ملخص
يواجه أكثر من مليوني شخص في محلية جبل أولياء أزمة نقص الغذاء بصورة كبيرة، واضطر كثير من السكان إلى أكل أوراق الأشجار والقطط التي تجوب الأحياء لسد الرمق، وكذلك تعيش منطقة الكلاكلة ثاني أكبر محلية في الخرطوم وضعاً إنسانياً متدنياً بعد توقف معظم المطابخ الجماعية (التكايا) التي كانت تخدم سكان المنطقة.
تشهد أوضاع سكان العاصمة السودانية الخرطوم تدهوراً مخيفاً بات فيها شبح الموت جوعاً يطارد الآلاف، خصوصاً الأطفال والمسنين، في وقت يتسارع فيه تفشي وباء الكوليرا في مناطق عدة مع تزايد حالات الوفاة، وكذلك يحصد سوء التغذية المزمن أرواح المئات نتيجة انعدام الغذاء والدواء وعدم القدرة على التنقل ونفاد المدخرات المالية.
ويواجه أكثر من مليوني شخص في محلية جبل أولياء أزمة نقص الغذاء بصورة كبيرة، واضطر كثير من السكان إلى أكل أوراق الأشجار والقطط التي تجوب الأحياء لسد الرمق، وكذلك تعيش منطقة الكلاكلة ثاني أكبر محلية في الخرطوم وضعاً إنسانياً متدنياً بعد توقف معظم المطابخ الجماعية (التكايا) التي كانت تخدم سكان المنطقة.
سوء تغذية
يقول أحد المواطنين الموجودين داخل محلية جبل أولياء ويدعى الصادق الوسيلة إن "الجوع والمرض يفتكان بالمنطقة بصورة يومية، إذ رصدت نحو 12 حالة وفاة خلال الأسبوع الماضي بسبب وباء الكوليرا وسوء التغذية، إلى جانب ضعف المناعة التي بدأت تتفشى وتحصد أرواح الأطفال وكبار السن على وجه الخصوص".
وأضاف المواطن السوداني أنه "وعلى رغم تحرير الجيش السوداني العاصمة الخرطوم من قبضة قوات ’الدعم السريع‘، فإن الأسواق تشهد ندرة وارتفاعاً جنونياً في أسعار كل السلع، وكثير من الأحياء بلا كهرباء أو مياه أو خدمات صحية، فقط نقتات على بعض البذور الزراعية وقطع أوراق الأشجار وغليها وأكلها، ووصل الوضع إلى مرحلة اعتماد بعض السكان على أكل القطط لسد رمق الجوع نظراً إلى عدم توفر المواد الغذائية".
وأوضح الوسيلة أن "كثيراً من المواطنين يشعرون بالعجز لعدم قدرتهم على توفير الطعام لأطفالهم الذين يستيقظون ليلاً من النوم بسبب الجوع، مما أدى إلى تدهور صحتهم ويعاني آخرون أمراض سوء التغذية الحاد الذي يقود إلى شلل الأطفال".
أمراض وأزمات
محمد فرح العائد إلى منطقة السليمانية بمحلية جبل أولياء يقول "معظم العالقين فقدوا جزءاً كبيراً من أوزانهم بسبب تناولهم وجبة واحدة في اليوم، فضلاً عن تزايد الإصابة بالإسهال المائي الحاد المصحوب بحال تقيؤ، الذي يستمر حتى الوفاة نتيجة فقدان الجسم لكل السوائل، إضافة إلى انعدام المحاليل الوريدية".
وأشار النازح إلى أن "الوضع الصحي كارثي ومأسوي، إذ تشهد المراكز الطبية في معظم المناطق المختلفة حال تكدس للمرضى في ظل سوء البيئة الصحية، فضلاً عن تلوث المياه الذي أدى بدوره إلى انتشار أمراض مختلفة وكثيرة وسط الأطفال والأمهات وكبار السن، ومصابي الأمراض المزمنة".
ولفت فرح إلى أن "محلية جبل أولياء ذات الكثافة السكانية العالية التي تقدر بنحو مليوني شخص يعاني مواطنوها سوء التغذية، لا سيما الأطفال بسبب نقص الغذاء النظيف والمياه الصالحة للشرب، إضافة إلى أمراض فقر الدم والأنيميا بين النساء الحوامل".
حالات وفاة
وسط هذه الأجواء، حذرت غرفة طوارئ جبل أولياء من أن الوضع الإنساني في المنطقة بلغ مرحلة معقدة، وأن معدل التفشي لوباء الكوليرا في تزايد، إذ سجلت قرية الدويحية أكثر من 20 حالة، ووصل عدد الإصابات في قرية البجا عبدالهادي إلى 30 حالة، إلى جانب حالات أخرى رصدت في ديم البساطاب وبقية الأحياء.
وأوضح بيان للغرفة أن "الإسهالات المائية تحصد أرواح المواطنين، إذ تجاوز عدد الوفيات 30 في المئة، وهناك نقص في الأدوية والمحاليل الوريدية"، ووجهت غرفة طوارئ جبل أولياء نداءً عاجلاً للمنظمات العالمية والمحلية ووزارة الصحة للتدخل وإنقاذ السكان من الأمراض والأوبئة القاتلة.
توقف التكايا
وعن الأوضاع في منطقة الكلاكلة جنوب الخرطوم، قال المتطوع حسام حسن، إن "المبادرات المجتمعية استطاعت تغطية جزء من العجز ومساعدة السكان في توفير الطعام بصورة منتظمة، لكن مع تزايد أعداد العائدين إلى الخرطوم من مناطق النزوح واللجوء بات الدعم غير كاف لتغطية 10 في المئة من الحاجات الفعلية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونوه المتطوع بأنه "على رغم اجتهادات المتطوعين ومساعيهم من أجل جمع التبرعات والدعم العيني والمادي لضمان استمرار المطابخ الجماعية، فإن التعثر المادي الذي لازمها أدى إلى توقف معظمها بسبب النقص الحاد في الدعم الذي حال دون استمرارها".
وشدد حسن على أهمية تدخل المنظمات الإنسانية بصورة عاجلة لإنقاذ المسنين وأصحاب الأمراض المزمنة والأطفال من خطر الموت جوعاً حال استمرار الأوضاع على هذا المنوال.
جهود حكومية
في السياق تفقد والي الخرطوم المكلف أحمد عثمان حمزة عدداً من المواقع والمرافق الحيوية بمحلية جبل أولياء، في إطار الجهود الرامية إلى تعزيز الأمن والاستقرار واستدامة الخدمات بالعاصمة، وأشار إلى أن "التحدي الأكبر أمام حكومة الولاية هو تحقيق الأمن وتهيئة البيئة الملائمة لعودة الحياة إلى طبيعتها، إلى جانب دعم وتطوير الخدمات الأساس لتحسين حياة المواطنين".
ووجه والي الخرطوم بإعادة تأهيل محطات المياه الجوفية وتوفير الحاجات اللازمة لتسريع جهود دخولها الخدمة، متعهداً بدعم محلية جبل أولياء بالوقود لتشغيل الآبار بصورة فورية.
وأعلن حمزة توفير حاجات مستشفى بشائر والمراكز الطبية لضمان تقديم خدمات الرعاية الصحية للمواطنين، بخاصة أقسام مرضى الكلى والأطفال والنساء والولادة.
خطر المجاعة
وفي ترجمة للوضع الإنساني المعقد، الذي بلغه السكان في الخرطوم، قال المدير القطري لبرنامج الأغذية العالمي في السودان لوران بوكيرا إن "مستوى الجوع والبؤس كببر في منطقة جبل أولياء، محذراً من أنه مع عودة النازحين للمناطق المتضررة بشدة، فإن الضغوط على الموارد ستزداد مع تزايد الطلب عليها"، وأشار إلى أن "هذا الوضع يثير قلقاً عميقاً لبرنامج الأغذية العالمي الذي يعتبر تلبية الحاجات الأساس للسكان بخاصة الغذائية أساسية وملحة".
وتابع بوكيرا "شهدنا دماراً على نطاق واسع وصعوبة في الوصول إلى المياه والرعاية الصحية والكهرباء، فضلاً عن تفشي وباء الكوليرا، وكذلك هناك مناطق عدة جنوب المدينة تواجه خطر المجاعة بصورة كبيرة".
معاناة الأطفال
الوضع الإنساني الصعب الذي تشهده الخرطوم وانعكس بدوره على الأطفال، كشفت عنه منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" التي قالت من جانبها إن "أطفال الخرطوم الذين يتضورون جوعاً باتوا جلداً على عظم".
وقال ممثل المنظمة في السودان شيلدون يت إن الأطفال ليس لديهم بعد سوى "الحاجة المتزايدة إلى مياه الشرب والطعام والرعاية والتعليم"، وأضاف "يتركز الجزء الأكبر من سوء التغذية بنسبة 37 في المئة داخل اثنتين من مدن ولاية الخرطوم السبع هما العاصمة وجبل أولياء".