Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سرقة المتاحف المصرية... فعل مبني للمجهول

متخصصون يطالبون برقمنة الدفاتر وجرد المقتنيات لعدم استبدال قطع مقلدة بها وتنفيذ إجراءات الانضباط الإداري في التسليم والتسلم للعهد الأثرية وتعزيز تقنيات المراقبة بتكنولوجيا حديثة

يعزو متخصصون تكرار وقائع الاختفاء والسرقة من بعض المتاحف الأثرية والفنية مصر إلى غياب وسائل التأمين والرقابة الكافية (رويترز)

ملخص

عن واقعة السوار الذهبي المسروق وغيره من حوادث سرقة لآثار مصرية ولوحات فنية يتساءل مراقبون كيف تختفي قطعة أثرية بهذه القيمة والأهمية من قلب المتحف في ظل وجود حراسات أمنية وموظفين داخل المتحف وخارجه؟ أين وسائل التفتيش والرقابة اليومية على المقتنيات الأثرية، لا سيما أن الأماكن التي تحوي آثاراً في المتحف تشمع يومياً بالرصاص وبختم الأمين المسؤول، ويجري فتحها في وجود لجنة تتكون من أمن ومرمم وأمين متحف ويحرر بها محضر تسليم وتسلم في نهاية اليوم، وتفتح خلال اليوم التالي بنفس الإجراءات؟

أحدثت واقعة اختفاء إحدى الأساور الذهبية الأثرية النادرة من معمل الترميم بالمتحف المصري بالتحرير ضجة واسعة داخل أوساط المجتمع الأثري والثقافي، ولدى مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي، مما خلف بدوره تساؤلات وعلامات استفهام عدة، حول أسباب تكرار تلك الوقائع بالمتاحف الأثرية والفنية خلال الأعوام الماضية، وهل تفتقر المتاحف لمعايير وإجراءات التأمين والرقابة الكافية، وما الإجراءات والضوابط والاشتراطات اللازمة لمنع تكرار حدوثها في المستقبل؟

لكن الواقعة سالفة الذكر أعادت إلى الأذهان سلسلة وقائع سابقة لحالات سرقة واختفاء بعض المقتنيات الأثرية والفنية النادرة، فخلال مايو (أيار) 2024، نظرت محكمة مصرية أولى جلسات محاكمة ثلاثة أشخاص، لاتهامهم باختلاس تمثال أثري من البرونز لـ"أوزوريس" من مقر عملهم بالمتحف المصري والتزوير في أوراق ومستندات مخازن الآثار بالمتحف، ليعاد فتح القضية بعد 12 عاماً من وقوعها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وخلال عام 2022، تمكنت وزارة الثقافة المصرية من استعادة لوحة من مقتنيات المتحف المصري للفن الحديث "من وحي الفنارات" للفنان التشكيلي المصري عبدالهادي الجزار، بعد مرور أكثر من نصف قرن على فقدها عام 1971. وعام 2014، سرقت مشكاوات من محتويات مخزن الحضارة ترجع إلى السلطان حسن والسلحدار بيعت بمبلغ نصف مليون دولار لأحد هواة جمع التحف الإسلامية.

وفي عام 2011، أعلنت السلطات المصرية فقدان ثماني قطع أثرية قيمة من المتحف المصري أثناء عملية جرد، وعام 2004 اختفت 38 قطعة ذهبية منها 36 سواراً وخاتمان تعود للعصرين اليوناني والروماني تقدر قيمتها التأمينية بنحو 150 مليون جنيه مصري، وخلال أغسطس (آب) 2010 سرقت لوحة زهرة الخشخاش من متحف محمد محمود مختار وحرمه في الجيزة، الذي يضم إحدى أهم مجموعات الفن الأوروبي للقرنين الـ19 والـ20 في الشرق الأوسط.

بصمة إلكترونية للمقتنيات

يعزو كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار المصرية مجدى شاكر تكرار وقائع الاختفاء والسرقة من بعض المتاحف الأثرية والفنية خلال الأعوام الماضية إلى "غياب وسائل التأمين والرقابة الكافية، وعدم وضع بصمة محددة لكل أثر، إضافة إلى الاعتماد على تسجيل المقتنيات ورقياً لا إلكترونياً".

يقول شاكر، خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "التسجيل الإلكتروني بوجود بصمة لكل أثر ضرورة حتمية، لأنه يمكن الدولة في المستقبل من إعداد قاعدة تعريفية تشمل كل المعلومات الخاصة بالقطعة منذ اكتشافها والترميم الذي جرى لها، ومن قام به والمواد المستعملة إن أمكن، والأماكن التي عرضت فيها وكل من تعامل معها وتحركاتها، إضافة إلى معرفة المقتنيات الأثرية المملوكة لديها وأماكن تخزينها ووجودها لسهولة التعرف عليها".

ويضيف "وعليه، في حال اختفاء أو سرقة أية قطعة يكون متاحاً كل البيانات والمعلومات عنها، ومن ثم يسهل استعادتها سريعاً"، مؤكداً أن غياب وسائل الأمن والرقابة للمقتنيات الأثرية "يجعل وقائع الاختفاء والسرقة عرضة للتكرار في المستقبل".

 

وحول الواقعة الأخيرة يتساءل شاكر، كيف تختفي قطعة أثرية بهذه القيمة والأهمية من قلب المتحف في ظل وجود حراسات أمنية وموظفين داخل المتحف وخارجه؟ أين وسائل التفتيش والرقابة اليومية على المقتنيات الأثرية، لا سيما أن الأماكن التي تحوي آثاراً في المتحف تشمع يومياً بالرصاص وبختم الأمين المسؤول، ويجري فتحها في وجود لجنة تتكون من أمن ومرمم وأمين متحف ويحرر بها محضر تسليم وتسلم في نهاية اليوم، وتفتح خلال اليوم التالي بنفس الإجراءات؟

ويشدد شاكر على ضرورة إجراء مراجعة وجرد لكل مقتنيات المتاحف لا سيما الذهبية والمعدنية، للتأكد من عدم التلاعب بها أو استبدال قطع مقلدة بها، علاوة على الاستعانة بتطبيقات متخصصة وكاميرات مراقبة على مستوى عالٍ من التكنولوجيا لمراقبة أية عمليات تلاعب أو سطو في المتاحف، منبهاً إلى أن تكرار تلك الوقائع بين الحين والآخر يعد جرس إنذار للمسؤولين، وهو ما يتطلب ضرورة مراجعة الخطط التأمينية للحفاظ على المقتنيات الأثرية والفنية التي تمثل ثروة قومية لمصر، مقترحاً أن يجري تخصيص خمسة في المئة فقط من عوائد المتاحف من أجل تطوير وسائل التأمين والاعتناء بها.

وبحسب تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (جهة حكومية) عام 2022، بلغ إجمال عدد المتاحف 84 متحفاً عام 2020، مقابل 81 خلال عام 2019 بنسبة زيادة قدرها 3.7 في المئة، وبلغ عدد الزائرين 304.5 ألف زائر عام 2020 مقابل 531.6 ألف زائر عام 2019.

المخازن كلمة السر

يتوافق الطرح السابق مع رؤية رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية الدكتور عبدالرحيم ريحان، مشيراً إلى أنه سبق وحذر مراراً من تكرار وقائع السرقات والاختفاء من المتاحف والمخازن.

ويوضح ريحان، الذي يشغل أيضاً منصب عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة لـ"اندبندنت عربية"، "القطع الأثرية الموجودة بالمتاحف تخضع لقانون حماية الآثار رقم 117 لعام 1983 وتعديلاته، وفي حال سرقتها يسهل عودتها والمطالبة بها دولياً، فيما تحتاج مقتنيات المتاحف الفنية التي لا تخضع لذات القانون لتدابير أكثر بتسجيلها دولياً ووضعها على مواقع معروفة محلية ودولية، لذا تلجأ غالبية المتاحف الفنية للاستعانة بشركات تأمين لحماية التحف واللوحات الفنية".

 

وأوجب قانون حماية الآثار أن "يعاقب بالسجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه، ولا تزيد على 5 ملايين جنيه كل من سرق أثراً أو جزءاً من أثر سواء كان الأثر من الآثار المسجلة المملوكة للدولة أو المعدة للتسجيل بقصد التهريب".

ويضيف ريحان أن الأعمال الفنية من اللوحات والفنون التشكيلية تستند إلى حقوق ملكية فكرية ومحمية طبقاً للمادة 138 من القانون 82 لعام 2002 الخاص بالملكية الفكرية، مشيراً إلى أن الأعمال الشهيرة يصعب بيعها لشهرتها وفي غالب الأحيان يجري استرجاعها عندما تطرح للبيع في الأسواق، مستشهداً بواقعة عام 1994 حينما سرقت ثلاث لوحات شهيرة من إحدى قاعات العرض الفنية البارزة بمدينة فرانكفورت الألمانية وجرت استعادتها بعد فترة من الوقت، بينما الأعمال الفنية الأقل شهرة أو صغيرة الحجم فإذا لم تقم المتاحف بالجرد المستمر تختفى بسهولة ويصعب استرجاعها، لذلك يجب أن تكون مقتنيات المتاحف مرقمنة ومعروفة دولياً، لأن تطبيق الملكية الفكرية والحماية الدولية يتطلب أن يكون المنتج محمياً بقوانين الملكية الفكرية المحلية.

وفي تقدير ريحان أن المشكلة الأخطر تكمن في أن هناك قطعاً أثرية مكدسة في المخازن دون مراعاة للظروف المناخية المتغيرة، مما قد يؤثر عليها بمرور الوقت ويعرضها للتلف، موضحاً أنه يجب وضع خطة شاملة لإصلاح المنظومة برمتها، عبر إجراء فحص كامل ودقيق لكل المقتنيات الأثرية التي سافرت للمشاركة في معارض خارجية ومطابقتها بالتقارير المرفقة بالمعرض التي تصف الأثر وحالته الفنية قبل السفر، فضلاً عن توثيق وتسجيل المقتنيات لتكتسب حماية إضافية وللحفاظ على تلك الكنوز النادرة وعدم التلاعب بها في صالات المزادات أو المعارض غير الشرعية، علاوة على عملية الرقمنة بعد تنقية الدفاتر ومراجعتها على القطع الأثرية ووضعها على مواقع محلية ودولية، لتسهيل عملية كشف أية سرقات للقطع الأثرية، إضافة إلى مطابقة المقتنيات بدفاتر التسجيل ومقارنتها بالتوصيف والحال الفنية والصور المسجلة بالدفاتر للتأكد من أصليتها.

إجراءات صورية

وفي رأي مدير مباحث الآثار السابق الذي يمتلك خبرة تزيد على 25 عاماً في مجال تأمين المواقع والمتاحف الأثرية اللواء عبدالحافظ عبدالكريم، أن تكرار وقوع تلك الحوادث يرجع إلى "الإهمال الجسيم" بحسب وصفه، علاوة على عدم التعامل بحرص وحذر مع المقتنيات النادرة، موضحاً أن الكارثة تكمن في صورية إجراءات التسليم والتسلم للعهد والمقتنيات، إذ يجري تنفيذها في بعض الأحيان على الورق فحسب، وهو ما يجعل عدداً من وقائع السرقة والسطو تكتشف بعد أعوام، مما يصعب من عملية الإبلاغ والبحث عنها ومن ثم استردادها، لا سيما إذا جرى نقلها خارجياً.

وعن آليات التأمين داخل المتاحف، يقول عبدالحافظ "كل متحف مقسم لعدة أقسام، وكل قسم له أمين عهدة مخصص يسجل القطع الأثرية وصفاً وصورة في دفاتر التسجيل (التي تستخدم منذ عهد الفرنسيين)، كما أن إجراء أي تحرك لأي أثر من مكانه يتطلب قراراً إدارياً موثقاً من مدير المتحف أو الإداري المختص، لذلك تقع المسؤولية في حال اختفاء أو سرقة أية قطعة أثرية على عاتق أمين العهدة"، بحسب قوله.

ويضيف مدير مباحث الآثار السابق أنه خلال فترة عمله الوظيفي كانت المتاحف تفتقر لوجود كاميرات المراقبة والأجهزة التكنولوجية الحديثة، مما كان قد يعرضها لعمليات سطو وسرقة خلال بعض الفترات، لكن الآن هناك كاميرات مراقبة وحساسات للكشف عن أية أجسام غريبة أو ممارسات غير مألوفة أو أية عناصر غريبة لتأمين المقتنيات.

 

ويرى عبدالحافظ أنه ينبغي مواجهة تلك الوقائع التي يكون لها مردود سلبي عالمياً، وهو ما يتطلب ضرورة تعزيز أماكن الترميم عبر وضع حواجز وتشكيل لجان إدارية تقوم بإجراءات صارمة، لتتبع أي تحرك للأثر من مكان إلى آخر، علاوة على استخدام تقنيات حديثة في تأمين المتاحف بدءاً من التصوير وأجهزة الإنذار وأماكن العرض للقطع الأثرية في "الفاترينات"، فضلاً عن اختيار عناصر بشرية مؤهلة وراغبة ومدربة للحفاظ على الكنوز التاريخية والتراثية، علاوة على تنفيذ إجراءات الانضباط الإداري في التسليم والتسلم للعهد الأثرية.

"الأزمة ليست في دفاتر التسجيل، لكن في منظومة تداول القطع الأثرية"، بتلك الكلمات يعقب الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للآثار الدكتور محمد عبدالمقصود، موضحاً أنه ينبغي إعادة النظر في تلك المنظومة داخل المتاحف المصرية كونها تمثل إحدى الثغرات التي ينفذ من خلالها الخارجون عن القانون والغرباء ويخترقونها لتنفيذ جرائمهم.

ويرى الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للآثار أن أعمال السطو والسرقة التي تعرضت لها المتاحف المصرية خلال الآونة الماضية تعد "قليلة نسبياً، وليست كبيرة مثلما يروج بعض" بحسب تعبيره، قائلاً "المتاحف مؤمنة لكنها تتطلب جهوداً إضافية لدعم وتعزيز تلك الإجراءات في المستقبل".

وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تطرق خلال أبريل (نيسان) من عام 2021 لجهود مصر في حماية الآثار، موضحاً أن الدولة تنتهج مساراً متزناً ما بين التنمية والتطوير، والحفاظ على قيمة وسلامة المواقع الأثرية الفريدة.

وفي اعتقاد الأمين السابق للأعلى للآثار فإن الخروق التي تحدث في بعض الأحيان بالمتاحف ستجعل أجهزة ومؤسسات الدولة تكثف من إجراءاتها التأمينية، وتعيد النظر في منظومة التداول ووضع خطط محكمة لسد الثغرات والقضاء نهائياً على تلك الممارسات الخبيثة التي تستهدف الإضرار بالتراث المصري.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات