ملخص
مخاوف الأميركيين تتوسع في شأن تباطؤ الاقتصاد وتوقعات بنمو الناتج المحلي بنسبة 4 في المئة خلال الربع الحالي
تشير بيانات حديثة لوزارة التجارة الأميركية إلى أن إنفاق المستهلكين ارتفع بنسبة 0.6 في المئة خلال أغسطس (آب) الماضي، وعلى رغم أن هذه النسبة قد لا تبدو كبيرة، فإنها تمثل نمواً أقوى بكثير مما توقعه الاقتصاديون.
لم يكن التقرير استثناءً، إذ ارتفعت مبيعات التجزئة أيضاً بنسبة 0.6 في المئة خلال أغسطس، وأثبتت أرباح ومبيعات الشركات مرونتها في الربع الماضي، إذ أفاد عديد من الشركات بأن العملاء يواصلون التعامل معها على رغم المخاوف في شأن تباطؤ الاقتصاد.
وأظهر تقرير حديث حول الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني، وهو أوسع مقياس للنمو الاقتصادي الأميركي، أن الناتج المحلي الإجمالي نما بأسرع معدل في ما يقارب عامين، مدعوماً بقوة إنفاق المستهلكين.
مع ذلك لا تزال تقييمات هذا الاقتصاد في أسوأ حالاتها، وأفادت جامعة ميشيغان، أن مؤشر ثقة المستهلك انخفض إلى مستوى 55.1، وهو سابع أدنى قراءة منذ عام 1952. وهذا ليس مفاجئاً بالنظر إلى استمرار ارتفاع الأسعار تدريجاً، مما يسبب للأميركيين اضطراب ما بعد الصدمة نتيجة أزمة التضخم التي أعقبت الجائحة، والتي أدت إلى ارتفاع الأسعار بصورة حادة خلال منتصف ولاية الرئيس السابق جو بايدن.
الناتج الأميركي يتجاهل سلسلة أزمات خانقة
يصنف الأميركيون الاقتصاد باستمرار على أنه القضية الأهم للبلاد، ومع استمرار ارتفاع الأسعار - إذ صعد معدل التضخم السنوي إلى 2.9 في المئة في أغسطس، وهو الأعلى منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، وفقاً لبيانات مكتب إحصاءات العمل الصادرة في وقت سابق من هذا الشهر - فإن رأيهم في الاقتصاد يتراجع بسرعة.
الأمر غير المساعد يتمثل في تعريفات الرئيس دونالد ترمب الجمركية، وعلى رغم أن استطلاعات الرأي تظهر أن التعريفات الجمركية هي القضية الأقل تقييماً بالنسبة إليه - بفارق كبير - فإن ترمب يواصل تعزيز سياسته التجارية الاستثنائية. وقبل أيام، أعلن ترمب عن تعريفات جمركية جديدة على الأدوية والأثاث والشاحنات والخزائن، ووعد بفرض المزيد.
وأظهرت تقارير أسعار المستهلك الأخيرة أن تعريفاته الجمركية مسؤولة جزئياً عن انتعاش التضخم البطيء، ولكن الثابت.
يضاف إلى ذلك توقف التوظيف تماماً، إذ فقدت السوق الأميركية بالفعل وظائف في يونيو (حزيران) الماضي، وهي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك في أي شهر منذ ديسمبر (كانون الأول) 2020.
ومع ذلك لا يزال الاقتصاد الأميركي يزدهر، إذ تتوقع أداة "جي دي بي ناو"، التابعة لبنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا أن ينمو الاقتصاد الأميركي بمعدل سنوي يقارب 4 في المئة خلال هذا الربع، الذي ينتهي الثلاثاء المقبل، وهو إنجاز مذهل بالنظر إلى المزيج الضار من تباطؤ التوظيف، وارتفاع الأسعار، وارتفاع أسعار الفائدة، وضعف ثقة المستهلكين.
ما الذي يبقي الاقتصاد مستمراً؟
السؤال الأهم يتمثل في كيف يمكن للاقتصاد أن يحصل على هذه النتائج السيئة على رغم نموه بهذه الوتيرة القوية؟ جزء من الإجابة يكمن في "الاهتزازات"، ذلك المصطلح الغامض الذي يستخدم بكثرة لوصف سلوك استهلاكي مماثل خلال أزمة التضخم الأخيرة.
وعلى رغم انخفاض معنويات المستهلكين إلى مستويات قياسية (أقل بقليل من مستوياتها الحالية)، استمر الناس في إنفاق أموالهم خلال عامي 2022 و2023 كما لو لم يحدث شيء، وكانت الوظائف وفيرة، فيما لا يزال لدى الأفراد كثير من مدخرات فترة الجائحة، لذا قللوا من مشترياتهم التقديرية، لكنهم استمروا في شراء ما يحتاجون إليه.
قد تكون البيانات الاقتصادية تسير في الاتجاه الخاطئ، لكنها لا تزال قوية نسبياً، فالتضخم آخذ في الارتفاع، لكنه يزداد ببطء شديد، وهو بعيد كل البعد من معدله السنوي البالغ 9.1 في المئة لعام 2022، وهو أعلى مستوى له في أربعة عقود. نمو الوظائف يتباطأ، لكنه لا يزال ينمو، والبطالة لا تزال منخفضة تاريخياً، ولا يزال عديد من الأميركيين يعتمدون على أسعار فائدة منخفضة للغاية على القروض العقارية في فترة الجائحة، مما يساعدهم على تحمل ارتفاع الأسعار.
في مذكرة بحثية حديثة، قال الاقتصادي في "نيشن وايد فاينانشيال ماركتس"، أورين كلاشكين، "يتناقض الشعور المتشائم بصورة صارخة مع البيانات المالية المشجعة على رغم شعورهم بالسلبية، يواصل المستهلكون الإنفاق. نحن نثق أكثر في البيانات المالية المشجعة أكثر من البيانات المالية غير المشجعة".
وهناك سبب آخر لضعف التصنيفات في اقتصاد جيد، فالأميركيون الأثرياء يحققون أداء جيداً، بينما يعاني ذوو الدخل المحدود. ويطلق الاقتصاديون على هذا الاقتصاد اسم "اقتصاد على شكل حرف كيه". وفي وقت سابق من هذا الشهر، علق رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول على هذه الظاهرة، وكيف يمكن أن يساعد هذا التقسيم الاقتصاد ككل، حتى لو كان كثير من الناس يعانون. وقال باول "كانت أرقام إنفاق المستهلكين أعلى بكثير من التوقعات، وقد يكون ذلك منحازاً نحو المستهلكين ذوي الدخل المرتفع. هناك كثير من الأدلة غير الرسمية التي تشير إلى ذلك... مع ذلك فهو إنفاق. لذا أعتقد أن الاقتصاد يتقدم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبغض النظر عن الأسباب فإن استمرار المستهلكين في الإنفاق يعد بلا شك خبراً ساراً، فالناتج المحلي الإجمالي الأميركي يشكل أكثر من ثلثيه إنفاق المستهلكين، وطالما استمر الأفراد في الإنفاق، سيظل الاقتصاد الأميركي الضخم والمتنوع يعمل بكفاءة.
لماذا قد يتوقف الاقتصاد عن التعافي؟
بالطبع، تحدث حالات ركود أحياناً، وهناك كثير من علامات التحذير الصادرة من جميع قطاعات الاقتصاد الأميركي. فقد شهد التوظيف ركوداً على مدار عام، وانخفضت مكاسب الوظائف الشهرية أخيراً إلى ما دون القدر اللازم لمواكبة الزيادة السكانية في أميركا.
وارتفع معدل البطالة بين السود بصورة حادة في الأشهر الأخيرة، وهو ما ينذر غالباً بتسريحات واسعة النطاق للعمال. وإذا تحول نمو الوظائف إلى فقدان وظائف، فقد يشهد الاقتصاد الأميركي تحولاً مفاجئاً.
أيضاً، يهدد الإغلاق الحكومي الوشيك بزعزعة التوازن الاقتصادي، بخاصة إذا نفذت إدارة ترمب تهديدها بإلغاء آلاف الوظائف الحكومية بصورة دائمة، والتي سيتم تسريحها موقتاً.
وهناك ما يدعو إلى الشك في أن الإنفاق ربما يكون قد ارتفع بصورة مصطنعة في الأشهر الأخيرة، وعلى سبيل المثال، يعد أغسطس شهر العودة إلى المدارس، إذ لا يملك كثر خياراً سوى الإنفاق، وقد تصبح الأشهر القليلة المقبلة صعبة إذا استمر تراجع ثقة المستهلك واختار الأميركيون ضبط إنفاقهم.
وقال كلاشكين "أصبح المستهلكون أقل ريبة في شأن مسار التضخم المستقبلي، لكن الكثيرين يتوقعون ارتفاع الأسعار إلى جانب تباطؤ نمو الدخل وارتفاع الأسعار وأسعار الفائدة، من المفترض أن يسهم هذا في اعتدال نمو الإنفاق الاستهلاكي".
وينفق عديد من الأميركيين مبالغ طائلة على بطاقات الائتمان وقروض "اشترِ الآن وادفع لاحقاً"، والتي تحمل أسعار فائدة فلكية. وانخفضت درجات الائتمان العام الماضي بأسرع وتيرة منذ الركود الكبير مع ارتفاع كلفة المعيشة واستئناف سداد ديون الطلاب المؤجلة منذ فترة طويلة.
في غضون ذلك، تواصل الأسهم ارتفاعها إلى مستويات قياسية، مما يمنح المستثمرين شعوراً قوياً بالحصانة، لكن الأسهم وصلت إلى مستوى قياسي آخر: سعرها النسبي مقارنة بتوقعات مبيعات الشركات وأرباحها. ويشير ذلك إلى أن السوق أصبحت مكلفة للغاية، وربما يكون في فقاعة ناجمة عن الذكاء الاصطناعي قد تكون على وشك الانفجار.
ولا تزال الرسوم الجمركية تشكل تهديداً للاقتصاد أيضاً، فعلى رغم انخفاض التضخم نسبياً بعد فرض ترمب رسوماً جمركية تاريخية، قد تضطر الشركات قريباً إلى تحميل المستهلكين مزيداً من كلفتها الإضافية. وتظهر تقارير أسعار المنتجين الأخيرة أن تجار الجملة يتحملون جزءاً كبيراً من كلفة الرسوم الجمركية، لكن هوامش أرباحهم تتعرض لضغوط كبيرة. وقدر الاقتصادي في "سيتي غروب" ناثان شيتس أن المستهلكين تحملوا ما بين 30 و40 في المئة فقط من كلفة الرسوم الجمركية، وقد يتغير هذا التوازن قريباً مع مطالبة مساهمي الشركات بنمو الأرباح.