ملخص
القهوة قد تزيد من أعراض الحرقة والارتجاع لدى بعض الأشخاص وهو ما يجعل تقليل استهلاكها خياراً عملياً لمن يعانون هذه الأعراض بخاصة عندما يتم تناولها على معدة فارغة أو بكميات كبيرة.
تحتل قهوة الصباح موقعاً أساسياً في حياة ملايين الأشخاص حول العالم، لكن تأثيرها في الجهاز الهضمي ما زال يثير جدلاً بين من يراها محفزاً طبيعياً للأمعاء والميكروبيوم (بكتيريا الأمعاء)، ومن يعتبرها سبباً مباشراً للحموضة أو تهيّج المعدة. ومع ذلك، تكشف أبحاث علمية عن فوائد واضحة في تنشيط حركة الأمعاء، في مقابل احتمالات تفاقم مشكلات الهضم لدى بعض الفئات. ففي دراسة منشورة في مجلة Gut البريطانية المتخصصة في أبحاث الجهاز الهضمي وأمراضه، رُصدت زيادة لافتة في نشاط المستقيم والقولون السيني خلال أربع دقائق فقط من شرب القهوة، واستمر هذا التأثير نحو نصف ساعة. وأشار نحو 29 في المئة من 99 متطوعاً إلى شعورهم برغبة ملحّة في دخول دورة المياه مباشرة بعد تناول فنجان القهوة. وخلص الباحثون إلى أن تأثير القهوة على الأمعاء قد يوازي مفعول تناول وجبة طعام كاملة، بل إنه أقوى بنسبة 60 في المئة مقارنة بالماء، وأعلى بـ23 في المئة من القهوة الخالية من الكافيين.
القهوة لا تحرّك القولون فحسب
القهوة لا تحرك القولون فحسب بل ترفع أيضاً هرمون الغاسترين الذي يحفز إفراز حمض المعدة كما تزيد من هرمون الكوليسيستوكينين (CCK) وتدفع إلى تقلص المرارة بنسبة تصل إلى 30 في المئة وكل ذلك بعد كوب واحد فقط. هذا التأثير يوحي بدور مركبات أخرى مثل الكلوروغينيك في تعزيز مزج الطعام بالعصارة الصفراوية والأنزيمات وتسريع بعض خطوات الهضم. وعلى مستوى بكتيريا الأمعاء تبدو القهوة أكثر من مجرد كافيين، إذ أشارت دراسة موسعة نشرت في مجلة "نيتشر ميكروبيولوجي" عام 2024 حللت أكثر من 22 ألف عينة ميكروبيوم إلى ارتباط استهلاك القهوة بزيادة نوع محدد من البكتيريا مثل لاوسونيباكتر أساكاروليتيكوس إضافة إلى تفعيل مسارات أيضية لمركبات مثل الكوينك أسيد والتريغونيلاين. وتدعم هذه النتائج الفرضية القائلة إن بوليفينولات القهوة تعمل بمثابة مغذيات لبعض البكتيريا النافعة.
كما تشير مراجعات علمية حديثة إلى أن الاستهلاك المعتدل ما بين ثلاثة وأربعة فناجين يومياً يرتبط بزيادة تنوع الميكروبيوم وارتفاع مجموعات مفيدة من البكتيريا مع تراجع فصائل أخرى غير أن النتائج ليست موحدة تماماً وما زال هذا المجال في طور البحث والتطوير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حرقة المعدة وارتجاع المريء
سريرياً ووفقاً للبيانات المنشورة في موقع "مايو كلينك" الطبي فإن القهوة قد تزيد من أعراض الحرقة والارتجاع لدى بعض الأشخاص وهو ما يجعل تقليل استهلاكها خياراً عملياً لمن يعانون هذه الأعراض، بخاصة عندما يتم تناولها على معدة فارغة أو بكميات كبيرة. ويعود ذلك إلى أن الكافيين وبعض المركبات الأخرى في القهوة قد تؤدي إلى ارتخاء في صمام المريء وهو الصمام الذي يفصل بين المريء والمعدة مما يسمح بارتجاع الحمض إلى الأعلى.
ولهذا ينصح الأطباء من لديهم ارتجاع مريئي مزمن بتقليل الكمية أو التحول إلى القهوة منزوعة الكافيين أو تناولها بعد الوجبات بدلاً من الصباح الباكر على معدة خالية. وتشير إرشادات طبية إلى أن الاستجابة تظل فردية فبينما يعاني بعض المرضى من تفاقم الأعراض حتى مع كميات قليلة يستطيع آخرون شرب القهوة من دون أي تأثير يذكر. لذلك تبقى النصيحة العملية أن يراقب الشخص أعراضه ويعدل التوقيت أو الكمية ويخفض الشرب تدريجاً إذا لاحظ تفاقم الحرقة.
القهوة نفسها قد لا تكون المشكلة دائماً بل ما يضاف إليها. فالحليب كامل الدسم قد يزيد من أعراض الحرقة لدى من لديهم ارتجاع، بينما قد يسبب الحليب العادي اضطرابات هضمية لمن يعانون عدم تحمل اللاكتوز. كذلك فإن الإضافات عالية السكر والكريمة الثقيلة قد تبطئ عملية الهضم وتزيد من الإحساس بالثقل.
اللافت أن بعض الدراسات الحديثة تربط بين توقيت شرب القهوة والإيقاع البيولوجي للجسم، إذ يبدو الكافيين أكثر فاعلية عندما يكون هرمون الكورتيزول هرمون اليقظة الطبيعي في أدنى مستوياته أي في منتصف الصباح أو بعد الظهر بدلاً من الساعة الأولى بعد الاستيقاظ وهو ما قد يفسر لماذا يشعر البعض أن قهوة منتصف النهار تنعش أكثر من فنجان الصباح التقليدي.
بدائل القهوة
لا يُعد فنجان القهوة الخيار الوحيد لليقظة الصباحية، فهناك بدائل طبيعية تمنح طاقة ألطف على المعدة وتناسب من يعانون الحرقة أو الارتجاع. من أبرزها الشاي الأخضر الذي يحتوي على كافيين أقل بنحو الثلث مقارنة بالقهوة، إلى جانب مادة الثيانين التي تعزز التركيز الذهني بفاعلية أكثر هدوءاً. وهناك أيضاً الشاي الأسود الغني بمضادات الأكسدة، والذي يوفر دفعة معتدلة من الكافيين مع تنوع واسع في النكهات. أما المشروبات العشبية مثل الزنجبيل أو الجينسنغ، فهي تساعد على تحسين الدورة الدموية وتعزيز الإحساس باليقظة على رغم خلوها من الكافيين.
وبحسب مراجعة طبية منشورة في موقع "مايو كلينك" الطبي، يمكن أن تكون هذه البدائل مناسبة خصوصاً للأشخاص الذين يعانون ارتجاعاً معدياً مريئياً أو مشكلات هضمية مرتبطة بالكافيين، إذ تمنح طاقة أكثر توازناً وتسهم في تقليل الأعراض الهضمية مقارنة بالقهوة.