Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

واقع مقلق في مصر... نقص الأطباء النفسيين يهدد الصحة العقلية

عدد الأطباء لا يتناسب مع تعداد السكان وتتركز للخدمات في القاهرة والمدن الكبرى والمنصات الرقمية تحاول سد العجز

عدد الأطباء النفسيين غير كافٍ ولا يتناسب فعلياً مع الاحتياج، والمستشفيات بالفعل عددها محدود وتتركز في العاصمة والمدن الكبرى (فري بيك)

ملخص

تكشف الإحصاءات عن وجود فجوة كبيرة في الأطباء النفسيين بالقياس إلى عدد السكان، فتقريباً هناك طبيب نفسي لكل نحو 50 ألف مواطن مع ملاحظة أن توزيع الأطباء النفسيين نفسه غير متكافئ فمعظمهم في القاهرة والمدن الكبرى بينما كثير من المحافظات تفتقر لوجود الأطباء والخدمات النفسية بصورة كبيرة.

بحسب آخر بيانات صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن عدد الأطباء النفسيين العاملين في مصر عام 2021 بلغ 1832 طبيباً، ووفقاً لبيان صادر عن وزارة الصحة عام 2024 فإن عدد المتخصصين والاستشاريين المسجلين رسمياً في المجلس القومي للصحة النفسية بلغ 849 طبيباً، وفي ما يتعلق بعدد المستشفيات فتضم مصر 223 منشأة صحية نفسية، بطاقة استيعابية تصل إلى 11628 سريراً، منها 4508 في القطاع الخاص.

هذه الإحصاءات بالقياس إلى عدد السكان تكشف عن وجود فجوة ونقص كبير في عدد الأطباء النفسيين، فطبقاً لهذه الأرقام هناك طبيب نفسي لكل نحو 50 ألف مواطن مع ملاحظة أن توزيع الأطباء النفسيين نفسه غير متكافئ فمعظمهم في القاهرة والمدن الكبرى بينما كثير من المحافظات تفتقر لوجود الأطباء والخدمات النفسية بصورة كبيرة.

تدير الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان التابعة لوزارة الصحة والسكان في مصر 24 مستشفى ومركزاً متخصصاً في الصحة النفسية وعلاج الإدمان تنتشر في كامل أنحاء البلاد ويعد المستشفى الأشهر في ما يتعلق بالصحة النفسية هو مستشفى العباسية الذي يعد من أقدم مستشفيات الصحة النفسية ليس في مصر فقط وإنما في الشرق الأوسط حيث يعود إنشاؤه إلى عام 1883، وحتى الآن يعد الوجهة الأشهر لأصحاب المرض النفسي بما يوفره من خدمات مثل الكشف والإقامة والعلاج والعيادات الخارجية.

وطبقاً لمنظمة الصحة العالمية فإن الاضطراب النفسي يؤثر في شخص واحد من كل ثمانية أشخاص في العالم، وتنطوي الاضطرابات النفسية على اختلالات جسيمة في التفكير أو ضبط المشاعر أو السلوك، ولا يحصل قطاع كبير من المرضى على الرعاية وبخاصة في الدول الأقل في الإمكانات.

ويوافق الـ10 من أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام اليوم العالمي للصحة النفسية الذي يهدف لرفع الوعي بقضايا الصحة النفسية، وتعزيز الصحة النفسية، وكسر الوصمة المرتبطة بالمرض النفسي التي لا تزال موجودة في بعض المجتمعات.

 

لكن ما هو وضع الطب النفسي في مصر؟ وكيف يرى المتخصصون أهم المشكلات والتحديات التي تواجهه؟ من وجهة نظر أستاذ الطب النفسي بطب المنصورة محمد عادل الحديدي "لفترة طويلة عانى الطب النفسي في مصر عدم إدراك أهميته، فكان قطاع كبير من الناس يتعامل على أن المرض النفسي يمثل ضعفاً في الشخصية أو نقصاً في الإيمان أو تعرضاً للسحر، لذا الحل في التوجه لرجال الدين أو لشخص للتعامل مع السحر، وكان هناك اعتقاد أن الأدوية النفسية ستسبب الإدمان ولن يتمكن المريض من الاستغناء عنها وهذا من الأفكار المغلوطة، وفي الوقت نفسه سابقاً كانت هناك صورة ذهنية للمريض والطبيب النفسي رسختها السينما والدراما ليس لها أي علاقة بالواقع، فكان المرض النفسي يمثل وصمة بالنسبة إلى بعض الناس، وحتى التعليم الطبي لم يكن متطوراً ولكن أخيراً اختلف الوضع بوجود الوعي نسبياً وانتشار التعليم إضافة لتطور العلاجات وتحديث البرامج الدراسية".

