ملخص
تأكيداً لالتزامها الكامل بأحكام الشريعة الإسلامية، منعت حركة "طالبان" الفتيات الأفغانيات فوق سن الـ12 من مواصلة التعليم في المدارس والجامعات، وأثارت هذه الأوامر التي تقضي بحرمان النساء من حق التعليم والعمل إدانات دولية واسعة، إلا أن زعيم "طالبان" الملا هبة الله آخوند زادة رد على هذه الضغوط الدولية بقوله "لا جدوى من ضغوط العالم علينا".
في حرارة تبلغ 35 درجة مئوية داخل كابول، تجتمع مجموعة من الفتيات الشابات اللاتي حُرمن من دخول الجامعة منذ ثلاثة أعوام، في منزل للعمل على مشروع جديد. هؤلاء الفتيات اللاتي يطلقن على أنفسهن اسم "صوت الأمل"، هن طالبات سابقات في تخصص علوم الحاسوب، ولم يتوقفن عن التعلم على رغم إغلاق أبواب الجامعات أمام الفتيات.
تسعى هؤلاء الفتيات، بمساعدة الإنترنت والاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى إعادة وصل ما انقطع من معرفة كن يدرسنها في الجامعة سابقاً. وخلال وقت حرمن فيه حتى من الذهاب إلى الحدائق أو القيام بنزهات بسيطة، يعملن على خلق وسائل للترفيه والتواصل الاجتماعي في ما بينهن.
ومنعت أعضاء هذه المجموعة من مواصلة دراستهن خلال ديسمبر (كانون الأول) 2022، عندما كن في الفصل الدراسي الثاني بتخصص علوم الحاسوب داخل إحدى الجامعات الخاصة بأفغانستان، وذلك بأمر مباشر من زعيم حركة "طالبان" هبة الله آخوند زادة. في البداية، كن يأملن أن تؤدي الاحتجاجات الواسعة للنساء والضغوط الدولية إلى تراجع نظام "طالبان" عن قراره، لكن ما حدث جاء عكس توقعاتهن، إذ تزايدت القيود المفروضة على النساء مع صدور أوامر جديدة، وأصبحت الحياة أكثر صعوبة بالنسبة إليهن.
أسرار بارسا البالغة من العمر 25 سنة وقائدة فريق "صوت الأمل" قالت لـصحيفة "اندبندنت فارسیة" إن حظر التعليم الجامعي ولد موجة من اليأس، لكنها إلى جانب 20 من زميلاتها قررن مواصلة التعلم في المنزل، باستخدام المحتوى التعليمي المتاح على شبكة الإنترنت.
وقام أعضاء هذه المجموعة حتى الآن بمشاريع عدة بهدف التعلم والتقدم ومواصلة أحلامهن، كان من أبرزها تصنيع روبوتين. ووفقاً لأسرار، بلغت كلفة تصنيع هذين الروبوتين نحو 30 ألف أفغاني (نحو 450 دولاراً)، وقد تكفل أعضاء المجموعة بتغطية هذه الكلف.
وبموجب الأوامر التقييدية التي فرضتها حركة "طالبان"، يمنع على النساء الخروج من المنزل من دون مرافقة رجل. لهذا السبب، تضم هذه المجموعة عضواً ذكراً واحداً هو نويد بارسا، البالغ من العمر 28 سنة، شقيق قائدة المجموعة أسرار. نويد، وهو خريج كلية علوم الحاسوب، يتولى شراء المستلزمات اللازمة للفريق من المدينة ويساعدهن في إنجاز الأمور التي تتطلب الحضور خارج المنزل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كان أعضاء هذه المجموعة في البداية 20 شخصاً، لكن 14 منهم غادروها بسبب المشكلات الاقتصادية واليأس من تحقيق نتائج ملموسة. وقالت أسرار في هذا الصدد "كان هدفنا من تشكيل هذا الفريق الحفاظ على شعلة الأمل في قلوبنا، والحفاظ على الدافع لمواصلة التعلم وتعلم الذكاء الاصطناعي، لكن معظم أعضاء الفريق أصيبوا بالإحباط ولم يستمروا".
هدية أحمدي (19 سنة) عضو آخر في المجموعة، تقول إنها بعد إغلاق الجامعات بأمر من "طالبان" أصيبت بالاكتئاب والقلق، لكن العمل على مشاريع صغيرة وتعلم كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي مع المجموعة حسن من حالتها النفسية.
وخلال العامين الماضيين، قام أعضاء هذه المجموعة باستخدام ما تعلموه خلال العام الأول في الجامعة إضافة إلى مشاهدة فيديوهات تعليمية على شبكة الإنترنت، بصناعة روبوتين وأجهزة عدة أخرى. أحد هذه الروبوتات قادر على التعرف على 20 نوعاً من الأجسام من بينها الإنسان، ويُتحكم فيه من بعد. وبعد الانتهاء من المشروع، اختبر الفريق حركة الروبوت على طاولة المطبخ، مؤكدين أن التحكم يتم عبر الترددات الراديوية و"البلوتوث"، مع وجود أربعة برامج للتحكم فيه. وقالت أسرار بارسا إن هذا الروبوت إذا ما طُور يمكن أن يستخدم في حالات مثل الزلازل والانفجارات، لتحديد وتتبع البشر والكائنات الحية المحاصرة تحت الأنقاض.
أضافت أسرار بارسا أن المشروع الآخر الذي يعمل عليه أعضاء المجموعة هو بناء طائرة من دون طيار "درون"، وفي حال نجاحهم في بناء هذه الطائرة يمكن استخدامها لجمع القمامة من شوارع المدينة، وتوصيل الأدوية في حالات الطوارئ، ونقل أشياء أخرى.
بالنسبة إلى أسرار بارسا وهدية أحمدي وباقي أعضاء هذا المجموعة، فإن الغرض من التجمع والعمل على الأسلاك والبطاريات والاستماع إلى الملفات التعليمية على شبكة الإنترنت لا يقتصر فقط على صناعة الروبوتات وتعلم الذكاء الاصطناعي وحسب، بل يعد أيضاً وسيلة للتخفيف من التوتر والضغوط النفسية في واحدة من أصعب مراحل حياة النساء داخل أفغانستان، إذ وصف نظام "طالبان" الصوت والوجه بـ"العورة" وفقاً لقانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويجب عليهن الاختفاء والتستر.
وبحسب أسرار، يعد التجمع للتعلم فرصة للتخلص من الألم والمعاناة الناجمة عن الأوضاع الراهنة. وأضافت أنه عندما نكون معاً نشعر أن الأمور لا تزال على ما يرام، وأننا قادرون على الاستمرار في التعليم والتعلم.
وتقول هدية أحمدي إنه خلال العامين الماضيين، إذ يجتمعون مع أعضاء المجموعة مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعياً، ويتابعون معاً المحتوى التعليمي حول الذكاء الاصطناعي وصناعة الروبوتات، ويتبادلون الحديث عن أحلامهم، تحسنت حالها مقارنة بالأيام الأولى لإغلاق الجامعات. وأضافت أنه عندما نرى نتائج أعمالنا، نشعر بالسعادة ونعتقد أن التعلم والتعليم لم يتوقفا، ونستمر في السعي وصولاً إلى هدفنا يوماً ما.
فريق الروبوتات الأفغاني السابق المعروف باسم "الحالمون الأفغان" الذي تأسس عام 2017 حظي باهتمام واسع داخل أفغانستان وعدد من دول العالم، وكان هذا الفريق يعمل في مجالات التكنولوجيا والهندسة والروبوتات، وأصبح رمزاً للقدرة والأمل وسط القيود الاجتماعية والسياسية. ومع عودة حركة "طالبان" إلى السلطة ومنع التعليم والعمل للنساء والفتيات، اضطر أعضاء هذه المجموعة إلى مغادرة أفغانستان، وهم الآن يمارسون نشاطاتهم خارج البلاد.
إن أعمال فريق الروبوتات الأفغاني تمثل مصدر إلهام لأعضاء مجموعة "صوت الأمل"، اللاتي يسعين تحت قيود "طالبان" للحفاظ على بريق الأمل، لكنهن حتى الآن لم يتلقين أي دعم أو تواصل من الجهات الفاعلة في هذا المجال. وعلى رغم كل الصعوبات، يواصلن جهودهن للمشاركة مستقبلاً بأعمالهن في معارض دولية، لفتح آفاق تتيح لهن متابعة تحقيق أحلامهن.
وفي تأكيد التزامها الكامل بأحكام الشريعة الإسلامية، منعت حركة "طالبان" الفتيات الأفغانيات فوق سن الـ12 من مواصلة التعليم في المدارس والجامعات. وأثارت الأوامر الصادرة عن زعيم الحركة، والتي تقضي بحرمان النساء من حق التعليم والعمل، إدانات دولية واسعة، إلا أن زعيم "طالبان" الملا هبة الله آخوند زادة رد على هذه الضغوط الدولية بقوله "لا جدوى من ضغوط العالم علينا".
ودأب زعيم حركة "طالبان"، خلال رسائله وخطاباته على مدى الأعوام الأربع الماضية، على التأكيد المستمر على ضرورة "التعليم في ضوء الشريعة والمبادئ الإسلامية"، إلا أنه في أي من تلك الرسائل أو الخطابات، لم يأت على ذكر تعليم النساء والفتيات أو حقهن في العمل داخل أفغانستان.
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"