Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بريطانيا لا تملك رفاهية تجاهل ثورة العملات المشفرة

يحذر وزير الخزانة السابق من خروج المملكة المتحدة من سباق العملات المشفرة، وحجته حول تخفيف القيود على المستهلكين تستحق التأمل

القوة الحقيقية للعملات المشفرة تكمن في الفكرة الجوهرية التي تقوم عليها (أ ب)

ملخص

بريطانيا تتخلف عن سباق العملات المشفرة بسبب تردد الجهات التنظيمية وسياساتها الحذرة، مما يهدد مركزها المالي العالمي، بينما تشق الولايات المتحدة الطريق بقيادة جريئة. المطلوب من الحكومة البريطانية اتخاذ خطوات فاعلة للحاق بركب الثورة الرقمية قبل فوات الأوان.

في عالم العملات المشفرة، تبدو بريطانيا كمن يركب قطاراً بخارياً في عصر القطارات فائقة السرعة. هذا تشخيص جورج أوزبورن، وزير الخزانة البريطاني السابق. ومع أنني لست من المتحمسين للعملات المشفرة، بل متشكك حذر، إلا أنني أجد نفسي مضطراً إلى الاعتراف: ربما كان الرجل محقاً.

في مقال له في صحيفة "فاينانشيال تايمز"، يحكي أوزبورن كيف استخدم أول ماكينة صراف آلي للعملة المشفرة في بريطانيا، وكيف سلم "العملة" التي سحبها لخزانة الدولة. خطوة صحيحة من الناحية الإدارية. لكن من زاوية مالية بحتة؟ قرار كارثي. ذلك البتكوين الذي تبرع به يساوي الآن 200 ضعف سعره الأصلي.

كل وزير خزانة جاء بعده ردد الوعود نفسها: سنضع بريطانيا في صدارة الثورة المالية الرقمية التي كانت تتشكل للتو. لكن الكلام المنمق والتصريحات البراقة حول تحويل البلاد إلى "قائد عالمي" ظلت حبراً على ورق، من دون أية خطوات ملموسة على أرض الواقع. والنتيجة؟ في ظل غياب التوجيه السياسي، تخوفت الجهات التنظيمية وفرضت قيوداً تهدف إلى حماية – أو بالأحرى فرض وصاية على – المستثمرين الأفراد، بينما أعاقت تطور السوق المؤسسية.

نحن الآن أمام المرحلة الثانية من الثورة الرقمية المتمثلة في العملات المستقرة. ويبدو أن بريطانيا ستفوت الفرصة مجدداً. شخصياً، أجد العملات المستقرة أكثر جاذبية بكثير من البتكوين وأخواتها، والسبب بسيط: قيمتها مربوطة بأصول حقيقية ملموسة. خمنوا ما هو الأصل المرجعي في معظم الحالات؟ الجواب الصحيح: الدولار الأميركي. أحسنتم، تستحقون نجمة ذهبية! أو ربما عملة مستقرة مدعومة بالذهب. أميركا، بانفتاحها الجريء على هذا العالم - والذي وضعه دونالد ترمب على المسار السريع - تربعت بلا منازع على عرش القيادة العالمية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وصرح الملياردير الأميركي الملقب بـ"حكيم أوماها" وارن بافيت، الذي يعتبر أحد أعظم المستثمرين في التاريخ، قائلاً: "لو قلت لي إنك تملك جميع عملات البتكوين في العالم وعرضتها عليَّ بسعر 25 دولاراً فحسب، لرفضت الصفقة. والسبب بسيط: ماذا سأفعل بها؟ سأضطر في النهاية إلى بيعها لك أو لغيرك. إنها لا تنتج شيئاً ولا تفعل شيئاً".

غير أن القوة الحقيقية للعملات المشفرة تكمن في الفكرة الجوهرية التي تقوم عليها، بخاصة في حقبة زمنية باتت فيها الأفكار تمتلك تأثيراً غير مسبوق. وما دام لم يفقد جميع المستثمرين إيمانهم بها في وقت واحد - وهو سيناريو مستبعد - فستواصل الاحتفاظ بقيمتها كأصل قابل للتداول. والمفارقة أن حتى شركة بيركشير هاثاواي التي يديرها بافيت قد ارتشفت جرعة من هذا "السم المضاعف للفئران" [خطوة شديدة الخطورة] كما يصفه، من خلال استثمارها في مصرف (Nu Holdings) الرقمي البرازيلي الذي يدير منصته الخاصة للتداول بالعملات المشفرة.

غير أن الجهات التنظيمية في بريطانيا اتخذت موقفاً مغايراً، إذ أدارت ظهرها للعملات المشفرة وسحبتنا معها قسراً بعيداً من هذا القطاع الواعد. وفي هذا السياق، يقول جورج أوزبورن: "رايتشل ريفز على حق عندما تقول إننا جميعاً أصبحنا مفرطين في النفور من المخاطرة. لقد تبوأنا مكانة المركز المالي العالمي لأننا لم نكن نهاب التغيير أو نخشى الابتكار. لكن الحقيقة الصادمة اليوم هي أننا في مجال العملات المشفرة والعملات الرقمية المستقرة، شأننا شأن مجالات كثيرة أخرى، نتخلف كلياً عن بقية العالم. لقد آن الأوان للحاق بالركب".

وجاء رد وزارة الخزانة متخبطاً ودفاعياً "لكننا نعمل، نحن نتحرك، نحن ننجز"، وكأنها أصيبت في مقتل من نقد أوزبورن. إلا أن الحقيقة تقف في صفه.

وفي الولايات المتحدة، سواء كنت في نيويورك الصاخبة أو نبراسكا الهادئة، يمكنك بكل بساطة شراء صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة الصادرة عن عمالقة إدارة الأصول مثل "بلاك روك". لكن إن كان عنوانك في نيوكاسل البريطانية، فأنت محروم من هذا الحق. وتحت ذريعة "حماية" المستهلك، تجبر على الانتظار 24 ساعة كاملة قبل أن يسمح لك بشراء عملة البتكوين، في حين أن نظيرك الأميركي يمكنه الشراء على الفور من دون قيود. صحيح أن المستثمرين البريطانيين المولعين بالعملات المشفرة ما زال بوسعهم دخول هذا العالم، لكن بعد رحلة شاقة عبر دهاليز البيروقراطية التنظيمية. فهل نستغرب بعد ذلك هرب رؤوس الأموال والأعمال إلى الخارج؟

والحقيقة التي لا مفر منها هي أن العملات المشفرة في طريقها لإحداث فضيحة كبرى. العلامات واضحة وضوح الشمس لمن يريد أن يرى. فهذا المجال ما زال حديث العهد نسبياً، شديد التقلب، ومتداولوه الشباب المتحمسون يبدو أنهم نسوا درس الفيزياء البسيط الذي تعلموه في المدرسة: قانون نيوتن القائل إن كل ما يرتفع لا بد من أن يسقط. القنبلة الموقوتة تدق: تك، تك، تك... ثم الانفجار الحتمي.

والنهاية ستكون مأسوية بكل المقاييس، حيث سيفقد المستثمرون مبالغ ضخمة من أموالهم. وعندها ستنطلق صرخات الألم والشكوى. وكالعادة، ستسارع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" إلى استضافة الضحايا، حيث سيجلس المذيعون بوجوه عابسة متعاطفة، يستمعون إلى أنين الخاسرين ومطالباتهم الغاضبة بأن يدفع أحد ما ثمن خسائرهم.

وهذا بالضبط ما يبرر موقف المسؤولين أمثال أندرو بيلي، محافظ بنك إنجلترا، الذي لا يريد حتى سماع الحديث عن إصدار جنيه إسترليني رقمي. إنه يصر على الوقوف بعيداً من الماء، متفرجاً بحذر، في وقت يتسابق فيه العالم بأسره للغطس في محيطات النقد الرقمي المتلاطمة.

والنتيجة الحتمية: ستفقد بريطانيا أية فرصة للمساهمة في صياغة ملامح هذه السوق الصاعدة، وستستمر لندن في التراجع عن مكانتها كمركز مالي عالمي، منزلقة نحو الهامش أكثر فأكثر مع كل يوم يمر. أما الفضائح المالية؟ فهي حقيقة واقعة، جزء من الحمض النووي لمراكز المال العالمية، من الوسط المالي التجاري في لندن إلى وول ستريت وما بينهما. الحكمة تكمن في كيفية التعامل معها: تسقط، تنهض، ترتب الأوضاع، تستوعب الدروس، ثم تواصل المسير. هذه هي الضريبة الحتمية للعمل في عالم المال والأعمال.

وبالطبع، موقف أوزبورن ليس بريئاً تماماً، فهو عضو في المجلس الاستشاري العالمي لشركة "كوينبيس" Coinbase، إحدى منصات تداول العملات المشفرة. لكن وجود مصلحة شخصية لا يلغي صحة الحجة.

بل العكس هو الصحيح. على رغم اختلافي مع وزير الخزانة السابق في قضايا كثيرة، فإن على الحكومة مواجهة هذه المشكلة حتى لو كانت مؤلمة. والمفارقة العجيبة أن الإصلاحات المصرفية التي وضعت لحماية المستهلكين وترويض جموح القطاع المصرفي بعدما كاد ينسف الاقتصاد العالمي عام 2008، يجري التخلص منها واحدة تلو الأخرى، في حين تعامل العملات المشفرة وكأنها مادة مشعة لا يجرؤ أحد على لمسها.

ويصف المستشار السابق محاولات إلقاء اللوم على الجهات التنظيمية مثل بيلي بأنها "هرب ضعيف من المسؤولية". وهو على حق مرة أخرى. فرايتشل ريفز هي صاحبة القرار، والبرلمان هو صاحب الكلمة الأخيرة. المطلوب منها أن تتحرك فوراً. والحقيقة أن أمامها - إن أحسنت النظر - فرصة ذهبية لتحقيق نصر سياسي واقتصادي. صحيح أن المغامرة محفوفة بالأخطار، لكن هل تعرفون ما هو محفوف بالأخطار أيضاً؟ مجرد النهوض من الفراش كل صباح.

© The Independent

اقرأ المزيد