ملخص
وصلت الرسالة قبل أسابيع من اغتيال نصرالله، ويميل خبراء إلى الاعتقاد بأنها كانت تعكس القلق من انزلاق المنطقة نحو هاوية الفوضى.
كشف رجال دين عراقيون ولبنانيون للمرة الأولى عن رسالة بعثها مكتب المرجع الشيعي علي السيستاني إلى "حزب الله" في لبنان، قبل أسابيع من اغتيال الأمين العام السابق للحزب حسن نصرالله، وحذّرت من "تبعات خطرة لحرب بلا قواعد" في المنطقة، مشددة على "حماية أرواح المدنيين في لبنان كافة".
وكانت الرسالة عبارة عن نصيحة وصلت إلى قيادة الحزب بعد تفجيرات أجهزة الـ "بيجر" في لبنان، وفق ما ورد عبر مقابلات أجرتها "الشرق الأوسط" مع شخصيات دينية شيعية في بيروت والنجف.
وقال رجل دين لبناني كان استمع إلى مضمون الرسالة خلال اجتماع خاص عقد بعد أسبوع من تفجيرات الـ "بيجر"، إن "نصيحة المرجع الديني علي السيستاني شجعت على اتخاذ قرارات تولي الأولوية القصوى لعموم المدنيين من سكان لبنان وليس فقط لحياة الشيعة".
وانفجر في الـ 17 من سبتمبر (أيلول) 2024 عدد كبير من أجهزة الاتصال الـ "بيجر" كان يستخدمها أعضاء "حزب الله"، وهو ما تسبب في سقوط تسعة قتلى وأكثر من 2700 جريح في بيروت وجنوب لبنان، وسادت يومها حال من الصدمة والذهول على نطاق واسع في لبنان، وقال رجل دين لبناني لـ"الشرق الأوسط" إن "تفجير أجهزة الـ 'بيجر' كان بداية النهاية"، وخلال الأسابيع اللاحقة كثفت إسرائيل هجومها وصولاً إلى اغتيال نصرالله.
حرب بلا قواعد
وحذّرت رسالة مكتب السيستاني، وفق رجل الدين الشيعي اللبناني خلال مقابلة معه من داخل منزله قرب الضاحية الجنوبية في بيروت، من أن "الاعتداء على لبنان لا حدود له، ونيران الحرب لا تضبطها قواعد، وهو ما يفرض تحمل مسؤولية حماية أرواح اللبنانيين".
وكان الرجل الذي بدا في منتصف الستينيات يتحدث مرتدياً عمامة بيضاء، وإلى جانبه صور على طاولة طعام لشبان من عائلته المتحدرة من قرية جنوبية، قُتلوا خلال غارة إسرائيلية العام الماضي.
وحتى نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 قُتل في لبنان نحو 3700 شخص وجرح أكثر من 15 ألفاً، في الحرب التي بدأت في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2024، وفق السلطات اللبنانية.
وقال اثنان من رجال الدين الشيعة إن رسالة مكتب السيستاني شددت على أن القرارات في الظروف الدقيقة "ينبغي أن تنسجم مع مصلحة المؤمنين، وألا يستدرج لبنان إلى حروب تخدم أجندات خارجية تزيد معاناة شعبه"، وذكر رجل دين عراقي أن "رسالة مرجع الشيعة في العراق والعالم يجب أن تُتخذ في سياق النصح والرشد فقط، فهذه تقاليد مرجعية النجف التي لا تتغير"، مضيفاً أن "نصيحة السيستاني لا تفرض ولكنها تُسمع جيداً".
اتساع رقعة الحرب
وعلمت "الشرق الأوسط" أن الرسالة جاءت "بعد أسئلة بعث بها أتباع المرجعية في لبنان، كان كثير منهم قد لجأوا إلى النجف خلال فترات الحرب"، وبحسب رجل الدين العراقي فقد وجه العشرات من أتباع السيستاني في لبنان أسئلة عما يجب أن يقوموا به مع اتساع رقعة الحرب".
ويعد السيستاني مرجعاً روحانياً لملايين المسلمين الشيعة حول العالم، ويتبعه كثر في دول المشرق العربي وإيران، وكانت مؤسسات دينية في مدينتي النجف وكربلاء (جنوب غربي العراق) يشرف عليها مكتب السيستاني، قد ساعدت بالاتفاق مع الحكومة العراقية في إسكان آلاف اللبنانيين الذين فروا من الحرب.
وحتى منتصف أكتوبر 2024 أفادت بيانات للحكومة اللبنانية بأن نحو 20 ألف لبناني اختاروا البقاء في العراق حتى نهاية الحرب، جلهم من قرى الجنوب اللبناني، وكان مكتب السيستاني في النجف قد دعا في بيان يوم الـ 23 من سبتمبر 2024 إلى "بذل كل جهد ممكن لحماية الشعب اللبناني من العدوان الإسرائيلي المدمر"، في حين طالب بـ "القيام بما يسهم في تخفيف معاناة اللبنانيين وتأمين حاجاتهم الإنسانية"، وفي اليوم التالي قال نصرالله في بيان: "إن المعركة بين الحق والباطل، ولا نبالي بكثرة عددهم (الإسرائيليين) وخذلان الناصر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مكانة لبنان في النجف
ويميل خبراء إلى الاعتقاد بأن رسالة مكتب السيستاني كانت تعكس القلق من انزلاق المنطقة نحو هاوية الفوضى، فرأى الباحث في "المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية" هشام داود أن "لبنان بالنسبة إلى مرجعية النجف بلد مهم، ليس فقط لكونه يحوي عدداً كبيراً من الشيعة، وليس فقط للتأثير الذي تمارسه المرجعية هناك، بل لإدراكها ما يشكله لبنان إقليمياً ودولياً على رغم ظروفه الصعبة"، متابعاً أن "لبنان بالنسبة إلى مرجعية النجف ناصية مهمة للتواصل مع العالم، خصوصاً الأوروبي والغربي عموماً".
وبحسب الباحث العراقي فإن "العيش مع الآخر المختلف دينياً يبدأ من لبنان، ويفترض هذا القبول بتعدديته وليس تعنيف التوازنات القائمة"، مشدداً على أن ذلك لا يعني أن مرجعية السيستاني ليست مهتمة برؤية شيعة لبنان في موقع سياسي أهم، لكن بشرط أن يكون ذلك سلمياً وعبر الدولة ومؤسساتها، مع احترام التوازنات الداخلية الدقيقة.
ضغوط هائلة
وبعد أكثر من عام على وقف الحرب في لبنان يتعرض "حزب الله" إلى ضغوط هائلة لتسليم سلاحه والاندماج في الحياة السياسية سلمياً، لكن الجماعة الموالية لإيران لا تزال تتمنع من تنفيذ خطة "حصرية السلاح"، بذريعة أنها "تخدم إسرائيل"، وفقاً لقيادة الحزب.
وكانت صحيفة "الشرق الأوسط" قد كشفت في الـ 12 من أكتوبر الجاري أن واشنطن رفضت مقترحاً قدمه وسطاء يقضي بنقل أسلحة إستراتيجية بحوزة "حزب الله" اللبناني لتكون وديعة لدى طرف ضامن في العراق.