Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رؤية نتنياهو لـ"إسرائيل الكبرى" تزلزل الأردن

تصريحاته أشعلت الاستنفار رسمياً وشعبياً ودعوات للتجنيد والاستعداد للأسوأ واتخاذ إجراءات أكثر صرامة

تعكس تصريحات نتنياهو السياق الذي تزايد فيه الخطاب الإسرائيلي المتطرف تجاه الأردن (رويترز)

ملخص

في مقابلة مع صحيفة إسرائيلية، قال نتنياهو "أشعر أنني في مهمة تاريخية وروحانية، فأنا مرتبط جداً برؤية إسرائيل الكبرى"، محدداً أن هذه الرؤية تمتد لتشمل فلسطين والأردن وسوريا ولبنان ومصر.

أشعلت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول ما يسميه بـ"رؤية إسرائيل الكبرى" عاصفة من الغضب في الأردن، على المستويين الرسمي والشعبي، وسط تحذيرات من أن هذه التصريحات ليست مجرد انفعال سياسي، بل تعبير عن مشروع توسعي راسخ في البنية العقائدية لإسرائيل منذ نشأتها.

وأثارت هذه التصريحات موجة استنفار ودعوات لإعادة التجنيد وتعزيز الجاهزية العسكرية تحسباً لأي تهديد محتمل لسيادة المملكة وأمنها، وطالب مراقبون الحكومة بالتعامل مع هذه التصريحات بجدية، فالتجربة أثبتت أن ما يبدأ كفكرة في خطاب سياسي قد يتحول إلى سياسة على الأرض.

في مقابلة مع صحيفة إسرائيلية، قال نتنياهو "أشعر أنني في مهمة تاريخية وروحانية، فأنا مرتبط جداً برؤية إسرائيل الكبرى"، محدداً أن هذه الرؤية تمتد لتشمل فلسطين والأردن وسوريا ولبنان ومصر.

وكان نتنياهو عرض قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 خريطة موسعة لإسرائيل على منبر الأمم المتحدة، في إشارة رمزية إلى حدود تتجاوز المعترف بها دولياً.

غضب رسمي وشعبي

وقال وزير الاتصال الحكومي، الناطق الرسمي باسم الحكومة محمد المومني، إن تصريحات نتنياهو، وخطة بناء مستوطنات جديدة، من شأنها أن تزيد من حال العداء إقليمياً، وتشكل تعدياً على سيادة الدول.

وأضاف أنها تمثل استفزازاً صارخاً للدول المحيطة بإسرائيل، مؤكداً أن هذه الدول لن تقف مكتوفة الأيدي.

 ودانت وزارة الخارجية الأردنية تصريحات نتنياهو، ووصفتها بأنها "تصعيد استفزازي خطر وتهديد لسيادة الدول ومخالفة للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأكد الناطق الرسمي باسم الوزارة السفير سفيان القضاة أن المملكة ترفض هذه التصريحات "التحريضية" بصورة مطلقة، مشدداً على أن "هذه الأوهام العبثية لن تنال من الأردن والدول العربية، ولا تنتقص من الحقوق المشروعة وغير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني".

كما قال رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي إن تصريحات نتنياهو في شأن ما يسمى وهماً "رؤية إسرائيل الكبرى"، يعد تهديداً سافراً لسيادة الدول، وتجاوزاً صارخاً للقانون الدولي، وتأتي ضمن سياقات متطرفة وعدوانية تريد الدفع بالمنطقة نحو حافة الهاوية، وتهدد الأمن والسلم الدوليين بصورة غير مسبوقة.

لكن على المستوى الشعبي، لاقت تصريحات نتنياهو استنكاراً واسعاً، وطالب كثير من النشطاء والسياسيين الأردنيين باتخاذ إجراءات أكثر صرامة من البيانات الرسمية، مثل إعادة التجنيد والاستعداد العسكري لمواجهة أية تهديدات محتملة.

وفي ما يتعلق بالاستعدادات العسكرية لم تصدر الحكومة الأردنية أية تصريحات رسمية تدعو إلى إعادة التجنيد أو اتخاذ إجراءات عسكرية محددة. مع ذلك يشير مراقبون إلى أن القوات المسلحة الأردنية تتمتع بقدرات دفاعية قوية، وأن المملكة تحتفظ بعلاقات استراتيجية مع دول عربية أخرى، مما يعزز من قدرتها على مواجهة أية تهديدات.

الاستعداد للأسوأ

في ظل هذه التصريحات، دعا بعض النشطاء والسياسيين في الأردن إلى إعادة التجنيد والاستعداد للأسوأ، معتبرين أن هذه التصريحات قد تكون تمهيداً لخطوات عملية تهدد الأمن الإقليمي كتهجير الفلسطينيين.

لكن مراقبين يعتقدون أن تاريخ الخطاب الإسرائيلي ضد الأردن يظهر نمطاً متكرراً من تحريك الأوهام التوسعية، ومحاولة استغلال الأردن في حسابات السياسة الفلسطينية، ثم التراجع أو التخفيف تحت ضغوط دبلوماسية.

في المقابل يقول مصدر قريب من الحكومة لـ"اندبندنت عربية" إن عمان حاولت المزج طوال أعوام مضت ما بين ردود الفعل السياسية واستراتيجيات الردع، عبر تطوير القوات المسلحة، وتعزيز الاستطلاع والمراقبة على الحدود، وتحسين جاهزية الدفاع الجوي والبري، إضافة إلى تعزيز علاقاتها مع دول عربية شريكة، والاعتماد على دعم المنظمات الدولية لمنع أية خطوات إسرائيلية أحادية، فضلاً عن اتخاذ سياسة دبلوماسية صارمة كاستدعاء السفراء، وإصدار بيانات رسمية وإعلامية واضحة تحدد موقف الأردن تجاه أية تصريحات استفزازية.

وطالب وزراء سابقون بتعبئة الجمهور الأردني ومؤسساته خلف الدفاع عن الوطن، وإعلان عودة التجنيد الإجباري، وعقد دورة استثنائية للبرلمان، وتدريب المواطنين على السلاح وعلى اللغة العبرية.

كما صدرت بيانات من قبائل وعشائر وأحزاب سياسية تطالب برد رسمي قوي وتوحيد الجبهة الداخلية.

ودعا وزير الداخلية السابق سمير حباشنة إلى إحياء مجلس الدفاع العربي المشترك لتعزيز التنسيق الدفاعي بين الدول العربية في مواجهة المخططات التوسعية لإسرائيل في المنطقة. وأكد أن الأردن يمتلك خطة دفاع وطني، لكنها في حاجة إلى تعزيزها عبر إعادة التجنيد الإجباري.

أكثر من تصريحات

يعتقد الكاتب والمحلل السياسي سائد كراجة أن تصريحات نتنياهو ليست مجرد انفعال شخصي أو نزعة تطرف فردية، بل تعبير عن المشروع الصهيوني وخطورته على الأردن، كذلك فإن إسرائيل تهدد بصورة مباشرة سيادة المملكة ودورها الإقليمي.

ويشير كراجة إلى أن مفهوم "إسرائيل الكبرى" ليس وليد ظرف سياسي عابر، بل هو رؤية استراتيجية مترسخة في البنية العقائدية الإسرائيلية منذ نشأتها، وكل الحكومات والتيارات الإسرائيلية عملت على تطبيقها بأساليب متعددة تصب جميعها في هدف إعادة تشكيل خريطة المنطقة لمصلحة التفوق الإسرائيلي.

وأضاف أن قيام نتنياهو، قبيل عملية "طوفان الأقصى"، برفع خريطة موسعة لإسرائيل على منصة الأمم المتحدة، ليس سوى تجسيد رمزي لعمق هذه الفكرة في الوعي الصهيوني، وامتداد لمسار بدأ مع الصهيونية العلمانية بقيادة ديفيد بن غوريون، التي سبقت إعلان الدولة باتفاق "الوضع القائم" مع القوى الدينية، فاتحة الطريق أمام الشراكة السياسية التي مكنت لاحقاً التيار القومي- الديني من لعب أدوار محورية في الحكم.

وبين كراجة أن هذا التيار، إضافة إلى تيار ما يعرف بجماعات "جبل الهيكل"، يسعى إلى توسيع نفوذه السياسي، وفرض وقائع جديدة في الحرم القدسي، وتوسيع الاستيطان كأداة لتفكيك الجغرافيا الفلسطينية وإعادة رسم المشهد الإقليمي، مما يجعل الأردن غير بعيد من دائرة التأثير المباشر لهذه المخططات.

إجراءات رادعة

بدوره يرى مدير مركز "القدس" للدراسات السياسية عريب الرنتاوي أن نتنياهو يعتبر نفسه "الملك المخلص" لإسرائيل، ويوظف الرمزية الدينية لخدمة مشروع سياسي قومي متشدد.

وأضاف أن هذه الرؤية تتلاقى مع توجه متنام داخل المجتمع الإسرائيلي نحو التطرف الديني والقومي، وهو مسار يتصاعد منذ ما يزيد على ربع قرن، ويمثل الأرضية التي تغذي خطاباته وسياساته.

يؤكد الرنتاوي أن ما قاله نتنياهو ليس مجرد زلة لسان، وإنما جزء من رؤية متكاملة يتبناها تيار قوي وفاعل داخل البنية السياسية والمجتمعية الإسرائيلية يسعى إلى إعادة صياغة حدود الصراع عبر تبني نهج الفاشية القومية والدينية. ويضيف "الخرائط المتداولة في الأوساط الإسرائيلية تضم أراضي من الأردن ودول عربية أخرى، بل وتصل التخطيطات المفترضة إلى مناطق في شمال السعودية، وهذا التصعيد يجد بيئة خصبة في ظل ما يعتبره الإسرائيليون ضعفاً عميقاً في الموقف العربي".

ويطالب الرنتاوي بتجاوز الإدانة اللفظية، مهما بلغت حدتها، لأنها عاجزة عن إحداث تحول ملموس في السلوك الإسرائيلي ما لم تقترن بإجراءات سياسية واقتصادية ودبلوماسية رادعة، مثل تجميد الاتفاقات أو تعليق التعاون بصوره كافة.

ليست الأولى

وتعكس تصريحات نتنياهو السياق الذي تزايد فيه الخطاب الإسرائيلي المتطرف تجاه الأردن، لكنها لم تكن الأولى من نوعها التي تستهدف الأردن وسيادته، ففي عام 2023 أدلى وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بيتسلئيل سموتريتش بتصريح في باريس نفى فيه وجود "الشعب الفلسطيني"، ورافق ذلك عرض لخريطة تشمل أجزاء من الأردن ضمن "إسرائيل الكبرى"، مما دفع الأردن إلى استدعاء السفير الإسرائيلي احتجاجاً.

وفي يناير (كانون الثاني) الماضي نشرت حسابات إسرائيلية رسمية على منصاتها خرائط تاريخية مزعومة لـ"إسرائيل" تشمل أجزاء من الأردن، وقد دانت وزارة الخارجية الأردنية ذلك بشدة، واعتبرته تهديداً للسيادة وخرقاً للقانون الدولي.

وعام 2011 قدم الجنرال الإسرائيلي المتقاعد عوزي ديان، وعضو الكنيست أريه إلداد، تصريحات عنصرية يدعوان فيها إلى تحويل الأردن إلى "وطن بديل" للفلسطينيين.

وعلى مدى عقود ظل الأردن حاضراً في خيال بعض الساسة الإسرائيليين كـ"مساحة بديلة" أو "جزء مكمل" لما يسمى رؤية "إسرائيل الكبرى".

 ومع توقيع معاهدة وادي عربة (1994) بدا أن صفحة جديدة قد فتحت، لكن أحداثاً مثل محاولة اغتيال خالد مشعل (1997) وملف الاستيطان في القدس الشرقية سرعان ما أعادا التوتر. لكن الخطاب اليميني المتطرف في إسرائيل اتخذ منحى أكثر صراحة بعد الألفية الثانية، حين ظهر ما يسمى "خيار الوطن البديل" للفلسطينيين.

المزيد من متابعات