ملخص
تنسب جهات اقتصادية كثيرة وازنة الوضع إلى البنك المركزي الروسي الذي يعتمد سياسة نقدية متشددة مع معدلات فائدة رئيسة مرتفعة بنسبة 20 في المئة، لاحتواء التضخم مهما كلف الأمر.
شهد منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي المنعقد في روسيا شداً وجذباً بين الحكومة الروسية والبنك المركزي الروسي أول من أمس الجمعة، وكان الخلاف حول الإجراءات الواجب اعتمادها لتنشيط الاقتصاد في ظل تباطؤ النمو، إثر تداعيات الحرب داخل أوكرانيا.
وعلى رغم أن الاقتصاد الروسي أظهر قدرة كبيرة على الصمود، لم تكن متوقعة في وجه العقوبات الغربية المتخذة منذ 2022 حتى العام الماضي رداً على الغزو الروسي لأوكرانيا، فإن الأوضاع تغيرت منذ بضعة أشهر، إذ لم تعد الاستثمارات الطائلة في المجمع الصناعي العسكري لدعم الجيش الروسي تكفي لتنشيط الاقتصاد.
احتواء التضخم مهما كلف الأمر
وتنسب جهات اقتصادية كثيرة وازنة الوضع إلى البنك المركزي الروسي الذي يعتمد سياسة نقدية متشددة مع معدلات فائدة رئيسة مرتفعة بنسبة 20 في المئة، لاحتواء التضخم مهما كلف الأمر.
إلى ذلك، لم يعد نهج رئيسة "المركزي" الروسي إلفيرا نابيولينا يلقى استحسان أصحاب الأعمال وبعض المسؤولين الحكوميين، إذ قال نائب رئيس الوزراء المكلف حقيبة الطاقة ألكسندر نوفاك إن "المؤشرات تظهر أنه من الضروري خفض معدلات الفائدة"، مشدداً على أن "الوقت حان لخفض نسب الفوائد الرئيسة" ومحذراً من "تفويت الفرصة"، قائلاً "الوضع الحالي مؤلم".
وخلال الربع الأول من العام تباطأ النمو إلى 1.4 في المئة، وهي أدنى نسبة له منذ الأشهر الثلاثة الأولى لعام 2023، وتعد الآفاق ضيقة مقارنة بالعام الماضي.
وأول من أمس الخميس، حذر وزير الاقتصاد الروسي ماكسيم ريشتنيكوف ضمن منتدى سان بطرسبورغ من أن الاقتصاد على وشك الدخول في ركود، وقدرته على الانتعاش ستكون رهن قرارات الدولة الروسية والمصرف المركزي، لا سيما في ما يخص نسب الفوائد".
تزايد عدد الشركات التي تواجه صعوبات مالية
وأقر ريشتنيكوف بوجود "تباطؤ وفقاً للأرقام"، محذراً من أن "روسيا على حافة الركود مع تزايد عدد الشركات التي تواجه صعوبات مالية، لا سيما بسبب قروض ممنوحة بأسعار فائدة مرتفعة جداً".
وهذه المرة الأولى التي يدق فيها وزير الاقتصاد الروسي ناقوس الخطر بهذه الصورة العلنية، على رغم ظهور مؤشرات إلى التراجع منذ أشهر عدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقبل يومين، عدَّ ماكسيم أوريشكين المستشار الاقتصادي للرئيس فلاديمير بوتين أن "نموذج النمو الروسي، المعتمد على نحو طارئ منذ 2022 لامتصاص الصدمات الناجمة عن العقوبات، بات منهكاً وينبغي إعادة النظر فيه".
وعلى رغم الانتقادات الآتية من جهات مختلفة، يصر "المركزي" الروسي على الإبقاء على سياسته في مجال الإقراض، في حين ما زال التضخم يقارب 10 في المئة.
الخفض السريع للفائدة لن يحدث تغييراً كبيراً
ومن جانبه قال مدير قسم السياسة النقدية في البنك الروسي أندري غانغان ضمن منتدى سان بطرسبورغ، إن "خفضاً سريعاً لنسب الفوائد الرئيسة لن يحدث على الأرجح تغييراً كبيراً على المدى القصير، ما خلا مستوى الأسعار ومعدل ارتفاعها".
وشهدت روسيا خلال الأسابيع الماضية تصاعداً ملحوظاً في التحديات الداخلية والخارجية على حد سواء، إذ تداخلت أزمات اقتصادية واجتماعية مع استمرار الصراع العسكري داخل أوكرانيا، مما يضع القيادة الروسية أمام معادلة صعبة بين متابعة الحرب والحفاظ على استقرار الداخل.
وعلى الصعيد الاقتصادي سجلت روسيا ارتفاعاً حاداً في أسعار المواد الغذائية، كان الأبرز ارتفاع سعر البطاطا بنسبة 166 في المئة هذا العام مقارنة بالعام الماضي، ويرجع ذلك إلى ضعف المحصول الذي تأثر بصورة كبيرة بنقص العمالة الزراعية نتيجة تجنيد عدد كبير من الشباب في الجيش، أو انضمامهم إلى مصانع الدفاع.
وتشير استطلاعات حديثة إلى أن 42 في المئة من الروس يتوقعون تحسناً في الأوضاع الاقتصادية خلال ثلاثة إلى خمسة أعوام، مقابل 10 في المئة يرون أن الأوضاع ستزداد سوءاً. وتبرز هذه النتائج أهمية الرأي العام في التوازن السياسي الذي يسعى إليه الكرملين للحفاظ على استقراره.
أنفقت روسيا على جيشها عام 2024 أكثر من مجموع إنفاق الدول الأوروبية الأخرى مجتمعة، وفق أحدث تقارير التوازن العسكري الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية International" Institute for Strategic Studies"، وهو مبلغ مذهل يبلغ 462 مليار دولار إذا جرى تعديله بحسب القوة الشرائية.
يشار إلى أن الاقتصاد الروسي يواجه تحديات كبيرة على رغم مرونته النسبية، إذ رفع البنك المركزي سعر الفائدة إلى 21 في المئة لكبح التضخم، مما يزيد صعوبة استثمارات الشركات ويبطئ النمو الاقتصادي المتوقع من أربعة في المئة إلى أقل من اثنين في المئة.
وفقد الروبل (العملة الروسية) أكثر من نصف قيمته خلال عقد من الزمن، وبات التضخم متفشياً مع ارتفاع فواتير الكهرباء 250 في المئة ووصول أسعار الفائدة إلى 21 في المئة.