ملخص
قال محافظ دمشق ماهر مروان إدلبي في تصريح صحافي على هامش الحدث، إن الهوية الجديدة لوزارة الداخلية لا تعبر عن شكل بل مضمون ورؤية جديدة للمستقبل.
بدا موكب السيارات الفاخرة الذي جاب شوارع دمشق أثناء إطلاق الهوية البصرية الجديدة لوزارة الداخلية السورية بمثابة مناسبة تدعو للاحتفاء بها، لكنه في ذات الوقت يشي إلى مساع نحو ترتيب البيت الأمني الداخلي بعد تسريح كل العناصر والضباط مع سقوط نظام بشار الأسد والاستعاضة عنهم بفرق جديدة.
وعلى رغم من هذه المشاهد يطرح مراقبون أسئلة حول الرابط بين إطلاق وزارة الداخلية السورية هويتها وموكب السيارات الحديثة بالتوازي مع استعراض في تركيا لأسطول من مركبات جديدة لقوى الأمن والشرطة، ومدى وجود رابط في توقيت المشهدين وما يحمله من رسائل خفية تتعلق بالتبعية أم إنه من باب المصادفة؟!
مشاعر متناقضة
مشهد دمشق هذا حمل آراء متناقضة، ونظر إليه سوريون على كونه إنفاقاً على "ديكور" بصري لا ينفع الشعب المنهك والمتعب من الحصار والفقر، مقابل رؤى وجدت في هذه المركبات مظهراً حضارياً بدلاً من السيارات القديمة والمهترئة في زمن الأسد لا سيما (البيجو الستيشن) التي كانت تستحوذ عليها أجهزة الأمن والاستخبارات وارتبطت بذاكرة السوريين لعقود، إذ كانت أداة للقمع والقبضة الحديدية.
بدوره، قال محافظ دمشق ماهر مروان إدلبي في تصريح صحافي على هامش الحدث، إن الهوية الجديدة لوزارة الداخلية لا تعبر عن شكل بل مضمون ورؤية جديدة للمستقبل. في حين عدّد المتحدث باسم وزارة الداخلية فوائد تلك الهوية التي منها معرفة تبعية المركبة لأية جهة ذات الاختصاص.
هيكلة ورتب
في غضون ذلك يدور الحديث عن هيكلة جديدة تعمل عليها الحكومة السورية منذ تسلم وزير الداخلية أنس الخطاب حقيبته في مارس (آذار) الماضي منها إصدار سلسلة تعيينات وقرارات تندرج ضمن خطة إعادة هيكلة الوزارة وفق برنامج منها ستة معاونين من رتب مختلفة للإشراف على معظم القطاعات مثل الشرطة والهجرة والجوازات والسجل المدني وأتبعها بقرار تعيين 12 مديراً لمديريات الأمن الداخلي في المحافظات باستثناء الحسكة والرقة اللتين لا تزالان خارج السيطرة الحكومية.
في الأثناء يجري تداول معلومات تفيد بمنح رتب عسكرية لعدد من الشيوخ من العاملين بالوزارة حالياً استناداً للعمر ومكان الخدمة. وقالت وسائل إعلام محلية، إن عدد هؤلاء الشيوخ يصل إلى 70 شخصاً، فيما نبه موقع "هاشتاغ" المحلي إلى أن بعضهم لا يمتلك حتى شهادة إعدادية، عوضاً على منح رتبة (عقيد) لرؤساء فروع وإدارات عليا.
ومن بين الشيوخ المؤهلين للحصول على الرتبة من يحمل إجازة في الشريعة، وهذا ما يتعارض مع اختصاص وزارة الداخلية التي يتفرع عنها عمل أجهزة مثل الأمن الداخلي والشرطة والبحث الجنائي، ويحتاج إلى دورات وأعوام طويلة من الخبرة والمعرفة، وفق مراقبون أمنيون، في ظل اتساع نفوذ (المشايخ) وتوليهم مناصب رفيعة المستوى.
يأتي ذلك وسط استغناء وزارة الداخلية السورية عن الآلاف من أصحاب الاختصاص في العمل الجنائي والأمني الذين عملوا في ظل النظام المخلوع، وحلت السلطات الجديدة كل أجهزة الأمن والجيش والأحزاب السياسية، بينما لا تزال وزارتا الدفاع والداخلية تعيشان حال تعاف بعد فقدان هذا العدد الضخم إثر سقوط النظام في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) عام 2024 وتفشي الفوضى والفلتان الأمني مما استدعى الإسراع في إيجاد حلول عاجلة من أجل بسط الأمن والأمان في البلاد بالاعتماد على شخصيات من "المقاتلين والمجاهدين" في الثورة السورية.
رتب فخرية
إزاء هذه التقارير المتداولة، يجزم الباحث في الشؤون العسكرية والأمنية، العقيد محسن حمدان أن "كل ما يدور عن منح رتب عسكريه غير صحيح، وليس لها أي مستند إذا لم يصدر بمرسوم جمهوري وباسم رئيس الجمهورية القائد العام للجيش والقوات المسلحة"، لافتاً الانتباه إلى أنه يمكن منح رتبة عسكرية فخرية بمرسوم في حال كانت الشخصية قامت بعمل بطولي مميز يستحق التكريم لكن تبقى "رتبة فخرية".
وأكد حمدان في حديث لـ"اندبندنت عربية" أنه "من خلال التواصل والاستفسار عن الرتب التي يتداول منحها لمشايخ، تبين أنها معلومات غير صحيحة، ولا يوجد أي مستند لها، وبحسب المعلومات المتوفرة، هناك دراسة والأمر في نهاية العام واتخاذ الإجراء المناسب بحسب رتبة الانشقاق وأعوام الخدمة".
ويشرح الباحث في الشؤون العسكرية والأمنية كيفية منح الرتبة العسكرية وفق نظام التطوع في الكليات بحيث يخضع الضابط لدورة حسب الكلية مدتها ثلاثة أعوام يتخرج إثرها برتبة (ملازم) تحت الاختبار بعد اجتيازه كل الفحوصات خلال فترة الدراسة بنجاح، ويبقى تحت الاختبار لمدة عامين حتى يرفع ويجري تثبيته بالرتبة، أما الخاضع لأعوام دراسة وتدريب أكاديمية يخضع لدورة مدتها خمسة أعوام ويمنح بعد الانتهاء رتبة (ملازم أول) بعد النجاح في كافة الاختبارات والدراسة خلال أعوام التدريب.
وقال، "وبين كل رتبة والتي تليها مدة أربعة أعوام يخضع الضابط إلى تقييم فيها (جيد وما فوق) حسب سلم تقدير معتمد، ونظام الترفيعات في المؤسسة العسكرية وكافة الترفيعات تصدر بمرسوم خاص موقع من القائد العام، وهو ذاته رئيس الجمهورية".
ويرى العقيد حمدان أنه في وقت تشير التصريحات إلى نية إعادة كافة الضباط المنشقين، لكن ذلك العدد يبقى قليلاً بالنسبة لوزارتي الدفاع أو الداخلية، فهم بحاجة إلى ضعف العدد عدة مرات، مرجحاً أنه من الممكن اللجوء إلى إحداث دورات مختصرة، وتخريج دفعات لتدارك النقص، أو منح رتب لبعض المشايخ ولكنه يبقى في النهاية "إجراء خطأً".
الكفاءات و"المجاهدون"
في الوقت نفسه، رأى مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن، أن "الإدارة الأمنية في سوريا تدار من قبل مشايخ معظمهم حصلوا على شهادات ابتدائية أو إعدادية من دون امتلاكهم الخبرات الكافية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال، "ينظر مراقبون إلى أن الهيكلة الجديدة تحمل نقاطاً إيجابية بعد دمج الأجهزة الأمنية بجهاز واحد هو الأمن العام، وكانت الأجهزة سابقاً متعددة الاختصاصات والإدارة منها (الأمن الوطني، الأمن العسكري، أمن الدولة، الأمن السياسي) وكل من هذه الإدارات لديها فروع في كافة المحافظات كانت غير متوافقة سابقاً في عملها ويغلب عليها البيروقراطية، فضلاً عن إدارات عليا تتبع مباشرة للرئاسة".
ومنحت السلطات الجديدة قادة فصائل انضموا حديثاً إلى وزارة الدفاع رتباً عسكرية رفيعة في إطار تشكيل الجيش السوري الجديد في وقت سابق من ديسمبر عام 2024، بعد أن حل الرئيس السوري أحمد الشرع جيش الأسد، "ومن هؤلاء جهاديون أجانب برتب (لواء وعميد وعقيد)".
وكان ضباط انشقوا عن القوات النظامية وقت اندلاع الثورة السورية في عهد الأسد طالبوا بضرورة النظر إلى جدول الترفيعات والتعيينات لأن أغلب الأسماء التي وردت من المدنيين، في وقت لا تراعي هذه التعيينات والقرارات في المؤسسة العسكرية الكفاءات الوطنية خصوصاً الخبيرة، وتذهب باتجاه ترجيح كفة الولاءات.