Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مسار ترمب التصادمي مع البرازيل

كيف تصب السياسة الأميركية في مصلحة الصين وتعيد تشكيل أميركا اللاتينية

الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا في قصر بلانالتو، برازيليا، يوليو 2025 (رويترز)

ملخص

سياسة ترمب التصادمية مع البرازيل، عبر الرسوم الجمركية والعقوبات دعماً لبولسونارو، قوضت صدقية واشنطن كحليف، وأضعفت نفوذها التقليدي، بينما عززت موقع لولا داخلياً، ودفعت برازيليا إلى تعميق شراكاتها مع الصين، مما سرع التحول نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب على حساب الهيمنة الأميركية.

خلال أبريل (نيسان) الماضي، عندما أعلن دونالد ترمب تعريفاته الجمركية على عشرات الدول في "يوم التحرير"، خرجت البرازيل من دون أن يصيبها أذى كبير. فقد خضعت الصادرات البرازيلية إلى الولايات المتحدة لرسوم لا تتجاوز 10 في المئة، وهي المعدل العام الذي فرضه ترمب على دول العالم، متفادية الرسوم المرهقة التي فرضت حتى على بعض حلفاء الولايات المتحدة. غير أن ترمب أعلن في أواخر يوليو (تموز) أن الصادرات البرازيلية ستخضع لتعريفات بنسبة 50 في المئة، وهي واحدة من أعلى المعدلات التي فرضتها واشنطن في أي مكان في العالم. وقد أثار هذا الإعلان احتمال اندلاع حرب تجارية بين الولايات المتحدة وأكبر اقتصاد في أميركا اللاتينية. ويشير ذلك إلى استعداد ترمب لاستخدام التعريفات الجمركية ليس كوسيلة لإجبار الآخرين على إبرام اتفاقات تجارية أكثر فائدة أو موازنة العجز التجاري فحسب، بل أيضاً كأداة للتأثير في السياسة الداخلية لدولة أجنبية.

وعند الكشف عن المعدل الجديد، أعلن البيت الأبيض أن "الاضطهاد السياسي والترهيب والمضايقات والرقابة والملاحقات القضائية التي تمارسها البرازيل ضد الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو"، وهو حليف لترمب يخضع للمحاكمة بتهمة التمرد بعد فشل محاولة إعادة انتخابه عام 2022، يمثل "انتهاكات خطرة لحقوق الإنسان قوضت سيادة القانون في البرازيل". وألغت الولايات المتحدة تأشيرات ثمانية من أصل 11 قاضياً في المحكمة الفيدرالية العليا البرازيلية وفرضت عقوبات اقتصادية، بموجب قانون ماغنيتسكي العالمي، على القاضي ألكسندر دي مورايس، الذي يشرف على قضية بولسونارو. تأتي هذه الإجراءات رداً على الدور المركزي للمحكمة في مقاضاة بولسونارو وأنصاره على خلفية مشاركتهم في محاولة انقلاب بعد الانتخابات. وهي تمثل هجمات علنية على شرعية المؤسسات الديمقراطية في البرازيل. ورأت الحكومة البرازيلية في هذه الخطوات، إلى جانب التعريفات الجديدة، انتهاكات صارخة لسيادتها ومحاولات متعمدة لإضعاف موقف الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا الذي هزم بولسونارو، قبل الانتخابات المقررة خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2026.

لقد قوضت واشنطن صدقيتها كشريكة موثوقة تجاه دولة صديقة حافظت معها على علاقات دبلوماسية واقتصادية لأكثر من قرنين من الزمن. وبدلاً من تعزيز المصالح الأميركية (أو مصالح ترمب)، أثارت هذه الإجراءات رد فعل عكسي في البرازيل، إذ تشير استطلاعات الرأي العام إلى أن غالبية البرازيليين لا يوافقون على إجراءات ترمب، التي أسهمت في تراجع الدعم لبولسونارو، وإضعاف التماسك الأيديولوجي للكتلة الاقتصادية اليمينية البرازيلية، وتنفير شرائح من النخبة الاقتصادية. ونتيجة لذلك، حتى الفئات المحافظة التي كانت تتوق في السابق إلى الانصياع لرغبات واشنطن، أصبحت الآن أكثر ميلاً لدعم استراتيجية الحكومة البرازيلية الرامية إلى تنويع الشراكات الاقتصادية والحد من الاعتماد على الولايات المتحدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكلما سعت الولايات المتحدة إلى تقويض سيادة البرازيل وزعزعة استقرار مؤسساتها الديمقراطية، بما في ذلك من خلال الدعوة الضمنية لتغيير النظام، فإنها تفتح مجالاً جيوسياسياً أكبر أمام الصين لتوسيع نفوذها الكبير بالفعل في البلاد. وتعمل بكين باطراد على ترسيخ حضورها في البرازيل من خلال استثمارات في مجالات حيوية مثل الطاقة والزراعة والأمن الغذائي والدفاع والتكنولوجيا المتقدمة وتصنيع السيارات وبرنامج أقمار اصطناعية مشترك وبنية تحتية استراتيجية مثل الموانئ. والأهم من ذلك، أن الصين تعمل على مشروع طموح لبناء سكة حديد عابرة للقارات في البرازيل تربط المحيط الأطلسي بالمحيط الهادئ. وهذه التطورات لا تقوض مكانة واشنطن في البرازيل فحسب، بل تعيد أيضاً معايرة ميزان القوى الإقليمي على نطاق أوسع.

وبالنسبة إلى عدد من صانعي السياسات في البرازيل، فإن هذا الوضع مرفوض لأنه يبطئ ظهور النظام العالمي المتعدد الأقطاب الذي يتطلعون إليه بشدة. فبدلاً من أن تكون لديهم القدرة على موازنة العلاقات مع كل من الولايات المتحدة وخصومها التقليديين، وخلال الوقت نفسه تنمية روابط عبر ما يسمى الجنوب العالمي، تدفع البرازيل نحو المفاضلة بين خيارين لا ثالث لهما: إما التحالف الكامل مع واشنطن أو مع بكين. وفي مواجهة التهديدات المتزايدة من واشنطن، قد تخلص برازيليا (العاصمة الفيدرالية للبرازيل) في نهاية المطاف إلى أن خياراتها أكثر حدة مما كانت تتوقع.

أصدقاء في السراء وليس في الضراء

على مدى عقود، ارتكزت العلاقة الإيجابية والبناءة بين البرازيل والولايات المتحدة على المصالح المتبادلة والثقة المشتركة، مما دعم بدوره الاستقرار الإقليمي. فعلى سبيل المثال، خلال الحرب العالمية الثانية، اصطفت البرازيل إلى جانب الولايات المتحدة وسمحت لها ببناء قواعد جوية شمال شرقي البلاد مقابل مساعدات اقتصادية وتنمية صناعية، وهي لحظة تأسيسية في استراتيجية الدفاع ضمن نصف الكرة الغربي. وخلال الآونة الأخيرة، شهدت العلاقات تعاوناً مكثفاً في مجال الأمن الإقليمي ومكافحة تجارة المخدرات غير المشروعة، لا سيما من خلال آليات مثل اتفاق التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة والبرازيل لعام 2010، التي عمقت الروابط المؤسسية بين قوات الأمن في البلدين. واليوم، يظهر حجم التجارة الثنائية عمق هذه الشراكة وعدم توازنها خلال الوقت نفسه، إذ إن الفائض التجاري الذي حققته الولايات المتحدة مع البرازيل والبالغ نحو 400 مليار دولار خلال العقد الماضي يبرز التفوق الراسخ الذي تتمتع به واشنطن.

هذا لا يعني أن العلاقة كانت خالية من التباينات أو التوترات، خصوصاً عندما سعت البرازيل إلى انتهاج سياسة خارجية أكثر استقلالية. فدور البرازيل القيادي داخل دول الجنوب العالمي، ولا سيما خلال الولاية الأولى للرئيس لولا (2003-2011) وخلفه ديلما روسيف (2011-2016)، غالباً ما تعارض مع أولويات الولايات المتحدة. ورأت واشنطن في محطات عدة انحرافات استراتيجية، منها معارضة البرازيل العلنية للغزو الأميركي للعراق عام 2003، ودورها المحوري عام 2009 في إنشاء مجموعة "بريكس"، وهو تكتل حكومي دولي آخذ في التوسع وله نفوذ عالمي متزايد، وجهودها المشتركة مع تركيا عام 2010 للتوسط في اتفاق نووي مع إيران، وهو ما همشته إدارة أوباما في نهاية المطاف مفضلة مفاوضات مع الأعضاء الدائمين الخمسة في مجلس الأمن الدولي إضافة إلى ألمانيا. وخلال الآونة الأخيرة، أعربت واشنطن عن قلقها في شأن تنامي علاقات البرازيل مع الصين، وهي علاقات تعمقت منذ هزيمة بولسونارو، الذي كان تعمد إبعاد برازيليا من بكين.

وفي صميم إعادة ضبط السياسة الخارجية البرازيلية الحالية تكمن قناعة بأن النظام الدولي الذي قادته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية في حال تراجع. وباتت برازيليا ترى بصورة متزايدة أن صعود عالم متعدد الأقطاب، تقوده عدة قوى كبرى ويعززه تنامي نفوذ الجنوب العالمي، يشكل ضرورة وفرصة في آن واحد. وفي إطار هذا النموذج، تطمح البرازيل إلى المساعدة في توجيه مسار الحوكمة والتنمية العالميتين. وهذا يفسر سعيها إلى بناء شراكات استراتيجية مع دول خارج مدار الولايات المتحدة والقوى الغربية التقليدية الأخرى، وكذلك تزايد تركيزها على التعاون المباشر بين دول الجنوب العالمي. وتعزز البرازيل هذا النهج في المقام الأول من خلال مجموعة "بريكس"، التي أصبحت عنصراً هيكلياً مهماً في السياسة الخارجية البرازيلية. وحتى المنتقدون البرازيليون السابقون للتكتل باتوا يرون فيه منصة لا غنى عنها لتعزيز مصالح البلاد. فقد كان إطار عمل "بريكس" فعالاً، على سبيل المثال، في توفير جهود أمنية مشتركة بين البرازيل والهند، وفي إنشاء بنك التنمية الجديد، الذي يمول مشاريع البنية التحتية والتنمية في البرازيل وغيرها من الأسواق الناشئة، وفي تنسيق الجهود الرامية إلى تقليل اعتماد أعضائها على الدولار الأميركي.

ومع ذلك، لا تنوي البرازيل إدارة ظهرها للولايات المتحدة. فقد أعطى البلدان تاريخياً الأولوية لكثير من الأهداف المشتركة، بما في ذلك الاستقرار الإقليمي. ولا يزال لولا، الزعيم السياسي الأكثر نفوذاً في أميركا اللاتينية، منفتحاً على استئناف المفاوضات التجارية مع واشنطن. غير أن أسلوب ترمب قد يحول دون التوافق بين البلدين. إذ إن لولا، البراغماتي الدبلوماسي، أظهر تاريخياً استعداداً لتقديم تنازلات إذا ما جرت المحادثات بحسن نية وعلى أساس الاحترام المتبادل. لكنه كان أقل تجاوباً مع الإكراه، أو الدبلوماسية القائمة على الصفقات أو الإملاءات الأحادية الجانب، وهي كلها سمات بارزة لنهج ترمب في السياسة الخارجية.

وتغدو قضايا السيادة حساسة خصوصاً عندما ترفض البرازيل الاصطفاف مع الأولويات الاستراتيجية للولايات المتحدة، سواء في ما يتعلق بالهجرة أو دبلوماسية المناخ أو التجارة الزراعية أو التجارة العامة، أو إصلاحات الحوكمة المتعددة الأطراف. فبالنسبة إلى البرازيل، يعد إبراز هوية دولية مستقلة أمراً أساساً لطموحها في قيادة الجنوب العالمي، غير أن هذا الطموح يخضع للاختبار بصورة متزايدة بفعل حقائق النظام المتعدد الأقطاب: فمع تنافس مزيد من القوى الكبرى على النفوذ، يتعين على البرازيل أن تتحرك بحذر ضمن مساحة ضيقة بين الحفاظ على استقلاليتها، وضمان استمرار التعاون مع الولايات المتحدة، وتجنب الاعتماد المفرط على شريك واحد، سواء كان الصين أو غيرها. ومن يذكر أن مرونة النظام الناشئ تجعل تحقيق التوازن بين هذه الأهداف أكثر إلحاحاً وأكثر صعوبة في الوقت نفسه.

أعداء في لمح البصر

يبدو أن واشنطن حريصة الآن على استعراض قوتها المتفوقة. والسؤال المحوري هو ما إذا كان استخدام ترمب للتعريفات الجمركية والعقوبات يهدف إلى انتزاع تنازلات في مفاوضات تجارية جوهرية مع البرازيل، أم يهدف ببساطة إلى الدفع نحو تغيير النظام. إن الإشارات الصادرة من البيت الأبيض توحي بالاحتمال الثاني، وكذلك حقيقة الفائض التجاري الأميركي مع البرازيل، الذي كان من المفترض، من حيث المبدأ، أن يجنب البرازيل مقصلة تعريفات ترمب. كما أن الدائرة المقربة من ترمب ترى بصورة متزايدة أن البرازيل تمثل تهديداً لهيمنة الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية بسبب شراكتها المتنامية مع الصين. ويعتقد كثر في برازيليا، بمن فيهم المقربون من لولا، أن ضغط واشنطن يهدف إلى ترجيح الكفة في التوازن السياسي الداخلي في البرازيل لمصلحة المعارضة، على أمل أن تعيد حكومة محافظة مستقبلية اصطفاف البرازيل بقوة مع أجندة الولايات المتحدة في ما يخص الصين والأمن الإقليمي والتجارة. أما بالنسبة إلى ترمب، فإن لولا يمثل شريكاً غير موثوق: فهو مستقل للغاية، ومنخرط بشدة في التعاون بين دول الجنوب العالمي، ومتحفظ في تبني الأولويات الاستراتيجية الأميركية. في المقابل، ينظر إلى بولسونارو، الذي يبدو مستعداً لتقديم تنازلات بلا حدود للبيت الأبيض، على أنه البديل المثالي.

لكن استراتيجية ترمب قد تأتي بنتائج عكسية، إذ تشير استطلاعات الرأي حتى الآن إلى أن لولا استفاد من حال "الالتفاف حول العلم" (تضامن وطني عبر الأطياف السياسية ضد التأثير الخارجي)، وهي ظاهرة اعتيادية في الدول التي تتعرض لعقوبات خارجية. علاوة على ذلك، من غير المرجح أن تحدث أية حكومة يمينية مستقبلية في البرازيل تحولاً جذرياً في توجهات السياسة الخارجية نحو الولايات المتحدة. فالعلاقة الاقتصادية بين البرازيل والصين باتت راسخة الآن. وحتى الدوائر المرتبطة بالأعمال الزراعية في قلب البرازيل، التي طالما شكلت معقلاً لبولسونارو، تدرك أن البلاد لا يمكنها ببساطة أن تنأى بنفسها عن بكين. بالتالي، أساء ترمب قراءة المشهد السياسي البرازيلي بافتراضه أن الضغط الخارجي سيضعف لولا، متجاهلاً إلى أي مدى يسهم عمق الترابط الاقتصادي بين البرازيل والصين وبراغماتية الناخبين البرازيليين في الحد من أية إعادة اصطفاف حادة لمصلحة واشنطن.

ومن المحتمل أن يتلاشى تأثير "الالتفاف حول العلم" مع مرور الوقت. لكن نظراً إلى أن البرازيل أصبحت أقل اعتماداً على الولايات المتحدة اليوم مما كانت عليه قبل 30 عاماً، قد تتمكن الحكومة من التخفيف من أثر حملة الضغط الأميركية والوصول إلى انتخابات أكتوبر 2026 باقتصاد قوي نسبياً، وهي نتيجة من شأنها أن تضمن عملياً إعادة انتخاب لولا. ولكي تتمكن الولايات المتحدة من إجبار البرازيل فعلياً على الرضوخ، سيتعين عليها فرض عقوبات قاسية على النظام المالي البرازيلي. ومع ذلك، من شبه المؤكد أن مثل هذه الإجراءات ستؤدي إلى زيادة أكبر في الدعم السياسي للولا. وبذلك، يبدو أن ترمب وقع في فخ نصبه بيديه في ما يخص البرازيل.

قوضت واشنطن صدقيتها كشريك يمكن الوثوق به

وكانت العقوبات المفروضة خلال يوليو الماضي على أعضاء المحكمة الفيدرالية العليا في البلاد مثيرة للجدل خصوصاً. فباستثناء أنصار بولسونارو المتشددين وعدد قليل من حكام الأقاليم، وجهت جميع القوى السياسية الكبرى في البرازيل تقريباً انتقادات لهذه الخطوة بشدة. وترى هذه الجهات أن العقوبات والرسوم الجمركية أدوات قانونية أعيد توظيفها لأغراض جيوسياسية، وتمثل إهانات مباشرة للنزاهة الديمقراطية في البرازيل. وأن محاولة ترمب لإعادة تأهيل بولسونارو تتعارض مع التوجهات السياسية السائدة داخل البلاد، إذ إن بولسونارو وابنه إدواردو، الذي كان ينشط في واشنطن للضغط ضد مصالح بلاده، وصفهما أنصار لولا بالخائنين. حتى إن بعض الأحزاب اليمينية اتخذت مسافة حذرة من الرئيس السابق. علاوة على ذلك، فإن القطاعات الرئيسة التي كانت تشكل في السابق العمود الفقري للائتلاف المحافظ في البرازيل، بما في ذلك الأعمال الزراعية والطاقة والصناعات الدفاعية والتصنيع، تشعر بخيبة أمل متزايدة من تدخل ترمب في سياسة البلاد الداخلية ومن سياساته التجارية الحمائية، التي قوضت القدرة التنافسية التصديرية والوصول إلى سلاسل التوريد.

وعلى رغم أن مجالات التعاون المحتملة بين برازيليا وواشنطن لا تزال قائمة، فإن الأجندات السياسية للولا وترمب متعارضة في جوهرها، ومن غير المرجح أن يتحقق أي تقارب قبل انتخابات البرازيل عام 2026. فلولا لا يملك حوافز تذكر للامتثال للضغوط الاقتصادية والقانونية التي تمارسها واشنطن، إذ إن التراجع سيقوض روايته في الدفاع عن السيادة الوطنية ويفقده رأسماله السياسي، لا سيما داخل القواعد التقدمية والقومية التي تشكل أساس دعمه. في الواقع، تسمح مقاومة الضغوط الأميركية للولا بمواصلة تعزيز الدعم المحلي وتعزيز دور البرازيل القيادي في الجنوب العالمي. وحتى إذا قدمت البرازيل تنازلات استراتيجية، مثل منح الولايات المتحدة وصولاً تفضيلياً إلى معادنها النادرة، فليس هناك دليل يذكر على أن واشنطن ستتراجع عن موقفها.

من جانبها، أطلقت البرازيل عملية رد رسمية تستند إلى "قانون المعاملة بالمثل" في المسائل الاقتصادية الذي أُقر حديثاً. وفوض لولا هيئة التجارة في البلاد، كامكس، لتقييم الإجراءات الأميركية، وبعد ذلك ستدرس الحكومة فرض تعريفات أحادية مقابلة. وأمام كامكس مهلة حتى أواخر سبتمبر (أيلول) الجاري لتقديم نتائجها. وإضافة إلى ذلك، تتخذ البرازيل خطوات للتخفيف من أثر حملة الضغط التي شنها ترمب، على سبيل المثال من خلال شراء السلع المنتجة محلياً والمستهدفة بالتعريفات الأميركية، مثل الآساي وماء جوز الهند والعسل، لاستخدامها في برامج الغذاء أو تخزينها في الاحتياطات الوطنية. وخلال الوقت نفسه، أشار وزير المالية فرناندو حداد، الذي انتقد تسييس التجارة عبر استخدام الدولار الأميركي، إلى أن البرازيل قد تطعن بالتعريفات أمام المحاكم الأميركية. كذلك، سعت البرازيل إلى تعزيز شراكاتها التجارية الأخرى. وأخيراً، أعلن وزير التجارة الكندي خلال زيارة رسمية إلى برازيليا أن بلاده تخطط لتوقيع اتفاق ثنائي مع "ميركوسور"، التكتل التجاري في أميركا الجنوبية الذي تعد البرازيل عضواً فيه.

علاقات جديدة

يقوض نهج ترمب القوة الناعمة للولايات المتحدة وشرعيتها العالمية ويعزز مكانة منافسيها، بما في ذلك الصين، من خلال إضعاف الهياكل ذاتها التي دعمت في السابق الهيمنة الأميركية. بعبارة أخرى، يسرع هذا النهج صعود النظام المتعدد الأقطاب الذي تسعى البرازيل إلى المساعدة في توجيه مساره. وعندما يشهد أعضاء نخب السياسة الخارجية البرازيلية موقف ترمب العدائي تجاه حلفاء الولايات المتحدة التقليديين الآخرين، بما في ذلك أستراليا وكندا واليابان وأوروبا، فإن ذلك يزيد قناعتهم بأن واشنطن لا تستطيع أن تقدم للبرازيل شراكة قابلة للاستمرار على المدى المتوسط. في الواقع، هناك إجماع متزايد داخل الأوساط الدبلوماسية في البلاد على أن الولايات المتحدة قد تظل شريكاً غير موثوق به بعد انتهاء ولاية ترمب عام 2029، وقد يستمر ذلك إلى العقد المقبل أو لفترة أطول.

نتيجة لذلك، ستتعزز علاقة البرازيل بالصين على نحو شبه مؤكد. فالحكومة البرازيلية تسعى استباقاً إلى تنويع أسواق صادراتها. ورداً على الرسوم الجمركية الأميركية على السلع البرازيلية، أعلنت الصين عزمها على زيادة وارداتها من السلع البرازيلية الرئيسة، مثل القهوة واللحوم والحبوب، مما يشير إلى إعادة اصطفاف استراتيجي في العلاقات التجارية. وباتت شريحة متنامية من القيادة اليمينية البرازيلية تنظر إلى الصين باعتبارها شريكاً اقتصادياً طويل الأمد، أكثر استقراراً وبراغماتية من الولايات المتحدة. وهذا التصور تتبناه أيضاً القطاعات الخاصة، التي تمارس ضغوطاً متزايدة على الحكومة البرازيلية لمنح الشركات الصينية فرصاً أكبر للوصول إلى السوق البرازيلية.

والأهم من ذلك، أن السياسة الخارجية البرازيلية امتنعت باستمرار عن تبني موقف معاد لأميركا أو الغرب صراحة. عوضاً عن ذلك، فضلت البرازيل نهجاً دبلوماسياً متعدد الاتجاهات، قائماً على مبادئ الاستقلالية والبراغماتية والتفاعل البناء مع مجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة العالمية. بالنسبة إلى برازيليا، تشكل بكين شريكاً استراتيجياً لا غنى عنه، لكن واشنطن، حتى بعد عدوانيتها الأخيرة، لا تزال قوة عالمية لا يمكن الاستغناء عنها. ونتيجة لذلك، لم تجد البرازيل فكرة الاختيار بين بكين وواشنطن قابلة للتطبيق أو مرغوبة. ومع ذلك، فإن الموقف التصادمي والإكراهي المتزايد الذي تتبناه إدارة ترمب، هز حسابات البرازيل الدبلوماسية وسرع من ميلها الجيوسياسي نحو بكين.

إذا أصبح هذا الاصطفاف دائماً، فإن آثاره ستكون بعيدة المدى. من الناحية الاقتصادية، سيؤدي تعميق العلاقات التجارية والاستثمارية إلى تعزيز مكانة الصين بوصفها الشريك الخارجي الرئيس للبرازيل، مما يرسخ وجود الشركات الصينية بقوة في القطاعات الاستراتيجية. ومن الناحية الجيوسياسية، سيجعل ذلك من الأصعب على البرازيل أن تكون بمثابة جسر بين دول الجنوب العالمي والدول الغربية، مما يحد من تطلعاتها المتعددة الأقطاب ويضيق مرونتها الدبلوماسية. وطرحت هذه السيناريوهات بالفعل في المناقشات السياسية خلال الفترة التي تسبق انتخابات عام 2026: فشخصيات المعارضة تحذر من "الاعتماد المفرط" على الصين بينما يصف حلفاء الحكومة التنويع على أنه ضروري للدفاع عن السيادة الوطنية في عصر التنافس بين القوى العظمى. ومع ذلك، قد يصبح تحقيق هذا التنويع أكثر صعوبة. فعدوان ترمب المستمر قد يضع صانعي السياسات البرازيليين في موقف لا يريدونه، إذ سيشعرون بأنهم مجبرون على الاختيار.

 

حسين كالوت باحث في جامعة هارفرد وعضو في المجلس الاستشاري الدولي للمركز البرازيلي للعلاقات الدولية. شغل منصب السكرتير الخاص للشؤون الاستراتيجية في البرازيل من عام 2016 إلى عام 2018.

مترجم عن "فورين أفيرز"، الثاني من سبتمبر (أيلول) 2025

المزيد من آراء