Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحكومة اللبنانية تبدأ لعبة ألغاز... لا تحبذها إسرائيل

الجميع خرج من جلسة الأمس منتصراً، فيما من بعيد تتربص عيون حاقدة وطائرات حربية ومدفعيات ثقيلة، بطبيعتها العدوانية لا تؤمن بأنصاف الحلول ولا تحبذ لعبة فك الألغاز

الجلسة الحكومية في قصر بعبدا انتهت بالترحيب بخطة الجيش لحصرية السلاح ولم تعلن إقرارها رسمياً (ا ف ب)

ملخص

الجميع في لبنان خرج رابحاً من جلسة مناقشة خطة الجيش لحصرية السلاح بيد الدولة، ومن ضمنه سلاح "حزب الله". الجميع هلل مصفقاً ورافعاً راية نصر وهمي، من دون أن يدرك حتى مضمون ما اتفق عليه، فيما كشف بعض التسريبات، عن ملامح خطة الجيش وليس مضمونها بصورة تامة.

"Tout le monde a gagné" عبارة فرنسية شائعة جداً، وتعني "الجميع خرج رابحاً".

اللبنانيون يحبون فرنسا، هي الأم الحنون، يتقنون لغتها جيداً، ويستنجدون بها، بدورها التاريخي وحتى بكثير من عباراتها في يومياتهم.

بالأمس، طبقت الدولة واللبنانيون عبارة "الجميع خرج رابحاً" بصورة حرفية. نعم، الجميع خرج رابحاً من جلسة الحكومة لمناقشة خطة الجيش لحصرية السلاح بيد الدولة، ومن ضمنه سلاح "حزب الله". الجميع هلل مصفقاً ورافعاً راية نصر وهمي، من دون أن يدرك حتى مضمون ما اتفق عليه، فيما كشف بعض التسريبات، عن ملامح خطة الجيش وليس مضمونها بصورة تامة.

لكن بأي منطق خرج الجميع رابحاً في ملف لا يحتمل أي تأويل أو مواربة؟

لنسأل "ماذا حصل خلال الجلسة؟"

عقدت الجلسة عند الساعة الثالثة و10 دقائق من بعد ظهر أمس الجمعة خلال الخامس من سبتمبر (أيلول) الجاري، بحضور كل الوزراء من دون استثناء. دخل قائد الجيش العماد رودولف هيكل، فخرج بعد دقائق نواب "الثنائي الشيعي"، أي وزراء الصحة والعمل والبيئة والمال، ولحقهم الوزير الشيعي الخامس غير المحسوب عليهم بصورة مباشرة فادي مكي.

وبعد نحو ساعتين خرج وزير الإعلام بول مرقص ليقرأ مقررات جلسة مجلس الوزراء، فقال "المجلس استمع إلى خطة الجيش لحصر السلاح ورحب بها، وقرر الإبقاء على مضمون خطة الجيش ومداولاته سرية"، وتابع أن "الجيش سيتحرك في الإطار المقرر له في جلسة الخامس من أغسطس (آب)، مع احتفاظه بحق التقدير العملاني وفقاً للظروف الميدانية".

وللتذكير ففي جلسة الخامس من أغسطس الماضي أقرت الحكومة حصرية السلاح بيد الدولة، وكلفت حينها الجيش إعداد الخطة على أن تنفذ قبل نهاية العام الحالي، أي خلال نحو أربعة أشهر من الآن.

وهنا نتوقف عند جملة نقاط:

الحكومة رحبت بخطة الجيش في جلسة الأمس ولم تقرها، أو أقله لم تعلن اعتمادها بصورة علنية ورسمية.

الجيش لم يقدم خطة حصرية السلاح بمهل زمنية واضحة لكل مرحلة، بل بقي الأمر مبهماً، وهو ما يتناقض مع مضمون جلسة الخامس من أغسطس الماضي.

في المقابل، لم تتراجع الحكومة عن قرارها حصرية السلاح، وإن أبدت مرونة عدها بعض تراجعاً، أو في أفضل الأحوال "الهرب إلى الأمام" في ملف سحب سلاح "حزب الله".

تسريبات عدة، ومن ضمنها ما كشفته مصادر حكومية ورئاسية لـ"اندبندنت عربية" أكدت أن الخطة تتضمن خمس مراحل، وهي تبدأ من جنوب الليطاني ثم شماله نحو نهر الأولي، بعدها بيروت، لاحقاً البقاع، على أن تكون المرحلة الأخيرة في المناطق الأخرى المتبقية، ويكون للجيش اللبناني حرية اتخاذ التحرك في عملية سحب السلاح وفق ما يراه مناسباً لإمكاناته، على أن يقدم تقريراً شهرياً مفصلاً للحكومة، عما يقوم به.

كيف نظر الجميع إلى جلسة الأمس؟

انتهت الجلسة عصر أمس، وبعدها اندلعت عاصفة من التعليقات وكثر المحللون في محاولة لفك ألغاز ما خرجت به الحكومة اللبنانية بعد جلسة دامت ساعتين.

جمهور الثنائي عدها انتصاراً، فالحكومة لم تقر خطة بصورة علنية مع مهل زمنية واضحة تبدأ بتاريخ محدد وتنتهي بآخر، وقالوا إنها تراجعت عما أقرته في الجلستين السابقتين، كما أن ربطها سحب كل السلاح بوقف الاعتداءات الإسرائيلية، وفق مقاربتهم، يعني عدم التزام بيروت بورقة الموفد الأميركي توم باراك، وهو ما أقر في جلسة السابع من أغسطس الماضي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أكثر من ذلك، لم تكد تنته الجلسة ومر وقت قصير، حتى صرح رئيس مجلس النواب نبيه بري وأعلن في حديث إعلامي "تلقفه الإيجابي لصيغة الحكومة وخطة الجيش في شأن حصر السلاح بيد الدولة"، مؤكداً أن "الموقف الإيجابي ينبع من "مرونة الصيغة" التي لم تحدد مهلة زمنية صارمة للتنفيذ، وربطت التطبيق بقبول إسرائيل بالخطة الأمنية والسياسية المطروحة".

وفي تصريح لصحيفة "الشرق الأوسط" قال "الأمور إيجابية... وأعتقد أن الرياح السامة بدأت تنطوي".

كلام بري كان إيجابياً، لكن لم يحل دون خروج مسيرات بالدراجات النارية لشباب رافعين أعلام "حزب الله" ومنددين بما حصل خلال الجلسة الحكومية، وذهب كثر منهم إلى حد وصف الرئيسين عون وسلام بعبارات مسيئة.

بري رحب بالجلسة ومضمونها، وزراء "الثنائي" خرجوا منها اعتراضاً، وجزء من جمهور الثنائي تحرك في الشارع رفضاً لمضمونها!

لا انتصار كاملاً لدى معارضي "حزب الله"

على المقلب الآخر، وتحديداً لدى الأحزاب المعارضة لـ"حزب الله" وسلاحه، وعلى رأسهم حزب "القوات اللبنانية" و"الكتائب اللبنانية" والتغييريين والمستقلين، عدُّوا أن الجلسة انتصار لسيادة لبنان ولحصرية السلاح ولبناء الدولة، ولكن لم يتحقق مطلبهم بأن تكون هناك مهل زمنية بتواريخ محددة ضمن خطة الجيش، على اعتبار أن أية خطة من دون مهل ما هي إلا "حلم صيف" عابر، لا يغني ولا يسمن عن تصعيد ميداني وحرب سوداء متوقعة.

وهنا تؤكد التسريبات أن وزراء القوات أرادوا تسجيل تحفظهم داخل جلسة الحكومة على عدم وضع مهل زمنية ضمن خطة الجيش، مما يعني اعتراضهم عليها بصورة أو بأخرى، إلا أن تمنياً من الرئيس جوزاف عون حال دون ذلك.

وما بين جوقة المنتصرين من هنا وهناك، تبرز أسئلة كثيرة، لا إجابة عنها بالتأكيد:

لماذا رحبت الحكومة بالخطة ولم تقرها أو تعتمدها علانية؟ هل تمت الموافقة فعلياً عليها أم بقي الموقف مجرد ترحيب"إعلامي"؟ متى سيبدأ التنفيذ الفعلي لمرحلة سحب سلاح "حزب الله" شمال الليطاني، على اعتبار أن العملية في جنوب النهر قائمة بالفعل منذ أشهر؟ "حزب الله" الرافض تماماً لتسليم السلاح شمال الليطاني، كيف سيتعامل مع أول خطوة في هذا الشأن؟ وهل التسليم سيتم وفق صفقة أو بالقوة؟ هل نحن أمام تصعيد في الشارع؟

ربط نزاع وبيان حكومي صيغ بأدق العبارات

بالخلاصة، لم تكن الجلسة الثالثة للحكومة ثابتة بصورة تامة، فقد ظهر بوضوح أن مجلس الوزراء ماض في خطه السيادي انسجاماً مع قراراته السابقة، من دون أي تراجع. غير أن ذلك لم يحجب ملامح الحرص على مراعاة "الثنائي الشيعي"، واتسمت الجلسة بقدر من السرية، إذ لم تعلن أية مهلة زمنية للتنفيذ، في تمايز واضح عن الجلستين السابقتين. وإلى جانب ذلك، جرى ربط استكمال الترتيبات الأمنية المتعلقة بوقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل بمدى التزام إسرائيل بهذا الاتفاق.

وما جرى في جلسة الأمس يمكن وصفه بأنه ربط نزاع بامتياز، سيناريو جرى رسمه بعناية، وبيان حكومي صيغ بأدق العبارات، واضحة في شكلها لكنها ملتبسة في معانيها ومقاصدها. نص يحاول أن يوازن بين القوى كافة، فيمنح كل طرف مساحة لادعاء الانتصار ولو موقتاً، فيما الحقيقة أن لا منتصر حقيقياً في هذا المشهد، بل مجموعة خاسرين بدرجات متفاوتة.

مؤيدو الحكومة كانوا يريدون أن تتخذ قراراً واضحاً بإقرار خطة الجيش وتحديد المهلة الزمنية لسحب السلاح، وإعطاء القرار السياسي اللازم للجيش ببدء التنفيذ، وهذا لم يحصل، أما "الثنائي الشيعي" الذي كان يطالب بإلغاء قراري جلستي الخامس والسابع من أغسطس الماضي، لم يسحب من الدولة أي تراجع في موضوع سحب السلاح.

وما بين الفريقين "المنتصرين" على أساس المقولة الفرنسية الشهيرة "Tout le monde a gagné"، تأجلت الأزمة ولم تجد طريقها إلى الحل، فيما من بعيد تتربص عيون حاقدة وطائرات حربية ومدفعيات ثقيلة، وهي بطبيعتها العدوانية لا تؤمن بأنصاف الحلول ولا تحبذ لعبة فك الألغاز.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل