Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

روايات على أنقاض المنازل… روبوتات متفجرة تدمر غزة

آلة الحرب الإسرائيلية سوت البنايات بالأرض وغيرت بالكامل شكل المربعات السكنية في القطاع

لخلق كل هذا الدمار استخدم الجيش الإسرائيلي الروبوتات المتفجرة (اندبندنت عربية)

ملخص

تحولت غزة إلى مدينة أنقاض بلا معالم ولا هوية والسر وراء ذلك أن الجيش الإسرائيلي لجأ لاستخدام الروبوتات المتفجرة لإعدام الحياة

في حارتها الشعبية وقفت ياسمين تائهة لا تعرف الطريق، كتل الأسمنت تتشابك بعضها مع بعض والشوارع مغطاة بالحجارة المتناثرة، مصدومة وربما تائهة كانت، تحاول البحث عن بيتها، فقد وردها اتصال هاتفي أبلغها بأن جزءاً من مسكنها قائم.

"تغيرت معالم مدينة غزة تماماً" تقول ياسمين، ولا تعرف أين بيتها، فالدمار الذي رأته فعلاً جعلها تجهل مناطقها التي عاشت فيها 30 سنة، وتحفظها عن ظهر قلب، وتعرف تفاصيل شوارعها وأزقتها، ولكن الزلزال العسكري الذي ضرب أحياء القطاع غير معالم المناطق.

نزوح وعودة

قبل 20 يوماً كانت مدينة غزة مكتظة بالسكان يعيش فيها 1.1 مليون نسمة، ولكن عندما بدأت عملية "عربات جدعون 2" العسكرية الإسرائيلية أجبر 600 ألف على النزوح قسراً نحو المناطق الإنسانية، ولم تمض إلا أسابيع قليلة حتى توصلت "حماس" وتل أبيب إلى اتفاق يوقف الحرب.

كانت الأسابيع القليلة التي توغل فيها الجيش الإسرائيلي داخل مدينة غزة كفيلة لتحويل أكبر مجمع حضري إلى أثر بعد عين، وضربت "الروبوتات المتفجرة" الأرض كالزلازل المتتالية، وسوت آلة الحرب البنايات بالأرض وغيرت بالكامل شكل المربعات السكنية.

مع توقف القتال، وفقاً لخطة ترمب للسلام، أعاد الجيش الإسرائيلي تموضعه في غزة، وبناء على ذلك عاد النازحون زحفاً لتفقد بيوتهم، كانت الفرحة تغمرهم ودفعهم ارتباطهم بمدينتهم إلى تكرار سيناريو المشهد ذاته الذي عادوا فيه إلى المدينة في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي.

ملامح مشوهة

عاد النازحون إلى مدينة غزة ولسان حالهم يقول "ليتنا لم نر ما حل بنا"، لقد تغيرت معالم المجمع الحضري تماماً، حتى إن الغزيين لم يتعرفوا إلى مناطقهم، إذ لم يبق من الأحياء والشوارع سوى أطلال، وطاول الدمار مناطق واسعة وأحياء كاملة، وشمل البنية التحتية بما فيها الطرق.

وهذه ياسمين تقول "بعد مسير امتد ساعات، صدمت من رؤية الأحياء المدمرة، فجعت من مشاهد البيوت المهدمة، وأصابني الذهول خلال البحث عن ملامح مدينتي، سيكون من الصعب على سكان الحي إقامة خيامهم في حال قرروا العودة، الطريق كلها ركام".

 

 

تقف ياسمين على أطلال بيت أحد جيرانها ولا تعرف صاحبه، تنظر نحو الشرق ترى مناطق السياج الفاصل الذي يربط القطاع بإسرائيل، تضيف "بعدما مسح الجيش الأحياء الشرقية، ولم يترك في المدينة سوى بعض الأجزاء الغربية، التي توقفت عندها آلة التدمير نتيجة دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ".

انهار في الطريق من المشاهد

الطريق وعرة جداً، ولهذا استغرق خميس نحو أربع ساعات للوصول إلى بيته، يقول "رأيت الدمار في حي الزيتون عندما وصلت إلى المدينة، وكنت أعتقد أنه لا يوجد منطقة مدمرة أكثر من ذلك، ولكن حين وصلت إلى مركز مدينة غزة، بدأت تتضح معالم الأحياء كلها ركام، ركام فقط من دون مبانٍ".

انهار خميس مكانه ولم يستطع إكمال طريقه إلا بعد نحو ساعة من شدة الصدمة، يقول "كان الدمار شاملاً، للبشر والحجر والشجر والأرصفة، حتى إن شظايا العربات المفخخة ظاهرة في كل زقاق وشارع، وأسقف المنازل تفتتت وأصبحت كالرماد".

لا شيء في مدينة غزة يصلح للحياة، ولا مكان يصلح للسكن، يضيف "قبل ’عربات جدعون 2‘، أي قبيل الاجتياح الإسرائيلي كانت هذه المناطق مدمرة جزئياً، لكن الأهالي رمموها بما استطاعوا من إمكانات، وأحاطوا جدران المنازل المهدمة بالشوادر والأخشاب، وفتحوا الأسواق والشوارع، واستعانوا بالطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، الآن الوضع مختلف تماماً، لا حياة".

يفكر خميس بالهجرة وينتظر فتح معبر رفح للمسافرين، فالأمر بالنسبة إليه يفوق طاقة الناس، ولن يستطيع مواطن بسيط إزالة ركام يحتاج إلى معدات لا تتوفر في القطاع، ولا يستطيع حتى نصب خيمة على أرض ليست مستوية، ولا استخراج المياه من بئر مدمرة.

ابتلع الدمار بيتها

بصعوبة تعرف أكرم إلى بيته المدمر جزئياً، إلى جانبه تقف زوجته تبكي بحرقة على الذكريات والمسكن، كانت في حال صدمة تذرف دموع حسرتها على تشرد جديد، تقول الزوجة هناء "يمثل البيت وطناً صغيراً، ومن دونه تنعدم فرحة العودة، فكيف تفرح عندما لا تجد مكاناً يؤويك، أو جدراناً تسترك".

طاول الدمار نصف بيت أكرم وأدى القصف إلى تدمير الدرج بالكامل، مما يجعل الصعود إلى الطوابق السليمة مستحيلاً، تضيف "ابتلع الدمار ملامح بيتي، قبل الحرب كانت المنطقة كلها عمراناً ولم نكن نستطيع رؤية مناطق السياج الفاصل، كانت الأبنية والعمارات الممتدة على مسافات طويلة تحجب الرؤية، الآن كلها دمرت، والدمار على مد البصر، انسحب الجيش ولم يترك أي معالم للحياة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عندما توقفت الحرب تسللت اكتمال خفية إلى بيت صديقتها، إذ كان الجيش الإسرائيلي يتجهز للانسحاب، والتقطت صوراً لمنزل جارتها، كان قائماً بأكمله اتصلت بها وأبلغتها بالخبر المفرح الذي يعد أعجوبة بأن تجد بيتاً قائماً.

نجا من الدمار لكن النار اشتعلت فيه

لكن عندما أعاد الجيش الإسرائيلي تموضعه في مدينة غزة، ذهبت اكتمال لتأمين البيت إلى حين عودة أصحابه، وجدت النار مشتعلة فيه، التقطت صورة جديدة وأرسلتها، وصلت حرارة النار المشتعلة لقلوب أصحاب البيت، ولكن حتى تهون الأمر أرسلت لها مقطعاً لحجم الدمار الكامل في الحي.

دمر الجيش الإسرائيلي أحياء الشيخ رضوان والكرامة وتل الهوا والصبرة والزيتون، بطريقة كأن زلزالاً أصابها وعلى رغم ذلك راح آلاف الغزيين بلهفة إلى مناطقهم للتحقق مما تبقى من منازلهم، حينها غابت الضحكات ونضب البكاء.

يقول جودة "أهل غزة هائمون كأنهم موتى يتحركون بحثاً عن أي حياة، إنهم يبحثون عن حياة في بحر من الأنقاض، أو كأن زلازل متتالية، ضربت مناطقهم".

السر في الروبوتات المتفجرة

في الواقع، ليس عبثاً دمر الجيش الإسرائيلي مدينة غزة، فقد توعد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس بتحويل المجمع الحضري الكبير إلى شاهد قبر لحركة "حماس"، وقال "سنحول مدينة غزة إلى مناطق تشبه بيت حانون شمالاً ورفح جنوباً".

لتدمير غزة بهذا الرعب، استخدم الجيش الإسرائيلي الروبوتات المتفجرة، يقول أستاذ السياسات العسكرية منصور أبو كريم "لجأت القوات إلى استخدام أسلحة ذكية تكنولوجية، بهدف خلق كل هذا الدمار، وصل مدى الروبوتات المفخخة لنحو 200 متر مربع، وبالتأكيد النتائج هي غزة مضروبة بالبركان والزلزال، وتحولت إلى مدينة أنقاض".

بحسب الأمم المتحدة فإن 80 في المئة من مباني مدينة غزة مدمرة بالكامل، ووفقاً للمكتب الإعلامي الحكومي فإن القطاع في حاجة إلى مستلزمات الإغاثة إذ 90 في المئة من خيام السكان مهترئة، ولن يجد الغزيون بيوتاً ولا معرشات ليعيشوا فيها.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير