Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إثيوبيا تفكك شبكة مسلحة بجوار سد النهضة... ماذا يحدث؟

مراقبون: معلومات استخباراتية حول ارتباط جماعات معارضة في الإقليم بقوى خارجية تتنافى مصالحها مع قيام السد

يبدو أن السلام الهش انهار مجدداً، مما فاقم التحديات الأمنية في المناطق المحيطة بسد النهضة (أ ف ب)

ملخص

في وقت تسعى إدارة آبي أحمد إلى وضع نهاية للنزاع مع دولتي المصب مصر والسودان من خلال تدشين السد وفرض الأمر الواقع، فإن المتغيرات الجديدة المتعلقة بالوضع الأمني في إقليم بني شنقول تطرح تحديات عدة.

أعلنت قوات الدفاع الإثيوبية أن وحدة تابعة للقيادة الغربية للجيش التي ظلت تعمل في المناطق المحيطة بسد النهضة الإثيوبي الكبير وما حوله، تمكنت من تفكيك شبكة مسلحة تابعة لما وصفتها بـ"القوى المعادية للسلام".

وكشف نائب قائد الفرقة الأولى في الفيلق المكلف حماية سد النهضة الرائد أكليلو وولدي جيورجيس لوسائل الإعلام المحلية عن أن الوحدة المنتشرة في منطقة جوبا بإقليم بني شنقول غوموز، "اتخذت إجراءات مكثفة" ضد الجماعات المسلحة خلال العمليات الأخيرة، مؤكداً أنها تمكنت من تفكيك شبكة مسلحة كانت تسعى إلى الإضرار بمحيط السد. 

وأضاف أن قائمة المضبوطات شملت قاذفة "آر بي جي" وأربع قذائف "هاون" وسلاحاً نارياً قديم الطراز وأعواد إشعال للقاذفة وعمود كامات هاون ودراجات نارية، موضحاً أن الوحدة ستواصل تكثيف عملياتها ضد من سماهم "المرتزقة المحليين الذين تتعارض مصالحهم مع السلام والتنمية في إثيوبيا".

قبيل افتتاح السد

وشهدت منطقة ميتيكل موجة جديدة من انعدام الأمن، بدأت في مايو (أيار) الماضي، مما أدى إلى تعطيل الهدوء النسبي الذي أعقب الصراعات المدمرة التي ابتليت بها المنطقة بين عامي 2019 و2022. وهزت هجمات استمرت لأسابيع شنتها ميليشيات مجهولة الهوية ومسلحة بكثافة كثيراً من المقاطعات، ولا سيما بولين ووينبيرا وجوبا، مما أدى إلى سقوط قتلى مدنيين جدد ونزوح وتدمير الممتلكات.

وكانت المنطقة التي تضم منطقة جوبا حيث يقع سد النهضة الإثيوبي الكبير، بؤرة لأعمال عنف متكررة منذ عام 2019. وعلى رغم الهدوء النسبي الذي سجل منذ أوائل عام 2022، يبدو أن السلام الهش انهار مجدداً، مما فاقم التحديات الأمنية في المناطق المحيطة بسد النهضة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويأتي بيان قوات الدفاع الإثيوبية في وقت تستعد البلاد لافتتاح سد النهضة، إذ تسعى حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد إلى تحويل المناسبة لنصر دبلوماسي كبير للبلاد، من خلال دعوة رؤساء الدول الأفريقية والأجنبية وممثلين ديبلوماسيين، بخاصة في ظل الجهود الدبلوماسية المتجددة التي تبذلها مصر لحشد الدعم الإقليمي ضد المشروع الذي تعتبره مناقضاً للاتفاقات التاريخية المبرمة بين دول حوض النيل والتي تنظم حصص كل دولة من المياه.

وكانت حكومة آبي أحمد انسحبت من مسار التفاوض الذي قادته إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال عهدته الأولى (2021). وفي وقت تسعى إدارة آبي أحمد إلى وضع نهاية للنزاع مع دولتي المصب مصر والسودان من خلال تدشين السد وفرض الأمر الواقع، فإن المتغيرات الجديدة المتعلقة بالوضع الأمني في إقليم بني شنقول تطرح تحديات عدة، بخاصة أن الإقليم يعج بكثير من الأزمات الاقتصادية والسياسية والتنموية، فضلاً عن المعضلة التاريخية بين إثيوبيا والسودان حول تبعية الإقليم، فما هي القصة؟ 

قصة بني شنقول 

ظل إقليم بني شنقول جزءاً من مملكة الفونج في الفترة بين (1504-1821م)، ثم تابعاً لمصر والسودان. وعام 1894 خضعت المنطقة للسيطرة الإثيوبية بعد حملات عسكرية قادها الإمبراطور منليك الثاني، وتنازل الإنجليز عن الإقليم لمصلحة إثيوبيا ضمن اتفاق وقّع عام 1902، متعلق بالحدود بين إثيوبيا والسودان، ولا سيما منطقة بني شنقول، بغرض تجنب النزاعات المحتملة بين إثيوبيا والسودان.

وعلى رغم أن السودان لم يكُن طرفاً في ذلك الاتفاق، فإن التحديات الحدودية بين إثيوبيا والسودان استمرت على مر السنين، بخاصة في المناطق التي تعتبر ذات أهمية اقتصادية واستراتيجية كبيرة بسبب وقوعها في منابع النيل الأزرق. ووفقاً لهذا الاتفاق جرى إدماج الإقليم رسمياً في إثيوبيا ليصبح منذ ذلك الحين جزءاً من الدولة الإثيوبية. 

لكن الإقليم الذي تقطنه قبائل لها امتدادات داخل الأراضي السودانية كقوميات البرتا وجموز وشيناشا والماو وكومو، ظل يعاني التهميش وضعف مسيرة التنمية مقارنة بالأقاليم الإثيوبية الأخرى، مما دفع سكانه إلى المطالبة بالاستقلال أو العودة للسيادة السودانية. 

وشهد الإقليم تشكيل عدد من الحركات المسلحة من بينها "حركة تحرير شعب بني شنقول" التي تستمد دعمها من قبائل قماز وكوما والفونج، وطورت علاقاتها مع الحكومة السودانية بصورة كبيرة خلال تسعينيات القرن الماضي، خصوصاً أن جناحاً من الحركة كان وقع تحت تأثير البعد الأيديولوجي لجبهة الإنقاذ السودانية، وتمكن حينها من إيجاد قواعد عسكرية له في مناطق الدمازين والكرمك وقيسان ودزا السودانية، في إطار سعيه إلى ضمان حق تقرير المصير لبني شنقول تمهيداً للاتحاد مع السودان.

وبحلول التسعينيات قامت مجموعة مسلحة تنطلق من السودان، ويعتقد بأنها تابعة لـ"حركة تحرير شعب بني شنقول"، بتنفيذ عمليات عسكرية عدة استهدفت مرافق حيوية داخل الإقليم الذي يخضع للسيادة الإثيوبية. 

استنفار وقائي 

من جهته يرى الصحافي الإثيوبي المتخصص في الشؤون الأمنية تفري أشبر أن العملية التي أعلنت عنها قوات الدفاع الإثيوبية في إقليم بني شنقول، تشير إلى تمتع الوحدات العسكرية المرابطة في محيط سد النهضة الكبير بقدر عالٍ من الحيطة والحذر، خصوصاً أن البلاد على أعتاب الافتتاح الرسمي للسد الذي يمثل حلماً قومياً لكل الإثيوبيين.

وأشار إلى أن ثمة تنسيقاً كبيراً بين الأجهزة الأمنية والعسكرية للقيام بعمليات وقائية مشتركة لإحباط أية تحركات محتملة للجماعات المسلحة في بني شنقول، تزامناً مع التدشين المرتقب للسد الذي تريده إثيوبيا أن يعكس سعيها الحثيث نحو التنمية والاستقرار، منوهاً بأن السد بالنسبة إلى الإثيوبيين أضحى يمثل جسراً للانتقال نحو إثيوبيا جديدة تتجاوز مرحلة الفقر والحاجة والاعتماد على الإعانات الخارجية إلى مرحلة التنمية المستدامة مع إطلاق إشارة تشغيل السد الذي يعد أكبر مولد للطاقة الكهرومائية في أفريقيا، وسابع أكبر محطة في العالم بقدرة إنتاجية مخططة تبلغ 6.45 غيغاواط، مما يجعل إثيوبيا قطباً تنموياً نموذجياً في المنطقة، كما سيسهم في توفير الطاقة الكهربائية للدول المجاورة.

ويفسر أشبر لغة الخطاب الذي تبنته وزارة الدفاع الإثيوبية في تصريحها الأخير حول تفكيك الشبكة في بني شنقول، وإلقاءها باللوم على جهات خارجية لم تسمِها، بأن ذلك عائد لتوافر معلومات استخباراتية حول ارتباط الجماعات المسلحة الناشطة في الإقليم بقوى خارجية تتعارض مصالحها مع قيام السد الإثيوبي.

ويعترف أشبر بوجود مطالب حقيقية متعلقة بالسكان لجهة ضعف مشاريع التنمية وغياب الخدمات الأساسية في الأرياف، فضلاً عن الإشكاليات المتعلقة بالمناطق الحدودية مع السودان في ظل الوضع الراهن هناك، وتضرر المجموعات الحدودية من الوضع القائم، إذ ظلت تتأثر بتداعيات الحال السودانية وسط تشابك المصالح وكذلك الولاءات القبلية.

المأزق التاريخي 

بدوره يرى الباحث الإثيوبي جيتاهون كاسا أن إقليم بني شنقول ظل يمثل منطقة نزاع مزمن في تاريخ إثيوبيا الحديث لأسباب تاريخية وسياسية من بينها أن سكانه مرتبطون تاريخياً وثقافياً وسياسياً وحتى مزاجياً بالسودان، على رغم مرور أكثر من قرن من الزمان على توقيع اتفاق عام 1902، إذ فشلت الأنظمة المتعاقبة على سدة الحكم في أديس أبابا في ضمان الحد المناسب من سياسات الاندماج السياسي والثقافي لشعوبه. 

ويضيف كاسا أنه على رغم أن الإقليم لا يعد استثناء قياساً بالأقاليم الإثيوبية الأخرى لجهة تحقيق التنمية والاستقرار، فإن ما يجعل أزمات الإقليم أكثر بروزاً يتمثل في عوامل رئيسة، أهمها تشابك العوامل السياسية والتاريخية وارتباطها بدولة مجاورة هي السودان، إذ لا يمكن النظر إلى الإشكاليات التاريخية والسياسية القائمة بعيداً من التأثير السوداني.

ويتابع أن "الإقليم أيضاً موقع لسد النهضة الكبير الذي يرتبط بمصالح دولتي مصب النيل (مصر والسودان)، فضلاً عن التأثيرات الجانبية لبناء السد، والمتعلقة باستنزاف الثروات وتهجير عشرات آلاف السكان المحليين من المنطقة المحيطة بالإنشاءات، (تقدر بعض الدراسات تهجير نحو 50 ألف شخص من مناطقهم)، علاوة على الآثار البيئية والصحية المحتملة".

ويوضح كاسا أن الأزمات البنيوية الطابع التي تشهدها الأقاليم الإثيوبية عموماً في ظل النظام الفيدرالي القائم، وإن بدت في الغالب متشابهة ومرتبطة أساساً بغياب مشاريع التنمية وانعدام الفرص والتوزيع غير العادل للثروة والسلطة، فإن الأزمات القائمة في بني شنقول تستحق انتباهاً خاصاً وحيطة كبيرة من الحكومة المركزية في أديس أبابا، لجهة إمكان تشابك المصالح القائمة بين الجماعات الناقمة في الإقليم من سياسات الدولة وبين مصالح القوى الخارجية، تحديداً دولتي السودان ومصر. 

وأشار إلى أن أدوار القوى الخارجية المحتملة لا يمكن إغفالها أبداً، مؤكداً وجود فارق موضوعي كبير بين الاعتراف بذلك والعمل على سد الثغرات القائمة لمنع التدخلات الخارجية، وبين استخدام تلك الحجة لإدانة القوى المعارضة في الإقليم، ومن ثم تبرير عجز النظام عن إحداث تنمية حقيقية ضمنه تسهم في شعور سكانه باهتمام الدولة وسعيها إلى تحقيق تطلعاتهم في المواطنة العادلة. 

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات