Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دخل للجميع... الذكاء الاصطناعي يجعل الفكرة أقرب إلى الواقع

شهدت أرقام البطالة المعلنة هذا الأسبوع في بريطانيا ارتفاعاً ملحوظاً، وبينما يحمل كثر تغييرات التأمين الوطني المسؤولية، تواجه الحكومة مشكلة أكثر إلحاحاً

إيلون ماسك يقول إن الروبوتات ستجعل الوظائف التقليدية شيئاً من الماضي (أ ف ب/ غيتي)

ملخص

الذكاء الاصطناعي يتقدّم بسرعة ليحل محل الوظائف، بدءاً من خدمات العملاء والمهن المبتدئة وحتى المهام المهنية الروتينية، مما يهدد فئات واسعة من القوة العاملة ويضع الاقتصاد والمجتمع أمام تحديات غير مسبوقة. تجاهل هذه التحولات أو الاكتفاء بالشعارات المتفائلة لم يعد مقبولاً، فهناك حاجة ملحّة لخطط تستوعب الكلفة الاجتماعية وتتصدى لأزمة البطالة القادمة.

التواصل مع إنسان بات أمراً بالغ الصعوبة. في الآونة الأخيرة، وفي مرتين متتاليتين أردت واحتجت فعلاً إلى التحدث مع خدمات العملاء، لكن العثور على رقم الهاتف كان مهمة شاقة. كان عليَّ تجاوز صفحات "الأسئلة الشائعة" و"المساعدة" الإلكترونية، وحتى إن نجحت في الوصول إلى خدمة العملاء، لا تجد سوى رسالة آلية تلح عليك بالعودة إلى الإنترنت.

وفي السياق ذاته، افتتح أخيراً مطعم تايلاندي جديد في الحي، والجديد فيه ليس الطعام، بل النادل الروبوت. نبتهج ببراعته، وننسى في المقابل كم كان طاقم العاملين في المكان القديم ودوداً ودافئاً، قبل أن تستولي عليه جهة جديدة مهووسة بالتكنولوجيا - وبتقليص النفقات أيضاً.

من المفترض أن نسمي هذا "تقدماً". قد يكون كذلك، لكنه يعني أيضاً فقدان وظائف. العمل آخذ في الاختفاء تدريجاً، ولكن بثبات. خلال حفل تعارف نظمته شبكة الأعمال "إي تو إي" E2E حديثاً، سئل عدد من رواد الأعمال الناجحين عن تأثير الذكاء الاصطناعي على التوظيف، فأجاب أحد رؤساء شركات التكنولوجيا بأن التأثير سيكون "إيجاباً في المجمل". بدا ذلك مطمئناً، وترافق مع إيماءات موافقة من الحضور، لكن ما قصده على الأرجح هو أن بعض الموظفين سيستغنى عنهم، وسيحل آخرون محلهم، والنتيجة النهائية ستكون مفيدة لربحية الشركات.

لم يكن الجميع بهذه الحماسة. أولئك القلقون على مستقبل أبنائهم لم يشاركوا على الأرجح في التصفيق. فالناس الذين يديرون الأعمال التجارية هم بشر أيضاً – وهذا ما ذكرنا به ستيف بيرن، الرئيس التنفيذي لشركة "ترافل كاونسلورز"، أكبر منصة رقمية في المملكة المتحدة لوكلاء السفر وأسرعها نمواً. ففي كلمة لافتة ألقاها في المناسبة نفسها، تحدث بيرن، الذي أدرجت شركته ضمن قائمة بورصة لندن لأكثر 100 شركة "ملهمة"، وفازت مرتين بجائزة أمازون لأفضل مشروع نام، بشغف عن ضرورة معاملة الناس - من موظفين وزبائن وغيرهم - بكرامة، وبناء علاقات إنسانية حقيقية.

كان محقاً تماماً، لكن تنفيذ ذلك ليس سهلاً في وقت يلتهم فيه الذكاء الاصطناعي الوظائف كما لو كان شخصية "باك-مان" الشهيرة، التي لا تكف عن التهام كل ما يعترض طريقها في المتاهة. وقد تحدث بيرن في اليوم نفسه الذي أعلنت فيه الأرقام الرسمية في المملكة المتحدة ارتفاع معدل البطالة إلى 4.7 في المئة، وهو الأعلى منذ يونيو (حزيران) 2021. ورافق ذلك إعلان من مكتب الإحصاءات الوطنية بأن نمو الأجور قد تباطأ أيضاً.

وقبل ذلك بأسبوعين كشف عن أن عدد الوظائف المخصصة للمبتدئين التي تعلن عنها الشركات قد تراجع بمقدار الثلث (32 في المئة) منذ إطلاق روبوت المحادثة التابع لـ"أوبن أي آي" في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، وهو تراجع يفوق الانخفاض العام في عدد الوظائف الشاغرة، الذي انخفض من 1,091,909 إلى 858,465 وظيفة خلال الفترة نفسها - أي بنسبة 21 في المئة

هذا الأسبوع، سارع خبراء الاقتصاد إلى عزو ارتفاع معدل البطالة إلى زيادة مساهمات التأمين الوطني [مبالغ تقتطع من رواتب الموظفين، ويدفع أصحاب العمل جزءاً منها أيضاً، وتذهب لتمويل الخدمات العامة مثل التقاعد، والرعاية الصحية، ودعم البطالة] التي يدفعها أصحاب العمل، إضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم. وكان محافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي قد صرح بأن هذه الزيادة تؤثر في عدد الموظفين والأجور بصورة تفوق التوقعات. ويظهر تحليل أكثر تفصيلاً أن القطاعات التي شهدت أكبر حالات تسريح كانت الحانات والمقاهي والمتاجر الكبرى، منذ أن أعلنت وزيرة الخزانة عن قرارها المفاجئ في الخريف الماضي.

فهل يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي ليس هو السبب إذاً؟ الأمر ليس بهذه البساطة. فقطاعا الضيافة والتجزئة من أبرز المجالات التي توفر وظائف مرنة وفرصاً أولية للشباب. وإذا لم يتمكن أحدهم من بدء مسيرته المهنية مباشرة، يكون العمل في حانة أو مطعم أو متجر خياراً بديلاً، لكن الوظائف التي تمثل أدنى درجات السلم المهني – مثل خدمات العملاء، والإدارة، والبحث، والدعم اللوجيستي – هي تحديداً المجالات التي بدأ الذكاء الاصطناعي، على رغم كونه لا يزال في مراحله المبكرة، في تقليصها.

الوضع قاتم، والذكاء الاصطناعي بات مصدر قلق رئيساً. فعدد أقل من الوظائف يعني إيرادات ضريبية أقل، ما يؤدي إلى تراجع دخل الدولة وضعف القدرة الشرائية لتحفيز اقتصاد يعاني الركود. ومع الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي - بخاصة في القطاعات الإدارية والمكتبية كما كان متوقعاً - من المرجح أن نشهد ارتفاعاً في البطالة، لا سيما بين الخريجين الجدد وأولئك الذين يشغلون وظائف مهنية تقتصر على مهام روتينية. وهذا بدوره قد يعني انخفاض عدد القادرين على دفع الإيجارات أو أقساط الرهن العقاري، مما سينعكس سلباً على سوقي الإيجار والعقارات.

هذا ليس سيناريو مستقبلياً قد يحدث خلال خمس إلى 10 سنوات، فالتقدم السريع للذكاء الاصطناعي في إحلال الوظائف المبتدئة يسير في اتجاه واحد، ولن يمر وقت طويل قبل أن تمتد تأثيراته إلى الوظائف الأعلى على السلم المهني أيضاً.

قائمة الشركات المتأثرة بهذا الوضع تزداد طولاً. شركة "بي تي" BT ألقت باللوم على الذكاء الاصطناعي في جولة جديدة من خفض الوظائف، بعدما كانت قد أعلنت بالفعل عن خطط لتسريح 55 ألف موظف قبل عامين. بعض تلك التخفيضات كان بسبب الأتمتة، لكن هناك مزيداً في الطريق. أما شركات مثل "أمازون"، و"أوكادو"، و"مايكروسوفت" فقد أطلقت تصريحات مماثلة. وهذه شركات عملاقة في مجال التكنولوجيا، وتعلم تماماً ما هو قادم. تجاهل تحذيراتها سيكون على مسؤوليتنا. حتى "تشات جي بي تي" يوافق على ذلك، قائلاً: "نعم، الذكاء الاصطناعي يسهم في فقدان الوظائف في المملكة المتحدة، لكن تأثيره متباين ويختلف حسب القطاع، ومستوى المهارات، وطبيعة الوظيفة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما سيكون من الخطأ تجاهل التحذير الصادر عن مجموعة بوسطن الاستشارية، التي أظهرت أبحاثها أن نصف الشركات في المملكة المتحدة تخطط لتحويل استثماراتها من الموظفين إلى الذكاء الاصطناعي. أو تحذير صندوق النقد الدولي، الذي قدر أن 60 في المئة من الوظائف في الاقتصادات المتقدمة – مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة – معرضة لتأثير الذكاء الاصطناعي، وأن نصفها قد يتأثر سلباً (وهي طريقة مهذبة للقول: ستنخفض بشدة أو تلغى تماماً). ولا حاجة هنا إلى آلة حاسبة متطورة: هذا يعادل 30 في المئة من القوة العاملة.

في طريق العودة من أمسية "أي تو أي" داخل سيارة "أوبر" من طراز "تيسلا"، وبينما كنت أتأمل شاشة القيادة المليئة بالتطبيقات، تذكرت توقع إيلون ماسك في شأن التهديد الذي يشكله الذكاء الاصطناعي، والمتمثل في تأثيره المحتمل على الوظائف. ففي مؤتمر "فيفاتيك" VivaTech في باريس في مايو (أيار) 2024، توقع ماسك أن الذكاء الاصطناعي والروبوتات سيؤديان في النهاية كل الأدوار المتعلقة بإنتاج السلع وتقديم الخدمات، مما سيجعل الوظائف التقليدية غير ذات جدوى. وقال إن العمل سيصبح أقرب إلى هواية منه إلى ضرورة، وتنبأ بأن الحكومات ستجبر على تقديم نظام للدخل الأساسي الشامل. أما كيفية تمويل هذا النظام في عالم تتقلص فيه الإيرادات الضريبية، فهي مسألة لا تزال غامضة.

في هذه الأثناء تواصل الحكومة المضي قدماً وكأنها غير معنية بما يحدث وتعقد قمماً عن الذكاء الاصطناعي وتدفع ببريطانيا قدماً في سباق التسلح العالمي الكبير في هذا المجال. وهذا في حد ذاته مبرر - فشركاتنا تحتاج إلى المنافسة، ونحن نسعى إلى جذب الاستثمار الأجنبي - لكن علينا أيضاً أن نبدأ، وبصورة عاجلة، في التعامل مع الكلفة الاجتماعية لهذه التحولات، وأن نضع خططاً لمواجهتها. فعبارة "أثر إيجابي في المجمل" لم تعد كافية.

© The Independent

اقرأ المزيد