Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأكلات السريعة... أن تبتلع السمنة وأنت سعيد

تحولت إلى وباء عالمي بمكوناتها التي تخاطب الدماغ وتحوي كميات هائلة من السكريات والدهون والسعرات الحرارية

تتضمن الوجبات السريعة كميات كبيرة من البهارات ونكهات الطعم والملح والدهون (رويترز)

ملخص

رغم تريندات الأكل الصحي التي يمطرنا بها الإنترنت، فإن الوجبات السريعة لا تزال رمزاً للسعادة والدلال بالنسبة إلى البعض، فيما أضرارها على المدى القصير والبعيد تبدو صعبة التخلص وفقاً لمتخصصي التغذية العلاجية وطب الأطفال والمراهقين، الذين يطالبون بمزيد من الوعي حول ما يدخل المعدة، وعدم التهاون أو الرضوخ لمغريات إعلانات تلك الوجبات ذات الشعبية الهائلة

فارق كبير بين مفهوم الطعام خارج المنزل والوجبات السريعة، فإذا كانت الوجبات المطهية منزلياً في المعتاد الأكثر تفضيلاً، والتي ينصح بالمواظبة عليها، لكن تأتي في المرتبة التالية بعض الأطعمة التي تقدمها المطاعم العادية، وتحاول أن تضاهي تلك المحضرة منزلياً أو تقترب من جودة مكوناتها ومستوى نظافتها وكذلك طريقة الطبخ، بينما تظل الوجبات السريعة سيئة السمعة، فهي أطعمة شبه مجهزة ومحفوظة بكميات كبيرة، فور طلبها تسخن أو تضاف إليها بعض الإضافات، وتلتهم فوراً. وللوصول إلى تلك النتيجة السريعة بالطبع هناك عمليات كثيرة ومكونات غامضة، إذ يجري التضحية بمعايير الطعام الصحي غالباً للوصول إلى مستوى معين من اللذة التي تفضي دائماً إلى إشباع موقت وكثير من التداعيات على البدن.

بيع الأكل في الشارع أو مع الجائلين وتناوله على الواقف مثلما يقولون أمر قد يكون بالغ القدم، منذ عصور ما قبل الميلاد، إذ كان يتضمن المتاح في البيئة وقتها مثل الخبز والمشروبات، إضافة إلى الفاكهة والخضراوات، وحتى حينما تطور في العصر الحديث مع عربات الطعام كان يشمل كذلك مأكولات عادية، مثل الأطباق سهلة التناول والمخبوزات، وحتى البيض المسلوق وبعض الحلويات، وبالطبع هو بعيد شكلاً وموضوعاً عادة عما يقدم في المطاعم الاعتيادية بطبيعة الحال.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن، التحول الكبير حدث مع العقد الثاني من القرن الـ20، إذ ظهر الهامبورغر في الولايات المتحدة الأميركية وجبة سريعة التناول، وجلبت معها قائمة مساعدة مثل البطاطا المقلية السريعة، وبالطبع المشروبات الغازية التي كانت سابقة في الظهور، لكن مصطلح وجبات سريعة عُرف حرفياً مع الخمسينيات في قاموس شركة "ميريام ويستر"، إذ اتسعت فروع المطاعم والأكشاك التي تقدم تلك الوجبات لتجتاح العالم، وكل علامة تجارية منها تقدم خيارات محدودة ومحبوبة تدور في فلك نوعية طعام بعينه، من البرغر إلى الدجاج المقلي والبيتزا.

وجبة سريعة وبدانة أكثر سرعة

وفي حين أن كل صنف من أصناف الوجبات السريعة الشهيرة هذه يمكن أن يكون بسهولة طبقاً صحياً إذا ما التزم بمعايير الجودة والصحة، لكن فلسفة "السرعة" تتطلب الاستغناء عن كثير من الخطوات واستبدالها بأخرى، والنتيجة زيادة ملحوظة في معدل البدانة في العالم يقترب من المليار، وتعلق يشبه الإدمان بتلك الوجبات وملحقاتها نظراً إلى شعبيتها بين الصغار والكبار.

يقول الطبيب المصري إبراهيم عبدالحكيم أستاذ التغذية العلاجية والسمنة والنحافة، إن الوجبات السريعة وكذلك المشروبات التي تقدم عادة معها تخاطب الدماغ أولاً ثم المعدة ثانياً، ويتفنن صناعها في إضافة مكونات تؤثر بشدة في طريقة التعلق بتناولها، بل وإدمانها بحيث لا يستطعم الشخص غيرها من نوعيات الأطعمة تقريباً، إضافة إلى طريقة عرضها وإعلاناتها التي تبدو مغرية للغاية، ومقنعة بمدى لذتها وسرعتها وجمال شكلها وطريقة ترتيب مكوناتها، فهي تعد مستهلكها المرتقب بكثير من السعادة التي يختبرها دفعة واحدة وعلى الفور.

 

ويضيف أستاذ السمنة والتغذية العلاجية "تتضمن الوجبات السريعة شبه المجهزة بالكامل سلفاً، كميات كبيرة من البهارات ونكهات الطعم والملح والدهون، والسموم البيضاء الثلاثية ’السكر والملح والدقيق‘ والنتيجة كميات كبيرة من السعرات الحرارية دون شعور حقيقي بالشبع، مع تأثيرات سلبية في عملية الهضم وصحة القلب، ورفع معدلات السكر والضغط والكوليسترول، إضافة إلى الوزن الزائد بالطبع، وحدوث تكتلات موضعية بسبب كميات الدهون".

بالطبع عند التوقف عن تناول هذه الوجبات فالتحسن التدريجي على الصحة يبدأ في الظهور وفقاً للطبيب إبراهيم عبدالحكيم استشاري السمنة والنحافة، إذ يشير إلى أن التخلي عن هذه العادات السيئة في الغذاء يؤثر إيجاباً في صحة القلب والشرايين والوزن والدماغ.

وعلى ذكر الدماغ فتأثيرات الوجبات السريعة تذهب أكثر مما نظن، فوفقاً لدراسة نشرت في مجلة "Public Health Nutrition" المعنية بالصحة العامة والتغذية، فإن من يتناولون الوجبات السريعة عرضة بنسبة تزيد على الـ50 في المئة للإصابة بالاكتئاب، كما أن تقنية الترويج لها تعتمد أيضاً على أمور متعلقة بالفعل بالتفكير والدماغ، فوفقاً لدراسة قادها متخصصون في السلوك بجامعة تورنتو بكندا، فإن الناس يميلون إلى تحقيق الإشباع الفوري والسعادة القصيرة الأجل، وهو ما تركز عليه إعلانات الوجبات السريعة وصورها، وهي تأثيرات تترسخ في العقل الباطن فيشعر الشخص أنه يرغب في تناولها حتى لو لم يكن في حاجة إليها فعلياً، ولهذا هي تسمى أيضاً "Junk food"، الذي يرمز إلى الوجبات السريعة على أنها نفايات طعام، فهي مشبعة بسعرات حرارية هائلة وفقيرة جداً في العناصر الغذائية التي يحتاج إليها الجسم فعلياً.

 

هناك عامل مهم أيضاً يتحكم في المعادلة وهو السعر، فالوجبات السريعة مثل المقليات سواء كانت لحوماً أو خضراوات أو مخبوزات سكرية، أو باقي القائمة السريعة التحضير مثل المعكرونات وغيرها، بالمقارنة مع الوجبات العالية الجودة تعد أرخص ثمناً، ولهذا فهي تكون خياراً أساساً لدى الجانب الأكبر من الجماهير، إضافة بالطبع إلى أنها تكون مفضلة في الطعم لدى قطاعات أخرى، إذ يلجأون إليها بدافع الاستمتاع دون النظر إلى سعرها بالمرة.

تقول الطبيبة المصرية إيمان كامل أستاذ ورئيسة قسم صحة الطفل في المركز القومي للبحوث واستشاري التغذية العلاجية، إن البروتين الحيواني الصرف عالي الجودة وعالي القيمة الغذائية مرتفع الثمن أيضاً، فهو يعد مكلفاً للغاية، فيما كثير من اللحوم التي تدخل في تصنيع الوجبات السريعة الشهيرة لا تكون ذات جودة عالية، بل يضاف إليها فول الصويا بخلاف المواد الحافظة والألوان ومكسبات الطعم وغيرها، داعية إلى الاعتدال في تناولها لتقليل أضرارها إلى الحد الأدنى.

اقتصاد الفاست فود

وأضافت طبيبة التغذية "الأحماض الأمينية التسع موجودة في البروتين الحيواني فحسب، لكن يمكن تعويض كثير منها بمزج أكثر من بروتين نباتي معاً، لأن الجسم لا يصنعها بل يحتاج إليها من إمداد خارجي، ولهذا فاللحوم المصنعة ليست بديلاً مناسباً أبداً، كذلك فإن الخضراوات والفاكهة أصبحت غالية الثمن والجسم في حاجة يومياً إليها، ولهذا فعلى الشخص أن يبحث عن حاجاته ويوفرها ببدائل مفيدة دون اللجوء يومياً إلى وجبات سريعة تضر أكثر مما تنفع وبخاصة عند الإدمان عليها، فهي تتضمن مواد تحفز من عملية التعود هذه مثل الغلوتامات أحادية الصوديوم، كذلك فإن الكافيين في المشروبات الغازية له الأثر نفسه، وهي مشروبات عادة ما تصاحب الوجبات السريعة".

 

يرتبط الطعام بصفة أساس بالاقتصاد، فوفقاً لشركة "Fortune Business Insights" المعنية بأبحاث التسوق، فحجم المؤسسات العاملة في مجال الوجبات السريعة عالمياً يزيد على 731.65 مليار دولار، كذلك تشير التقارير إلى أن هناك أكثر من 550 ألف شركة في المجال نفسه عالمياً، وذلك حتى العام الماضي فحسب، بكل ما يوفره هذا الكم من فرص عمل هائلة.

لكن على مستوى الأشخاص، فكل ما يهم هو مستوى الدخل، فالقوة الشرائية للفرد هي التي تحدد نوعية وجباته في غالب الأوقات، وبعيداً من التفضيلات الشخصية التي قد تجعل بعضاً يلهث وراء الوجبات السريعة حباً فيها، على رغم أن مدخوله قد يؤمن له أطعمة أعلى جودة بصورة فارقة، فإن كثراً يلجأون لها أيضاً باعتبارها أرخص ثمناً على رغم أضرارها الصحية، ولهذا جرى ابتكار ما يسمى مؤشر البيغ ماك، وهو مؤشر يقيس القوة الشرائية لكل عملة وفقاً لثمن سعر وجبة ماكدونالدز الشهيرة، إذ ابتكرت مجلة "الإيكونوميست" هذا المقياس عام 1986 باعتباره سندوتش مكوناته وحجمه شبه ثابت وينتج في جميع الدول بنفس النسخة تقريباً، إذ إن السلسلة الأميركية لديها عشرات الآلاف من الفروع على مستوى العالم.

الوجبات السريعة تنتقل إلى المنزل أيضاً

من جهتها، تنصح الطبيبة المصرية جيهان فؤاد عميد المعهد القومي للتغذية السابق، بمحاولة تحري النظافة والمكونات الصحية في ما نأكل بالخارج، لافتة إلى أنه حتى تلك المأكولات والمشوربات التي يروج لها على أنها "صحية وطازجة" يمكن أن يضاف إليها سكريات ومواد حافظة وطبقات من الكريمة، ولا تكون طبيعية 100 في المئة كما يحاول بائعوها إقناع المستهلك.

وتابعت استشاري التغذية العلاجية للأطفال "يجب كذلك أن نراجع طريقة تعاملنا مع الأطفال على وجه التحديد، لأن بعض الآباء يقدمون الوجبات السريعة غير الصحية لأبنائهم كمفاجأة، فتترسخ لدى الصغار على أنها طعام السعادة على رغم أنها اختيار سلبي للغاية، فهي تتضمن دهوناً غير صحية ومواد تضر أكثر ما تنفع، وهي سبب أساس لانتشار السمنة في الأطفال".

 

تحول كبير آخر حدث في عالم الفاست فود مع انتقاله إلى المنزل، وليس عبر خدمة توصيل الطلبات من منافذ بيعه فحسب، لكن عبر الإقبال على شراء الوجبات النصف مجهزة توفيراً للوقت والجهد، التي تحاكي الوجبات الشهيرة في تلك المطاعم، مثل المعكرونة السريعة التحضير والدجاج والبرغر والبطاطا، وحتى البيتزا، مع قائمة طويلة من الإضافات مثل الكاتشب والمايونيز وكثير من الصلصات، إذ يجري شراء تلك الوجبات المطهية إلا قليلاً وبخطوة واحدة تصبح جاهزة على أطباق أفراد الأسرة، وهي تتضمن نفس المكونات التي يحذر منها الأطباء ويبيعها محترفو الوجبات السريعة.

وبما أن الأمر كله متعلق بالبيع، فقد ظهرت في المقابل سلع مضادة تسعى لإقناع المستهلك بالبحث عن البديل الأكثر صحة ومأمونية، وتخصصت بعض المطاعم في المشروبات والوجبات التي تصفها بالصحية سواء كانت عشبية أو تحوي خضراوات، لكن أيضاً يرى طبيب التغذية العلاجية والسمنة إبراهيم عبدالحكيم أنه من الضروري البحث عن مصادر ذات صدقية في هذا الصدد، وكذلك التأكد من أسلوب التخزين، لأن المكونات نفسها قد تكون صحية لكنها قد تلوث بالبكتيريا على سبيل المثال إذا لم يكن المطعم مراعياً الاشتراطات المطلوبة.

 

وفي ما يتعلق بتريند مشروبات مثل الماتشا والبوبا التي باتت رائجة بين أجيال مختلفة، على أنها اختيار مضمون وآمن يدخل إلى المعدة، يقول استشاري التغذية العلاجية إبراهيم عبدالحكيم إن هذه المشروبات طبيعية بالفعل وهي أعشاب مثل بذور السيليوم التي تعطي إحساساً بالشبع مدة طويلة، إذ يكبر حجمها في المعدة وبها بعض الفيتامينات والعناصر الغذائية التي تمنح الجسم الطاقة، لكنها أيضاً تحولت إلى مجرد تريند مثلها مثل نظام الكيتو واللقيمات والصيام المتقطع، إذ يُلجأ إليها كنوع من الهوس والوجاهة، والإلحاح الشديد أدى إلى انتشارها ورغبة الناس في تجربتها. لكن في رأيه يبقى النظام الغذائي الصحي المتوازن المتكامل هو البديل الأول للوجبات السريعة التي لا تتعلق آثارها الجانبية بمظهر الجسد فحسب، إنما بأخطاء صحية الجميع في غنى عنها.

اقرأ المزيد

المزيد من صحة