Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصحة النفسية في السعودية... دعوات لتشخيص مبكر وخطط وقائية

ارتفاع الاضطرابات بين الشباب يستدعي فحصاً استباقياً وتعزيزاً للدعم المجتمعي المتخصص

ملخص

في تحذير لافت من آثار إهمال الصحة النفسية، أوصى استشاري الطب النفسي السعودي، الدكتور أحمد الألمعي، في حديث إلى "اندبندنت عربية"، بضرورة إدراج فحص الاضطرابات النفسية كأحد الشروط الأساسية في ثلاث مراحل محورية: ما قبل الزواج، وعند التعرض لصعوبات أكاديمية، وقبل الانخراط في الحياة المهنية.

في ظل الضغوط اليومية المتزايدة والتغيرات الاجتماعية المتسارعة، أصبحت الصحة النفسية من أبرز التحديات التي تواجه الأفراد والمجتمعات. ولم تعد هذه القضية مقتصرة على الجانب العلاجي فحسب، بل أصبحت محوراً أساسياً في السياسات الصحية والتعليمية والاجتماعية، خصوصاً مع تنامي الوعي بدورها المحوري في جودة الحياة وتحقيق الاستقرار المجتمعي.

ومع ارتفاع معدلات الاضطرابات النفسية بين فئة الشباب، تبرز الحاجة إلى تدخلات منهجية قائمة على أسس علمية، بدءاً من الفحص المبكر، وصولاً إلى تقديم العلاج والدعم النفسي المستدام.

تحذير محوري

وفي تحذير لافت من آثار إهمال الصحة النفسية، أوصى استشاري الطب النفسي السعودي، الدكتور أحمد الألمعي، في حديث إلى "اندبندنت عربية"، بضرورة إدراج فحص الاضطرابات النفسية كأحد الشروط الأساسية في ثلاث مراحل محورية: ما قبل الزواج، وعند التعرض لصعوبات أكاديمية، وقبل الانخراط في الحياة المهنية.

ورأى الألمعي أن هذه الخطوة ستسهم في خفض معدلات الجريمة، وتعزيز الاستقرار الأسري والمجتمعي، مشيراً إلى أن تجاهل الفحص المبكر قد يؤدي إلى تفاقم الأعراض وتدهور الحالة النفسية للمصاب ومن حوله.

مؤشرات مقلقة

أظهرت أحدث نتائج المسح الوطني لصحة الأطفال والمراهقين النفسية في السعودية، أن 40.1 في المئة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة يعانون من اضطرابات نفسية، مع انتشار أعلى بين الإناث.

وتصدّرت اضطرابات القلق قائمة الأمراض النفسية بنسبة بلغت 26.8 في المئة، تليها اضطرابات السلوك التخريبي بنسبة 11.2 في المئة. وتشمل هذه الاضطرابات حالات بسيطة مثل رهاب المصاعد أو الطيران، وقد تتطور إلى حالات شديدة مثل الذهان.

كما بيّنت دراسة نشرتها مجلة "جيلونا" الطبية، شملت 12 ألف طالب في السعودية، أن 14.2 في المئة يعانون من أعراض الاكتئاب، و6.7 في المئة من أعراض القلق بدرجات متفاوتة، بعضها موقت وقد يتطلب علاجاً نفسياً أو دوائياً.

اضطرابات الطفولة

يشدد الألمعي، وهو استشاري في الطب النفسي للأطفال والمراهقين، على خطورة تجاهل اضطرابات فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD)، التي تشكل نحو 70 في المئة من الاضطرابات النفسية في مرحلتي الطفولة والمراهقة في المملكة، لاسيما في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية.

وأشار إلى نقص حاد في عدد المتخصصين في بعض المناطق كالشمال والجنوب، ما يزيد من خطورة تفشي هذه الاضطرابات وسط غياب منظومة دعم واضحة.

وتتجلى أعراض فرط الحركة لدى الأطفال من خلال صعوبات في التعلم، عنف تجاه الإخوة، رفض الأوامر، سلوك عدواني في المدرسة، والتنمر أو السرقة، وهي عوامل تضع الطفل في دائرة العزلة الاجتماعية أو الطرد من الصفوف الدراسية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أهمية الكشف المبكر

لفت الألمعي إلى أهمية الكشف المدرسي المبكر خلال زيارات التطعيم الروتيني، باعتباره أداة فعّالة لرصد بعض الحالات مبكراً، مشدداً على أن جهل الأبوين بخطورة الحالة قد يؤدي إلى تفاقمها نتيجة التأخر في تلقي العلاج.

وأشار إلى أن الأمهات أكثر تجاوباً في التعامل مع التشخيص مقارنة بالآباء، إذ غالباً ما يظهر بعض الآباء رفضاً لتقبّل الأمر "هرباً من المسؤولية"، وفق تعبيره.

ودعا الألمعي إلى توفير مختصين نفسيين في جميع المدارس السعودية، حتى لو بشكل جزئي، على غرار بعض النماذج الأوروبية، مؤكداً أن بعض المدارس الخاصة والفكرية تطبق ذلك فعلياً.

الطفل غير المعالج قد يصبح زوجاً مضطرباً

وحذّر الألمعي من إهمال علاج الاضطرابات النفسية في الطفولة، لكون ذلك قد ينتج زوجاً أو زوجة مضطربين نفسياً في المستقبل، ويؤدي إلى تفكك الحياة الأسرية، مشيراً إلى أن الضغط الناتج من وجود طفل يعاني من اضطراب نفسي من دون علاج، قد يكون أحد العوامل المؤدية إلى الطلاق.

وأكد أن بعض الحالات المهملة قد تنحرف إلى سلوكيات خطيرة، من بينها تعاطي أو ترويج المخدرات والمسكرات، أو الانخراط في علاقات غير سوية، أو ارتكاب جرائم اندفاعية وعدوانية.

حماية استباقية

تشير تجارب دولية إلى نجاح نماذج مشابهة في بلدان مثل السويد وكندا، حيث تعتمد المدارس برامج دعم نفسي مبكر يشرف عليها مختصون، ما أسهم في خفض معدلات التسرب الدراسي وتحسين الأداء الأكاديمي. وتُظهر الدراسات في هذه الدول أن الاستثمار في خدمات الصحة النفسية ينعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني من خلال تقليل تكاليف العلاج في المراحل المتقدمة، وزيادة الإنتاجية الفردية.

وعن البالغين الذين لم يتلقوا العلاج في طفولتهم، أشار الألمعي إلى أن بعضهم يلجأ لاحقاً للعلاج بإرادته، بعد أن يواجه تحديات كبيرة في الحياة المهنية والشخصية أثرت في جودة الأداء والإنتاجية، مشيراً إلى أن نسبة كبيرة منهم من الإناث.

واعتبر أن إدراج الفحص النفسي ضمن اشتراطات الوظائف يشكل خطوة وقائية لحماية الفرد والمؤسسة من تداعيات محتملة، قبل أن تتفاقم المشكلات.

اقرأ المزيد

المزيد من صحة