Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الرياض وإسلام آباد... سلام إقليمي تحت راية "الدفاع المشترك"

على رغم أن نص الاتفاق لم يتطرق بصورة مباشرة إلى الأسلحة النووية، فإن تقارير إعلامية دولية رأت أن بعض عباراته تحمل إشارات ضمنية إلى المظلة الذرية الباكستانية

صاروخ باليستي من طراز شاهين-3 أرض–أرض، يعد من أبرز منظومات الردع الاستراتيجي في الترسانة الباكستانية (رويترز)

ملخص

الاتفاق الذي وقعه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، أمس الأربعاء في العاصمة الرياض، لم يتناول الأسلحة النووية بصورة مباشرة، غير أن تقارير إعلامية دولية عدت أن بعض صياغاته تحمل إشارات ضمنية إلى المظلة النووية الباكستانية.

كثيراً ما ارتبطت السعودية وباكستان بعلاقات دفاعية ممتدة منذ عقود، ارتكزت على استعداد إسلام آباد للتصدي لأي تهديد يطاول المقدسات الإسلامية داخل مكة المكرمة والمدينة المنورة. وتعود جذور هذه العلاقة إلى عام 1947، حين كانت السعودية من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال باكستان

ومن هذا الإرث الطويل وقعت السعودية وباكستان، المسلحة نووياً، "اتفاق الدفاع الاستراتيجي المشترك" الذي يهدف إلى تطوير التعاون الدفاعي وتعزيز الردع المشترك، وتطوير جوانب التعاون الدفاعي بين البلدين، وتعزيز الردع المشترك ضد أي اعتداء.

وينص الاتفاق على أن أي اعتداء على أحدهما يعد اعتداء على الآخر، في إطار مساعي الرياض وإسلام آباد لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.

ويأتي التوقيع وسط اضطرابات إقليمية متصاعدة، بعد عامين من الحرب الإسرائيلية على غزة وهجمات عبر الحدود طاولت إيران ولبنان وسوريا واليمن، كان آخرها قصف العاصمة القطرية الدوحة الأسبوع الماضي.

المظلة النووية الباكستانية

الاتفاق الذي وقعه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، أمس الأربعاء في العاصمة الرياض، لم يتناول الأسلحة النووية بصورة مباشرة، غير أن تقارير إعلامية دولية عدت أن بعض صياغاته تحمل إشارات ضمنية إلى المظلة النووية الباكستانية.

وفي هذا السياق، نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول سعودي رفيع قوله، رداً على سؤال حول ما إذا كان الاتفاق يتضمن مظلة نووية، أجاب بأن "هذا اتفاق دفاعي شامل يشمل جميع الوسائل العسكرية".

وقال مسؤول سعودي إن الاتفاق جاء تتويجاً لأعوام من المناقشات، وعند سؤاله عن توقيته أوضح "هذا ليس رداً على دول أو أحداث بعينها، بل هو تقنين للتعاون العميق والمستمر منذ زمن طويل بين بلدينا".

 

فيما ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" أن مسؤولاً سعودياً كبيراً أوضح أن الاتفاق يشمل "استخدام كل الوسائل الدفاعية والعسكرية الضرورية" وفق طبيعة التهديد، في ما اعتبرته الصحيفة البريطانية تلميحاً إلى البعد النووي.

ومن بين المؤشرات التي تظهر استثمار الجانب السعودي في علاقته بحليفته الآسيوية، اعتبار تقارير غربية البرنامج النووي الباكستاني الذي يعد رمز قوة البلاد، إنما جرى بناؤه بتمويل وغطاء سياسي سعودي، من دون أن ينفي أي من البلدين تلك المزاعم.

وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن السعودية احتفظت منذ فترة طويلة بعلاقات اقتصادية ودينية وأمنية وثيقة مع باكستان، بما في ذلك تقارير تشير إلى تقديمها تمويلاً لبرنامج إسلام آباد للأسلحة النووية خلال مراحل تطويره.

وأضافت الصحيفة أن محللين وحتى دبلوماسيين باكستانيين رجحوا على مدى الأعوام الماضية أن تدرج السعودية تحت المظلة النووية لإسلام آباد، ولا سيما مع تصاعد التوترات في شأن البرنامج النووي الإيراني.

وقال العميد الباكستاني المتقاعد فيروز حسن خان، في كتابه عن برنامج بلاده للأسلحة النووية "Eating Grass: The Making of the Pakistani Bomb"، إن السعودية قدمت "دعماً مالياً سخياً لباكستان مكن البرنامج النووي من الاستمرار، خصوصاً عندما كانت البلاد تحت وطأة العقوبات".

التنوع الاستراتيجي

وجاء الاتفاق الدفاعي السعودي الباكستاني، بعد صراع عسكري قصير بين إسلام آباد ونيودلهي خلال مايو (أيار) الماضي تبادلت خلاله الدولتان المسلحتان نووياً الهجمات على القواعد العسكرية لأربعة أيام، مما دفع جنوب آسيا إلى حافة حرب شاملة بين الجارتين.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الهندية راندهير جايسوال في منشور على منصة "إكس" إن الهند على علم بالتطور، وأنها ستدرس تداعياته على أمن نيودلهي والاستقرار الإقليمي.

ونقلت "رويترز" تصريحات مسؤول سعودي رفيع، طلب عدم ذكر اسمه، بأنه من الضروري الموازنة في العلاقات مع كل من باكستان والهند، وهي أيضاً قوة نووية، مضيفاً "علاقتنا مع الهند أقوى من أي وقت مضى، وسنواصل تطويرها والسعي إلى المساهمة في إحلال السلام الإقليمي بكل السبل الممكنة".

 

وفي سياق متصل، قال الباحث في العلوم السياسية والعسكرية محمد الحربي، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إن اتفاق الدفاع المشترك الذي وقعته السعودية مع باكستان تعكس امتداد العلاقة العسكرية التاريخية بين البلدين، موضحاً أن الرياض خلال الوقت ذاته تعمل على تعزيز تعاونها الدفاعي مع الهند، ولا سيما في مجالات التدريب والصناعات العسكرية والبحث والتطوير.

وأشار الباحث السعودي إلى أن هذا التوسع لا ينظر إليه كخيار تصادمي، بل يدخل في إطار "تنويع استراتيجي" يعكس رؤية سعودية لعالم متعدد الأقطاب، إذ تسعى السعودية للعب دور الوسيط بين القوى الإقليمية.

ولفت إلى أن التعاون العسكري مع الهند لا يحمل بعداً مضاداً تجاه باكستان، بل يمثل تجربة تحتاج إليها السعودية في تطوير صناعاتها الدفاعية، مؤكداً أن إسلام آباد تظل "حليفاً موثوقاً ومستداماً".

واعتبر الحربي أن السعودية اليوم دولة منفتحة ومتنوعة في علاقاتها الاستراتيجية بين الشرق والغرب، وهي محور ارتكاز ومركز ثقل على خريطة العالم.

ترسانة باكستان

تعد باكستان الدولة الوحيدة ذات الغالبية المسلمة التي تمتلك سلاحاً نووياً، كما أنها تضم أكبر جيش في العالم الإسلامي، وبحسب تقييم أجراه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، فإن إسلام آباد تمتلك 170 رأساً نووياً، ونحو 50 منصة إطلاق صواريخ أرض-أرض.

ويبلغ عدد سكان باكستان 205 ملايين نسمة، بينهم 95 مليون نسمة قوة بشرية متاحة ويصل تعداد جنود الجيش الباكستاني في الخدمة 660 ألف جندي، إضافة إلى 282 ألف جندي في قوات الاحتياط.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفقاً لمؤسسة "غلوبال فاير بور" المتخصصة في الشؤون العسكرية للدول، فإن عدد قواته الجوية 1280 طائرة حربية بينها 320 مقاتلة، و410 طائرات هجومية، ويمتلك 328 مروحية عسكرية منها 49 مروحية هجومية.

ويمتلك الجيش الباكستاني 2182 دبابة وقرابة 2600 مدرعة إضافة إلى 307 مدافع ذاتية الحركة، و1240 مدفعاً ميدانياً و144 راجمة صواريخ، ومن حيث القوة البحرية يتكون الأسطول الباكستاني من 197 قطعة بحرية بينها خمس غواصات، و10 فرقاطات وثلاث كاسحات ألغام.

المفاعلات الباكستانية

وبحسب الجمعية العالمية النووية، فإن باكستان تمتلك ست مفاعلات نووية عاملة لتوليد الكهرباء بقدرة إجمالية تصل إلى 3262 ميغاوات، جميعها بُنيت بدعم صيني، فيما يجري العمل على إنشاء مفاعل إضافي بقدرة 1100 ميغاوات في موقع "تشاشما".

وتطورت القدرات النووية العسكرية لباكستان بصورة مستقلة عن برنامجها المدني، اعتماداً على اليورانيوم المحلي، وهو ما أبقى البلاد خارج معاهدة حظر الانتشار النووي، وأدى إلى استبعادها من التجارة الدولية الخاصة بمعدات ومفاعلات الطاقة.

وعلى رغم هذه القيود، تشكل الصين الداعم الأبرز لقطاع الطاقة النووية الباكستاني، خلال وقت عززت فيه الوكالة الدولية للطاقة الذرية التعاون مع إسلام آباد ببرنامج دعم عام 2018.

وتشير بيانات الجمعية إلى أن الطاقة النووية أسهمت بنحو 10 في المئة من إنتاج الكهرباء في البلاد عام 2021، وتوضح أن باكستان تعاني صعوبات في شراء الوقود النووي من الأسواق الدولية، لكنها ضمنت عبر اتفاقات مع الصين توفير الوقود للمفاعلات الجديدة طوال أعمارها التشغيلية المقدرة بين 40 و60 عاماً.

وتشمل المفاعلات العاملة "تشاشما 1 و2 و3 و4" في إقليم البنجاب بقدرات تراوح ما بين 300 و315 ميغاوات، و"كراتشي 2 و3" في السند بقدرة تتجاوز 1000 ميغاوات لكل منهما.

وتطمح الحكومة الباكستانية إلى رفع إنتاج الكهرباء النووية إلى 8800 ميغاوات بحلول 2030، في مسعى لمواكبة الطلب المتزايد على الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وسط استمرار الجدل الدولي حول برنامجها النووي العسكري.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير