطة الطاقة الشمسية وهي مسألة مكلفة للغاية، وبخاصة أن الغالبية أفقرتهم الحرب".

خلال وقت تشهد العاصمة الخرطوم حالاً من الهدوء والاستقرار النسبيين عقب توقف صوت الرصاص في أعقاب سيطرة الجيش السوداني عليها بالكامل من قبضة "الدعم السريع" خلال مارس (آذار) الماضي، تجري محاولات حثيثة للملمة شتاتها، كونها كانت مركزاً للمال والاقتصاد والكثافة السكانية، ومقار الدولة والمرافق الصحية الكبرى والجامعات العريقة والمعاهد العليا.

تحولت الخرطوم منذ اندلاع الشرارة الأولى للحرب إلى أطلال للذكريات بسبب الخراب الذي طاول كل أوجه الحياة فيها، لكن سكانها في المدن الثلاث، الخرطوم وبحري وأم درمان، يحاولون مقاومة التحديات الماثلة من خلال استعادة أنشطتهم المعتادة وبعض الجهود الخجولة من قبل السلطات بسبب نقص الموارد، على رغم شوارعها المظلمة والممتلئة بركام مخلفات الحرب ومعالمها المندثرة، فضلاً عن منازلها المهجورة وانتشار الأمراض والأوبئة وغيرها.

فهل تنجح العاصمة في استعادة الحياة بعدما ابتعدت من واقع الصراع المسلح؟

مشاهد مألوفة

أحمد عبدالرزاق أحد المواطنين في ضاحية المجاهدين جنوب الخرطوم يقول "من المعلوم أن سكان مدينة الخرطوم قبل أن تتحول إلى ساحة قتال اعتادوا على مشاهد كانت مألوفة لهم، تمثلت في سماع صوت الطائرات عند الهبوط والإقلاع من المطار، فضلاً عن ضجيج وصخب السوق المركزية التي يعج بالحركة صباحاً وخلال فترة الظهيرة، وصوت الباعة بمكبرات الصوت على امتداد السوق حتى تحت نفق جسر السوق المركزية التي تقف شاهدة على حركة التجارة الهامشية بواسطة الباعة المتجولين حتى خلال فترة سيطرة "الدعم السريع" على العاصمة.

وأضاف "على رغم الظروف القاسية فإن الحياة بدأت تدب في الخرطوم بصورة معقولة، فمثلاً نجد أن الميناء البري الخاص بالسفريات إلى مدن البلاد المختلفة استعاد نشاطه كما كان قبل اندلاع الحرب، ونسمع صوت السماسرة وهم يطلقون الصيحات معلنين عن الحافلات المتوجهة إلى المدن خارج الخرطوم، لكن للأسف غابت النظافة التي كانت من أبرز سمات هذا المكان، حيث ما زالت مخلفات الحرب من القذائف والآليات العسكرية المدمرة تنتشر في أرجائه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع "الخرطوم الآن تحاول لملمة أطرافها على رغم التحديات، حيث إن شوارعها يخيم عليها الظلام، إلا القليل منها وبعض المنازل التي تمت إنارتها بواسطة الطاقة الشمسية وهي مسألة مكلفة للغاية، وبخاصة أن الغالبية أفقرتهم الحرب".

ومضى عبدالرزاق في القول "المواطنون الآن في ظل الظروف الاستثنائية يتساوون في حال الفقر، فالأموال لم تعد بأيديهم نظراً إلى توقف أعمالهم وتعرض محالهم التجارية للنهب والسرقة، فضلاً عن سلب مدخراتهم تحت تهديد السلاح، وبصورة عامة فإن سكان العاصمة منهم من اتخذ قرار العودة بصورة نهائية بعدما قضوا أكثر من عامين في رحلات نزوح، وبعضهم أجبرتهم وظائفهم للعودة بعد تهديدهم بالفصل، وهناك آخرون جاءوا لإلقاء نظرة استكشافية للوضع قبل المخاطرة بعودة أسرهم".

أعمال ملموسة

من جهته يقول حامد الزبير صاحب محال تجاري في شارع الـ60، "الخرطوم بعد الحرب تحتاج إلى مجهود جبار لكي تنهض من جديد بسبب حجم الكارثة التي تعرضت لها، ولا بد من مشاركة فعالة من كل فئات الشعب وبخاصة المقتدرين، وذلك بالمساهمة في جانب الخدمات من كهرباء ومياه ومرافق صحية وغيرها والتي تعرضت لدمار كبير، فمثلاً نجد أن أصحاب المحال التجارية في شارع الـ60 الذي يعد من أكبر شوارع الخرطوم زخماً بالأنشطة المختلفة تكفلوا بإنارته بواسطة الطاقة الشمسية، وهكذا يمكن التغلب على المشكلات وعودة الحياة تدريجاً".

وأردف الزبير "لاحظت منذ عودتي المبكرة للعاصمة عقب تحريرها من قبضة ’الدعم السريع‘ أن معظم السكان وبخاصة الذين صمدوا في وجه الحرب يراهنون على عودة الحياة بصورة نهائية بعد استقرار الكهرباء والمياه النظيفة وخدمات شبكات الاتصالات والإنترنت بصورة منتظمة داخل الأحياء والأسواق، وما يدل على ذلك أنه وعلى رغم ركود الحياة فإن المطاعم والمقاهي عادت من جديد تحمل أفكاراً جديدة خصوصاً العائدين من خارج البلاد".

