ملخص
في ضوء أحداث السابع من أكتوبر 2023، والإجماع الإسرائيلي الواسع المعارض فكرة إقامة دولة فلسطينية، يتزايد الإدراك الفلسطيني بضرورة اتخاذ خطوات أممية لضمان عدم قضم مزيد من الأراضي وتهجير الفلسطينيين من الضفة، على اعتبار أن تأييد قرار الضم من شأنه التمهيد لسحب البساط من تحت السلطة الفلسطينية، وإفشال إمكان قيام دولة فلسطينية مستقلة، والدفع بكيانات إسرائيلية بديلة في المناطق التي ستفرض السيادة الإسرائيلية عليها.
منذ أن تولى بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة الإسرائيلية الحالية الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل نهاية عام 2022، يسمع الفلسطينيون، باستمرار، تهديدات بالضم والسيادة وفرض السيطرة على الضفة وغيرها من المصطلحات الأمنية والعسكرية التي تنهال عليهم يومياً خصوصاً من وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير المال بتسلئيل سموتريتش، إلا أنهم، للمرة الأولى، يستشعرون بجدية تلك التهديدات وخطرها الحقيقي على حياتهم ومستقبلهم، خصوصاً بعدما أيد الكنيست الإسرائيلي بغالبية 71 نائباً من أصل 120، قبل أيام، اقتراحاً يدعم ضم الضفة الغربية وغور الأردن إلى إسرائيل. وعلى رغم أن الاقتراح لا يترتب عليه أي أثر قانوني أو تشريعي، وليس له أي قوة قانونية ملزمة، فإنه يعد خطوة خطرة تمهد فعلياً لضم الضفة وفرض السيادة الإسرائيلية عليها، وتحدياً واضحاً للموقف الدولي الرافض هذه المخططات، باعتبارها انتهاكاً للقانون الدولي، واستخفافاً تاماً بمؤتمر الأمم المتحدة لتطبيق حل الدولتين المزمع عقده الإثنين المقبل.
وفي ضوء أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، والإجماع الإسرائيلي الواسع المعارض فكرة إقامة دولة فلسطينية، يتزايد الإدراك الفلسطيني بضرورة اتخاذ خطوات أممية لضمان عدم قضم مزيد من الأراضي وتهجير الفلسطينيين من الضفة، على اعتبار أن تأييد قرار الضم من شأنه التمهيد لسحب البساط من تحت السلطة الفلسطينية، وإفشال إمكان قيام دولة فلسطينية مستقلة، والدفع بكيانات إسرائيلية بديلة في المناطق التي ستفرض السيادة الإسرائيلية عليها.
وقسم اتفاق "أوسلو 2" عام 1995 أراضي الضفة إلى "أ"، وتشكل 21 في المئة، وتخضع للسيطرة الفلسطينية بالكامل، و"ب"، وتشكل 18 في المئة وتخضع لسيطرة مدنية فلسطينية وأمنية إسرائيلية، والمنطقة "ج"، وتقع تحت سيطرة إسرائيلية.
مخطط واسع
وفقاً لمخطط الضم الذي أيده الكنيست أخيراً، ستُضم ثلاث مناطق رئيسة في الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية، تتمثل الأولى في منطقة الأغوار التي تشكل ربع مساحة الضفة الغربية، ويعيش فيها نحو 50 ألف فلسطيني (اثنان في المئة من سكان الضفة) بما فيها مدينة أريحا. وبحسب اتفاق أوسلو، تخضع مساحة 1155 كيلومتراً، التي تشكل الغالبية العظمى من منطقة الأغوار بنسبة 88.3 في المئة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، وفي معظمها، حالياً، ما يسمى "أراضي دولة"، إضافة إلى محميات طبيعية ومناطق تدريب وإطلاق نار ممنوع الدخول إليها، وتقدر مساحتها بأكثر من 400 مليون متر مربع، ويحظر على الفلسطينيين ممارسة أي نشاط زراعي أو عمراني في هذه المناطق التي أنشئ فيها 90 موقعاً عسكرياً منذ عام 1967. ومنذ ذلك الحين أقيمت على أراضي الأغوار 31 مستوطنة إسرائيلية غالبيتها زراعية، ويسكنها 8300 مستوطن، أقدمها مستوطنات "ميخولا" و"مسواه" و"يتاف"، التي أنشئت عام 1969، في وقت تتمثل المنطقة الثانية بالمناطق المعزولة والمعروفة بـ"مناطق التماس" الواقعة بين جدار الضم والتوسع وخط وقف إطلاق النار عام 1948، التي تشكل نحو 12 في المئة من مساحة الضفة الغربية.
ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" تقع 71 مستوطنة إسرائيلية ويقيم أكثر من 85 في المئة من المستوطنين في "منطقة التماس"، في وقت يعتمد نحو 11 ألف فلسطيني يعيشون وراء الجدار ويحملون بطاقات هوية الضفة الغربية، على التصاريح أو الترتيبات الخاصة لكي يسكنوا في منازلهم. إلى جانب ذلك يملك نحو 150 تجمعاً سكانياً فلسطينياً في بقية أنحاء الضفة أراضي زراعية في المناطق المعزولة، مما يجبرهم على تقديم طلبات للحصول على تصاريح خاصة أو إجراء "التنسيق المسبق" لكي يتمكنوا من الوصول إلى محاصيلهم وقطعانهم. وترصد المنطقة الثالثة في مخطط الضم تجمعات استيطانية تربط بين غرب الضفة وشرقها مثل المنطقة بين تجمع "أرئيل" ومنطقة الأغوار، إضافة إلى تجمع "معاليه أدوميم" الذي سيفصل رام الله وسلفيت عن باقي مناطق الضفة الغربية، ويمتد حتى البحر الميت، إلى جانب تجمع "غوش عتصيون" حتى البحر الميت، الذي سيفصل مدينتي الخليل وبيت لحم عن باقي مناطق الضفة.
تهجير السكان
في حال الضم الفعلي وفرض السيادة على سكان المنطقة "جيم" من الفلسطينيين، يستبعد حقوقيون ومتخصصون حصولهم على الجنسية الإسرائيلية أو إقامة دائمة تشبه وضع فلسطينيي القدس الشرقية، وسط ترجيحات قوية لاعتبارهم مواطنين فلسطينيين يقيمون في أرض تابعة لإسرائيل مع احتفاظهم بهوياتهم الفلسطينية والخدمات المقدمة لهم من السلطة الفلسطينية، لكن مع تقييد البناء. وتعمل إسرائيل على تقويض الظروف المعيشية للفلسطينيين داخل مناطق "جيم" والبالغ عددهم نحو 354 ألفاً، وفق تقديرات فلسطينية عام 2023، مما يمثل 10 في المئة من الفلسطينيين في الضفة الغربية كلها، عبر منعهم من استغلال الأرض ومواردها، وحرمانهم من تراخيص البناء وعدم تمكينهم من إصلاح وترميم مساكنهم، وقد شهدت تلك المناطق في الفترة الممتدة ما بين 2010 و2025 سياسة مكثفة لهدم المنشآت وتهجير السكان. ووفقاً لتقرير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، للفترة بين الأول من يناير (كانون الثاني) 2010 والأول من يناير الماضي، فإن السلطات الإسرائيلية هدمت نحو 8765 منشأة فلسطينية في مناطق "جيم"، معظمها بذريعة البناء من دون ترخيص، منها 3107 منشآت زراعية و2025 مسكناً مأهولاً ونحو 700 مسكن غير مأهول. وتسببت عمليات الهدم في مناطق "جيم" في تهجير قرابة 10 آلاف فلسطيني، وتضرر نحو 548192 آخرين، وفق الأمم المتحدة. ويرى المحلل السياسي عصمت منصور أن التضييق على سكان المناطق المستهدفة بفرض السيادة عبر حرمانهم من الخدمات والكهرباء والمياه والبناء والتضييق عليهم في الحركة والتنقل، قد يمهد لإفراغها بالكامل من سكانها الفلسطينيين ودفعهم نحو الهجرة الداخلية نحو مناطق السلطة الفلسطينية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حكم ذاتي
وبحسب المحلل السياسي، المتخصص في شؤون الاستيطان سهيل خليلية، فإن الحكومة اليمينية المتطرفة برئاسة نتنياهو سرعت من عملية الضم من خلال زيادة عدد الوحدات الاستيطانية في المستوطنات، والموافقة على مشاريع استيطانية جديدة، وتخصيص موازنة تصل إلى 7 مليارات شيكل (مليارا دولار) لتطوير شبكة الطرق الالتفافية الاستيطانية، وتقسيمها وفصل الفلسطينيين عن الإسرائيليين في استخدام هذه الطرق.
أضاف خليلية "شبكة الطرق التي سيتم إنشاؤها ستفصل الفلسطينيين عن الإسرائيليين، وسيكون بينهما تقاطع على شكل جسور وأنفاق، وهوما يتيح للجيش فصل المناطق في حال الطوارئ بما يكرس لاحتلال الأرض، وإعادة تشكيل الجغرافية السياسية والديموغرافية للضفة الغربية".
ووفق إحصاء رسمي للسكان أصدرته الحكومة الإسرائيلية نهاية 2023، فإن عدد المستوطنين قفز إلى 517407، ما يتماشى مع خطة تغيير الواقع الديموغرافي في الضفة في ما بات يعرف بخطة المليون مستوطن، التي يجرى العمل على تطبيقها من خلال تجهيز البنية التحتية التي تخدم المستوطنين. وتشير استطلاعات الرأي في إسرائيل إلى تزايد الدعم الشعبي للاستيطان في الضفة بعد السابع من أكتوبر 2023 لمنع قيام دولة فلسطينية. وتؤكد الأمم المتحدة أن الاستيطان في الأراضي المحتلة "غير قانوني"، وتحذر من أنه يقوض إمكان معالجة الصراع وفقاً لمبدأ حل الدولتين، وتدعو إسرائيل، منذ عقود، إلى وقفه من دون جدوى.
وتبعاً للمدير العام للتوثيق والنشر في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أمير أبو داوود، فقد عززت الحكومة الإسرائيلية الحالية بناء مناطق صناعية في الضفة الغربية كعامل جذب للمستوطنين، وسارعت في زيادة مصادرة الأراضي من خلال ما يسمى "أراضي دولة"، وأصدرت بعد الحرب على قطاع غزة 2023، قرارات مصادرة نحو 53 مليون متر مربع من أراضي الضفة تحت مختلف التسميات، بحيث أصبح 42 في المئة من إجمال مساحة الضفة الغربية يخضع للإجراءات العسكرية الإسرائيلية، وأن ما نسبته 70 في المئة من المنطقة "جيم" تمت السيطرة عليها تحت تسميات مختلفة، إلى أن جاء قرار "التسوية"، أخيراً، ليكون الأخطر من بين كل إجراءات السيطرة.
تسجيل الأراضي
وصدق المجلس الوزاري المصغر الإسرائيلي "الكابينت"، مطلع العام الحالي، على قرار غير مسبوق لاستئناف تسجيل ملكية الأراضي "الطابو" في المنطقة "جيم" من الضفة الغربية. ووفقاً لوزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس، فإن القرار "يعيد الاعتبار للاستيطان اليهودي في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)"، ويفشل ما وصفها بـ"محاولات السلطة الفلسطينية للسيطرة على المنطقة (جيم)"، ويتيح هذا الإجراء النهائي الذي يصعب الطعن فيه، تسهيل عمليات شراء المستوطنين العقارات والأراضي في الضفة من دون قيود أو رقابة، مما يجعلهم، فعلياً، مالكي أراض سواء من الناحية الرمزية أو العملية.
في المقابل، أوعز "الكابينت" إلى منظومة الأمن الإسرائيلية بمنع السلطة الفلسطينية "بالوسائل كافة" من استكمال أي جهود موازية لتسجيل الأراضي، بما يشمل منع دخول المساحين الفلسطينيين إلى مناطق الترسيم، ووقف الدعم الأجنبي الموجه لهذه العملية، إضافة إلى تحويل معلومات استخباراتية من الجيش و"الشاباك" و"الموساد" إلى وزارة المالية، بهدف دراسة اقتطاع تلك المبالغ من أموال المقاصة (الضرائب) الفلسطينية. ووفقاً لتقرير منظمة "السلام الآن" تمكنت إسرائيل منذ عام 1967، من الاستيلاء على نحو 900 مليون متر مربع لمصلحة ما يسمى "أراضي دولة" في الضفة الغربية، نحو 800 مليون متر مربع منها تقع في المنطقة "جيم"، كما تعتبر السلطات الإسرائيلية 450 مليون متر مربع أخرى "أراضي مسح"، التي تدعي، أيضاً، أنها ممتلكات لـ"دولة إسرائيل". وتقول المنظمة إنه وفقاً للتفسير الإسرائيلي، يفترض أن كل أراضي الضفة "أراضي دولة" ما لم يثبت مالكوها خلاف ذلك، مما يحرم الفلسطينيين من إثبات ملكيتهم الأرض بسبب صعوبة الوصول إلى الوثائق.