Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النسخة السوفياتية لبوتين: مصالحة علييف ولم شمل آسيا الوسطى

الرئيس الروسي يتمسك بنهج بطرس الأعظم في استعادة ما وصل إليه من أراض

أقر بوتين أمام علييف للمرة الأولى بدور روسيا في تحطم طائرة ركاب أذرية عام 2024 (أ ف ب) 

ملخص

طوى الرئيسان بوتين وعلييف صفحة "تحطم طائرة آزال"، واعتقال مواطنين روس في أذربيجان، والمشكلات التي واجهتها الجالية الأذرية في روسيا، وكانت عصية على الحل وتعانق الرئيسان إيذاناً باستكمال مسيرة التعاون.

فيما يبدو أنه محاولة من جانب روسيا وقيادتها السياسية والعسكرية تستهدف لم شمل بلدان الفضاء السوفياتي السابق، عاد الرئيس فلاديمير بوتين إلى ما سبق واتخذه من خطوات "اتحادية" و"تصالحية" مع البلدان التي كثيراً ما ارتبطت بها بلاده بأواصر التعاون والصداقة على مدى عقود طويلة. وها هو بوتين يشد الرحال إلى العاصمة الطاجيكية "دوشنبه" للمشاركة في قمة بلدان آسيا الوسطي التي جمعت رفاق الأمس واليوم من قادة روسيا وطاجيكستان ومعهما كازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وتركمانستان.

ولم يقتصر الحضور على هذا "الجمع التقليدي"، حيث حرص الجميع على دعوة رؤساء أذربيجان وبيلاروس وأرمينيا، وكان بوتين سبق والتقى في موسكو على هامش المنتدى النووي رئيس حكومة أرمينيا لبحث ما شاب علاقات بلديهما من شوائب غربية الطابع، والتوجهات واضحة المقاصد التي لم تتوقف منذ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق.

بوتين يعتذر!

حشد بوتين أعضاء فريقه. وقال أندريه كوليسنيكوف مراسل "كوميرسانت" المدرج ضمن الفريق الصحافي المسؤول عن تغطية نشاطات الكرملين، إن "الجميع توافدوا على دوشنبه، باستثناء سيرغي لافروف وزير الخارجية، لكنه سيكون هناك قريباً".

كان مقرراً لقاء بوتين مع إلهام علييف رئيس أذربيجان بعد فراق طال لأكثر مما ينبغي، منذ تحطم الطائرة الأذرية بصاروخ روسي في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2024. انتظر علييف قرابة العام اعتذار بوتين. التقى الرئيسان في دوشنبه، وعلى رغم اجتماعهما ضمن ضيوف بكين خلال احتفالاتها بالذكري الـ80 لانتهاء الحرب العالمية الثانية، لم يتبادلا الحديث، واكتفى بوتين بإيماءة لم تبدد ما بين الرئيسين من خلاف.

لكن مرة أخرى يلتقي بوتين وعليف بين رحاب قصر الأمة وسط كم هائل من الزهور التي انتشرت بين ربوع القصر الرئاسي الطاجيكي، وبما يوحي بانفراجة طال انتظارها لأكثر مما كانا يتوقعان. كان علييف بادر بانتهاز فرصة حلول ذكرى ميلاد بوتين ليتصل به هاتفياً وليقدم تهانيه بهذه المناسبة مع أطيب أمنياته. وسرعان ما تلقى الإجابة المنشودة والتي جاءته خلال اللقاء الذي طال لما يقارب الساعة ونصف الساعة، كانت كافية لأن يوجز بوتين تفسيره لتأخر اعتذاره الذي طلبه علييف.

 

وننقل عن "كوميرسانت" ما قاله بوتين "أود أن أبدأ اجتماعنا بالموضوع الأكثر حساسية، مأساة الطيران التي وقعت في سمائنا. وحتى في تلك اللحظة، في مكالمتنا الهاتفية الأولى، لم أعتذر فقط عن وقوع المأساة في الأجواء الروسية، بل عبرت عن خالص تعازي لأسر الضحايا. أود أن أكرر هذا وأؤكده، وأقول إنه كما اتفقنا، سنقدم كل مساعدة ممكنة للتحقيق".

واستطرد بوتين قائلاً، "إن الأمر يرتبط بعدة ظروف. أولها وجود طائرة أوكرانية مسيرة في الجو. كنا نتتبع ثلاث طائرات مسيرة من هذا النوع في آن واحد، وقد عبرت الحدود الروسية ليلة وقوع المأساة"، مشيراً إلى أن السبب الثاني وهو ما شاب نظام الدفاع الجوي الروسي من أعطال فنية.

وأكد بوتين أن "الصاروخين اللذين أطلقا لم يصيبا الطائرة مباشرة، ولو حدث ذلك لكانت تحطمت على الفور، بل انفجرا... ربما كان انفجاراً ذاتياً... على بعد أمتار قليلة، في مكان ما حول 10 أمتار. وهكذا وقعت الإصابة، ولكن ليس بالأساس من الرؤوس الحربية، بل على الأرجح من حطام الصاروخين أنفسهما". "لهذا السبب ظن الطيار أنها اصطدام بسرب طيور، وأبلغ مراقبي الحركة الجوية الروسية بذلك، وكل هذا مسجل في ما يسمى الصناديق السوداء. كما عرض عليه، وهذا مسجل أيضاً في الصناديق السوداء، ويمكنك سماعه بوضوح، الهبوط في محج قلعة (عاصمة داغستان في شمال القوقاز)، لكنه قرر العودة إلى مطار بلاده في كازاخستان. ومع ذلك تبقى الحقيقة واقعة". ومضى الرئيس بوتين ليؤكد أنه على رغم مما حدث، "فإن مصالحنا المتبادلة في عديد من المجالات تتطابق، وهي قريبة جداً". وهكذا وبطبيعة الحال فإنه "سوف يجري اتخاذ كل ما يلزم في مثل هذه الحالات المأسوية من الجانب الروسي في ما يتعلق بالتعويضات، وسيجري تقييم تصرفات جميع المسؤولين قانونياً".

وبم رد إلهام علييف؟

الرئيس الأذري من جانبه استهل حديثه بالإعراب عن امتنانه، قائلاً "شكراً جزيلاً لك يا فلاديمير فلاديميروفيتش" (الصيغة المعروفة للمخاطبة الرسمية)، وهو ما علق عليه كوليسنيكوف بقوله "قالها، ربما من القلب". واستطرد علييف ليقول "أولاً، أود أن أعرب عن امتناني للقاء. وكما ذكرت أجرينا محادثة قصيرة في بكين". وسجل كوليسنيكوف ملاحظته "أن الحديث بين الرئيسين كان عابراً لدرجة أن كثيرين قالوا إنه لا أمل في تجاوز الأزمة". غير أن الرئيس الأذري استأنف حديثه قائلاً "وقبل يومين فحسب، اتصلت بك بمناسبة عيد ميلادك. وأود أن أغتنم هذه الفرصة لأهنئك مجدداً، وأتمنى لك ولأحبائك وللشعب الروسي الصديق كل التوفيق. أود أيضاً أن أشكركم على إشرافكم الشخصي على هذا الوضع. وكما ناقشنا مراراً، وأعضاء فرقنا على تواصل دائم، فأنتم تشرفون شخصياً على التحقيق، ولم يكن لدينا أدنى شك في أن التحقيق سيحل كل شيء بموضوعية". ومضى علييف ليقول "لذلك، أود أن أعرب مجدداً عن امتناني لرأيكم بضرورة مناقشة هذه المسألة في هذا الاجتماع".

وبعد فترة صمت لم تطل كثيراً عاد علييف ليقول، "إن الأمر المهم التالي هو... أنني أشكركم على ما قدمتم من معلومات، وأنا على ثقة بأن الرسائل التي نرسلها إلى شعبينا اليوم ستحظى بالقدر نفسه من الاستقبال الجيد".

 

وعن كوميرسانت أيضاً ننقل أن الرئيسين واصلا حديثهما على انفراد، قبيل انعقاد القمة "روسيا وبلدان آسيا الوسطي". استمر حديثهما لـ20 دقيقة أخرى. اتخذ إلهام علييف وفلاديمير بوتين مقعديهما في الردهة، قريباً من المخرج. وطال الحديث قرابة ساعة أخرى.

وهكذا طوي الرئيسان صفحة "تحطم طائرة آزال"، واعتقال مواطنين روس في أذربيجان، والمشكلات التي واجهتها الجالية الأذرية في روسيا، وكانت عصية على الحل. وتعانق الرئيسان إيذاناً باستكمال مسيرة التعاون، وبما يحفظ لموسكو موقعها الذي تستحقه، ومكانتها التقليدية في المنطقة، وبما يحول دون محاولات لا تنقطع من جانب "آخرين" يقفون على مقربة، ممن يمكن أن ينطبق عليه القول "من هواة الاصطياد في المياه العكرة"، في إشارة غير مباشرة إلى تركيا والولايات المتحدة.

علاقات التعاون الاقتصادي تحسم الخلاف

بدا واضحاً أن العلاقات التجارية الاقتصادية وحاجة البلدين كل منهما إلى الآخر، قد حسمت الموقف بين البلدين "الصديقين". أشار بوتين إلى أن العلاقات التجارية والاقتصادية بين روسيا وأذربيجان آخذة في التطور، على رغم بعض الفروق الدقيقة. وأكد علييف أن "جميع خرائط الطريق بين روسيا وأذربيجان تنفذ بنجاح"، واصفاً جدول الأعمال بين البلدين بأنه واسع وإيجابي.

وأشارت النتائج الإيجابية للجنة الحكومية الدولية للتعاون الاقتصادي، التي اجتمعت في مدينة أستراخان الروسية خلال أغسطس (آب) الماضي، إلى إمكانية حل الخلاف بين باكو وموسكو في وقت قريب. كما أن حجم التجارة بين البلدين ارتفع بنسبة تقارب 40 في المئة على أساس سنوي خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى أبريل (نيسان) الماضيين فحسب، وبنسبة 16.2 في المئة في النصف الأول من العام الحالي، ليصل إلى 2.52 مليار دولار.

 

وبهذه المناسبة تقول الإحصاءات إن "روسيا تحتل المرتبة الثالثة بين شركاء أذربيجان التجاريين، بعد إيطاليا وتركيا. وتتجاوز حصة روسيا من تجارة أذربيجان 10 في المئة. وتعمل في أذربيجان أكثر من 1800 شركة برأس مال روسي، ويجري تنفيذ عشرات المشاريع الاستثمارية، بما في ذلك مشاريع في مجال إنتاج المنتجات ذات القيمة المضافة العالية".

قمة "روسيا – آسيا الوسطى"

حرص الرئيس بوتين على التمسك بما تعهده في خطابه الذي ألقاه في ذكري ميلاد بطرس الأعظم مؤسس روسيا الحديثة، حين أكد تمسكه بما سبق وأحرزه بطرس الأول من انتصاراًت. وقال إنه يحذو حذو بطرس الأول، وإنه يحرص على استعادة لملمة ما وصل بطرس الأعظم إليه من أراض.

من هنا فإن بوتين "يدعم توسيع رابطة الدول المستقلة" أو (رابطة بلدان الكومنولث)، قائلاً "نحن ندعم القرار الأساس الذي جرى اتخاذه اليوم لإنشاء شكل جديد من العمل (رابطة الدول المستقلة+). إن الشكل الجديد سيسمح بمشاركة أكثر نشاطاً للدول الأخرى في أنشطة رابطة الدول المستقلة".

وكما نجح بوتين في تصفية الخلافات التي نجمت عن تحطم طائرة "آزال"، بما صدر عنه من اعتذار وتعهد دفع التعويضات، تمكن أيضاً من إعادة نيكول باشينيان رئيس حكومة أرمينيا إلى صفوف الكومنولث بعدما كان جنح نحو الاتحاد الأوروبي، إلى جانب رحلته مع "غريمه" الرئيس الأذري إلهام علييف إلى البيت الأبيض وتوقيع اتفاق كان تكراراً لما سبق ووقعه معه في أعقاب مواجهة مسلحة فقدت أرمينيا خلالها سابق ما أحرزته من انتصارات في تسعينيات القرن الـ20، بما في ذلك اقتطاع مقاطعة "قره باغ" التي أعلنت انفصالها عن أذربيجان من جانب واحد، وهو ما تناولته "اندبندنت عربية" في تقرير سابق لها من موسكو.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن هنا فقد حضر اجتماع القمة في دوشنبه رؤساء كل بلدان الفضاء السوفياتي السابق ممن وقفوا وراء تشكيل هذه الرابطة في أعقاب الإعلان عن انهيار الاتحاد السوفياتي السابق. وأكد بوتين "أن دول رابطة الدول المستقلة لم تنجح في الحفاظ على "منصة للتواصل" فيما بينها وحسب، بل وأيضاً في إنشاء سوق مشتركة ومساحة إنسانية. وارتفع حجم التبادل التجاري بين روسيا ودول رابطة الدول المستقلة بنسبة سبعة في المئة ليصل إلى 112 مليار دولار أميركي عام 2024. وتجرى جميع التسوياًت المتبادلة تقريباً بالعملات الوطنية". وأشار بوتين إلى أن دول "رابطة الدول المستقلة" لا تمتنع عن استخدام أدوات الدفع والعملات الأخرى، قائلاً "هذا ببساطة يعزز استقلالنا وسيادتنا".

وماذا بعد؟

لم يكتف بوتين بما أحرزته قمة دوشنبه من إنجازات، بل قال أيضاً إن روسيا ستدعم أي جهة ترغب في إدخال أدوات وآليات جديدة تعزز قدرات دول رابطة الدول المستقلة، موضحاً أهمية إحلال الواردات "الابتكار والرقمنة والاستخدام الشامل والعقلاني للموارد الطبيعية أمور مهمة هنا - وهذا أمر لا جدال فيه". وأضاف، أن مكافحة الإرهاب والتطرف مجال عمل مهم، قائلاً "وبالطبع، لا يسعني إلا أن أتفق، كما قال إلهام حيدروفيتش (علييف)، على أهمية تعاوننا في المجال الإنساني".

الرئيس الروسي دعا نظراءه من زعماء بلدان رابطة الدول المستقلة أيضاً إلى سانت بطرسبورغ لحضور اجتماع تقليدي قبل حلول عام 2026، وقال "لقد تبادلت بالفعل المعلومات مع بعض زملائي، وأطلعتهم على نتائج عملنا في أنكوريج في ألاسكا، مع الأميركيين حول تسوية الوضع في أوكرانيا. ستتاح لنا فرصة اللقاء مجدداً في جو أكثر حميمية، وأود أن أطلعكم بمزيد من التفصيل في هذه المجموعة الصغيرة على النتائج، التي ننظر إليها عموماً بإيجابية. وسنبني بالتأكيد عملنا اللاحق لحل النزاع في أوكرانيا على المبادئ الأساسية التي ناقشناها في ألاسكا".

هذا وجرى في ختام أعمال القمة التوقيع على الاتفاقات التي شملت برامج التعاون لتعزيز أمن الحدود الخارجية لرابطة الدول المستقلة للفترة 2026-2030، ومكافحة الإرهاب والتطرف للفترة 2026-2028، وبرنامجاً للتعاون العسكري حتى عام 2030.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير