ملخص
تخوض "الدعم السريع" المعارك الدائرة حالياً في شمال كردفان بكامل ثقلها العسكري، خشية التراجع إلى إقليم دارفور، إذ تأمل في الإبقاء على مناطق سيطرتها ومقار حكومة تحالف "تأسيس" التي تهيمن عليها بمعزل عن خطوط النيران.
تصاعدت حدة المواجهات بين الجيش وقوات "الدعم السريع" أمس الثلاثاء، بصورة غير مسبوقة في محاور عدة بولايتي شمال كردفان وشمال دارفور، مما أدى إلى سقوط ضحايا مدنيين، وموجة نزوح كبيرة، فضلاً عن تدهور الوضع الإنساني جراء انعدام الغذاء والدواء، وسط غياب أي تحرك أو تدخل دولي لوقف الحرب المشتعلة منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023.
وبحسب مصادر عسكرية، فإن معارك طاحنة دارت بين الطرفين في محور شمال كردفان وتحديداً قرب بلدة جبرة الشيخ الواقعة على طريق الصادرات الرابط بين أم درمان والأبيض، في حين توغلت "الدعم السريع" في مناطق جريجخ، ومعافي، وأم دايوقا، وسراج الوقعة شمال مدينة بارا التي سيطر عليها الجيش أخيراً، حيث حشدت "الدعم السريع" أعداداً كبيرة من قواتها في محاولة لاستعادة هذه المدينة الاستراتيجية.
كما شن طيران الجيش غارات جوية ومدفعية على مواقع "الدعم السريع" في منطقتي حفير الجلابية والعيارة الواقعتين غرب مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان أسفرت عن مقتل وإصابة عدد من عناصر الأخيرة، وتدمير مركبات قتالية بكامل عتادها.
إسقاط مسيرتين
وتداول مناصرون للجيش مقطع فيديو يظهر إسقاط طائرة مسيرة استراتيجية تابعة لـ"الدعم السريع"، قالوا إن الدفاع الجوي للجيش تمكن من إسقاطها في مدينة الأبيض، وذلك للمرة الثانية على التوالي.
كما نشرت "الدعم السريع" مقاطع فيديو أعلنت فيها إسقاط طائرة مسيرة تابعة للجيش من طراز "بيرقدار أقنجي" في محور غرب الأبيض.
في الوقت ذاته يواصل الطيران المسير التابع لـ"الدعم السريع" استهداف مواقع استراتيجية وخدمية في مدينة الأبيض التي تؤوي آلاف المدنيين الفارين من مناطق المواجهات العسكرية في إقليم كردفان، بيد أن الجيش عزز وضعه الدفاعي في هذه المدينة من خلال جلب أنظمة دفاع جوي حديثة ومدافع بعيدة المدى.
وشهدت ولاية شمال كردفان تواصل المواجهات العسكرية بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" خلال الأيام الماضية، ووصفت هذه المعارك بأنها الأعنف منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل (نيسان) 2023، بخاصة في مناطق غرب بارا ورهيد النوبة وأبو قعود وكازقيل والرياش.
واشتدت المعارك بين الطرفين في شمال كردفان منذ مطلع سبتمبر (أيلول) الحالي، قبل أن ينهي نائب القائد العام للجيش شمس الدين الكباشي، زيارته إلى إقليم كردفان، إذ شدد على أن الجيش لن يتوقف في كردفان وصولاً إلى فك الحصار عن مدينة الفاشر في شمال دارفور.
ودفعت المواجهات المستعرة في شمال كردفان الطرفين إلى استخدام الأسلحة الثقيلة على جبهات القتال، فضلاً عن مشاركة سلاح المسيرات بكثافة في المعارك الدائرة في هذا المحور.
وتخوض "الدعم السريع" المعارك الدائرة حالياً في شمال كردفان بكامل ثقلها العسكري، خشية التراجع إلى إقليم دارفور، إذ تأمل في الإبقاء على مناطق سيطرتها ومقار حكومة تحالف "تأسيس" التي تهيمن عليها بمعزل عن خطوط النيران.
#مجلس_الوزراء يُعرِب عن دعمه البيان المشترك لوزراء خارجية المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية ودولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية بشأن استعادة السلام والأمن في السودان، ويأمل أن يسهم ذلك في إنهاء المأساة الإنسانية التي يعاني منها الشعب السوداني… pic.twitter.com/O1x0Civexa
— واس الأخبار الملكية (@spagov) September 16, 2025
أزمة سيولة
في الأثناء، تعاني مناطق كردفان ودارفور من أزمة سيولة نقدية حادة بعد أكثر من عامين من اندلاع الحرب، تآكلت فيها الأوراق القديمة بينما لا يستطيع سكان تلك المناطق الحصول على الفئات الجديدة لتعطل المصارف والبنوك، إضافة إلى تغيير بنك السودان المركزي فئة الـ1000 جنيه التي تمنع "الدعم السريع" تداولها في مناطق سيطرتها. ويواجه كثر صعوبة في الحصول على مبالغ نقدية مقابل تحويل بنكي في عديد من المحال، إذ يضطر أحياناً البعض إلى بيع مبالغ من حسابه البنكي بخصم يصل إلى 20 في المئة.
وأرجع تجار عدم توفر السيولة النقدية إلى إغلاق جميع البنوك في مناطق غرب كردفان، إذ كانت البنوك تسهم في تسهيل عمليات السحب والإيداع للمواطنين، ومنذ إغلاق أبوابها اتجه السكان إلى مكاتب التحويلات التجارية التي يديرها أفراد مقابل عمولة محددة.
توغل وارتكازات
في الموازاة، شهدت مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، أمس الثلاثاء، معارك ضارية بين الجيش وحلفائه ضد قوات "الدعم السريع" تركزت في المحورين الجنوبي الغربي والشمالي الشرقي، وسط تبادل مدفعي عنيف بين الطرفين، مما أدى إلى مقتل عدد من المدنيين.
ووفقاً لمصادر ميدانية، فإن "الدعم السريع" توغلت في عدد من الأحياء السكنية أبرزها النصر والشرفة والزيادية ومخيم أبوشوك للنازحين، فضلاً عن قشلاق الجيش والسوق الكبير، وقتلت عدداً من الأشخاص. كما أقامت ارتكازات ثابتة داخل مخيم أبوشوك، مما دفع كثيراً من النازحين إلى الفرار باتجاه الأحياء الشمالية الغربية للمدينة وبلدة طويلة، في ظل ظروف إنسانية مأسوية.
وبث عناصر من "الدعم السريع" مقاطع فيديو أكدوا فيها وصولهم إلى قشلاق الجيش المواجه للفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش من الناحية الجنوبية. كما بثت منصات "الدعم السريع" مقطع فيديو يظهر نائب "حميدتي" عبدالرحيم حمدان دقلو داخل مدينة الفاشر وهو يقود المعارك.
وأشارت الفرقة السادسة مشاة إلى أن قوات الجيش و"القوات المشتركة" التابعة للحركات المسلحة نفذتا، فجر أمس الثلاثاء، عملاً عسكرياً مباغتاً استمر ثلاث ساعات، شاركت فيه قوات العمل الخاص وقوة حماية المدنيين، استهدف ارتكازات "الدعم السريع" في المحور الشمالي الغربي للمدينة. وأكدت الفرقة السادسة في بيان أن العملية كبدت الأخيرة خسائر فادحة في العتاد والأرواح، وأسفرت عن الاستيلاء على ثلاث عربات مصفحة بكامل عتادها الحربي وكمية كبيرة من الوقود، إضافة إلى تدمير عربات قتالية أخرى.
وكانت الفرقة أعلنت، أول من أمس الإثنين، صد هجوم على المدينة من ثلاثة محاور: الشمالي، والشمالي الشرقي، والجنوبي الغربي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قتل وخطف
من جانبها، قالت "شبكة أطباء السودان"، إن "18 شخصاً في الأقل قتلوا برصاص 'الدعم السريع' أثناء توغلها في أحد الأحياء الطرفية لمدينة الفاشر، فيما خطف 14 آخرون بينهم ثلاث فتيات إلى جهة غير معلومة". وحذرت الشبكة في بيان من عمليات القتل والخطف التي تمارسها "الدعم السريع" ضد المدنيين العزل داخل الأحياء السكنية، ولفتت إلى خطورة الأوضاع الإنسانية المتدهورة في الفاشر في ظل استمرار الاشتباكات العنيفة والقصف المدفعي والمسيرات الجوية لليوم الثاني على التوالي، مما أدى إلى انقطاع تام لأبسط مقومات الحياة وتزايد معاناة المدنيين بصورة غير مسبوقة.
وعد البيان أن التصعيد الأخير، المتمثل في تسلل "الدعم السريع" إلى الأحياء السكنية شمال المدينة وارتكاب جرائم قتل واعتقالات تعسفية في حق المدنيين، يمثل تهديداً مباشراً لحياة السكان ويضاعف من الكارثة الإنسانية.
وأشار البيان إلى أن استمرار هذا الوضع ينذر بعواقب وخيمة، مطالباً المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية بالتحرك العاجل لتوفير الحماية للمدنيين وضمان وصول المساعدات الطبية والإنسانية بصورة آمنة، فضلاً عن وقف الاشتباكات داخل الأحياء السكنية ومواقع تجمعات المدنيين.
وتواصل قوات "الدعم السريع" فرض حصار خانق على مدينة الفاشر منذ أبريل (نيسان) 2024، في محاولة لإسقاطها والسيطرة عليها باعتبارها آخر قاعدة عسكرية للجيش السوداني في إقليم دارفور، بعد سيطرتها خلال عام 2023 على فرق نيالا وزالنجي والجنينة والضعين.
تهجير قسري
إلى ذلك هجرت قوات "الدعم السريع" سكان بلدة طرة الواقعة شمالي مدينة الفاشر قسراً وشكل فوري، وذلك من أجل تحويلها إلى مركز عسكري لتغطية حركة قياداتها، مما تسبب في موجة نزوح جماعي لآلاف المدنيين. وتعد هذه البلدة واحدة من أهم المراكز التجارية التي نشطت منذ اندلاع الحرب قبل 29 شهراً، إذ شكلت سوقها شرياناً اقتصادياً رئيساً لتغذية القرى المجاورة ومدينة الفاشر مما جعلها ملاذاً رئيساً للمدنيين للحصول على السلع الأساسية وسط الانهيار العام في سلاسل الإمداد.
وسبق أن قامت "الدعم السريع" بتصفية مدنيين بعدما اتهمتهم بتهريب مواد غذائية وأدوية ووقود إلى داخل الفاشر المحاصرة.
وتعرض السوق الكبير في الفاشر خلال مارس (آذار) الماضي لقصف جوي عنيف، وجهت فيه الاتهامات إلى الجيش، مما أدى إلى مجزرة بشعة راح ضحيتها عشرات المدنيين بينهم نساء وأطفال.
ويأتي هذا التطور وسط تصاعد العمليات العسكرية داخل الفاشر وزيادة الضغط على المدنيين في المناطق المحيطة في ظل تدهور حاد في الأوضاع الإنسانية ونقص حاد في الغذاء والمأوى.