ملخص
على مدار الأيام الأخيرة، ورغم الانتشار اللافت للافتات وصور مرشحي النظام الفردي والقائمة في الشوارع والميادين الرئيسة داخل عموم البلاد ضمن دعاية انتخابية امتدت إلى وسائل الإعلام الرسمية والخاصة، فإن الهدوء خيم على الأجواء الانتخابية وغابت الأحاديث والنقاشات في شأنها بين الأوساط الشعبية وحتى السياسية
يبدأ المصريون اليوم الإثنين وعلى مدار يومين الإدلاء بأصواتهم لانتخاب 200 من أصل 300 عضو في مجلس الشيوخ إحدى غرفتي البرلمان في البلاد، في أجواء انتخابية يعمها الهدوء ولا تنذر بأية مفاجآت في نتائجها المرتقبة، نظراً إلى غياب المعارضة ووسم غالبية المرشحين بأنهم مقربون أو موالون للسلطة، بحسب ما يقول مراقبون.
ويخضع اختيار مجلس الشيوخ ذي الصلاحيات المحدودة، الذي يعين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ثلث أعضائه، لنظام انتخابي مختلط يجمع بين القائمة المطلقة والنظام الفردي لكل منهما 100 مقعد، مقسمين على 27 دائرة للانتخاب بالنظام الفردي، وأربع للانتخاب بنظام القائمة، يخصص لاثنتين منها 13 مقعداً لكل واحدة، ويخصص للأخريين 37 مقعداً لكل واحدة منهما.
وانتخابات "مجلس الشيوخ" الحالية هي الثانية له منذ أن أعادته التعديلات الدستورية التي أقرتها البلاد عام 2019 بعد أعوام من إلغائه، ويختص دوره بصورة رئيسة بدراسة واقتراح ما يراه كفيلاً بتوطيد دعائم الديمقراطية، ودعم السلام الاجتماعي والمقومات الأساس للمجتمع وتعميق النظام الديمقراطي، فضلاً عن أخذ رأيه في تعديل مواد الدستور ومشروعات القوانين التي تحال إليه من رئيس الجمهورية أو مجلس النواب، ومعاهدات الصلح وما يتعلق بحقوق السيادة وفق نصوص الدستور، وجرت انتخاباته الماضية عام 2020 بنظامي الفردي والقائمة، إذ بلغت نسبة المشاركة فيها نحو 14 في المئة.
هل تشهد الانتخابات مفاجآت؟
على مدار الأيام الأخيرة، وعلى رغم الانتشار اللافت للافتات وصور مرشحي النظام الفردي والقائمة في الشوارع والميادين الرئيسة داخل عموم البلاد ضمن دعاية انتخابية امتدت إلى وسائل الإعلام الرسمية والخاصة، فإن الهدوء خيم على الأجواء الانتخابية وغابت الأحاديث والنقاشات في شأنها بين الأوساط الشعبية وحتى السياسية، نظراً إلى عدد من الأسباب أبرزها صلاحية المجلس المحدودة، وغياب المعارضة عن المنافسة بصورة صريحة، فضلاً عن ثقل الأزمات الاقتصادية التي تسيطر على عقل الشارع المصري، وفق ما يقول مراقبون.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعدد نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية وعضو مجلس أمناء الحوار الوطني في مصر عمرو هاشم ربيع ما سمّاه "لا مبالاة الشارع من الانتخابات، وغياب الأجواء التنافسية" إلى مجموعة من الأسباب أبرزها "تراجع اهتمام المواطن الكبير بمسألة الانتخابات التي لم تعد تعبر بصورة حقيقية وجادة عن خياراته وأولوياته، فضلاً عن تزايد الشعور المتنامي بعد جدوى المؤسسات المنتخبة، بمعنى أن ما بين الاستحقاق الانتخابي والآخر، يجد المواطن أن المشكلات الحياتية تتفاقم وتتزايد وتتنوع في الحال المصرية".
ويضيف ربيع "من بين الأسباب كذلك التي غيّبت الأجواء الانتخابية عن انتخابات مجلس الشيوخ الراهنة، هي الأوضاع الاقتصادية التي لا تزال تثقل بتداعياتها كاهل المواطن والمتمثلة في ارتفاع نسب التضخم والغلاء في أسعار السلع والخدمات والفوارق الطبقية وغيرها"، متابعاً "على صعيد آخر يجب أن لا ننسى أننا حين نتحدث عن مجلس الشيوخ بوضعه الدستوري والقانوني الحالي فنحن نشير إلى مؤسسة فاقدة للصلاحيات بصورة كبيرة، وهو على عكس ما نصت عليه كل الدساتير التي شهدتها مصر على مدار عصرها الحديث في ما يتعلق بصلاحيات الغرفة الثانية من البرلمان".
ويوضح ربيع أن "كل دساتير مصر منذ دستور عام 1923 كانت تشير إلى أن الغرفة التشريعية تتكون من مجلسين يكمل بعضهما الآخر، لكن مع التعديلات الدستورية عام 2019 التي أعادت مجلس الشيوخ إلى الحياة، أصبح ينظر إلى عضويته بصورة كبيرة على أنه نوع من الوجاهة الاجتماعية والحصول على الحصانة البرلمانية ليس أكثر"، على حد وصفه.
ويمثل اقتراع "الشيوخ" الحالي، الاقتراع الثاني في تاريخ المجلس الذي كان يسمى مجلس الشورى سابقاً، قبل أن يُلغى في دستور عام 2014، ثم يُعاد بعد التعديلات الدستورية عام 2019.
وفيما يتنافس أكثر من 400 مرشح على المقاعد الفردية الـ100، يغيب عنهم بصورة كبيرة مرشحو المعارضة المستقلون، إذ لم تتقدم سوى قائمة واحدة لخوض الانتخابات تحت اسم "القائمة الوطنية من أجل مصر"، وتضم تحالفاً من 13 حزباً يتقدمها حزب "مستقبل وطن" القريب من السلطة وصاحب الغالبية في مجلس النواب، وحزب "الجبهة الوطنية" الذي يترأسه الوزير السابق عاصم الجزار، فضلاً عن مجموعة محدودة من الأحزاب التي كانت تنتمي إلى المعارضة مثل أحزاب "التجمع اليساري" و"الوفد الليبرالي" و"المصري الديمقراطي الاجتماعي" و"الإصلاح والتنمية"، و"العدل".
وبحسب أسماء المرشحين على "القائمة الوطنية"، فقد وُزعت المقاعد الـ100 المخصصة لها بين الأحزاب الـ13 المشاركة فيها، التي جاءت على النحو التالي، حزب مستقبل وطن (مولاة) 44 مقعداً، وحزب حماة الوطن (موالاة) 19 مقعداً، وحزب الجبهة الوطنية (موالاة) 12 مقعداً، وحزب الشعب الجمهوري (موالاة) خمسة مقاعد، فيما جاء نصيب الأحزاب التي تصنف نفسها معارضة من القائمة على النحو التالي، الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي خمسة مقاعد، وحزب الإصلاح والتنمية أربعة مقاعد، وحزب العدل أربعة مقاعد، وحزب الوفد بمقعدين، وحزب التجمع بمقعدين، ما يعني 17 مقعداً من أصل 100 مقعد مخصصة لنظام القائمة.
ووجود قائمة واحدة في الانتخابات يعني قانونياً أنها ستفوز على الأرجح بالتزكية. فوفقاً للمادة 25 من قانون مجلس الشيوخ رقم 141 لعام 2020، "إن لم يتقدم في الدائرة الانتخابية المخصصة للقوائم إلا قائمة واحدة، يعلن انتخاب القائمة بشرط حصولها على نسبة خمسة في المئة في الأقل من أصوات الناخبين المقيدين بتلك الدائرة". وإذا لم تحقق هذه النسبة، يعاد فتح باب الترشح من جديد.
وفي المقابل، آثرت الحركة المدنية الديمقراطية (تتشكل من 13 حزباً معارضاً وشخصيات عامة) عدم المشاركة ضمن انتخابات الشيوخ. معلنه أن تركيزها سيكون على الانتخابات المقبلة لمجلس النواب، وذلك إثر انتقادها "نظام القائمة الموحدة واتساع الدوائر الفردية".
وأثار وجود قائمة موحدة في انتخابات الشيوخ الحالية انتقادات كثيرة، لما اعتبروه "تحول الانتخابات إلى نظام تزكية"، لضمان حصولها على المقاعد الـ100 المخصصة لها. يقول عمرو هاشم ربيع "الأمور الفنية والمنظمة لانتخابات الشيوخ والممثلة في اتساع الدوائر الانتخابية ووجود قائمة واحدة، حولها إلى ما يشبه التزكية"، موضحاً أن "الناخب لن يتمكن من معرفة مرشحه في دائرة تشمل محافظة كاملة على النظام الفردي، وتمتد لتشكل نحو سبع أو ثماني محافظات على نظام القوائم. أما في ما يتعلق بالقوائم، وجدنا خلال الأيام الأخيرة أن المرشحين عليها بدأوا في تهنئة بعضهم بعضاً بالفوز المسبق قبل خوض الانتخابات".
وعلى رغم انتقادات المعارضة للانتخابات الراهنة، التي انقسمت على نفسها بين عدم المشاركة والتحالف مع قائمة الموالاة أو مع عدد محدود من مكوناتها، كان لافتاً دعوات الحملات المكثفة للأحزاب المحسوبة على السلطة لدعوة الناخبين للمشاركة بقوة وفاعلية، ففي أكثر من مناسبة خرج قياديو أحزاب في حملات مكثفة لحث المصريين على المشاركة في الانتخابات وذلك من أجل أن "يخرج السباق الانتخابي بصورة مشرفة تليق بالدولة المصرية، وتعكس الإرادة الشعبية الحقيقية".
ماذا نعرف عن مجلس الشيوخ؟
أُعيد مجلس الشيوخ إلى الحياة النيابية المصرية بموجب التعديلات الدستورية التي أجرتها مصر عام 2019، وذلك بعد أعوام من الغياب، ويختص دوره بصورة رئيسة على دراسة واقتراح ما يراه كفيلاً بتعزيز الديمقراطية ودعم السلام الاجتماعي، إضافة إلى إبداء الرأي الاستشاري في تعديلات الدستور ومشروعات القوانين المحالة إليه وفقاً لأحكام القانون.
ووفق الدستور، يجري انتخاب الشيوخ كل خمسة أعوام ويضم 300 عضو ينتخب ثلثاهم (200 عضو) عبر الاقتراع العام السري المباشر بنظام مختلط يجمع بين الفردي والقائمة المغلقة، بينما يعين رئيس الجمهورية الثلث المتبقي (100 عضو)، مع تخصيص ما لا يقل عن 10 في المئة من إجمال مقاعد المجلس للمرأة.
ويشرف على انتخابات "الشيوخ" الهيئة الوطنية للانتخابات، وهي هيئة مستقلة أنشئت بموجب دستور عام 2014. تختص وحدها بإدارة الاستفتاءات والانتخابات الرئاسية والنيابية والمحلية، بدءاً من إعداد قاعدة بيانات الناخبين وحتى إعلان النتائج النهائية. ويتألف مجلس إدارتها من 10 أعضاء من جهات وهيئات قضائية مختلفة، يُنتدبون دون تدخل من السلطة التنفيذية.
ويعد أبرز القوى السياسية المشاركة في الانتخابات الحالية ذلك التحالف الذي يضم 13 حزباً باسم "القائمة الوطنية من أجل مصر"، ويأتي على رأسها حزب "مستقبل وطن" صاحب الغالبية البرلمانية، فضلاً عن حزب "الجبهة الوطنية" وحزب "حماة وطن" وأحزاب أخرى مثل "العدل" و"المصري الديمقراطي الاجتماعي" و"الشعب الجمهوري" و"التجمع" و"الوفد" و"تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين"، فيما يتنافس على النظام الفردي 469 مرشحاً يمثلون 35 حزباً.
وقبل فتح باب الاقتراع للناخبين بالداخل اليوم وغداً، شهدت أكثر من 136 سفارة وقنصلية مصرية حول العالم على مدار يومي الجمعة والسبت الماضيين (الأول والثاني من أغسطس ’آب‘ الجاري) تصويتاً للمصريين في الخارج، ومن المقرر أن تعلن الجهات المعنية النتائج النهائية خلال الرابع من سبتمبر (أيلول) المقبل، عقب جولة إعادة خلال الـ27 والـ28 من أغسطس (آب) الجاري.
يشار أنه منذ مايو (أيار) الماضي، أدى تمرير قانون عدل بعض أحكام مجلسي "النواب" و"الشيوخ" المصريين وتقسيم الدوائر الانتخابية، من دون التعرض لنظام الانتخابات المختلط المعمول به، إلى إحباط التيارات المدنية والمعارضة، بعدما أبقى على القائمة المطلقة المغلقة إلى جانب نظام الفردي، والذي يصعب المنافسة أمام ما يعرف بأحزاب الموالاة، على حد تعبيرهم.
وعلى رغم أن النقاش حول نظام الانتخابات داخل البلاد وأهمية العمل على تعديله للقائمة النسبية المفتوحة كان إحدى محطات الجدل الأساس بين المشاركين في الحوار الوطني، الذي شهدته البلاد بدعوة من الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال العامين الماضيين، فإن الإبقاء عليه من دون تغيير فتح الاحتمالات أمام الأحزاب، ولا سيما المدنية والمعارضة، لإعادة حساباتها في ما يتعلق بالقدرة على المشاركة والمنافسة وجدوى خوضها، خلال وقت بررت الأحزاب الداعمة للسلطة داخل البلاد الإبقاء على النظام الانتخابي كونه الأنسب خلال الفترة الحالية لاستيفاء الالتزامات الدستورية، والخاصة بضمان تمثيل فئات مجتمعية مهمشة، وأن استمراره سيجنب البرلمان المقبل شبهة مخالفة الدستور.
ويعتمد الدستور المصري المعمول به منذ عام 2014 نظاماً انتخابياً مختلطاً، بانتخاب نصف المقاعد فردياً بينما النصف الآخر يُنتخب بنظام القوائم المغلقة المطلقة، مع أحقية الأحزاب والمستقلين في الترشح بكليهما معاً، غير أن هذا النظام شهد مطالبات من الأحزاب والقوى السياسية بتعديله.