Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ظاهرة هرب الفتيات في إيران مآس تنتهي بالقتل والاغتصاب والإدمان

إخفاء الإحصاءات الرسمية وصمت العائلات جعلا الصورة الحقيقية لهذا الأمر غامضة مما يحول دون وضع سياسات اجتماعية لوضع حد لها

رأى خبراء علم الاجتماع أن أهم سبب لهرب الفتيات المراهقات والشابات في إيران هو المشكلات العائلية هروب الفتيات (أ ف ب)

ملخص

تبقى الفتيات اللاتي يقررن في مرحلة المراهقة أو الشباب ترك منازلهن على إثر قرار مفاجئ، هن الضحايا الأساسيات لهذا الواقع، ضحايا قد تدمر حياتهن بالكامل، بل وقد تنتزع أرواحهن على يد أقرب الناس إليهن.

تظل ظاهرة هرب الفتيات المراهقات من منازلهن في إيران واحدة من أبرز المشكلات الاجتماعية في البلد، وهي قضية عادت أخيراً للواجهة لدى الرأي العام بعد انتشار خبر يتعلق بفتاة تبلغ من العمر 17 سنة. هذه المراهقة قالت إن سبب هربها هو خوفها من اعتداء زوج أمها، وإنها غادرت المنزل لتتجنب البقاء وحيدة معه.

ورأى خبراء علم الاجتماع أن أهم سبب لهرب الفتيات المراهقات والشابات في إيران هو المشكلات العائلية، وهذه المشكلات، التي تعود لطبيعة الأسرة ووضعها الاقتصادي والاجتماعي، تشمل طيفاً واسعاً من العنف الأسري والاستغلال الجنسي والفقر وغياب الدعم العاطفي. ومع ذلك، فإن غياب إحصاءات رسمية وموثوقة يحول دون تحديد الأبعاد الحقيقية لهذه الظاهرة الاجتماعية بدقة.

الإخفاء المتعمد للإحصاءات الرسمية وامتناع كثير من العائلات عن التبليغ بهرب بناتهن، جعلا أبعاد هذه الأزمة الاجتماعية غير واضحة. وأشار بعض التقارير المحدودة إلى انخفاض سن الهرب حتى عمر 12 سنة، وهو ما يعد ناقوس خطر جدي للمؤسسات المسؤولة والمجتمع، وبسبب ذلك لا يزال الاعتماد في التحليلات الإحصائية قائماً على تقارير متفرقة تعود لعقد التسعينيات.

في أحد تقاريرها، أعلنت منظمة الرعاية الاجتماعية أن ما بين 10 إلى 15 في المئة من الفتيات الإيرانيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 14 و18 سنة يهربن سنوياً من منازلهن. ومع ذلك، أكد حسن موسوي شلك رئيس جمعية الاختصاصيين الاجتماعيين، في ديسمبر (كانون الأول) 2021، أن طبيعة الأضرار الاجتماعية تجعل الإحصاءات المتاحة غير دقيقة، لأن الضحايا غالبا لا يكشفن عن حجم المعاناة والمآسي التي يمررن بها، كما لا توجد آليات واضحة لتسجيل ومراقبة وضع الفتيات الهاربات، ولهذا السبب هناك فجوة كبيرة بين الأرقام الواقعية والرسمية، وظاهرة هرب الفتيات ليست استثناء.

أحد الإحصاءات الرسمية القليلة، الذي نشر عام 2017، أظهر أنه خلال الأشهر الستة الأولى من ذلك العام فقط هرب أكثر من 3 آلاف فتاة من منازلهن، وهو رقم استند فقط إلى تقارير الطوارئ الاجتماعية والشرطة ولم يشمل الحالات غير المبلغ عنها.

ضياع الفرص المصيرية في حياة الفتيات الهاربات

من الجوانب الخطرة الأخرى لهذه الظاهرة، ضياع فرص التدخل السريع للتعرف على الفتيات الهاربات ودعمهن في الساعات والأيام الأولى بعد مغادرة المنزل. وحذر الخبراء من أن احتمال تعرضهن لأذى جسيم، وبخاصة الاغتصاب، يبلغ ذروته في هذه الفترة.

وقال عالم النفس الاجتماعي علي رضا شريفي يزدي "وفقاً للأبحاث، كل فتاة هاربة تتعرض في الساعات الـ24 الأولى لمرة واحدة في المتوسط لمحاولة اغتصاب، وفي أول 48 ساعة لثلاث محاولات." ورأى هذا الاختصاصي أن الفضاء الافتراضي يلعب اليوم دوراً مهماً في تشكيل دوافع الهرب، مما يميز الظروف الراهنة عن الماضي، فبحسب الدراسات على الفتيات الهاربات اللاتي خضعن لرعاية منظمة الرعاية الاجتماعية، كثيرات منهن يتعرفن على شخص عبر الإنترنت ثم يقمن علاقة عاطفية معه، ومن بعدها يقررن الهرب للقاء ذلك الشخص.

