Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حكومة جزائرية جديدة... هل تمهد أرضية مستقرة لانتخابات 2026؟

مطالبة بمعالجة اختلالات توزيع الثروة لأن هناك مناطق تستفيد من الريع البترولي على حساب أخرى مما يسبب خللاً وظيفياً داخل المجتمع

عرف المنصب الأرفع في الحكومة الجزائرية أربعة تغييرات خلال الأعوام الأخيرة (وسائل التواصل)

ملخص

"إن لهذا التعديل رسالتين سياسيتين مزدوجتين، تتمثل الأولى في إعادة ترتيب بيت السلطة التنفيذية بما يتماشى مع رؤية رئيس الجمهورية وخريطة الطريق التي رسمها، والثانية لتأكيد أن الرئيس يحتفظ بزمام المبادرة ويعيد تشكيل الحكومة لتكون أداة أكثر انسجاماً وفعالية مع توجيهاته، خصوصاً مع المرحلة الحساسة المقبلة".

جاءت تشكيلة الحكومة الجديدة في الجزائر من دون مفاجآت كبيرة، إذ بقيت الأسماء الأساس في الحكومة السابقة مع تطعيمها بوجوه تكنوقراطية، مما جعل أسئلة تتصدر المشهد السياسي حول هوامش تحرك طاقم الوزير الأول الجديد سيفي غريب، ومدى قدرته على مواجهة رهانات الاقتصاد والخدمات وسط ملفات اجتماعية متزايدة.

التشكيلة الحكومية التي جرى تعيين طاقمها بعد أيام قليلة من تعيين غريب وزيراً أول بالنيابة، حافظت على الطابع التقليدي في الحقائب السيادية، فأبقى الرئيس عبدالمجيد تبون على أحمد عطاف وزيراً للشؤون الخارجية والجالية الوطنية في الخارج والشؤون الأفريقية، والفريق أول السعيد شنقريحة وزيراً منتدباً لدى وزير الدفاع ورئيساً لأركان الجيش، كما احتفظ لطفي بوجمعة بوزارة العدل حافظاً للأختام، وعبدالكريم بوالزرد بوزارة المالية.

تغييرات حساسة

وفي المقابل برزت تغييرات في وزارات وصفت بالحساسة في صلة مباشرة بحياة المواطن، فعُين سعيد سعيود على رأس وزارة الداخلية والجماعات المحلية والنقل بعدما كان وزيراً للنقل، بينما انتقل إبراهيم مراد إلى منصب وزير دولة مكلف بالمفتشية العامة لمصالح الدولة والجماعات المحلية.

بدوره شهد ملف الطاقة إعادة توزيع للأدوار، فرُقي محمد عرقاب إلى وزير دولة للمحروقات والمناجم، فيما أسندت حقيبة الطاقة والطاقات المتجددة إلى المدير التنفيذي السابق لمجمع "سونلغاز" مراد عجال، كما شملت التغييرات وزارات الصحة والصناعة والتجارة والزراعة والاتصال والثقافة والعمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، فضلاً عن قطاع الأشغال العمومية.

ولفتت الأنظار ترقية ولاة إلى مواقع وزارية أبرزهم والي عنابة سابقاً عبدالقادر جلاوي الذي تولى وزارة الأشغال العمومية والمنشآت القاعدية، ووالي الجزائر عبدالنور رابحي الذي التحق بدوره بالحكومة.

وكان الحضور النسوي بارزاً في الحكومة فضُمنت سبع وزيرات مؤشر تعزيز حضور المرأة في مواقع القرار، كما دخلت إلى الحكومة وجوه جديدة من الأوساط الأكاديمية والتقنية أبرزها البروفيسور محمد الصديق أيت مسعودان وزيراً للصحة.

وضمت الحكومة عبدالمالك تشريفت وزيراً للمجاهدين وذوي الحقوق، ويحيى بشير وزيراً للصناعة، وعبدالقادر جلاوي وزيراً للأشغال العمومية، وتولت مليكة بن دودة وزارة الثقافة والفنون، فيما تولت نسيمة أرحاب حقيبة التكوين والتعليم المهنيين.

وكان الرئيس الجزائري عيّن في الـ 28 من أغسطس (آب) الماضي وزير الصناعة سابقاً، سيفي غريب، رئيساً للوزراء بالنيابة خلفاً لنذير العرباي الذي أنهيت مهماته، وفي الـ 17 من سبتمبر (أيلول) 2024 قدم العرباوي استقالة حكومته للرئيس الجزائري عقب إجراء الانتخابات الرئاسية الباكرة في السابع من الشهر ذاته، والتي أسفرت عن إعادة انتخاب تبون لفترة رئاسية ثانية، لكن تبون دعا العرباوي حينها إلى تأجيل القرار ومواصلة العمل من أجل إعداد مشروع قانون المالية لعام 2025 قبل عرضه على البرلمان.

وجوه بارزة

وقال غريب عقب تعيينه وزيراً أول إن الرئيس تبون أسدى له "كل التعليمات اللازمة من أجل السهر على خدمة المواطن الجزائري أولاً، والدفع بالاقتصاد الوطني نحو المراتب التي تليق بالجزائر كدولة محورية إقليمياً ودولياً"، وفق وكالة الأنباء الجزائرية، مؤكداً التزامه والطاقم الحكومي بخدمة المواطنين وتحسين الاقتصاد والتشاور مع كل الفئات والشرائح الوطنية لخدمة للجزائر.

وعرف المنصب الأرفع في الحكومة الجزائرية أربعة تغييرات خلال الأعوام الأخيرة، ولم يعمّر أي وزير أول أكثر من عامين منذ عام 2019، بدءاً بعبدالعزيز جراد ومروراً بأيمن بن عبدالرحمن وصولاً إلى العرباوي، قبل أن يؤول إلى سيفي غريب الذي يحمل الدكتوراه في الفيزياء ومن خلفية تكنوقراطية.

ويرى مراقبون أن التشكيلة تعكس مزيجاً بين الاستمرار عبر تثبيت وجوه بارزة في مواقع القرار، وتجديد نسبي في قطاعات أخرى لتخفيف الضغط الشعبي، وفيما تسعى السلطات إلى الحفاظ على زخم النمو غير النفطي وتنفيذ إصلاحات لتعزيز التنويع الاقتصادي، تظل التحديات المرتبطة بالاستدامة المالية والتمويل قائمة، مما يفرض ضرورة الموازنة الدقيقة بين دعم النشاط الاقتصادي وضبط الاختلالات الكلية، بينما يربط آخرون مهمات الحكومة الجديدة بتنظيم الانتخابات النيابية المقررة في يونيو (حزيران) 2026، والتي يليها تشكيل حكومة جديدة وفقاً لنتائج الانتخابات.

رسالة سياسية مزدوجة

ويرى الخبير في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية باديس خنيسة أن هذا التغيير في رأس السلطة التنفيذية يعطي مؤشراً على رغبة من أعلى هرم السلطة في إجراء بعض التعديلات على الأداء أو مراعاة ردود الفعل الشعبية، قائلاً إن لهذا التعديل رسالة سياسية مزدوجة تتمثل الأولى في إعادة ترتيب بيت السلطة التنفيذية بما يتماشى مع رؤية رئيس الجمهورية وخريطة الطريق التي رسمها، والثانية لتأكيد أن الرئيس يحتفظ بزمام المبادرة ويعيد تشكيل الحكومة لتكون أداة أكثر انسجاماً وفعالية مع توجيهاته، خصوصاً مع المرحلة الحساسة المقبلة، مضيفاً أنه "في اعتقادي أن هذا يعكس بوضوح أن المحرك الأساس ليس التغيير في الأشخاص بقدر ما هو تكريس لنهج الرئاسة في قيادة الملفات الكبرى، لتصبح الحكومة ذراعاً تنفيذية مباشرة لبرنامج الرئيس وتنفيذ خريطة الطريق المتسمة بالبراغماتية وسياسة النتيجة والنجاعة".

وأوضح خنيسة أن الحكومة الجديدة ستستخدم كأداة لتأمين أرضية سياسية مستقرة تهيئ لانتخابات 2026 في مناخ من الانضباط المؤسساتي، ومراجعة الأطر القانونية والتنظيمية للانتخابات بما يتماشى مع مقاربة الرئيس القائمة على الشفافية والنزاهة وضمان مشاركة أوسع، مع التركيز على إنجازات ملموسة قبل عام 2026 لتكون حصيلة رئاسية قابلة للترجمة انتخابياً، مشيراً إلى أن الرئيس تبون "يضع الحكومة في موقع حكومة الإنجاز أكثر من حكومة التوازنات"، أي أن معيار النجاح سيكون في قدرة الوزراء على تطبيق التعليمات الرئاسية بدقة ونجاعة، فلن تكون التشريعيات المقبلة في يونيو 2026 انتخابات فقط بل محطة لإبراز حصيلة عهد تبون الثانية وتهيئة الأرضية لمرحلة ما بعد عام 2026".

ويقول إن "التغيير الحكومي ليس مجرد تعديل ظرفي بل خطوة تؤكد أن الرئيس تبون يقود المرحلة بنفسه، واضعاً الحكومة كذراع تنفيذي لتحقيق أهدافه في الاقتصاد والسياسة الداخلية والدبلوماسية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

معادلة واضحة المعالم

أما الخبير وأستاذ الاقتصاد في جامعة ريموسكي كيبك - كندا، حمزة جرايمي،  فيقول إن الحكومة الجديدة بقيادة سيفي غريب ستكون أمام معادلة واضحة من التحديات المستقبلية، وأيضاً مدى قدرتها على المحافظة على المكاسب السابقة، موضحاً أن أكبر التحديات هو الاعتماد الكبير على المحروقات الذي لا يزال يثقل الاقتصاد الجزائري لأنه يمثل أكثر من 90 في المئة من الصادرات، مما يجعل الجزائر عرضة لتقلبات الأسعار في الأسواق العالمية، وهو ما يؤثر مباشرة في مداخيل البلاد.

وذكر جرايمي أن الحكومة الجديدة تواجه تحديات خفض نسب البطالة وكبح التضخم ومحاربة البيروقراطية التي لا تزال منتشرة في بعض الإدارات الحكومية، وهي من أخطر العراقيل التي تواجه سير الحكومة، ومن الممكن أن تقف في وجه جهود سيفي غريب وطاقمه الوزاري.

وأضاف المتحدث ذاته بأن حكومة غريب تقف أمام تحدي المحافظة على المكاسب المحققة، ومنها الحفاظ على احتياط النقد الأجنبي الذي بلغ 60 مليار دولار، وهو رقم مطمئن مقارنة بالأعوام الماضية، والحفاظ على الفائض التجاري الذي تجاوز 10 مليارات دولار، وهو ما يعكس قوة الصادرات الطاقية خصوصاً نحو الدول الأوروبية والأفريقية وباقي دول العالم، وتحسين التجارة الخارجية والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي ودول جنوب شرقي آسيا.

وبحسب جرايمي فإن الحكومة الجديدة مطالبة بالحفاظ على المؤشرات الاقتصادية مثل حجم الصادرات خارج المحروقات الذي بلغ 7 مليارات دولار، وتحسين معدل النمو الاقتصادي والدين الخارجي، وهي مؤشرات إيجابية ورثها غريب وهو أمام مسؤولية تحدي المحافظة عليها، معتبراً أن النجاح في معالجة هذه التحديات سيعطي الحكومة الجديدة شرعية شعبية واقتصادية، وهو ما سيحدد صورة هذه الحكومة داخلياً وخارجياً خلال الفترة المقبلة.

أولوية تقنية

من جهته يقول المحلل الاقتصادي هواري تيغرسي إن تثبيت الوزير الأول من داخل التركيبة الحكومية في منصبه يهدف إلى استمرارية إدارية مع عناصر تغيير محددة تركز على الطاقة والاقتصاد، كما أن إدارة قطاع المحروقات والغاز ستأخذ أولوية تقنية وسياسية ربطاً بالاتفاقات الخارجية، موضحاً أن إدارة العقود مع الشركاء الأوروبيين وإنتاج شركة المحروقات "سوناطراك" سيبقيان في صميم العمل الحكومي.

ولفت تيغرسي إلى أن الاعتماد على المحروقات لا يزال كبيراً، إذ تشكل عوائد المحروقات الجزء الأكبر من صادرات الجزائر وجزءاً كبيراً من إيرادات الدولة، ويبقى تقليص هذه الهشاشة أكثر من ضروري، كما أن معدل البطالة المرتفع، حيث البنك الدولي يعطي أرقاماً بنطاق ما بين 11و13 في المئة بين الشباب والنساء، يعد عاملاً سياسياً واجتماعياً مركزياً، وخلق وظائف حقيقية يعتبر مطلباً ملحاً للحكومة.

وتطرق تيغرسي إلى العجز المالي وقابلية تدهور احتياط النقد الأجنبي بسبب التقلبات الكبيرة في أسعار النفط داخل الأسواق الدولية والحاجة إلى إصلاحات هيكلية للإنفاق والجباية، إضافة إلى أن برامج تعظيم الإنتاج، مثل رفع إنتاج الغاز ومشاريع الطاقة المتجددة، تتطلب استثمارات كبيرة قد تصل لعشرات المليارات ضمن خطط بعيدة الأمد.

ملفات اجتماعية ساخنة

ويرى المتخصص في علم الاجتماع حسين زبيري أن الملف الاجتماعي يعد أهم وأخطر الملفات التي تواجه الحكومة الجديدة، وتبقى طريقة معالجته مرهونة بقراءات سياسية للوضع ومدى تحقيق العدالة الاجتماعية عبر مختلف المناطق الجغرافية، موضحاً أن هناك توزيعاً متفاوتاً للعدالة الاجتماعية، حيث تغيب في بعض المناطق بسبب نقص التنمية على غرار مناطق الجنوب الجزائري ومناطق الظل في الشمال.

وأشار زبيري إلى أن أحد العناصر اللافتة للانتباه في الملف الاجتماعي هي البطالة، وعلى رغم محاولات الحكومة تحسين الوضع لكن نسبتها تبقى مرتفعة بـ 11 في المئة، وترتفع أكثر لدى فئة الشباب، ونجاح الحكومة في معالجة ملف البطالة وارتفاع نسبة التشغيل سيحقق الاستقرار الاجتماعي وتحسن القدرة الشرائية، مضيفاً أن العنصر الثاني في الملف الاجتماعي هو "القدرة الشرائية التي تتأثر بملف التشغيل، لأن ارتفاع نسبة البطالة في بعض المناطق يؤدي إلى تدهور القدرة الشرائية للمواطن، فنصبح أمام ما يسمى بجماعات مهمشة تتحول للأسف إلى بؤر للانفجار لاحقاً"، ويجب على الحكومة أن تعالج هذه الملفات بنظرة جدية.

وذكر زبيري أن الحكومة الجديدة مطالبة بمعالجة الاختلالات في توزيع الثروة لأن هناك مناطق تستفيد من الريع البترولي على حساب أخرى، مما يسبب خللاً وظيفياً في المجتمع، بخاصة أن هذه الأمور تجري في إطار وضع إقليمي حساس، وقال إن ملفات أخرى على طاولة الحكومة الجديدة، ومنها ملف توزيع المساكن على الفئات الاجتماعية المهمشة، يعرف ضغطاً كبيراً بسبب التأخير الكبير في التوزيع بمختلف الصيغ، مما خلق امتعاضاً كبيراً لدى فئات من المجتمع.

وأفاد زبيري بأن الحكومة عليها أيضاً مناقشة ملف الخدمات الصحية ونقص المستشفيات المتخصصة في المناطق النائية وتوفير مياه الشرب، وبخاصة بعد بناء محطات كثيرة لتحلية مياه البحر، حيث لا تزال هناك مناطق تعاني نقص المياه والنقل والكهرباء.

وأشار المتحدث نفسه إلى أن ملف الهجرة غير الشرعية لا يزال يشغل الرأي العام المحلي، والحكومة أمام تحدي إعادة بناء الثقة والأمل لدى الشباب ومعالجة الظروف الحقيقية التي أدت إلى انتشار الظاهرة، إضافة إلى محاربة نشاط عصابات الأحياء والانحرافات وإدمان المخدرات في المجتمع، والبحث عن الحلول الاجتماعية والاقتصادية في التعامل مع هذه الظواهر ومواجهتها بشفافية وموضوعية وشجاعة.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات