ملخص
مزاعم أحقية إثيوبيا بامتلاك المنافذ البحرية وإن كانت قديمة، فإن طرحها من قبل قيادات عليا في الدولة، وبخاصة من قبل قائد الأركان المشير برهانو جولا، بالإضافة إلى اللواء تشومي جوميتشوا مدير دائرة التعاون الخارجي بوزارة الدفاع الاثيوبية، يؤكد أن الاستعدادات لشن حرب السواحل قد بلغت ذروتها الآن.
بعد عامين من إعلان رئيس الوزراء الاثيوبي آبي أحمد، أمام برلمان بلاده عن مشروع "أجندة البحر الأحمر" لإيجاد منفذ بحري سيادي للدولة الحبيسة، روجت وسائل إعلام إثيوبية أخيراً لاستضافة مجموعة من العسكريين النافذين في وزارة الدفاع الإثيوبية للحديث عن امكانية تحويل أديس أبابا إلى دولة ساحلية، فيما ذهبت وسائل إعلام في إقليم تيغراي إلى تقديم شخصيات تحمل رتب عسكرية عليا في جيش الدفاع التيغراوي، للرد على تعليقات مسؤولي وزارة الدفاع الإثيوبية، واحتمالات الحرب الوشيكة بين أثيوبيا وإريتريا تحت ذرائع "الحقوق التاريخية" في البحر الأحمر.
السجال العسكري الواسع الذي انتشر على وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي كشف بشكل واضح مواقف كل طرف من الحرب كما أنه رسم صورة واضحة لسيناريوهاتها في حال قيامها.
يمثل إقليم تيغراي (شمالي إثيوبيا) الذي تسيطر عليه الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، دون تواجد للجيش النظامي الاثيوبي، بوابة الوصل الأطول بين إريتريا وإثيوبيا، ومن ثم فإن تحييد الحدود التيغراوية الإريترية من المواجهة المباشرة يقلل من أخطار توغل الجيش الإثيوبي في الأراضي الإريترية، بخاصة أن الخيار الثاني الذي قد يلجأ إليه الجيش الإثيوبي، كقاعدة رئيسة للتحرك، وهو إقليم العفر الإثيوبي المحاذي لإقليم دنكاليا في إريتريا يعد خياراً صعباً على المستوى العسكري، وذلك لجهة الطبيعية الجغرافية الصحراوية، فضلا عن افتقاده للمقومات الأساسية للمواجهة، والمتعلقة بالموارد المائية الشحيحة، علاوة على كونه فضاء مفتوحاً مما يعرض القوات الإثيوبية للانكشاف العسكري، بالإضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذه المناطق، وقد سبق وأن منيت القوات الإثيوبية بخسارة كبيرة أثناء الحرب الإريترية الإثيوبية (1998 -2000)، أثناء محاولتها الزحف نحو ميناء عصب الإريتري، من خلال جبهة بوري.
السجال العسكري
وكان السجال بين العسكريين الإثيوبيين بدأ في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، أثناء احتفال البلاد بعيد أريتشا الخاص بقومية الأورومو، التي ينحدر منها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي احمد، عندما صرّح رئيس أركان حرب الجيش الإثيوبي برهانو جولا، أن الاحتفال القادم سيتم على ضفاف البحر الأحمر، في إشارة إلى سعي إثيوبيا للتحول إلى دولة ساحلية، لكن هذا التوجه قد بدا أكثر جدية مع استضافة قناة برايم ميديا الإثيوبية، للواء تشومي جوميتشوا مدير دائرة التعاون الخارجي بوزارة الدفاع الاثيوبية، إذ قدم رؤية وزارته للعودة إلى البحر الأحمر، مشيراً إلى أن ثمة خطة واضحة لتحقيق هذا الحلم، وذلك سواء بالطرق السلمية أو عبر استخدام القوة العسكرية اللازمة، لتأكيد أحقية إثيوبيا بإيجاد منفذ بحري سيادي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال جوميتشوا إن ثمة تفهماً دولياً واسعاً لمطالب إثيوبيا، بخصوص الوصول الآمن للبحر الأحمر، مؤكداً أن بلاده فقدت المنفذ البحري، في عام 1993 أثناء خضوعها لسلطة غير شرعية أتت على ظهر الدبابات وأسقطت النظام، وأوضح أن إقليم دنكاليا الإريتري كان يخضع لسلطة الحكم الذاتي أثناء عهد العقيد منجستوا هيلي ماريام، ومن ثم فإن الاستفتاء الشعبي الذي نظمته الامم المتحدة لتقرير مصير الشعب الإريتري في عام 1993، لم يأخد في الاعتبار خصوصية هذا الاقليم، ومن ثم فإن مطالب بلاده تعتمد على أسس قانونية ودبلوماسية، مشيراً أن وزارته قد خرَّجت أخيراً بالتعاون مع قوى دولية عظمى أول دفعة من القوات البحرية الإثيوبية استعداداً لتحقيق حلم المنفذ البحري.
وأشار مسؤول دائرة التعاون الخارجي بوزارة الدفاع الإثيوبية، إلى أن عودة بلاده لسواحل البحر الأحمر، ليست مجرد أمنية بل خطة متكاملة يمكن تنفيذها بشتى الطرق بما في ذلك الإكراه العسكري في حال تمنع إريتريا عن التعاطي مع المطالب الإثيوبية المحقة، مؤكداً أن القانون الدولي يدعم أحقية بلاده في توفير منفذ بحري سيادي.
تحييد تيغراي
من جهته قال اللواء معشو بيني، من قوات الدفاع التيغراوية، في حوار أجراه مع قناة إذاعية محلية، إن "القوات التيغراوية لن تصبح جزءاً من أي حرب محتملة بين الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا والجيش الإريتري"، وأوضح أن موقف حكومة إقليم تيغراي، قائم بالأساس على إبطال مبررات أي حرب محتملة بين البلدين، منوهاً في ذات الوقت، بأنه في حال فشل تلك المحاولات فإن مسؤولية حكومة تيغراي وقواتها العسكرية، هو تحييد الإقليم من مجريات الحرب، والعمل على ألا يكون مسرحاً جديداً لأية معارك، ونفى معشو الادعاءات المتكررة في وسائل الإعلام الإثيوبية عن احتمال مشاركة قواته في الحرب بجانب الطرف الإريتري، إذ أكد أن الموقف المبدئي لقيادات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وقوات الدفاع التابعة للإقليم، يتمثل في أن يبقى الإقليم في منأى عن أي حرب محتملة.
وتابع أن الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا تعلم جيدا هذا الموقف مما اضطرها للجوء إلى إقليم العفر الإثيوبي، لاتخاذ تدابير تتمثل في تحريك الحشود العسكرية، بمحاذاة الحدود الإريترية العفرية.
وذكّر معشو بالاجراءات الميدانية التي اتخذها الجيش الفيدرالي الإثيوبي، بعد توقيع اتفاقية بريتوريا للسلام، إذ تخلى عن مسؤولياته السياسية والعسكرية، تجاه إقليم تيغراي، وانسحب مسلماً جميع المناطق الشمالية للجيش الإريتري، وأن جهود الحزب الحاكم في تيغراي أثمرت عن انسحاب الجيش الإريتري من دون أي مواجهات عسكرية، وثمن اللواء التيغراوي التواصل الجديد بين ناشطين إريتريين وتيغراويين، ما قاد إلى تفاهمات جديدة، أسوة بالتواصل القائم في مختلف الأقاليم الفيدرالية الإثيوبية مع جيرانهم من الشعوب الأخرى، مؤكدا أن جهود القيادة في تيغراي تنطلق من مركزية تحقيق المصالح العليا لشعب الإقليم وأهمها حفظ السلم والاستقرار.
ذروة التصعيد
بدوره يرى الناشط السياسي التيغراوي محاري سلمون أن الحملات الإعلامية والدبلوماسية الإثيوبية، قد انتقلت إلى مرحلة التصعيد العسكري، فيما يخص مطالب توفير منفذ بحري على سواحل البحر الأحمر.
ويفسر انتقال التصريحات من السياسيين إلى القيادات العسكرية باعتباره إعلاناً مباشراً بشن حرب واسعة لاستعادة ميناء عصب الواقع في الأراضي الإريترية، مشيراً إلى أن مزاعم أحقية إثيوبيا بامتلاك المنافذ البحرية وإن كانت قديمة، فإن طرحها من قبل قيادات عليا في الدولة، وبخاصة من قبل قائد الأركان المشير برهانو جولا، بالإضافة إلى اللواء تشومي جوميتشوا مدير دائرة التعاون الخارجي بوزارة الدفاع الاثيوبية، يؤكد أن الاستعدادات لشن حرب السواحل قد بلغت ذروتها الآن.
وثمن الناشط المعارض للحزب الحاكم في تيغراي، موقف حكومة الإقليم تجاه التطورات الأخيرة، موضحاً أنه يتسق تماماً مع مواقف الأحزاب السياسية في تيغراي، مؤكدا أن الإقليم ظل مسرحاً لكل المواجهات التي شنتها جميع الحكومات المتعاقبة على أديس أبابا، بداية من حكم الإمبراطور هيلي سلاسي، والعقيد منجستوا ثم أثناء حكم ملس زيناوي، ما ترك ندوباً وتداعيات إنسانية عميقة، بخاصة الحرب الأخيرة التي تحالفت فيها أديس أبابا مع أسمرة وميليشيات الأمهرة في الفترة من 2020 إلى 2022، ومن ثم فإن موقف قوات الدفاع التيغراوية بتحييد الإقليم من مجريات الحرب المحتملة مع إريتريا يعد موقفاً يحسب لصالح الحزب الذي يحكم الإقليم منذ عام 1991.
ويربط محاري بين تصدر العسكريين في مشهد إدارة ملف المنفذ البحري، والمعلومات التي أوردها موقع African intelligence، عن تشكيل رئيس الوزراء الإثيوبي، لقيادة مركزية جديدة تضم مجموعة من العسكريين على رأسهم قائد الأركان، وعدد من مساعديه بجانب رئيسي جهاز الاستخبارات والأمن الوطني، وجهاز أمن شبكة المعلومات، وذلك لإدارة ملف المنافذ البحرية، مشيراً إلى أن الموقع المختص في المعلومات الاستخباراتية في أفريقيا كشف أن الوحدة التي تم تشكيلها في بداية شهر سبتمبر (أيلول) الجاري، ستكون بمثابة غرفة عمليات لإدارة الأزمة مع إريتريا في ما يخص مطالب إثيوبيا بالمنفذ البحري.
قوى إقليمية ودولية
ويرجح سلمون أن ثمة قوى إقليمية ودولية تدعم توجه الحكومة الفيدرالية الإثيوبية، في ملف المنافذ البحرية، بجانب العجز الدبلوماسي الإريتري، في مقارعة أديس أبابا وتقديم شكوى لمجلس الأمن الدولي، سيما وأن التصريحات بشأن استعادة موانئ سيادية إريترية قد صدرت من جهات مسؤولة، بدءًا برئيس الوزراء ومروراً بقيادات عسكرية وعدت الإثيوبيين بتحقيق نصر عسكري واستعادة موانئ تحت السيادة الإريترية.
ويشير سلمون إلى أن ردود النظام الإريتري بدت باهتة، ولم تتجاوز حدود إصدار بيان من وزارة الإعلام، ويعزو سلمون ذلك الى طبيعة النظام الاريتري، الذي لا يثق في المنظمات الدولية، بقدر ما يسعى إلى تجييش الداخل الإريتري لحرب جديدة.
يرى سلمون أن المطالب الإثيوبية تعتمد على حجج تاريخية من المفترض أن يكون مسرحها المؤسسات القضائية الدولية، للبت في مدى قانونيتها، بخاصة أنها تتعلق بمطالب ترتكز حول أحقية إثيوبيا بمناطق بعينها، ومن ثم فإن الغزو العسكري لن يصبح حلاً دائماً، مشيراً إلى وجود احتمالين للتوجه الإثيوبي الجديد نحو سواحل البحر الأحمر بعد ما يقارب الأربعة عقود على تحول أديس أبابا إلى دولة حبيسة، الأول أن يكون نظام آبي أحمد قد حصل على تعهدات من قوى إقليمية ودولية بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، بدعم تلك المزاعم في حال احتلاله عسكرياً لميناء عصب الإريتري كجزء من سياسة فرض الأمر الواقع، ومن ثم التفاوض حولها، أما الثاني فيتعلق باستخدام النظام لملف "إيجاد منفذ بحري" كمبرر لاستعادة الشرعية السياسية، التي تآكلت نتيجة الحروب الداخلية في تيغراي وأمهرة وأروميا، فضلا عن الصعوبات الاقتصادية التي أرهقت كاهل الإثيوبيين نتيجة ارتهان البلاد لسياسات صندوق النقد الدولي، وتراجع نسب التنمية، وبالتالي قد يلجأ النظام إلى افتعال أزمات خارجية لصرف أنظار الإثيوبيين عن الأزمات الداخلية.