ملخص
يكشف أحدث تقرير إحصائي عن أن نصف السعوديين تقريباً باتوا أكثر نشاطاً بدنياً، لكن الفجوة بين الجنسين لا تزال قائمة، والأطفال في الباحة يتفوقون على أقرانهم بالرياض. وبينما يتقدم الأجانب على المواطنين في معدلات الحركة، تواصل الرياضة النسائية كسر القيود، مع طفرة لافتة في رياضة الجمباز. وفي أفق 2030، يبقى الرهان على تضييق الفجوات وبناء مجتمع أكثر صحة وحيوية.
في مشهد متغير بهدوء وثبات، يكشف تقرير "النشرة الإحصائية للنشاط البدني" الصادر عن الهيئة العامة للإحصاء لعام 2024 عن تحول تدريجي في نمط الحياة داخل السعودية، إذ وصلتت نسبة البالغين (18 سنة فأكثر) الملتزمين بممارسة النشاط البدني لمدة 150 دقيقة أو أكثر أسبوعياً إلى 58.5 في المئة، في قفزة واضحة مقارنة بالأعوام الماضية، غير أن الأرقام تكشف، في الوقت نفسه، عن تفاوتات جغرافية وجندرية لافتة.
نساء بين القيود والطموح
تشير البيانات إلى أن 64 في المئة من الرجال يحققون معيار النشاط البدني الصحي، في مقابل 46.3 في المئة من النساء، فيما يسجل معدل ساعات الخمول اليومي لدى النساء مستويات أعلى من الرجال. أما في الفئة العمرية الذهبية (30-39 سنة)، فيصل النشاط إلى ذروته بنسبة 62.6 في المئة قبل أن ينخفض تدريجاً ليصل إلى 12 في المئة فقط لدى من تجاوزوا الـ80 سنة.
الباحة تتفوق على الرياض
جغرافياً، تتصدر منطقة الباحة ممارسة الأطفال والمراهقين (5–17 سنة) للنشاط البدني لمدة 60 دقيقة يومياً بنسبة 30 في المئة، بينما جاءت منطقة الرياض في المرتبة الأخيرة بنسبة 14.17 في المئة.
النتائج أوضحت أيضاً "أن الأجانب أكثر نشاطاً من السعوديين، إذ يلتزم 62.5 في المئة منهم بالمستويات الموصى بها من النشاط، مقارنة بـ54.1 في المئة من السعوديين. وحتى في الفئة العمرية الصغيرة، يتفوق غير السعوديين بنسبة 19.4 في المئة، في مقابل 18.5 في المئة للسعوديين".
"أرقام مقلقة".. صرخة مدربة
ووصفت مدربة اللياقة البدنية السعودية فاطمة باطوق الإحصاءات بـ"المقلقة"، وتضيف "تحسين مشاركة النساء في الرياضة يتطلب العمل على نشر الوعي بضرورة ممارسة النشاط البدني لصحة الجسد والعقل، وليس من أجل الرفاهية. كذلك توفير مراكز نسائية آمنة وبأسعار معقولة مع تنوع الأنشطة البسيطة التي يمكن البدء بها من دون كلفة كبيرة مثل المشي أو الجري الخفيف أو تمارين المقاومة. والاستفادة من قوة الدعم الجماعي عبر مجموعات المشي أو تحديات اللياقة، مما يعزز الالتزام والتحفيز".
وتؤكد باطوق أن الاستثمار في الصحة الجسدية والنفسية للمرأة "هو أفضل استثمار شخصي، لأنه يمنحها القدرة على التميز مهنياً، ورعاية أسرتها، وتحقيق طموحاتها".
"صوت الميدان"... طفرة الجمباز النسائي
ولأن الرياضة ليست مجرد أرقام وإحصاءات، كان لا بد من الاستماع إلى صوت الميدان، ومن بين الألعاب التي برزت في السعودية خلال السنوات الماضية، التقت "اندبندنت عربية" بمدرب دولي قضى نحو 17 عاماً في السعودية ليقرأ المشهد من زاوية خبرته الطويلة، وكيف يرى انعكاس التحولات الرياضية على هذه اللعبة تحديداً.
يرى مدرب الجمباز خالد إبراهيم أن رياضة الجمباز كانت شبه معدومة بالنسبة إلى السيدات السعوديات، بسبب العوامل الاجتماعية والثقافية والدينية التي حدت من ممارستهن لها.
ويقول إن "العادات والتقاليد والأعراف كانت تقلل من فرص ممارسة السيدات للجمباز، إضافة إلى غياب الأماكن المهيأة وعدم وعي الأسرة بأهمية الرياضة للمرأة، على عكس الذكور الذين كانت لديهم مساحة أوسع للحركة".
ويضيف "لكن الوضع تغير في السنوات الأخيرة مع دعم المملكة للرياضة النسائية، فأصبح الإقبال على منافسات الجمباز النسائية أعلى من منافسات الرجال. ففي آخر بطولة، تجاوز عدد اللاعبات 500 فتاة، بينما لم يتعد عدد اللاعبين الذكور 100".
جدة والشرقية تتفوقان على الرياض
ويتابع خالد موضحاً "تختلف نسب الإقبال باختلاف نوعية الرياضة والمناطق، فالإقبال النسائي على كرة القدم على سبيل المثال ما زال ضعيفاً بسبب متطلبات الملابس وطبيعة الملاعب المفتوحة، بينما نرى مدناً ساحلية مثل جدة والمنطقة الشرقية أكثر تقبلاً لمشاركة المرأة في الرياضة مقارنة بالرياض، التي احتفظت بطابع محافظ لفترة طويلة".
ويرى أن "الأجانب أكثر إقبالاً من السعوديات للأسباب نفسها، إذ لا تواجه اللاعبة الأجنبية قيوداً على ارتداء ملابس الجمباز، بينما يعد الأمر أكثر صعوبة على السعوديات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويستدرك بالقول "لكن لا يمكن اختزال المشهد في الإقبال الضعيف، فهناك مؤشرات إيجابية، إذ يزداد توجه الفتيات نحو الرياضة في مرحلة الطفولة قبل أن تتراجع النسبة عند البلوغ لأسباب اجتماعية".
أفق 2030
تأتي هذه المؤشرات في إطار أهداف رؤية السعودية 2030، التي وضعت هدفاً طموحاً يتمثل في أن يمارس 40 في المئة من المجتمع النشاط البدني أسبوعياً بحلول عام 2030. والمسار يحقق تقدماً ملاحظاً، وإن كان التحدي الحقيقي يكمن في تضييق الفجوة بين الجنسين وردم التفاوت بين المناطق.
وتتجه رؤية البلاد في تنمية قطاع الرياضة إلى العمل على تحقيق جودة الحياة لأبناء المملكة ومن يقيم على أرضها، من خلال بناء مزيد من المرافق والمنشآت الرياضية بالشراكة مع القطاع الخاص، بحيث يتمكن الجميع من ممارسة رياضاتهم المفضلة في بيئة مثالية، ضمن منظومة عمل تواكب كل جديد على الساحة الرياضية وتعود بالنفع على الوطن والمواطن والمقيم.