Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السينما الإيرانية المعارضة شكلت حدثا في مهرجان لوكارنو

أربعة من أبرز رموزها المعاصرين كثيراً ما تغنى المهرجان بموهبتهم ووقف إلى جانبهم

غولشيفته فراهني في فيلم "حجر الصبر" لعتيق رحيمي (ملف الفيلم)

ملخص

شكل حضور السينما الإيرانية في مهرجان لوكارنو (6 - 16 أغسطس "آب") حدثاً لافتاً، تجلى من خلال مشاركة أربعة من أبرز رموزها المعاصرين: المخرجان محمد رسول أف وجعفر بناهي، والممثلتان غولشيفته فراهاني وزهرة أمير إبراهيمي. أسماء كثيراً ما تغنى المهرجان بموهبتها ووقف إلى جانبها، مؤكداً دعمه الفن المستقل في وجه القمع.

كان من بين اللحظات الجميلة ظهور "الأستاذ والتلميذ"، أي بناهي ورسول أف، معاً في خلال أحد الأنشطة، في مشهد استعاد حكاية نضالهما المشترك. فقد بدأت فصول متابعهما، حين ألقي القبض عليهما، لتدخل علاقتهما بالسلطة في لعبة طويلة من الكر والفر. هذه المطاردة انتهت، بالنسبة إلى رسول أف، برحلة شاقة تشبه أفلام المغامرات الهوليوودية، انتهت به منفياً في ألمانيا. أما بناهي فقد توج مساره بنيله "سعفة" مهرجان كان عن فيلمه "حادثة بسيطة"، ثم عاد إلى بلاده وسط احتفاء محبيه وتجاهل السلطات.

منذ عام 2010، يعيش كل من رسول أف وبناهي، وهما الشأن الأكبر في قضية الحريات في الغرب، تحت وطأة القمع والملاحقة في بلد اختارت سلطاته أن تحوله إلى سجن مفتوح للفنانين والمثقفين. وفي الفترة ذاتها، بدأت أيضاً المضايقات تطاول الممثلة غولشيفته فراهاني، المكرمة في هذه الدورة من لوكارنو بجائزة التميز (خصصنا لها مقالاً في بداية المهرجان)، مما اضطرها إلى البقاء في فرنسا، محرومة من حق العودة إلى وطنها.

 

تعود جذور قضية رسول أف وبناهي إلى ذلك اليوم الذي اقتحمت فيه الشرطة منزل الأخير واعتقلتهما معاً، بتهمة التخطيط لإنجاز فيلم يستند إلى قصة عائلة تورطت في الأحداث التي أعقبت انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيساً لإيران. المفارقة المؤلمة أن هذا الفيلم لم يكن قد وجد بعد، لا نصاً ولا تصويراً، ومع ذلك جرى التعامل مع الأمر كجريمة مكتملة الأركان.

معركة حرية التعبير

تحولت قضيتهما سريعاً إلى رمز عالمي لمعركة حرية التعبير، وتنوعت فصولها ما بين التحدي والانكسار، وبين المواجهة والتفاوض القسري مع السلطة. ومع مرور الأعوام، أخذت هذه الحكاية طابعاً ملحمياً، استقطب تعاطفاً دولياً واسعاً، وترافق مع حملات تضامن وبيانات استنكار وتوقيعات دعم من مختلف أرجاء العالم.

لم يكن حضور كل من بناهي ورسول أف إلى لوكارنو للسبب نفسه. فقد جاء الأول خصيصاً لتسلم "جائزة لوكارنو – مدينة السلام"، وهي تمنح للمرة الأولى احتفالاً بالذكرى المئوية لاتفاقات لوكارنو (1925)، ومن المقرر أن تمنح من الآن فصاعداً مرة كل عامين. وجاء في بيان صادر عن المهرجان أن هدف هذه الجائزة هو "تكريس مكانة لوكارنو كرمز للحوار والتعايش السلمي، وتكريم شخصيات من عالم الثقافة تميزت بدورها في تعزيز السلام والدبلوماسية والتواصل بين الشعوب". وعلى رغم أن هذه التعابير قد تبدو فضفاضة ولا تنطبق بحرفيتها على مخرج "لا يوجد شر"، فإن أحداً لا ينكر أنه صانع سلام وحوار، من خلال سينما كثيراً ما دافعت عن الحرية، وناصرت الكرامة الإنسانية في مجتمع يرزح تحت الممنوع.

 

منذ هربه من إيران في مايو (أيار) من العام الماضي (حيث كان يواجه خطر السجن والجلد)، وعرض فيلمه الأخير "بذرة التين المقدسة" في "كان" ونيله جائزة عنه، اختار رسول أف المنفى في ألمانيا، ولم يعد إلى وطنه. وقد بات اليوم يستقبل في المهرجانات الكبرى، لا فقط كرمز للحرية والمقاومة، إنما أيضاً كصوت سينمائي فريد، نجح في إنجاز ما يقارب دزينة من الأفلام قبل أن يبلغ الخمسين. وبعد تكريمه في لوكارنو، من المتوقع أن يشارك في مهرجان البندقية عضواً في لجنة التحكيم.

سبق أن التقيت رسول أف مرتين في الماضي، وكان لقاؤنا الثالث في لوكارنو قبل أيام. بدا حزيناً، مشغول الذهن، كأن الوطن يثقل عليه من البعد. سألته عن إمكان إنجاز أفلام في أرض لا يعرفها كأرضه، فأجاب بأنه يحمل في جعبته ثلاثة سيناريوات، لكن التحدي الأكبر يكمن في كيفية تحقيقها، وهو مخرج لم تفارقه قضيته الأصلية: إيران. كان عباس كيارستمي يردد أن السينمائي الإيراني مثل الشجرة، لا يثمر إلا في أرضه. ومع ذلك أنجز فيلمين خارج إيران. يبدو أن رسول أف يسير على خطاه، مع فارق أنه قد لا تتاح له العودة، بيد أن اللحظة التي صدمتني، وربما لا تفاجئ من يعرف تركيبة الشخصية الإيرانية، فكانت عندما سألته عن الضربات الأميركية على بلاده. تأثر بشدة، توقف عن الكلام ولم يعد قادراً على المتابعة.

 

إذا كان حضور رسول أف إلى لوكارنو هذه ذا طابع تكريمي محض، فإن جعفر بناهي جاء ليقدم أحدث أفلامه "حادثة بسيطة" لجمهور الـ"بيازا غراندي". فيلم كان منتظراً جداً من كثر ممن لم تسنح لهم مشاهدته في كان. حادثة سير بسيطة تتعرض لها سيارة، تبدو في البداية مجرد مصادفة عابرة، لكنها سرعان ما تتحول إلى شرارة تكشف عن طبقات من ماض دفين، حيث لا شيء بسيطاً فعلاً في "إيران بناهي". الرجل خلف المقود ليس شخصاً عادياً، إنما أحد الجلادين السابقين للنظام الإيراني، ترك وراءه سلسلة من الضحايا، من بينهم وحيد، أحد الذين تعرضوا للتعذيب على يديه. بعد أعوام من الصمت والخذلان، يجد الضحية نفسه فجأة في موقع القوة، فيأسر جلاده، ليبدأ الفيلم في التوسع من هذه اللحظة إلى ما يشبه محاكمة ضمير شاملة وتفتح أسئلة أكثر تعقيداً حول موقع الضحية، تمزقها الداخلي، وتعدد المواقف الأخلاقية في مواجهة الظلم: هل الانتقام فعل عدالة؟ هل التسامح ضعف؟ وهل يمكن للضحية أن يتحول إلى نسخة جديدة من جلاده، إن امتلك زمام القوة؟ بهذه الأسئلة، يتجاوز بناهي مجرد فضح السلطة، ليخوض في مناطق أكثر اتساعاً وإنسانية، حيث تتقاطع السياسة بالأخلاق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

زهرة أمير إبراهيمي من جانبها كانت حاضرة في لوكارنو بصفتها إحدى بطلات فيلم الافتتاح "في بلاد آرتو". وقد لمع اسمها على الساحة الدولية عام 2022، حين فازت بجائزة أفضل ممثلة في مهرجان كان عن دورها في "عنكبوت مقدس" لعلي عباسي، لتصبح أول امرأة إيرانية تنال هذه الجائزة. الفيلم الذي تناول جرائم قتل متسلسلة طاولت عاملات جنس في مدينة مشهد، أثار غضب النظام الإيراني، واعتبر مسيساً ومعادياً لقيم "الجمهورية الإسلامية".

تقول إبراهيمي إنها تلقت أكثر من 200 تهديد بعد عرض الفيلم، وأدرج اسمها على قوائم الممنوعين والمهددين من قبل وزارة الثقافة، علماً أن محنتها كانت قد بدأت قبل ذلك بكثير، تحديداً في عام 2006، حين سرب شريط جنسي خاص بها، مما دفع السلطات إلى تهديدها بالسجن والجلد، لتجبر على مغادرة البلاد وتستقر في فرنسا.

منذ ذلك الحين، تحولت إلى صوت بارز في مواجهة القمع السياسي والديني، وسخرت فنها في فضح الاستبداد. فقدمت أدواراً تكشف آليات القهر المسلط على الأجساد والضمائر، وكان آخرها "تاتامي"، أول فيلم من إخراجها، يروي قصة رياضية إيرانية تتحدى أوامر النظام بعدم مواجهة خصم إسرائيلي، في خطوة تعرضها للعقاب، لكنها تفتتح بها مساحة للتمرد وكسر المحظورات.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما