ملخص
أمرت محكمة فرنسية بالإفراج عن الناشط اللبناني جورج إبراهيم عبدالله في الـ25 من يوليو، بعد 37 عاماً من السجن في قضية اغتيال دبلوماسيين أميركي وإسرائيلي عام 1982. على رغم أهليته للإفراج منذ 1999، رفضت طلباته مراراً. يعد عبدالله من أقدم السجناء في فرنسا، ويحظى بدعم واسع من اليسار الفرنسي ومناصرين للقضية الفلسطينية.
أمر القضاء الفرنسي اليوم الخميس بالإفراج عن الناشط اللبناني المؤيد للفلسطينيين جورج إبراهيم عبدالله، الذي حكم عليه عام 1987 في قضية اغتيال دبلوماسي إسرائيلي وآخر أميركي، ويعتبر من أقدم السجناء في فرنسا، وفق ما أفاد به مصدر قضائي.
وسيفرج عن عبدالله المسجون في الـ25 من يوليو (تموز) الجاري، وأصدرت محكمة الاستئناف قرارها في جلسة غير علنية في قصر العدل في باريس في غياب جورج إبراهيم عبدالله البالغ 74 سنة، والمسجون في لانميزان في مقاطعة أوت-بيرينه بجنوب فرنسا.
حكم على جورج إبراهيم عبدالله عام 1987 بالسجن مدى الحياة بتهمة الضلوع في اغتيال دبلوماسي أميركي وآخر إسرائيلي عام 1982، وبات عبدالله مؤهلاً للإفراج المشروط منذ 25 عاماً، لكن 12 طلباً لإطلاق سراحه رفضت كلها.
ولم يقر جورج إبراهيم عبدالله بضلوعه في عمليتي الاغتيال اللتين صنفهما في خانة أعمال "المقاومة" ضد "القمع الإسرائيلي والأميركي"، في سياق الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) والغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1978.
وكان يتزعم مجموعة صغيرة تضم مسيحيين لبنانيين علمانيين وماركسيين وناشطين مؤيدين للفلسطينيين، كانت تسمى "الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية"، لكنها انحلت ولم ترتكب أي أعمال عنف منذ ثمانينيات القرن الـ20.
في لبنان، أعرب شقيقه روبير عبدالله عن سعادته بالقرار، مؤكداً أنه لم يتوقع أن "يأتي يوم ويصبح فيه حراً".
وقال لوكالة الصحافة الفرنسية، "سعيدون جداً بهذا القرار، لم أتوقع أن يصدر القضاء الفرنسي قراراً مماثلاً وأن يأتي يوم يصبح فيه حراً، بعدما جرت عرقلة إطلاق سراحه أكثر من مرة"، وأضاف "لمرة واحدة حررت السلطات الفرنسية نفسها من الضغوط الأميركية والإسرائيلية".
خلفية جورج عبدالله
يعد جورج إبراهيم عبدالله ناشطاً لبنانياً ناضل من أجل القضية الفلسطينية، وقال في معرض دفاعه عن نفسه أمام القضاة، "الطريق الذي سلكته أملته علي انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة ضد فلسطين"، مردداً "أنا مقاتل ولست مجرماً".
ولد عبدالله لعائلة مسيحية في الثاني من أبريل (نيسان) 1951 في قرية القبيات في عكار بشمال لبنان، وانتسب منذ الـ15 إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، ثم عمل في مجال التعليم.
أصيب أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1978، وانضم إلى "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، الحركة اليسارية التي كان يتزعمها جورج حبش.
بعدها، أسس مع أفراد من عائلته "الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية"، وهي تنظيم ماركسي مناهض للإمبريالية تبنى خمس هجمات في أوروبا بين عامي 1981 و1982، في إطار نشاطه المؤيد للقضية الفلسطينية، وأوقعت أربع من هذه الهجمات قتلى في فرنسا.
كانت لديه اتصالات مع حركات وشخصيات صنفت "إرهابية"، مثل "العمل المباشر" في فرنسا و"الألوية الحمراء" في إيطاليا، ومع كارلوس الفنزويلي، وفصيل "الجيش الأحمر" في ألمانيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
توقيفه ومحاكمته
ظروف اعتقال جورج عبدالله كانت استثنائية، إذ دخل في الـ24 من أكتوبر (تشرين الأول) 1984 إلى مركز للشرطة في ليون، طالباً الحماية من عناصر الموساد الذين يطاردونه.
الرجل الذي كان حينها يحمل جواز سفر جزائرياً، استخدم من جوازات سفر من مالطا والمغرب واليمن لدخول يوغوسلافيا وإيطاليا وإسبانيا وسويسرا وقبرص.
لكن مديرية مراقبة الأراضي الفرنسية سرعان ما أدركت أن الرجل الذي يجيد اللغة الفرنسية ليس سائحاً، وإنما هو عبدالقادر السعدي، وهو اسمه الحركي.
وعثر في إحدى شققه في باريس على أسلحة، بينها بنادق رشاشة وأجهزة إرسال واستقبال.
حكم عليه عام 1986 في ليون بالسجن أربع سنوات بتهمة التآمر الإجرامي وحيازة أسلحة ومتفجرات، وحوكم في العام التالي أمام محكمة الجنايات الخاصة في باريس بتهمة التواطؤ في اغتيال الدبلوماسيين الأميركي تشارلز راي والإسرائيلي ياكوف بارسيمينتوف عام 1982، ومحاولة اغتيال ثالثة عام 1984.
نفى عبدالله التهم وأكد "لست سوى مقاتل عربي"، لكن القضاء حكم عليه بالسجن مدى الحياة، بعدما طلب النائب العام سجنه 10 سنوات.
دعم يساري
في مذكراته، قال جورج كيجمان، محامي الأطراف المدنية، إنه تصرف "مثل الإرهابي الذي ينفي أنه يمثله، أهان الجميع، ووصفنا بأننا خنازير وإمبرياليون قذرون، وكان لا بد من طرده من قاعة المحكمة".
ولكن محاميه جاك فيرجيس رأى في الحكم "إعلان حرب"، وجرى على الفور تشكيل لجنة دعم للمطالبة "بالإفراج الفوري عنه".
منذ عام 1999، وهو العام الذي صار فيه مؤهلاً للإفراج عنه، رفضت كل طلباته للإفراج المشروط باستثناء طلب واحد في عام 2013، ولكن شرط ترحيله، وهو ما لم ينفذه وزير الداخلية آنذاك مانويل فالس.
ولم يعرب أحد أقدم السجناء في فرنسا، حيث يعتقل في لانيميزان في جنوب غربي البلاد، عن أي ندم.
وفي عام 2022، قال محاميه جان لوي شالانسيه لوكالة الصحافة الفرنسية، "إنه في حالة جيدة من الناحية الفكرية. إنه مناضل متمسك بمواقفه، يقرأ كثيراً ويبقى على اطلاع على ما يحدث في الشرق الأوسط".
على مر السنين، حشدت محنته الناشطين المقربين من الحزب الشيوعي الفرنسي واليسار الراديكالي الذين تحركوا تضامناً معه بصفته "سجيناً سياسياً"، واتهموا الحكومات المتعاقبة بالقسوة المفرطة في حقه، ومنحته البلديات التي قادها شيوعيون صفة مواطن فخري، ونظمت تظاهرات أمام سجنه على نحو متكرر.
وكتبت آني إرنو، الحائزة جائزة نوبل للآداب عام 2022، في صحيفة "لومانيتيه" اليومية في أكتوبر، أن "جورج إبراهيم عبدالله ضحية قضاء الدولة الذي يلحق العار بفرنسا".
في 2021، قال كيجمان، "شخصياً أعتقد أنه من الممكن إطلاق سراح جورج عبدالله، صرت أكن له نوعاً من الاحترام، فالشخص الذي كان صاخباً في محكمة الجنايات صار مفكراً متزناً. وإن كان لا يفعل شيئاً لتسهيل إطلاق سراحه كونه حبيس قناعة جديرة بالاحترام، لكنها عقائدية متزمتة".