ملخص
التضخم يعود للواجهة بارتفاع أسعار المستهلك من 2.3 في المئة في أبريل إلى 2.7 في المئة في يوليو.
تحولت سوق العمل الأميركية من حال الانتعاش إلى مرحلة من الخمول خلال الأشهر السبعة الأولى من عودة الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، إذ تراجع التوظيف بصورة ملحوظة وبدأ التضخم في الارتفاع مجدداً مع فرض مزيد من التعريفات الجمركية.
وأظهر تقرير الوظائف الصادر أمس الجمعة أن أصحاب العمل لم يضيفوا سوى 22 ألف وظيفة جديدة في أغسطس (آب) الماضي، بينما ارتفع معدل البطالة إلى 4.3 في المئة.
وسرحت المصانع وشركات البناء أعداداً من العمال، فيما كشفت المراجعات عن أن الاقتصاد فقد 13 ألف وظيفة في يونيو (حزيران) الماضي لتكون تلك أول خسارة شهرية منذ ديسمبر (كانون الأول) 2020 إبان جائحة "كوفيد-19."
فجوة واسعة بين الواقع والوعود
تكشف هذه البيانات عن فجوة واسعة بين الاقتصاد المزدهر الذي وعد به ترمب والنتائج المتواضعة التي تحققت حتى الآن. فبينما يفاخر البيت الأبيض بأنه يتحرك بسرعة كبيرة على الصعيد الاقتصادي يطلب الرئيس الآن من الشعب الأميركي التمهل، مؤكداً أن أرقام الوظائف الأفضل لن تظهر إلا بعد عام. وقال ترمب الجمعة "سنفوز فوزاً لم يسبق له مثيل. انتظروا حتى تفتح هذه المصانع أبوابها، والتي تبنى الآن في جميع أنحاء البلاد، وستشهدون ما لم يتوقعه أحد في هذا البلد".
غير أن دعوة ترمب إلى الصبر لم تطمئن الأميركيين، إذ تحولت القضايا الاقتصادية التي طالما شكلت مصدر قوته السياسية على مدى عقد من الزمان إلى نقطة ضعف متواصلة. في بداية عام 2020، خلال ولايته الأولى، بلغت نسبة التأييد لأدائه الاقتصادي 56 في المئة، لكنها تراجعت في يوليو (تموز) الماضي إلى 38 في المئة، وفقاً لاستطلاع أجرته وكالة "أسوشييتد برس" ومركز "نورك" لأبحاث الشؤون العامة.
هذا التراجع في الثقة ترك ترمب في موقع الباحث عن أطراف يحملها المسؤولية، بينما يصر الديمقراطيون على أن المشكلة تبدأ وتنتهي عنده.
خفض أسعار الفائدة في سبتمبر
ويؤكد ترمب أن الاقتصاد كان ليضيف مزيداً من الوظائف لو أن رئيس "الاحتياطي الفيدرالي" جيروم باول خفض أسعار الفائدة المرجعية، على رغم أن تنفيذ ذلك بالقدر الذي يطالب به الرئيس قد يؤدي إلى إشعال موجة تضخمية جديدة. ويتوقع المستثمرون أن يقدم "الاحتياطي الفيدرالي" على خفض الفائدة في اجتماعه القادم في سبتمبر (أيلول) الجاري، ويرجع ذلك جزئياً إلى ضعف بيانات التوظيف الأخيرة.
وفي المقابل حمل زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشاك شومر سياسات ترمب مسؤولية التراجع الاقتصادي، قائلاً إن الرسوم الجمركية التي يفرضها الرئيس وإدارته المتهورة تقود الاقتصاد نحو الانهيار، وأضاف "هذا إنذار أحمر صارخ للبلاد بأكملها بأن دونالد ترمب يعتصر الحياة من اقتصادنا".
وبحسب عديد من المؤشرات بدا أن ترمب يحفر لنفسه حفرة اقتصادية، إذ إن أداءه حتى الآن لم يقترب من وعوده الانتخابية الصاخبة. ففي عام 2024، أشار ترمب إلى أن ترحيل المهاجرين غير الشرعيين من البلاد سيحمي "وظائف السود"، لكن معدل البطالة بين الأميركيين السود ارتفع إلى 7.5 في المئة، وهو أعلى مستوى له منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2021، مع تشديد الإدارة حملاتها ضد الهجرة.
وفي أبريل (نيسان) الماضي، حين أعلن ترمب عن فرض رسوم جمركية جديدة، قال "ستعود الوظائف والمصانع بقوة إلى بلدنا، وستشاهدون ذلك يحدث بالفعل"، لكن منذ ذلك الحين، خسر قطاع التصنيع 42 ألف وظيفة، فيما خسر قطاع البناء 8 آلاف وظيفة.
وعود ترمب الانتخابية تتلاشى
ووعد ترمب في خطاب تنصيبه بأن "الذهب السائل" للنفط سيجعل الولايات المتحدة أكثر ثراءً، مع إعادة توجيه الاقتصاد نحو الوقود الأحفوري، غير أن قطاعي قطع الأشجار والتعدين، وهما يشملان النفط والغاز الطبيعي، فقدا معاً 12 ألف وظيفة منذ يناير (كانون الثاني) الماضي.
وعلى رغم انخفاض أسعار البنزين، قدرت إدارة معلومات الطاقة في أغسطس أن إنتاج النفط الخام سينخفض العام المقبل بمعدل 100 ألف برميل يومياً، وهو ما يتعارض مع الوعود الرئاسية بطفرة في هذا القطاع.
وفي التجمعات الانتخابية لعام 2024 تعهد ترمب القضاء على التضخم منذ "اليوم الأول"، كما وعد بخفض أسعار الكهرباء إلى النصف خلال 12 شهراً. إلا أن البيانات الأخيرة تشير إلى أن أسعار المستهلك ارتفعت من 2.3 في المئة سنوياً في أبريل إلى 2.7 في المئة في يوليو الماضي، فيما ارتفعت كلفة الكهرباء بنسبة 4.6 في المئة منذ بداية العام.
مع ذلك يصر البيت الأبيض على أن الاقتصاد يقف على أعتاب نمو هائل، مشيراً إلى أن الضرائب الجديدة على الواردات قد تدر مئات المليارات من الدولارات سنوياً إذا نجت من الطعون القضائية.
وفي حفل عشاء جمعه بمديرين تنفيذيين ومؤسسين من شركات مثل "أبل" و"غوغل" و"مايكروسوفت" و"أوبن أي آي" و"ميتا"، قال ترمب إن المرافق الجاري بناؤها لتطوير الذكاء الاصطناعي ستوفر لاحقاً "أرقام وظائف لم يشهدها البلد من قبل"، لكنه أقر بأن ذلك قد لا يحدث إلا بعد عام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
غير أن بعض الاقتصاديين يرون في هذا الخطاب تناقضاً، إذ يشير مدير دراسات السياسة الاقتصادية في معهد "أميركان إنتربرايز" مايكل سترين إلى أن وعود ترمب بنمو قوي في الوظائف تتعارض مع مزاعمه بأن بيانات التوظيف الأخيرة مزورة للنيل منه سياسياً، إذ أقال ترمب بالفعل رئيس مكتب إحصاءات العمل الشهر الماضي بعد مراجعات هابطة حادة في تقرير يوليو الماضي، وقال سترين "إذا كان الرئيس يرى أن الأرقام مزورة، فلماذا يطلب منا الصبر عليها؟".
وفي مواجهة الانتقادات دافع البيت الأبيض عن التقرير الأخير، معتبراً إياه استثناءً في اقتصاد يتمتع بمتانة عامة. وأوضح مدير المجلس الاقتصادي الوطني كيفن هاسيت أن "الاحتياطي الفيدرالي" في أتلانتا يتوقع نمواً سنوياً بنسبة 3 في المئة خلال هذا الربع، وهو ما يتسق، بحسب قوله، مع متوسط شهري يبلغ 100 ألف وظيفة جديدة. وأضاف هاسيت أن التضخم لا يزال منخفضاً، وأن نمو الدخل قوي، وأن الاستثمارات في الأصول الجديدة مثل المباني والمعدات ستسهم في تعزيز التوظيف على المدى المتوسط.
لا إشارات على انتعاش قادم
لكن نائب مدير المجلس الاقتصادي الوطني في عهد الرئيس جو بايدن، دانييل هورنونغ، رفض هذه الرواية، قائلاً إن بيانات أغسطس لا تعطي أي إشارة إلى انتعاش قادم، وأضاف "هناك ضعف واسع النطاق، بخاصة في التراجع المستمر على مدى ثلاثة أشهر في قطاعات إنتاج السلع مثل البناء والتصنيع. لقد كانت هناك بالفعل رياح معاكسة، والرسوم الجمركية ستفاقم التحديات".
من جانبه أقر الاقتصادي في مؤسسة "هيريتيغ" المحافظة وأحد مؤيدي ترمب، ستيفن مور، بأن سوق العمل "تتراجع بالتأكيد"، لكنه شدد في الوقت نفسه على قناعته بأن بيانات الوظائف لا تعكس الواقع بدقة. وأوضح أن الاقتصاد يتكيف مع التحول الذي أحدثه ترمب من خلال فرض تعريفات جمركية أعلى وتشديد القيود على الهجرة، مما قد يقلص من عدد العمال المتاحين، وقال "المشكلة الحقيقية في المستقبل هي نقص العمال، وليس نقص الوظائف".
أما المستشار السياسي وخبير استطلاعات الرأي فرانك لونتز، فتبنى وجهة نظر مغايرة، مؤكداً أن تقارير الوظائف لن تكون ذات تأثير كبير في المسار السياسي لترمب وحركته، لأن الناخبين يهتمون أكثر بالتضخم والقدرة على تحمل كلف المعيشة، وقال "هذا ما يتابعه الجمهور، وهذا ما يهمه. الغالبية ممن يريدون وظيفة لديهم وظيفة بالفعل".
ويخلص لونتز إلى أن البعد الانتخابي يبقى الأهم، مشيراً إلى أن أمام ترمب عاماً تقريباً ليثبت للناخبين أنه قادر على تحسين القدرة على تحمل الكلف. وعلى حد قوله، "الناخبون عادةً ما يحسمون تقييمهم للأداء الاقتصادي بحلول عيد العمال الذي يسبق انتخابات التجديد النصفي، مما يعني أن ترمب ما زال يملك وقتاً لإقناع الأميركيين".