ملخص
يقول الباحث السياسي يحيى بو زيدي في ملف صوتي مع "اندبندنت عربية"، إن تتبّع التسلسل الزمني (كرونولوجيا) الأزمة والمناوشات الحدودية التي شهدتها الأيام الأخيرة بين باكستان وأفغانستان، يُظهر أن جذورها تعود إلى مطلع أكتوبر (تشرين الأول)، إلا أنها ليست جديدة في جوهرها، إذ تعود إلى نحو عقدين من الزمن، وهي جزء من سلسلة مواجهات متكررة بين الجيش الباكستاني وحركة "طالبان باكستان"، تتسم أبعادها بالتعقيد القبلي والإقليمي والأيدولوجي.
تجددت التوترات بين باكستان وأفغانستان بعد سلسلة هجمات دامية على المناطق الحدودية، إذ فتحت القوات الأفغانية النار على مواقع باكستانية في وقتٍ متأخر من مساء السبت، ما أعاد إلى الواجهة ملفاً شائكاً عمره عقدان يتمثل في نشاط حركة "طالبان باكستان" وعلاقتها بحكومة "طالبان" في كابول.
ومع تصاعد الضربات المتبادلة، اتسعت رقعة المواجهة لتصل إلى العاصمة الأفغانية كابول، في تطورٍ وصفه مراقبون بأنه الأخطر منذ عودة "طالبان" إلى الحكم عام 2021، وسط مخاوف من انزلاق المنطقة إلى دوامة عنف جديدة، وتحركات دبلوماسية متسارعة لاحتواء الأزمة.
يقول الباحث السياسي يحيى بو زيدي في ملف صوتي مع "اندبندنت عربية"، إن تتبّع التسلسل الزمني (كرونولوجيا) الأزمة والمناوشات الحدودية التي شهدتها الأيام الأخيرة بين باكستان وأفغانستان، يُظهر أن جذورها تعود إلى مطلع أكتوبر (تشرين الأول)، حين نفذت حركة "طالبان باكستان" هجمات كبيرة استهدفت مواقع داخل الأراضي الباكستانية، أعقبها ردّ عسكري باكستاني على هذه الهجمات، ثم ردّ أفغاني مضاد من داخل الأراضي الحدودية.
ويضيف بو زيدي أن هذه المناوشات ليست جديدة في جوهرها، إذ تعود إلى نحو عقدين من الزمن، وهي جزء من سلسلة مواجهات متكررة بين الجيش الباكستاني وحركة "طالبان باكستان"، غير أن التطور الأبرز في هذه الجولة كما يقول يتمثل في نقطتين أساسيتين.
أولاً، أن الرد الباكستاني لم يقتصر على المناطق الحدودية بين البلدين، بل امتد ليشمل العاصمة الأفغانية كابول نفسها، وثانياً، أن حكومة "طالبان" في أفغانستان ردّت عسكرياً على الضربات الباكستانية، لتتحول المواجهة من اشتباكٍ مع جماعة مسلحة إلى صدامٍ مباشر بين سلطات البلدين.
حواضن اجتماعية في المناطق الحدودية
ويتابع الباحث السياسي أن المسألة شديدة التعقيد، لأن جذورها تتداخل مع وجود حركة "طالبان باكستان" ونشاطها في المنطقة الحدودية، حيث يصعب على باكستان حسم المعركة عسكرياً نظراً لوجود حاضنة اجتماعية واسعة للحركة في مناطق القبائل الممتدة بين البلدين، مشيراً إلى أن حركة "طالبان باكستان" تجد ملاذاً آمناً داخل الأراضي الأفغانية، بينما تنفي حكومة كابول أي دعم أو علاقة لها بهذا التنظيم، وتعتبر الاتهامات الباكستانية باطلة.
لكن، كما يوضح بو زيدي، فإن الترابط الأيديولوجي والتنظيمي بين الحركتين واضح، ويكفي التشابه في الاسم بين "طالبان أفغانستان" و"طالبان باكستان" ليكشف عن عمق هذا الارتباط.
ويضيف أن تصاعد الهجمات في الأسابيع الأخيرة من جانب طالبان باكستان يؤكد استمرار نشاطها داخل الأراضي الباكستانية، حتى وإن لم يكن هناك دعم مباشر من "طالبان أفغانستان"، إلا أن البيئة الحدودية والحاضنة الاجتماعية توفر لها قدرةً على الحركة وإعادة التموضع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى بو زيدي أن الواقع الميداني المعقّد يجعل من الحسم العسكري أمراً شبه مستحيل، إذ ستضطر باكستان في نهاية المطاف إلى التعامل مع "طالبان أفغانستان" عبر قنوات سياسية ودبلوماسية للتوصل إلى حلولٍ جذرية، غير أن هذا الحل بدوره ليس سهلاً، لأن الحركة تتمتع باستقلالية ميدانية ونفوذ داخلي يصعب ضبطه.
ويخلص بو زيدي إلى أن الضربات الباكستانية التي شملت العاصمة كابول تهدف أساساً إلى الضغط على حكومة "طالبان" الأفغانية لاتخاذ إجراءات فعلية ضد أنشطة "طالبان باكستان" داخل أراضيها، في محاولة لإجبارها على تحمل مسؤولية أمن الحدود ومنع استمرار الهجمات المتبادلة.
دور سعودي في تهدئة الأزمة
ويرى الباحث السياسي أن السعودية، على رغم توقيعها اتفاقية دفاع مشترك مع باكستان، تحافظ على دورها المتوازن والوسيط بين الطرفين، مستندة إلى علاقات تاريخية وثيقة بالشعبين الباكستاني والأفغاني.
ويقول بو زيدي إن إعلان حكومة "طالبان" الأفغانية وقف الهجمات بوساطة سعودية يعكس الثقة التي تحظى بها الرياض كقوةٍ إقليميةٍ قادرة على إدارة التهدئة، مضيفاً أن المملكة دأبت على القيام بأدوارٍ دبلوماسية فاعلة في أزماتٍ مشابهة بالمنطقة.
ويشير إلى أن الرياض مؤهلة بدرجة كبيرة للتوسط بين البلدين، استناداً إلى سياستها الخارجية القائمة على تغليب الحلول السلمية على الخيارات العسكرية، لافتاً إلى أن النزاعات السابقة بين إيران وباكستان، أو بين إيران و"طالبان"، انتهت إلى تهدئات سريعة برعاية إقليمية، وهو ما قد يتكرر اليوم في الأزمة الأفغانية- الباكستانية.
ويختم بو زيدي حديثه بالتأكيد على أن الخيارات العسكرية لم تعد مجدية لأي طرف، وأن المنطقة تتجه نحو معادلة جديدة قوامها الحوار والوساطة، مضيفاً أن "الجهود الدبلوماسية السعودية مرشحة لأن تكون المسار الأكثر واقعية لتجنّب تصعيد إقليمي جديد، ولتهيئة بيئة تفاوضية تحفظ استقرار باكستان وأفغانستان معاً".