 

وأشار صاحب المحال التجارية إلى أن "واقع الحال الآن في الخرطوم بعد عودة سكانها يشير إلى أنها ستنهض وستتغلب على الأوضاع المأسوية، لا سيما أن هناك أعمالاً ملموسة من نظافة الأحياء والمنازل وإزالة الأنقاض وعودة عدد من الأسواق والأنشطة المختلفة، كما بدأت الحياة في الشوارع تدب بصورة لافتة وتزداد يوماً بعد يوم".

ندم ومعاناة

أميرة عبدالرحيم، التي وصلت إلى الخرطوم تقول "وظيفتي في القطاع الحكومي أجبرتني على العودة برفقة أسرتي، لكنني بكل أسف ندمت على هذه الخطوة لأن معظم أفراد أسرتي أصيبوا بحمى الضنك والملاريا، في ظل معاناة لم أشهدها من قبل في حياتي للحصول على الرعاية الصحية نتيجة اكتظاظ المستشفيات والمراكز الصحية بالمرضى مع انعدام الأدوية".

وأضافت "الخرطوم الآن تعاني ظروفاً معقدة بسبب انهيار الخدمات الأساس التي تحتاج إلى مليارات الدولارات للتعافي، إلى جانب الانفلات الأمني وغياب القوانين وارتفاع السلع الغذائية، فهي في نظري تحتاج إلى أعوام حتى تعود لسابق عهدها، لكنها لا تصلح للحياة خلال الوقت الحالي".

وأوضحت موظفة القطاع الحكومي "في الغالب سأعمل على تأمين أوضاع أسرتي خارج البلاد كما كان الوضع عند بدء الحرب، فالعيش في العاصمة خلال الوقت الحاضر يتوقف بحسب كل شخص وظروفه الحياتية".

تضحيات العودة

أما المواطن هيثم فتح الرحمن الذي يسكن ضاحية الفتيحاب بأم درمان، فأوضح أن "عودة الحياة إلى طبيعتها في ولاية الخرطوم تحتاج إلى تضحيات، لا سيما أن حجم الدمار كبير، وأن كل ما يعصف بالحياة واستقرارها موجود حالياً، فمدنها الثلاث منكوبة بكل المستويات بسبب أنها عانت حرباً شرسة".

 

وواصل فتح الرحمن "المواطنون هنا يعانون رحلات كفاح قاسية لتوفير الحد الأدنى من الحاجات الأساس، خلال وقت قرر كثر عدم العودة إلى منازلهم بوضعها الحالي والإقامة في منازل بالإيجار تتوافر فيها الخدمات الأساس، حيث إنها تحتاج إلى أموال طائلة لإعادة تهيئتها من جديد".

وأشار المواطن إلى أن "هناك جهوداً تبذل بصورة يومية من المواطنين وقطاعات الدولة في إعادة خدمات الكهرباء والمياه ومكافحة البعوض ونواقل الأمراض الأخرى، لكن من الصعب الجزم بعودة الحياة تماماً كما كانت قبل الحرب، ومع ذلك فإن الجهود المبذولة يمكن أن تحد من العقبات الماثلة".

انتعاش نسبي

في السياق، قال الباحث المجتمعي أيوب عبداللطيف "ظل غالبية سكان أم درمان صامدين طوال فترة الحرب ولم يغادروها على رغم الأخطار الجمة، بل استضافوا نازحين من الخرطوم وبحري، وبالفعل تركت العمليات العسكرية آثاراً مدمرة على معالمها التاريخية، فضلاً عن تشوهها بالخنادق التي حفرها المقاتلون في أحياء أم درمان القديمة التي لا تزال موجودة".

وزاد أيوب "من الطبيعي أن يتفاجأ العائدون من النزوح إلى مدن العاصمة الثلاث بالواقع الصحي والمعيشي المؤلم بكل ما تحمل الكلمة من حقيقة، وهو أمر مهدد للحياة العامة، فهناك من تقبل هذا الواقع وتعايش معه على أمل أن ينفرج الوضع لاحقاً، وآخرون غادروا منازلهم نازحين للمرة الثانية بعد فترة وجيزة من وصولهم العاصمة".

وواصل "مع ذلك، فإن الحياة بدأت تدب نسبياً، إذ تُلحظ حركة الإعمار والبناء في أنحاء عدة من العاصمة، وهذه الحركة لم تتوقف على المشاريع الحكومية فحسب، فالأطباء فتحوا عياداتهم على رغم انهيار المنظومة الصحية، ونجد هناك حركة في الطرقات تزداد يومياً، كما بدأ عدد من المحال التجارية يعمل على مدار الوقت، وبخاصة سوق أم درمان أبرز معالم المدينة التي لم تنج من الدمار الهائل، فالتجار في هذه السوق يبذلون مساعي كبيرة لعودته من جديد".

وأشار الباحث المجتمعي إلى أنه "على رغم المجهودات المبذولة لعودة الحياة فإن الفقر والعوز وشح المال وضيق فرص العمل تطارد سكان الخرطوم، مما يجعلهم يكتفون بشراء الأساسات الضرورية فقط".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير