ملخص
"لولا وجود الرهائن لما كان هناك انتظار لموقف ’حماس‘ ولكانت صياغة الأمور وإداراتها مختلفة تماماً، حتى مع طرح الخطة الجديدة للرئيس الأميركي دونالد ترمب".
منذ عامين متواصلين، لم تترك عيناف زانغاوكر (55 سنة) والدة ماتان زانغاوكر المحتجز لدى حركة "حماس" داخل قطاع غزة أية تظاهرة أو احتجاج أو مؤتمر، على مستوى إسرائيل وخارجها للمطالبة بإنهاء الحرب وإطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة، إلا وشاركت به. فهي منذ أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 تقود عائلات الرهائن يوماً للخروج في إضرابات حافلة إلى شوارع المدن في أنحاء إسرائيل، للمطالبة بإنهاء الحرب وإطلاق سراح المختطفين. وقامت خلال أغسطس (آب) الماضي، بإقامة حفل زفاف وهمي لابنها المختطف في ساحة الرهائن وسط تل أبيب، للإشارة إلى أنه يستحق الحرية والحياة كغيره من الإسرائيليين المحتجزين لدى "حماس"، متهمة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بأنه "يستغل دماء المختطفين كأداة سياسية للتمسك بالحكم".
وكشف استطلاع حديث للرأي أجرته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أن أكثر من نصف الإسرائيليين (52 في المئة) لا يثقون برئيس الوزراء المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، لارتكابه جرائم حرب في غزة، وطالب 53 في المئة من الإسرائيليين بإنهاء الحرب داخل غزة والتركيز على إعادة المحتجزين من هناك.
ووفقاً لموقع "تايمز أوف إسرائيل" تحتجز "حماس" داخل قطاع غزة 48 رهينة، بينهم 47 من أصل 251 اختطفوا خلال السابع من أكتوبر 2023. وضمنهم جثث ما لا يقل عن 26 شخصاً أكد الجيش الإسرائيلي مقتلهم. ويعتقد أن 20 منهم على قيد الحياة، وهناك مخاوف بالغة على سلامة اثنين آخرين. وبحسب تصريحات مسؤولين إسرائيليين، تحتجز "حماس" أيضاً جثة جندي إسرائيلي قتل داخل غزة عام 2014. وخلال وقف إطلاق النار بين يناير (كانون الثاني) ومارس (آذار) الماضيين، أفرجت "حماس" عن 30 رهينة منهم 20 مدنياً إسرائيلياً وخمس مجندات وخمسة مواطنين تايلانديين وجثث ثماني رهائن إسرائيليين قتلوا، ورهينة إضافي، مواطن أميركي - إسرائيلي، خلال مايو (أيار) الماضي كـ"لفتة" للولايات المتحدة. وخلال هدنة استمرت أسبوعاً أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 أفرجت الحركة عن 105 مدنيين، وأفرجت عن أربع رهائن قبل ذلك خلال الأسابيع الأولى من الحرب. وفي المقابل، أفرجت إسرائيل عن نحو 2000 سجين فلسطيني ومشتبه فيهم من غزة اعتقلوا خلال الحرب. وبحسب ما نشره الجيش الإسرائيلي، أنقذت القوات الإسرائيلية ثماني رهائن أحياء من الأسر، وتمت استعادة جثث 51 شخصاً، من بينهم ثلاثة قتلوا خطأً على يد الجيش الإسرائيلي أثناء محاولتهم الفرار من خاطفيهم، ورفات جندي آخر قتل عام 2014. ورفضت حركة "حماس" تقديم قائمة بأسماء الرهائن الذين ما زالوا على قيد الحياة، ولم تقدم علامات الحياة إلا لبعض الأسرى، في حين أعلنت "كتائب عز الدين القسام" الجناح العسكري للحركة خلال الـ28 من سبتمبر (أيلول) الماضي انقطاع التواصل مع رهينتين إسرائيليين. وقالت ضمن بيان عبر حسابها على منصة "تيليغرام" إن التواصل انقطع مع "عمري ميران ومتان إنغريست نتيجة العمليات العسكرية والاستهدافات العنيفة في حيي الصبرة وتل الهوا خلال الساعات الأخيرة". وأضاف البيان "حياة الأسيرين في خطر حقيقي وعلى الجيش التراجع فوراً وإيقاف الطلعات الجوية حتى تتم محاولة إخراج الأسيرين، وقد أعذر من أنذر".
غضب إسرائيلي
وفي خضم التصعيد العسكري المستمر داخل غزة، وتصاعد قضية الرهائن لدى "حماس" كأحد أخطر الملفات وأكثرها حساسية بالنسبة إلى الإسرائيليين، يؤكد مسؤولون عسكريون بحسب تقرير نشرته القناة الـ"12" الإسرائيلية قبل أيام، أنهم لا يعرفون بالتحديد مواقع الرهائن المحتجزين داخل قطاع غزة حالياً، وهي تصريحات رأت عائلات المحتجزين أنها تتناقض مع التأكيدات العلنية الأخيرة من القادة السياسيين والعسكريين، الذين قالوا إن الحملة العسكرية في غزة تنفذ بعناية داخل مناطق يعتقد أنها تضم رهائن. وأدت هذه الرؤى المتضاربة إلى إثارة عضب العائلات، التي حذرت بدورها نتنياهو ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر من محاولة عرقلة خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب مجدداً للحل في غزة. وخلص استطلاع معهد الأمن القومي في إسرائيل إلى أن 61 في المئة من الإسرائيليين يرون أن استعادة الرهائن غير ممكنة إلا بصفقة تنهي الحرب، وأضاف الاستطلاع أن 68 في المئة من الإسرائيليين يرون أن الحكومة ليست لديها خطة لإنهاء الحرب، بينما عبر 65 في المئة من المشاركين في الاستطلاع أن قرار السيطرة على غزة لا يقرب استعادة الرهائن. وقالت والدة نمرود كوهين المحتجز لدى حركة "حماس" في غزة، أثناء اجتماع خاص مع رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر ميريانا سبولياريتش، برفقة أمهات الرهائن أرييل ديفيد كونيو وجاي جيلبوا كالال وإفيتار ديفيد، إن "الحل الوحيد لإعادة نمرود والرهائن الآخرين إلى ديارهم هو إنهاء الحرب وتوقيع اتفاق". وفي المقابل، أظهرت نتائج استطلاع آخر للرأي العام أجرته صحيفة "معاريف" نهاية أغسطس الماضي، أن 45 في المئة من الإسرائيليين يعتقدون أن إغلاق الطرق والاضطرابات خلال التظاهرات والاحتجاج الشعبي يضر بجهود تحرير الرهائن. وانتقد نتنياهو خلال أغسطس الماضي احتجاجات عائلات الرهائن، زاعماً أنها تقوي موقف "حماس" التفاوضي وتبطئ تحقيق النتائج. في حين لم يحدد سياسة حكومية واضحة لضمان إطلاق سراح الرهائن. وذكرت القناة الـ"13" الإسرائيلية أن رئيس الأركان إيال زامير سلم نتنياهو مذكرة سرية مباشرة، أكد فيها أن الهجوم العسكري على غزة، يعرض الرهائن والجنود للخطر، فيما قالت القناة "السابعة" الإسرائيلية، نقلاً عن مصادر لم تكشفها، إن بعض المختطفين محتجزون في المنازل وبعضهم داخل الخيام في غزة. ونشرت حركة "حماس" حديثاً مقطعين مصورين، يظهر الأول رهينتين اثنين يتجولان بواسطة مركبة قرب مبنى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، داخل مدينة غزة، فيما بين المقطع الثاني الرهينة جاي جيلبوا كالال يقول إن "هناك ثماني رهائن آخرين محتجزين أيضاً في مدينة غزة سيموتون هنا إذا استمر الهجوم".
منعطف جديد
ويرى محللون أن الحركة استخدمت الرهائن ضمن هذا المفهوم كسلاح رئيس، وضع القادة السياسيين والعسكريين في موقف حرج لا يمكن الفوز فيه، إذ إن كل عملية عسكرية في غزة الآن قد تعرض حياة الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى "حماس" خارج الأنفاق لخطر حقيقي، وبخاصة أن الحركة عقب توسع الجيش الإسرائيلي في عملياته العسكرية بمدينة غزة، وإعلانه ضربها بطريقة "غير مسبوقة"، نشرت صورة لـ47 رهينة محتجزين لديها، وعلقت بالقول "بسبب تعنت نتنياهو وخضوع زامير، صورة وداعية إبان بدء العملية في غزة". وترى الضابطة السابقة في وحدة الاستخبارات الإسرائيلية الخاصة نوجا هاليفي أن عملية احتجاز الرهائن غير المسبوقة التي نفذتها "حماس" شكلت منعطفاً جديداً لعمليات الاختطاف في الحروب الحديثة، وأكدت في تحليل نشره موقع "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" أن "حماس" حولت الرهائن إلى أدوات للتأثير النفسي بهدف شل القيادة الإسرائيلية وتفكيك التماسك المجتمعي، من خلال الاستنزاف العاطفي والتلاعب بالسرديات الدولية عبر تسليح التعاطف".
وعدت هاليفي التي قادت قسماً في وحدة التفاوض خلال أزمات الرهائن الإسرائيلية عقب هجوم السابع من أكتوبر 2023 أن الأثر الصادم لاختطاف الرهائن تجاوز أسر المختطفين، وتردد صداه في جميع أنحاء الرأي العام الإسرائيلي، الذي يقع بين الرغبة في حل عسكري ينهي تهديد "حماس" وبين أخطار تعريض حياة المختطفين في غزة للخطر. وطالبت "صانعي السياسات الإسرائيليين" بتجاوز النظرة التقليدية إلى الرهائن بوصفهم "دروعاً بشرية" أو أوراق مساومة، و"الاعتراف بهم بوصفهم أدوات في استراتيجية أوسع للحرب النفسية". وخلال وقف إطلاق النار الأخير أوائل عام 2025، أحضرت "حماس" جاي جيلبوا كالال وإيفياتار ديفيد إلى نقطة نقل الرهائن، لمشاهدة إطلاق سراح رهائن آخرين وبحسب مقطع الفيديو الذي نُشر حينها، فقد عاد الشابان إلى الأنفاق حيث كانا محتجزين وهما يبكيان بحرقة. وبحسب هاليفي فإن وجود الرهينتين بهذا الموقف "لم يكن مجرد حادثة لوجيستية، بل كان عملاً متعمداً من ’حماس‘ يهدف إلى تعميق معاناة الرهائن وأسرهم لزيادة الضغط النفسي على المجتمع الإسرائيلي، وخلق شرح بين مكوناته وأطيافه التي شككت في قدرة الحكومة الإسرائيلية على تحرير الرهائن، لدرجة أن التآزر بين عائلات الرهائن تراجع إثر شعورهم بأن بعض الرهائن حظوا بأولوية أكبر من غيرهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورقة ضغط
ومع دخول الحرب عامها الثالث وتكثيف إسرائيل العمليات العسكرية داخل القطاع في ظل عدم التوصل إلى اتفاق واضح لوقف إطلاق النار حتى الآن، تلوح "حماس" بالرهائن كورقة ضغط استراتيجية، قادرة على جر إسرائيل إلى حرب استنزاف طويلة الأمد، سياسية وعسكرية، تحمل تداعيات عميقة، كما أن إدارة ملف الرهائن بنجاح يمكن أن يمنح "حماس" زخماً سياسياً إقليمياً، خصوصاً إذا استطاعت عبر وساطات عربية ودولية فرض شروط إنسانية أو سياسية على إسرائيل، إذ لا يمكن بأية حال من الأحوال التوصل إلى أية تسوية أو تهدئة أو وقف إطلاق نار إلا بالوقوف ملياً عند ملف الرهائن الذي تتشبث به "حماس" للتأثير في المشهد الميداني. ويرى المحلل السياسي في الشؤون الإسرائيلية عصمت منصور أن قضية الرهائن التي كانت ولا تزال جزءاً من استراتيجية "حماس" استنزفت إسرائيل داخلياً وخارجياً، لا سيما في ظل الضغوط الشعبية التي تمارسها عائلات الرهائن والرأي العام الإسرائيلي. وعد منصور أن ملف الرهائن الذي بات ورقة قوة لدى "حماس"، أسهم في إطالة أمد الحرب وتحول لعقدة في المفاوضات، وبخاصة أن الحركة ربطته بوقف الحرب وشروط سياسية أخرى. وأكد منصور أنه "لولا وجود الرهائن لما كان هناك انتظار لموقف ’حماس‘ ولكانت صياغة الأمور وإداراتها مختلفة تماماً حتى مع طرح الخطة الجديدة للرئيس الأميركي دونالد ترمب"، منوهاً بأن "الملف بالغ الأهمية وقد يكون سبباً لتفجير الأوضاع واستمرار الحرب أو إيقافها".
ويخشى إسرائيليون أن تصبح سياسة الاختطاف الجماعي التي نفذت خلال السابع من أكتوبر 2023 وما قد ينتج منها من تنازلات أو تعاطف دولي أو نفوذ دبلوماسي للفلسطينيين، دافعاً لتكراره مستقبلاً سواء من الحركة أو فصائل فلسطينية أخرى. وقالها أحد قادة "حماس" غازي حمد مطلع الحرب "طوفان الأقصى هو المرة الأولى فقط وسيكون هناك مرة ثانية وثالثة ورابعة، لأننا نملك العزيمة والهمة والقدرة على القتال".