وعلى رغم أن هذه المعرفة في بدايتها قد لا تكون بنية الهرب الدائم، إلا أن خوف الفتيات من علم عائلاتهن وما قد يترتب عليه من عواقب، يحول هذه اللقاءات الموقتة إلى تجارب طويلة ومريرة.

أسباب هرب الفتيات

إن ظاهرة هرب الفتيات من المنازل، بخلاف ما يقدم أحياناً كقرار مفاجئ، متجذرة في مجموعة من العوامل الفردية والعائلية والاجتماعية. وأكد خبراء الاجتماع أن أياً من هذه العوامل قد يشكل دافعاً قوياً للهرب بحسب ظروف حياة الفتاة، ومن أبرز هذه الأسباب: العنف الأسري، والاعتداء الجسدي والجنسي، والزواج القسري، وإدمان الوالدين، والفجوة الجيلية بين الآباء والأبناء، والفقر، وانعدام الأفق المستقبلي، والضغوط الثقافية.

ويظهر بعض التقارير أن إجبار الفتيات على الزواج في سن مبكرة، بخاصة في إطار الزيجات التقليدية والعشائرية، يعد من الأسباب الرئيسة للهرب في المدن الصغيرة، وغالباً ما تنتهي هذه الحالات بعد عودة الفتاة لمنزلها، بمآس مثل جرائم "الشرف"، مما يزيد من خطورة الأزمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من الهرب إلى قتل الفتيات

على رغم أن الأجهزة الرسمية لا تؤكد، بصورة مباشرة، وجود علاقة بين هرب الفتيات وظاهرة قتل النساء والفتيات، إلا أن مراجعة التقارير المنشورة تظهر أن جذور كثير من هذه الجرائم تعود لهرب الفتيات. ففي النصف الأول من عام 2023 تم تسجيل ما لا يقل عن 52 حالة قتل لنساء وفتيات، ثمان منها ارتكبت على يد الآباء، وست على يد الإخوة، وهذه الأرقام، بمعزل عن الحالات غير المعلنة، تكشف عن عمق الأزمة والكلفة الباهظة التي تدفعها الفتيات نتيجة الهرب.

وتشير التقارير المتوفرة إلى أن أعلى نسب الفتيات الهاربات سجلت في طهران وبعض مراكز المحافظات الأخرى، ويعد الهرب من المدن الصغيرة إلى المدن الكبرى، خصوصاً طهران، من الأنماط الشائعة لهذه الظاهرة. ومع ذلك، تظهر الإحصاءات أن نسبة كبيرة من الفتيات يقدمن على ترك المنزل حتى في المدن الكبرى نفسها. أما المناطق الريفية والأطراف المهمشة، فبحكم الفقر المدقع، والزواج القسري، والتناقضات الثقافية، تعتبر من البؤر الرئيسة لنزعة الهرب في البلاد.

الآثار الاجتماعية للهرب

إن الهرب طويل الأمد للفتيات يحمل عواقب اجتماعية خطرة، فغياب مكان آمن للإقامة، والاعتماد على غرباء، واليأس من وجود طريق للعودة، كلها عوامل تمهد لمشكلات كالإدمان والاعتداء الجنسي، بل والانجرار إلى الدعارة. ووفقاً للتقارير الدولية، تعد الفتيات الهاربات في إيران من أكثر الفئات عرضة لعصابات الاتجار بالبشر والاتجار بأعضاء الجسم. وفي يوليو (تموز) 2021، صنفت وزارة الخارجية الأميركية إيران في المرتبة الثالثة عالمياً بين الدول المتورطة في الاتجار بالبشر، وأكدت أن السلطات الإيرانية لم تفشل فقط في التعرف على الضحايا، بل عمدت في كثير من الحالات إلى التعامل معهم كمجرمين.

ورأت عالمة الاجتماع الإيرانية شهلا إعزازي أن هرب الفتيات لا يقتصر على المشكلات العائلية، بل يرتبط أيضاً بضعف النظام التعليمي وضغط الأعراف الاجتماعية، وأكدت أن الإصرار على القيم التقليدية غير المنسجمة مع حاجات المجتمع الحديث يدفع الفتيات إلى الهرب. ومن جانب آخر، فإن خوف العائلات من المساس بما يسمى "السمعة" و"الاعتبار" يمنع من تقديم دعم حقيقي للفتيات، مما يفاقم الأزمة.

وحذر خبراء الاجتماع، في السنوات الأخيرة، مراراً، من أن تحويل القضية إلى شأن أمني وإخفاء الإحصاءات يعرقلان الدراسات الجادة اللازمة لتحديد العوامل المؤثرة في مختلف مناطق البلاد، ومثل هذا النهج لم يؤد إلى الحد من الظاهرة، بل سد الطريق أمام الوقاية ورسم سياسات سليمة.

وفي نهاية المطاف، تبقى الفتيات اللاتي يقررن في مرحلة المراهقة أو الشباب ترك منازلهن على إثر قرار مفاجئ، هن الضحايا الأساسيات لهذا الواقع، ضحايا قد تدمر حياتهن بالكامل، بل وقد تنتزع أرواحهن على يد أقرب الناس إليهن.

نقلاً عن "اندبندنت فارسية"

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير