Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قنبلة الديون المؤجلة: الأسواق الناشئة على حافة اختبار عالمي صعب

قفزت إلى أكثر من 109 تريليونات دولار حتى منتصف عام 2025 ومحللون يحذرون من ارتدادات على النمو والاستقرار النقدي

دفعت الدول النامية نحو 1.4 تريليون دولار خلال العام الماضي لسداد فوائد وأقساط ديون (اندبندنت عربية)

ملخص

يشهد الاقتصاد العالمي ضغوطاً متزايدة مع تضخم ديون الأسواق الناشئة إلى مستويات قياسية، وسط مخاوف من انتقال العدوى المالية وتباطؤ النمو، فيما يرى خبراء أن استدامة هذه الأعباء مرهونة بإصلاحات هيكلية وحلول جماعية عاجلة.

يتجه الاقتصاد العالمي خلال عام 2025 نحو مرحلة تباطؤ جديدة، وفق تقديرات البنك الدولي وصندوق النقد، في ظل استمرار الضغوط التضخمية وارتفاع أسعار الفائدة، وتزايد الاضطرابات الجيوسياسية.

وبينما تستعد الاقتصادات الكبرى لمعدلات نمو أقل من ثلاثة في المئة، تبدو الدول الناشئة في وضع أكثر هشاشة نتيجة ارتفاع كلفة الاقتراض وتراجع تدفقات الاستثمار الأجنبي.

ويطرح هذا المشهد أسئلة جوهرية حول قدرة تلك الدول على الصمود، وما إذا كان العالم مقبلاً على دورة ركود ممتدة أم مجرد تباطؤ عابر؟

إلى ذلك، تظهر أحدث التقديرات أن النمو العالمي سيتراجع إلى حدود 2.4 في المئة خلال عام 2025، وهو أدنى مستوى منذ جائحة "كوفيد 19" باستثناء فترة أزمة الديون.

ويعود ذلك إلى تزايد أعباء خدمة الدين على الحكومات، وتباطؤ التجارة العالمية نتيجة تصاعد السياسات الحمائية، إضافة إلى تراجع الطلب في الاقتصادات الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين.

انعكاسات على الدول الناشئة

في الأثناء تواجه الأسواق الناشئة تحديات مضاعفة، أبرزها ارتفاع كلفة التمويل الخارجي بسبب تشديد السياسة النقدية في الاقتصادات المتقدمة، إلى جانب انخفاض الطلب على صادراتها من المواد الأولية، كما أن تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة يضغط على احتياطات النقد الأجنبي ويزيد هشاشة العملات المحلية أمام الدولار.

وقفزت الديون العالمية إلى مستوى قياسي بلغ 338 تريليون دولار خلال النصف الأول من عام 2025، بحسب معهد التمويل الدولي، وهو ما يعكس تضخم التزامات الحكومات والشركات والأسر على حد سواء.

أما ديون الأسواق الناشئة وحدها سجلت أكثر من 109 تريليونات دولار من هذه الديون، لتصبح صاحبة الحصة الأكبر من الضغوط التمويلية، مما يزيد من أخطار الاستقرار الاقتصادي ويضاعف الحاجة إلى حلول هيكلية عاجلة.

ودفعت الدول النامية وحدها نحو 1.4 تريليون دولار خلال العام الماضي لسداد فوائد وأقساط ديونها الخارجية، وهو أعلى مستوى منذ عقدين تقريباً، هذا التصاعد لا يقتصر على حجم المديونية فحسب، بل يمتد إلى كلفة خدمتها التي باتت تلتهم حصصاً متزايدة من الموازنات العامة، مما يضغط على قدرة الحكومات في تمويل التنمية والاستثمار.

وتتصدر الصين القائمة بديون خارجية تقترب من 2.4 تريليون دولار، تليها البرازيل بنحو 746 مليار دولار، بينما تجاوزت الهند عتبة 736 مليار دولار بعد ارتفاعها الأخير.

أما المكسيك وتركيا فلكل منهما مديونية في حدود 450 إلى 600 مليار دولار، في حين تراوح دين إندونيسيا حول 420 مليار دولار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي قارة أفريقيا، سجلت جنوب أفريقيا نحو 173 مليار دولار، بينما تقارب ديون مصر 165 مليار دولار، لتدخل ضمن أكبر 10 اقتصادات ناشئة من حيث حجم الدين.

وعلى الجانب الآخر من الأطلسي، تواصل الأرجنتين إثقال اقتصادها بديون تتجاوز 270 مليار دولار، خلال وقت تواجه فيه أزمة تضخم حادة، فيما بلغت ديون باكستان نحو 131 مليار دولار وسط ضعف احتياطاتها من النقد الأجنبي.

المشهد برمته يشي بخطر مزدوج، فمن جهة تفرض أسعار الفائدة المرتفعة ضغوطاً إضافية على خدمة الدين، ومن جهة أخرى يفاقم تراجع العملات المحلية أمام الدولار من أعباء السداد، وهذا الواقع يجعل كثيراً من الاقتصادات الناشئة عالقة في حلقة مفرغة، إذ تخصص الجزء الأكبر من الإيرادات للفوائد والتسديدات على حساب الاستثمار والإصلاحات، مما يهدد مسار النمو في المديين القريب والمتوسط.

جوزيف ستيغليتز (الحائز نوبل في الاقتصاد)، يرى أن "استمرار السياسات النقدية المتشددة في الاقتصادات الكبرى يخنق النمو العالمي"، داعياً إلى حلول مبتكرة لتخفيف أعباء الديون عن الدول النامية حتى لا تتحول الأزمة إلى كساد ممتد.

بينما تحذر المتخصصة في شؤون الديون العالمية بالبنك الدولي كارمن راينهارت من أن "موجة جديدة من أزمات الديون السيادية قد تندلع داخل الأسواق الناشئة، إذا لم تُخفف شروط التمويل الدولي"، مؤكدة أن "أفريقيا وأميركا اللاتينية هما الأكثر عرضة للأخطار".

في حين يرى المستشار الاقتصادي العالمي لمجموعة "Allianz" محمد العريان أن التحدي الأكبر لا يكمن فقط في تباطؤ النمو، بل في "غياب التنسيق بين السياسات الاقتصادية للدول الكبرى"، مما قد يزيد تقلبات الأسواق ويؤثر سلباً في تدفق الاستثمارات.

السيناريوهات المحتملة

السيناريو التحفظي يشير إلى استمرار التشدد النقدي وارتفاع أسعار الفائدة، مما يضع الدول الناشئة أمام انكماش اقتصادي وتراجع مستويات المعيشة.

بينما السيناريو الوسيط يعتمد على نجاح بعض الاقتصادات في الحفاظ على نمو معتدل عبر تنويع صادراتها وتحفيز الاستثمارات المحلية، على رغم الضغوط الخارجية.

أما السيناريو المتفائل، فيتوقع تحسن الأوضاع الجيوسياسية وتراجع الحمائية التجارية، بما يسمح بتعافٍ أسرع للنمو العالمي وانعكاس إيجابي على الأسواق الناشئة.

ماذا تحتاج الأسواق الناشئة؟

يرى محللون أن على هذه الدول تبني استراتيجيات طويلة الأمد تشمل تنويع قاعدة الإنتاج، وتعزيز الاستثمار في البنية التحتية الرقمية وتحسين مناخ الأعمال لجذب المستثمرين، وتبني سياسات نقدية أكثر مرونة للتعامل مع تقلبات الأسواق.

على أية حال، وعلى رغم أن المؤسسات المالية الدولية تراقب الوضع من كثب، فإن اتساع فجوة الديون في الأسواق الناشئة يثير مخاوف من انتقال العدوى المالية إلى اقتصادات أخرى أكثر استقراراً.

فالتاريخ يثبت أن أزمات الديون نادراً ما تبقى محصورة في حدود دولة واحدة، بل تمتد آثارها إلى أسواق الصرف والتدفقات الاستثمارية الإقليمية والعالمية.

ومع استمرار دورة التشديد النقدي العالمية وارتفاع كلفة التمويل، تبدو الحاجة ملحة إلى حلول جماعية لتخفيف عبء المديونية وإعادة هيكلة بعض الديون، قبل أن يتحول الضغط الاقتصادي إلى أزمة مالية عالمية أوسع نطاقاً.

اقرأ المزيد