وأوضح الحديدي "على أرض الواقع، عدد الأطباء النفسيين غير كافٍ ولا يتناسب فعلياً مع الاحتياج، والمستشفيات بالفعل عددها محدود وتتركز في العاصمة والمدن الكبرى، بينما كثير من المحافظات تعاني نقص الخدمات النفسية أو صعوبة الوصول إليها ويمثل هذا أزمة بسبب عدم إمكان كثير من المرضى النفسيين الحصول على الخدمة التي يحتاجون إليها وهو أمر له انعكاس سلبي على المجتمع بكامله".

وفي رؤيته عن سبب قلة الأطباء النفسيين "الأسباب عدة، منها صعوبة ظروف الحياة واتجاه كثير من الأطباء للسفر للخارج وبخاصة للدول العربية لأن هناك طلباً كبيراً عليهم، فالطبيب النفسي تحديداً يفضل المريض أن يحدثه بلغته نفسها وأن يكون ملماً بالثقافة الدينية والأخلاقية للمجتمع العربي بعكس تخصصات أخرى لن يشكل فيها هذا الأمر أهمية".

ارتفاع كلفة العلاج النفسي

في أغسطس (آب) الماضي أعلن وزير الصحة المصري عن لائحة جديدة لرفع أسعار الخدمات الطبية النفسية في الأقسام الاقتصادية حيث تراوحت كلفة الإقامة فقط لليوم الواحد بين 150 جنيهاً (ثلاثة دولارات) في القسم الاقتصادي، و550 جنيهاً (11 دولاراً) في الأجنحة الخاصة، بخلاف كلف الخدمات الطبية الأخرى، إضافة إلى زيادة كبيرة في سعر جلسات الدعم النفسي والفحوص الطبية التي تقدمها المستشفيات الحكومية، أثار هذا الأمر جدلاً بسبب أنه سينتج منه حرمان الفئات الأقل في المستوى الاقتصادي من الخدمة الطبية لعدم تمكنهم من دفع ثمنها، وفي الوقت نفسه فإن بعض الحالات تحتاج إلى رعاية ومتابعة خاصة، وربما احتجاز في المستشفيات والمراكز المتخصصة لخطورة وضعها الذي قد يصل في بعض الأحوال لأن يتسبب المريض بأذى لنفسه أو لآخرين، أو في حالات معينة مثل علاج الإدمان الذي قد يستوجب أحياناً احتجاز المريض لفترة.

وطبقاً لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار فإنه وفقاً لآخر إحصاء رسمي تم إجراؤه في المسح القومي الشامل للتعاطي والإدمان الذي يتم كل خمسة أعوام فإن عام 2020 كان حجم التعاطي 5.9 في المئة بينما بلغت نسبة الإدمان 2.4 في المئة وفي المسح السابق عليه عام 2015 كانت نسبة التعاطي 10 في المئة ونسبة الإدمان 3.3 في المئة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي رؤية المدير التنفيذي للمركز المصري للحق في الدواء محمود فؤاد، "هناك توجه من الحكومة لرفع سعر الخدمات الطبية بصورة عامة، ومن بينها أخيراً خدمات الصحة النفسية وبالقطع سيسبب هذا أزمة عند فئات من المجتمع قد لا تتمكن من دفع هذه النفقات، فمثلاً سعر الإقامة في مستشفيات الصحة النفسية في الأقسام الاقتصادية كان نحو 2500 جنيه شهرياً (52 دولاراً) ارتفع إلى نحو 4500 جنيه شهرياً (95 دولاراً) بخلاف العلاج والفحوص وغيرها، سيسبب هذا أزمة لبعض الناس وبخاصة أن بعض المرضى لا بد من احتجازهم لأنهم يمكن أن يكونوا خطراً على أنفسهم أو على المجتمع، أيضاً الخدمات المقدمة للأطفال مثل جلسات التخاطب وتعديل السلوك وغيرها ارتفع سعرها وسيشكل هذا ضغطاً كبيراً على قطاع من الأسر التي كانت تحصل على هذه الخدمات، وفي الوقت نفسه سيشجع القطاع الخاص على رفع الأسعار فتزيد المشكلة".

ويرى فؤاد أن "واحدة من الأزمات حالياً هي عدم توافر كثير من الأدوية الخاصة بالعلاج النفسي باعتبار معظمها مستورداً ويشكل هذا أزمة كبيرة لأن المريض لا يجب أن ينقطع عن العلاج وغالبية هذه الأدوية لا تصنع محلياً، بالفعل في مصر نحتاج إلى زيادة في عدد المستشفيات النفسية وهذا أمر لا بد من الاهتمام به لأن عدم وجود مؤسسات موثوقة تقدم خدمة جيدة وفق أسس وبروتوكولات علمية يفتح الباب أمام كيانات غير مرخصة مثل مراكز علاج الإدمان التي انتشرت في كثير من المحافظات تحت زعم أنها تعالج من الإدمان وهي تعمل دون ترخيص وهي واحدة من المشكلات التي تجب مواجهتها".

يشير المدير التنفيذي للمركز المصري للحق في الدواء إلى أن مصر أصدرت سابقاً قانوناً يحمي المريض النفسي فلا يمكن تصويره أو انتهاك خصوصيته أو تعريضه لتجارب باعتبار أن له طبيعة خاصة وهذا أمر جيد ولكن لا بد من العمل على حل بعض المشكلات على اعتبار أن المرض النفسي يكون له انعكاس على المجتمع بكامله.

كورونا وانطلاقة المنصات النفسية

في مارس (آذار) عام 2022 أطلقت الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان المنصة الرقمية للصحة النفسية في مصر التي تعد الأولى من نوعها في إقليم شرق المتوسط، وفقاً لتصريحات وزارة الصحة والسكان المصرية، وقد تم الإعلان عن أنه بعد مرور ثلاثة أعوام على إطلاقها وصل عدد زوارها إلى أكثر من 110 آلاف زائر، وتقدم المنصة خدمات مجانية للدعم النفسي وعلاج الإدمان لجميع الفئات العمرية من المصريين والمقيمين في مصر.

وفي تصريح صحافي سابق، قالت الأمين العام لأمانة الصحة النفسية وعلاج الإدمان، منن عبدالمقصود حينها، إن نسبة زائري المنصة من الإناث بلغت 69 في المئة مقابل 31 في المئة من الذكور، مؤكدة أن زوار المنصة بينهم 18 في المئة من المتزوجين، مقارنة بـ82 في المئة من غير المتزوجين، مشيرة إلى أن أكثر الفئات العمرية التي استخدمت المنصة كانت فئة المراهقين والشباب، بينما بلغت نسب المستخدمين من غير العاملين 63 في المئة مقابل 37 في المئة من العاملين على مستوى محافظات الجمهورية.

 

إلى جانب هذه المنصة وفي وقت سابق عليها ظهرت في المجتمع المصري فكرة الاستشارات النفسية "أون لاين" التي تتم عبر أكثر من موقع ومنصة خاصة وبدأت في تحقيق الانتشار في الأعوام الأخيرة مع التوجه العام للتحول الرقمي واعتماد التطبيقات.

وفي رؤية استشاري الطب النفسي إبراهيم مجدي "كانت نقطة الانطلاق لهذه المنصات هي فترة كورونا على رغم وجودها بصورة سابقة عليها ولكن فترة الحظر وتراكم الضغوط النفسية على الناس جعلا قطاعاً كبيراً يتجه للتواصل مع الأطباء النفسيين عبر هذه المنصات وهو أمر جيد ويمكن أن يساعد الكثير من الناس على الحصول على هذه الخدمات النفسية في حال لم يتمكنوا من الذهاب لطبيب أو مستشفى لأي سبب أو لبعد المسافة عن أقرب مكان يقدم استشارات نفسية، ولكن عند التعامل مع هذه المنصات لا بد أن يتم التأكد من أن التعامل يكون مع طبيب لوجود كثير من الدخلاء على مجال الاستشارات النفسية بصور وأشكال مختلفة، وهذا أمر شديد الخطورة ولكنه انتشر في الفترة الأخيرة تحت اسم مدرب أو كوتش أو غيرها من التسميات التي نجدها على ’السوشيال ميديا‘ لأشخاص يزعمون أنهم يقدمون استشارات وخدمات نفسية وهم غير مؤهلين لذلك، ولكن بصورة عامة المنصات يمكن أن تساعد في الوصول إلى قطاعات أكبر من راغبي العلاج النفسي".

وأكد مجدي أن "مستشفيات الأمانة العامة للصحة النفسية في النهاية محدودة والاحتياج أكبر ولكن الأزمة أن التوسع وإنشاء عدد أكبر من مستشفيات الصحة النفسية سيحتاج إلى أطباء لتشغيلها وهو غير متوفر لمحدودية عددهم فالأمر معقد، في ما يتعلق بالكلفة فكثير من الأماكن التي يحجز فيها المريض إذا احتاج إلى ذلك كلفتها مرتفعة لقطاعات كبيرة من الناس، ولكن المشكلة هنا هو أنه من أجل الاستمرار وتقديم خدمة طبية جيدة فهذا يحتاج إلى تمويل، العلاج النفسي مكلف بالفعل في بعض الحالات ويمثل أزمة لفئات من الناس ولكن يمكن أن تساعد بعض المبادرات التي تتبناها الدولة في هذا الأمر مثل مبادرة 100 مليون صحة التي تتضمن دعم الصحة النفسية".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير