ملخص
كتب المحلل الاقتصادي باتريك جنكينز مشبهاً شركات تخزين "بيتكوين" بأنها "جنة الحمقى".
شهدت الفترة الماضية زيادة كبيرة في عدد ما يسمى "شركات تخزين "بيتكوين"، وهي في معظمها شركات تكنولوجيا أو اتصالات أو تسويق تعثرت أوضاعها المالية فلجأت إلى الاقتراض بإصدار السندات أو مشتقات الدين الأخرى لتمويل شراء العملة المشفرة. وكلما زادت حصيلة تلك الشركات المخزنة من "بيتكوين" ارتفعت أسعار أسهمها، مما يمكنها من إصدار سندات وصور اقتراض أخرى للحصول على مزيد من أموال المستثمرين لشراء مزيد من العملات المشفرة.
مع أن البعض يرى أن فورة العملات المشفرة وصلت إلى ذروتها بالفعل، إلا أن ظهور تلك الشركات المخزنة للمشفرات يغري المستثمرين الباحثين عن الربح السريع والكبير بوضع أموالهم فيها.
وفي مقال له بصحيفة "فاينانشيال تايمز" أمس الإثنين كتب المحلل الاقتصادي باتريك جنكينز مشبهاً شركات تخزين "بيتكوين" بأنها "جنة الحمقى"، محذراً من أن انفجار فقاعتها سيجعل كثيراً من المستثمرين فيها بإقراضها يندمون بشدة على خسائرهم.
يشبه الاقتصاديون والمعلقون كل عمليات التضخيم الوهمي في قيمة الأصول بما يعرف صحافياً باسم "نموذج بونزي"، وذلك نسبة إلى المغامر المدان جنائياً تشارلز بونزي الذي أقنع آلاف الأميركيين قبل أكثر من قرن بأن يضعوا أموالهم لديه وهو يضمن لهم مضاعفتها في غضون ثلاثة أشهر.
وما كان يفعل أكثر من أن يوزع أرباحاً على المستثمرين السابقين من الأموال التي يجمعها من الجدد، حتى انهار برنامجه الاستثماري وخسر الناس أموالهم.
وتكرر ذلك في أكثر من مكان بصور مختلفة، لعل أشهرها "شركات توظيف الأموال" في مصر في ثمانينيات القرن الماضي التي أدى انهيارها إلى خسارة آلاف المودعين أموالهم وموت بعضهم كمداً.
لماذا تلجأ الشركات لشراء المشفرات؟
بدأت موجة شركات تخزين "بيتكوين" قبل سنوات قليلة، تقليداً لنموذج المستثمر الشهير في العملات المشفرة مايكل سايلور الذي حول شركته للتكنولوجيا "استراتيجي" من شركة لبرمجيات الكمبيوتر إلى شركة لتخزين "بيتكوين"، وأدى ذلك إلى تضاعف القيمة السوقية (حسب أسعار أسهمها) للشركة 3000 في المئة في غضون خمسة أعوام.
وهكذا بدأت شركات كثيرة، بخاصة في مجال التكنولوجيا عالي التنافسية، في الاقتراض لتشتري "بيتكوين" أو عملات مشفرة حين يتعثر نشاطها وتهبط أسهمها في السوق.
بحسب بيانات وأرقام شركة "أركيتكت بارتنرز" للاستشارات في مجال المشفرات، اقترضت 154 شركة مسجلة في البورصة أو اتفقت على قروض بلغ إجمالها 98.4 مليار دولار لشراء عملات مشفرة، في العام المنتهي مطلع هذا الشهر.
هذا الدين يبلغ ثلاثة أضعاف ما اقترضته الشركات قبل عام، حين كان كل ما جمعته 10 شركات في حدود 33.6 مليار دولار لشراء عملات مشفرة.
وكلما زادت حصيلة الشركة من "بيتكوين" أو العملات المشفرة ارتفعت أسعار أسهمها، وأغرى ذلك المستثمرين بإقراضها أكثر، حتى إن بعض الشركات توقفت عن نشاطها الأصلي تماماً وتحولت إلى شركات تخزين عملات مشفرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تستفيد تلك الشركات من ميزات عدة بالنسبة إلى المستثمرين، غير الربح السريع نتيجة ارتفاع أسهم الشركة وقيمتها السوقية لأنها تختلف عن صناديق التداول المسجلة في البورصة التي تتعامل في المشفرات، فالاستثمار في تلك الصناديق يعني ضريبة أرباح رأس مال على المستثمر، بينما يمكن تفادي القدر الأكبر منها على عائدات الاستثمار في شركة تخزين مشفرات.
في بعض الدول، مثل بريطانيا، لم تنظم صناديق التداول تلك قانونياً، بالتالي يلجأ المستثمرون إلى وضع أموالهم في شركات تخزين المشفرات التفافاً على القواعد واللوائح، إضافة إلى أن طريقة الاستثمار في شركات تخزين المشفرات تعطي انطباعاً بأن من يقرضها عبر شراء سندات دين الشركة أو المساهمة في إقراض مباشر يضمن أمواله بأصول الشركة.
ذلك هو الوهم الذي تحدث عنه جنكينز في مقاله لأنه في الغالب تتحول تلك الشركات التي كانت متعثرة أصلاً عن نشاطها الأصلي وتصبح كل أصولها عملات مشفرة.
ما أخطار الاستثمار في شركات تخزين المشفرات؟
خلال العام الماضي ارتفع سعر "بيتكوين" بنسبة 80 في المئة، مما زاد من إغراء المستثمرين لإقراض شركات تخزين المشفرات، وكما يقول باتريك جنكينز يمكن أن يصل الارتفاع في سعرها إلى 100 في المئة في غضون 90 يوماً، فتضاعف أموال المقرضين لتلك الشركات مثل برنامج بونزي.
صحيح أن شركات تخزين "بيتكوين" لا تدفع لدائنيها من أموال اقتراض جديدة كما كان يفعل بونزي وأمثاله من شركات توظيف الأموال المنهارة، إلا أن طريقة هيكلة ديون تلك الشركات تحمل مخاطرة هائلة، إذ يجرى تسويق تلك الديون عبر مشتقات استثمارية تشبه تماماً "التزامات الدين المرهون"، واختصارها "سي دي أو" (CDO)، وهي شهادات دين مجمعة لديون مختلفة من سندات إقراض وديون رهن وغيرها.
ولمن لا يذكر كانت تلك المشتقات الاستثمارية التي سوق لها سماسرة الأوراق المالية في أسواق الدين استناداً إلى قروض الرهن العقاري في الولايات المتحدة في الأعوام السابقة على عام 2008 سبباً في أكبر أزمة مالية عالمية، فمع أول هزة في سوق العقارات الأميركي انهار نموذج تلك المشتقات المهيكلة لبيع الديون، وشهد العالم الأزمة المالية وقتها.
بحسب شركة السمسرة المالية "بيل هنت" هناك الآن أكثر من 160 شركة حول العالم تعد شركة تخزين "بيتكوين"، وبعضها زادت قيمته السوقية بنحو 20 ضعفاً من دون وجود أي سند حقيقي لهذا الغليان في قيمة الأصول.
ومع سياسات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتوسيع الاستثمار في الأصول الرقمية وإجبار صناديق معاشات التقاعد على شراء العملات المشفرة، يتوقع أن يستمر الغليان في سوق المشفرات.
لكن، كما يقول جنكينز، فإن التقلبات في أسعار "بيتكوين" والمشفرات عموماً قوية وعنيفة، مستشهداً بانهيارات عامي 2018 و2022.
وحين تأتي موجة الهبوط التالية سيكون المستثمرون الذين أقرضوا شركات تخزين "بيتكوين" في مواجهة مصير المستثمرين في برامج بونزي قبل 105 أعوام أو شركات توظيف الأموال المنهارة قبل نصف قرن.