Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يربك "ضجيج" معبر رفح حسابات القاهرة في غزة؟

تتمسك مصر بالتحرك ضمن مسارات ثلاثة، هي إيقاف الحرب وإدخال المساعدات والإفراج عن الرهائن، من دون الصدام أو التصعيد، وعينها على "رفض التهجير".

منذ الأحد الماضي، دخل عبر معبر رفح الحدودي مع مصر شاحنات محملة بمساعدات بعد إعلان إسرائيل "تعليقاً تكتيكياً" يومياً لعملياتها في بعض مناطق غزة (أ ف ب)

ملخص

على وقع "حملة الضغط" التي تواجهها القاهرة، لا تخفي الأوساط السياسية في مصر ريبتها من توقيتها وأهدافها، لا سيما وأنها "تشتت الانتباه عن المسؤول الرئيس عن تلك الحالة التي وصلت إليها غزة"، على حد تعبير كثر، وتتزامن مع تمسك إسرائيل بسيناريو "تهجير" الفلسطينيين من قطاع غزة.

على مدار الأيام الأخيرة، بدا أن القاهرة تواجه موجة ضغط وانتقادات متصاعدة يشنها نشطاء في مناطق مختلفة حول العالم، لاتهامها بـ"التواطؤ والمشاركة في إغلاق معبر رفح الذي يربط بين مصر وغزة، في ظل تشديد إسرائيل حصارها على القطاع"، مما فاقم الأزمة الإنسانية التي تسببت في انتشار سوء التغذية الحاد والجوع جراء الحرب المستمرة منذ 21 شهراً، ولا سيما بعد أن فرضت تل أبيب حظراً كاملاً على دخول المساعدات والسلع إلى القطاع في مارس (آذار) الماضي.

الانتقادات المتواصلة ضد مصر، وعلى رغم نفي الأخيرة لها واعتبارها "حملة منسقة ودعاية مغرضة تستهدف تشويه دورها الشريف والأمين والمخلص" لحلحلة الحرب في غزة، أحدثت "إرباكاً وضجيجاً" للدور المصري الذي تصفه القاهرة بأنه "داعم للقضية الفلسطينية"، وسط تساؤلات في الأوساط السياسية والدبلوماسية عن مغزى توقيته وأهدافه، وما إذا كان يسعى إلى إجبار الدولة الأكثر كثافة سكانية في المنطقة العربية لتقديم تنازلات في قضايا بعينها، لا سيما على صعيد ملف "تهجير فلسطينيي القطاع"، الذي تهدف إسرائيل إلى تحقيقه بعد أن دعا إليه الرئيس الأميركي دونالد ترمب في فبراير (شباط) الماضي.

واستدعت حملة الضغط على مصر خروج الرئيس عبدالفتاح السيسي في فيديو أمس الإثنين، ليؤكد أن بلاده "لا يمكن أن تقوم بدور سلبي تجاه الأشقاء الفلسطينيين، وأن الدور المصري شريف ومخلص وأمين ولن يتغير، وحريصون على إيجاد حلول لإنهاء الحرب"، مناشداً الرئيس الأميركي دونالد ترمب "بذل كل الجهود لإنهاء الحرب في غزة والسماح بدخول المساعدات إلى القطاع"، على اعتبار أنه الوحيد القادر على "إيقافها وإدخال المساعدات وإنهاء هذه المعاناة".

مصر ترفض "التشويه"

على مدار الأيام الماضية تواصلت الدعوات إلى استهداف بعض السفارات المصرية في الخارج ومحاصرتها، احتجاجاً على ما وصفه منظموها بـ"تواطؤ القاهرة في محاصرة غزة"، وبالفعل شهدت سفارات مصرية عدة كما في هولندا وتركيا وفنلندا وجنوب أفريقيا، فضلاً عن العاصمة الليبية طرابلس وبيروت، احتجاجات أمامها  بسبب "تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة".

وما عمق الحملة كانت تلك التصريحات التي أطلقها رئيس حركة "حماس" في غزة خليل الحية، التي تساءل فيها عن دور القاهرة في "مجاعة القطاع"، موجهاً نداء قال فيه "يا أهل مصر، يا قادة مصر، يا جيش مصر، وعشائرها وقبائلها وعلماءها وأزهرها وكنائسها ونخبها، أيموت إخوانكم في غزة من الجوع وهم على حدودكم وعلى مقربة منكم؟!"، داعياً الأسرة المصرية إلى "قول كلمتها، وإن غزة لن تموت جوعاً، ولن نقبل أن يبقي العدو معبر رفح مغلقاً أمام حاجات أهل غزة". مما أثار غضباً مصرياً، على رغم أن القاهرة لم تعلق عليها رسمياً.

"تفاجأنا بحملة دعاية مغرضة في توقيتها ونواياها صادرة من بعض القوى والتنظيمات، بهدف تشويه الدور المصري في ذلك التوقيت، على رغم أن مساهمات القاهرة هي الأكبر في تخفيف حدة الأزمة الإنسانية بقطاع غزة منذ اندلاع العدوان بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023"، يقول مصدر دبلوماسي مصري، موضحاً في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، "ندرك جيداً الأطراف التي تقف خلف تلك الدعاية التي لا تستهدف سوى تشتيت الرأي العام العربي والدولي عن الأسباب الحقيقية وراء تلك تفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، في محاولة لتبرير المسؤول الأول عنها وهو إسرائيل".

المصدر ذاته أعرب عن دهشته من تصريحات القيادي في حركة "حماس"، لا سيما أمام معرفته الدقيقة لجهود القاهرة لتخفيف المعاناة عن أهل غزة سواء من خلال الوساطة التي تقوم بها بالمشاركة مع كل من قطر والولايات المتحدة لإنهاء الحرب، أم الاتصالات السياسية والدبلوماسية التي تجريها مع الشركاء الإقليميين والدوليين، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن التحدي الأكبر الذي يحد حسابات القاهرة في التعاطي مع ملف الحرب يكمن في "الوقوف بقوة ضد أي سيناريو لتهجير فلسطينيي القطاع"، وهو الموقف الذي تدفع مصر ثمنه، وهو ما يظهر الآن في شكل الحملة الممنهجة التي تستهدف تشويه دورها، على حد وصفه.

 

وعلى رغم تنديد وزارة الخارجية المصرية بما وصفته "الحملة الممنهجة والمغرضة" على حد تعبيرها، إلا أن تصاعدها استدعى خروج الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في مقطع مصور للحديث عن موقف بلاده من الأزمة في غزة، إذ أكد أن بلاده "لا يمكن أن تقوم بدور سلبي تجاه الأشقاء الفلسطينيين، وأن الدور المصري شريف ومخلص وأمين ولن يتغير، وحريصون على إيجاد حلول لإنهاء الحرب".

حديث السيسي، الذي جاء رداً على ما يجري تداوله، قال فيه إنه "منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول 2023) حرصنا على المشاركة الإيجابية مع الشركاء في قطر والولايات المتحدة الأميركية من أجل ثلاث نقاط: إيقاف الحرب وإدخال المساعدات والإفراج عن الرهائن"، وتابع أنه من الضروري تأكيد الموقف المصري في ما يخص الحرب في قطاع غزة، "أقول هذا الكلام في هذا التوقيت، هناك كلام كتير يقال، مهم قوي الناس تعرف وأفكرهم بالمواقف الإيجابية التي تدعو إلى إيقاف الحرب وحل الدولتين وإيجاد حل سلمي للقضية الفلسطينية"، مشدداً على أن موقف مصر كان واضحاً جداً في ما يخص رفض فكرة تهجير الشعب الفلسطيني "التي ستؤدي إلى تفريغ فكرة حل الدولتين أو الحل السلمي أو إقامة الدولة الفلسطينية".

وكان لافتاً في حديث الرئيس المصري مناشدته للرئيس الأميركي دونالد ترمب "بذل كل الجهود لإنهاء الحرب في غزة والسماح بدخول المساعدات إلى القطاع"، مؤكداً أن "الوقت حان لإنهاء هذه الحرب"، وأن "الرئيس ترمب هو القادر على إيقافها وإدخال المساعدات وإنهاء هذه المعاناة".

ومنذ الأحد الماضي، دخل عبر معبر رفح الحدودي مع مصر شاحنات محملة بمساعدات بعد إعلان إسرائيل "تعليقاً تكتيكياً" يومياً لعملياتها في بعض مناطق غزة، لتسهيل توزيع المساعدات في القطاع المدمر جراء الحرب المتواصلة منذ 21 شهراً، وحيث يتضور السكان جوعاً، كذلك دخلت شاحنات أخرى محملة بالطحين عبر معبر زيكيم الإسرائيلي، كذلك استؤنفت عمليات إنزال المواد الغذائية جواً فوق القطاع الذي تفرض إسرائيل عليه حصاراً مطبقاً، مما أثار ذلك بعض الأمل لدى سكان القطاع الذين يعانون جوعاً مستشرياً ونقصاً في كل المواد الأساسية.

حسابات مصرية "معقدة"

على وقع "حملة الضغط" التي تواجهها القاهرة، لا تخفي الأوساط السياسية في مصر ريبتها من توقيتها وأهدافها، لا سيما وأنها "تشتت الانتباه عن المسؤول الرئيس عن تلك الحالة التي وصلت إليها غزة"، على حد تعبير كثر، وتتزامن مع تمسك إسرائيل بسيناريو "تهجير" الفلسطينيين من قطاع غزة.

 

 

يقول اللواء دكتور محمد إبراهيم الدويري، نائب مدير المركز المصري للفكر والدراسات، إنه "من المؤكد أن هناك حملة ممنهجة نراها ماثلة أمام أعيننا تهدف إلى تشويه الدور المصري التاريخي تجاه القضية الفلسطينية، الذي لا ينكره إلا كل جاحد، وجرى اتخاذ معبر رفح ذريعة لهذه الحملة الظالمة، وكأن معبر رفح هو السبب الرئيس في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة".

الدويري أوضح في حديثه إلينا أن "من يهاجم مصر لا يعلم أن معبر رفح له اتجاهان فقط، الأول معبر مصري وهو مفتوح، والثاني معبر فلسطيني احتلته ودمرته وأغلقته إسرائيل منذ مايو (أيار) 2024، ومن ثم فإن حركة المرور منه بالوضع الحالي مستحيلة"، وتابع "على رغم إغلاق معبر رفح الفلسطيني ومحاولة إسرائيل فرض أمر واقع جديد، إلا أن المساعدات المصرية تدخل إلى قطاع غزة من خلال معبر كرم أبو سالم بالتنسيق مع الطرف الآخر المسيطر على هذا المعبر أيضاً، أي أن التذرع بمعبر رفح ليس سوى حجة واهية لمهاجمة مصر".

ويقع معبر رفح البري جنوب قطاع غزة، في أقصى جنوب محافظة رفح بين مدينة رفح وشوكة الصوفي، وعلى الجهة الغربية من فلسطين بين الحدود الفلسطينية - المصرية، التي جرى الاعتراف بها بموجب معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر عام 1979، ويعد المعبر منفذاً برياً يصل قطاع غزة بشبه جزيرة سيناء المصرية.

وقبل أن تسيطر حركة "حماس" على الجانب الفلسطيني منه في عام 2007، بعد إحكام قبضتها على السلطة في غزة، كان معبر رفح يعمل وفق اتفاق المعابر بالشراكة بين الإدارتين الفلسطينية والمصرية، وتشرف عليه من الجانب الفلسطيني هيئة المعابر والحدود التابعة لوزارة الداخلية والأمن الوطني، ويجري ذلك تحت رقابة الاتحاد الأوروبي، وكان يعد بمثابة شريان حياة لفلسطيني القطاع في ظل تشديد تل أبيب الحصار، إلى أن تغيرت الأوضاع كلياً بالنسبة إليه بعد سيطرة إسرائيل عليه وغلقه من الجانب الفلسطيني منذ مايو (آيار) 2024.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستنكر الدويري تصريحات القيادي في حركة "حماس" خليل الحية في شأن مصر، قائلاً إن "على الحركة مراجعة مواقفها وتصريحاتها كافة حتى لا تلقي الاتهامات جزافاً على مصر، التي تضع القضية الفلسطينية على رأس أولوياتها، ولم تزايد عليها أو بها يوماً واحداً"، على حد تعبيره.

من جانبه يقول عماد جاد، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، "تبذل القاهرة جهداً كبيراً للتخفيف من حدة الأزمة الإنسانية المتفاقمة في القطاع وعينها على ملف التهجير خشية حدوثه"، موضحاً في حديثه معنا أن أي "خطأ في الحسابات قد ينذر بتبعات غير خطرة على المستويات كافة".

وأوضح جاد "أعتقد أن مصر بذلت جهداً كبيراً منذ الأيام الأولى من العدوان الإسرائيلي على غزة، فالموقف المصري كان بقدر الإمكان يحاول أن يتعامل مع الأزمة بحيث إنه يوقف العدوان ويدخل المساعدات، إلا أن التطورات المتسارعة على صعيد الحرب في غزة أو على صعيد الإقليم عقدت كثيراً من الأمور"، وتابع جاد على صعيد المساعدات الإنسانية علينا أن ندرك أنه من أجل إدخال تلك المساعدات "لا بد لها أولاً أن تتجاوز معبر رفح المصري ثم تقطع مسافة فاصلة بسور للوصول إلى معبر رفح الفلسطيني، وهو الذي دمرته إسرائيل منذ السيطرة عليه العام الماضي، وعليه لجأت القاهرة للبديل الآخر، وهو إدخال المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم جنوب معبر رفح".

ويستحضر جاد خيارات القاهرة في التعاطي مع دخول المساعدات الإنسانية بغير تلك القائمة وتبعاتها، قائلاً: "دعنا نتخيل ماذا لو حاولت مصر أن تدخل مساعدات إنسانية إلى غزة بالقوة، في ظل وجود إسرائيل العسكري على الجانب الآخر من معبر رفح، كيف ستكون الأمور وإلى أين ستصل في حال حدوث اشتباك عسكري متبادل مباشر"، ثم يضيف "هذا سيناريو خطر في هذا التوقيت، ويدرك تبعاته كل من تل أبيب والقاهرة ويسعيان إلى تجنبه"، مما يعني أن أوراق مصر وحدها محدودة في تخفيف حدة الأزمة الإنسانية في غزة من دون تحرك دولي ضاغط وفاعل على إسرائيل.

ويضيف جاد "طوال عمر الأزمة لم ترفض مصر على الإطلاق دخول المساعدات، لكن النقطة المهمة في ذلك تتمثل في رغبة القاهرة في التأكد من ضمان وصول المساعدات، وأن فلسطينيي القطاع لا يخرجون من غزة إلى سيناء، وهو ما يعني حدوث التهجير، وهو الأمر الذي ترفضه مصر جملة وتفصيلاً".

واليوم الثلاثاء قال برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة الثلاثاء إن الكارثة الإنسانية في غزة تذكر بالمجاعة التي شهدتها إثيوبيا وبيافرا في نيجيريا في القرن الماضي، وأن ما يحدث في القطاع "لا يشبه أي شيء شهدناه في هذا القرن"، وذلك في وقت حذر فيه "التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي" IPC، الذي وضعته الأمم المتحدة، من أن "أسوأ سيناريو مجاعة يحصل الآن" في قطاع غزة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير