Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هكذا وسعت إيران نفوذها بالمنطقة بعد حرب الخليج الأولى

خلال تسعينيات القرن الماضي سعت طهران بدعم من الرئيس السوري حافظ الأسد إلى تحسين علاقتها ببغداد بهدف بناء "محور نفوذ" سياسي وأمني واقتصادي

فشل المشروع الإيراني عام 1995 نتيجة الحصار الدولي وغياب الثقة بين بغداد وطهران إلا أن إيران لم تتراجع عنه (اندبندنت عربية)

ملخص

تعود وثائق هذا الملف السري إلى منتصف التسعينيات، وتكشف عن مشروع إقليمي خطر كان يمهد لنفوذ إيراني يمتد من طهران إلى بيروت مروراً ببغداد ودمشق، عنوانه مقاومة إسرائيل ومواجهة الهيمنة الأميركية، إذ سعت إيران بدعم الرئيس السوري حافظ الأسد إلى تطبيع العلاقات مع الرئيس العراقي صدام حسين وتنسيق الجهود لكسر العزلة وبناء "محور نفوذ" سياسي وأمني واقتصادي في المنطقة

من بين الأحداث الكبرى التي حملت تأثيرات وتداعيات كبيرة على المنطقة خلال القرن الماضي كانت الحرب العراقية - الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، التي استمرت ثمانية أعوام وتعرف اصطلاحاً بـ"حرب الخليج الأولى"، لكن وكحال السياسة في العالم لم تبقَ العداوة بين بغداد وطهران على حالها، إذ سرعان ما شهدت محاولات ومساعي لجسر الهوة بين البلدين، إلا أن هذه المحاولات كانت "ضمن مشروع إيراني واسع يعزز نفوذها نحو بيروت مروراً ببغداد ودمشق"، وذلك بحسب ما كشفته وثائق بريطانية مفرج عنها حديثاً.

وتتناول الوثائق التي رفع عنها السرية في الـ20 من يونيو (حزيران) الماضي، وكانت محفوظة في الأرشيف الوطني البريطاني تحت الرقم المرجعي FCO 8/10516 العلاقات بين العراق وإيران خلال عام 1995، إذ تسلط الضوء على مواقف الطرفين والتطورات الدبلوماسية والمساعي المبذولة في تلك المرحلة الحساسة من تاريخ البلدين.

تعود وثائق هذا الملف السري إلى منتصف التسعينيات، وتكشف عن مشروع إقليمي خطر كان يمهد لنفوذ إيراني يمتد من طهران إلى بيروت مروراً ببغداد ودمشق، عنوانه مقاومة إسرائيل ومواجهة الهيمنة الأميركية، إذ سعت إيران بدعم الرئيس السوري حافظ الأسد إلى تطبيع العلاقات مع الرئيس العراقي صدام حسين وتنسيق الجهود لكسر العزلة وبناء "محور نفوذ" سياسي وأمني واقتصادي في المنطقة.

إيران تعرض حسن الجوار على العراق

الوثيقة صادرة من السفارة البريطانية في طهران بتاريخ الأول من يونيو 1995، وموجهة إلى وزارة الخارجية البريطانية (FCO) بعلامة أولوية، مع نسخ إلى مكاتب دبلوماسية دولية عدة، كان موضوعها يتعلق بالمحادثات الإيرانية - العراقية الأخيرة، إذ تقدم تقريراً عن نتائج إيجابية ومبادرات لحل قضايا الأسرى واللاجئين والحدود بين البلدين.

وتحمل الوثيقة تصريحات من رئيس الوفد الإيراني علي خرم، وتعكس تفاؤلاً إيرانياً بحسن نية الطرفين، مع تأكيد متابعة سريعة للمفاوضات، كما تشير إلى استعداد العراق لإرسال وفد إلى طهران، مع ذكر بعض التحفظات في شأن التفاؤل العلني.

ووفق الوثيقة "قدم رئيس الوفد الإيراني، علي خرم، تفاصيل إضافية عن المحادثات الأخيرة في بغداد خلال مقابلة مع وكالة الأنباء الإيرانية (إيرنا)، وزعم خرم أن الوفد الإيراني حقق نتائج إيجابية". وتناولت المحادثات قضايا الأسرى والمفقودين واللاجئين الإيرانيين الذين نقلوا إلى العراق بداية الحرب، إضافة إلى العلاقات الثنائية وقضايا الحدود. وأوضح أن العراقيين تعاملوا مع الوفد الإيراني باحترام، وأكدوا مراراً ضرورة "نسيان حوادث الماضي" و"فتح صفحة جديدة" في العلاقات.

 

وقد أبدى العراقيون رغبتهم في إطالة مدة إقامة الوفد الإيراني، لكن تم الاتفاق على أن يزور وفد عراقي طهران قريباً لمتابعة المحادثات. وأكد أن إيران ترغب بصدق في تحقيق حسن الجوار على الحدود مع العراق ومستعدة لحل جميع المشكلات، بخاصة الإنسانية منها مثل قضية الأسرى والملفات العالقة في القرار 598، وأشارت إلى رغبة العراق في حل ملف الأسرى واستعادة الطائرات العراقية المحتجزة في إيران.

كما قدم خرم، بحسب الوثيقة، خطة تقضي بأن يقدم كل طرف، خلال فترة محددة، قائمة شاملة بكل مطالبه في شأن الأسرى والمفقودين، ليتم في النهاية تسليم جميع الأسرى تحت إشراف الصليب الأحمر الدولي. ونفى خرم أن يكون تقارب إيران مع العراق مرتبطاً بالحظر التجاري الأميركي، مؤكداً أن ما قامت به إيران لم يكن خطوة دعائية.

وفي الوقت نفسه ذكرت إحدى الصحف نقلاً عن مصدر بوزارة الخارجية الإيرانية أن وفداً عراقياً، برئاسة مدير عام من وزارة الخارجية العراقية، سيصل إلى طهران تقريباً في الخامس من يونيو، غير أن وكالة "إيرنا" لم تؤكد ذلك بعد. كذلك بدأت ترد إشارات متفرقة إلى احتمال زيارة وزير الخارجية ولايتي إلى بغداد، ولكن لا شيء مؤكداً حتى الآن.

وذيلت الوثيقة بتعليق كتبه شخص يدعى جيمس قال فيه "كان هذا العرض شديد التفاؤل من جانب خرم. ومن الواضح أن الإيرانيين يريدون إعطاء انطباع بتحقيق تقدم وتحسن في الأجواء، لكن التفاؤل العلني أثبت في الماضي أنه كان مضللاً، وسيقاس الأمر بمدى سرعة متابعة الجانبين لمحادثات بغداد".

ولايتي يؤكد: تعميق العلاقات بين إيران والعراق لا يستهدف أي طرف خارجي

وفي وثيقة أخرى مؤرخة بتاريخ الـ28 من مايو (أيار) 1995، صادرة من السفارة البريطانية في طهران وموجهة إلى وزارة الخارجية البريطانية (FCO) بعلامة أولوية، مع نسخ إلى مكاتب دبلوماسية في واشنطن ونيويورك وجنيف والسفارات في الشرق الأوسط، تناولت الوثيقة محادثات إيران والعراق، إذ أبلغ عن اتفاق مبدئي لتشكيل لجان مشتركة لدراسة قضايا الأسرى والمفقودين وتبادل الأدلة. وسلطت الوثيقة الضوء على رغبة الطرفين في تحسين العلاقات الثنائية ومواصلة المحادثات، مع تأكيد عدم وجود زيارة مرتقبة لوزير الخارجية ولايتي إلى بغداد.

وجاء فيها: "نقل عن رئيس الوفد (الإيراني)، علي خرم، قوله إنه تم التباحث حول تشكيل خمس لجان لدراسة وإزالة العقبات القائمة أمام توسيع العلاقات الثنائية، إضافة إلى القرار 598. وبخصوص قضيتي الأسرى والمفقودين، تم الاتفاق مبدئياً – في خطة تنتظر موافقة الطرفين – على أن يقدم كل جانب مطالبه مدعومة بالأدلة في موعد محدد، لتتم مناقشتها لاحقاً في اجتماع مقبل، كذلك تقرر أن تواصل اللجان المتخصصة بالبحث عن الجثامين عملها في كل بلد داخل أراضيه. وذكر خرم أن لدى البلدين مشكلات مشتركة ومصالح متبادلة، وأن العراق يرغب في تحسين العلاقات مع إيران، وأن وفداً عراقياً سيزور طهران قريباً لمواصلة المحادثات.

 

ونقل عن وزير الخارجية الإيراني ولايتي تصريحه في الـ25 من مايو بأن إيران والعراق يجب أن يعمقا علاقاتهما الثنائية، مؤكداً أن توسيع الروابط بين طهران وبغداد ليس موجهاً ضد أي دولة ثالثة. وتضمنت محادثات بغداد قضايا تنفيذ القرار 598 بالكامل، بما في ذلك الحل النهائي لقضية الأسرى وتطبيع الزيارات المتبادلة بين البلدين.

وذيلت الوثيقة بتعليق ذات الشخص المدعو جميس قال فيه "يبدو أن بعض التقدم قد تحقق، إذ اتفق الطرفان على استمرار المحادثات. ومع ذلك لا تزال قضية الأسرى – التي تمثل جوهر الخلاف – محل تجاذب بين مطالبات ومطالبات مضادة قبل التطرق إلى جوهر القضية، ولم يرد أي ذكر إضافي لاحتمال زيارة ولايتي إلى بغداد".

دمشق وطهران تنسقان لمصالحة مع بغداد

الوثيقة صادرة من السفارة البريطانية في دمشق بتاريخ الـ25 من يناير (كانون الثاني) 1995، وموجهة إلى وزارة الخارجية البريطانية (FCO) في لندن وموضوعها يتناول مقابلة مع القائم بالأعمال العراقي في طهران، إذ ناقشت المواقف العراقية تجاه مفاوضات الدول العربية مع إسرائيل، مع التركيز على تقارب العراق مع سوريا. الوثيقة تشير إلى إشاعات عن زيارة مسؤول عراقي إلى دمشق في أواخر 1994 وتنسيق محتمل بين سوريا وإيران والعراق لتشكيل نفوذ إقليمي، كذلك تطلب الوثيقة تعليقات وترجمة المقابلة عبر الفاكس.

الموضوع: مقابلة مع القائم بالأعمال العراقي في طهران، لاحظت في عدد السادس من يناير من مجلة "الشرق الأوسط الدولية" مقالة عن التقارب الإيراني - العراقي (صفحة 14) استناداً إلى مقابلة أجراها القائم بالأعمال العراقي في طهران مع صحيفة "سلام" الإيرانية (لم يحدد تاريخ المقابلة).

 

ما يثير الاهتمام بصورة خاصة هو تعليقات القائم بالأعمال حول المواقف العراقية من مفاوضات الدول العربية الأخرى مع إسرائيل، وما يبدو أنه تعبير علني عن التعاطف مع الوضع الخاص لسوريا، باعتبارها دولة تشترك بحدود مع إسرائيل.

ومن المصادفة أن هناك إشاعات متداولة هنا عن زيارة مسؤول رفيع بوزارة الخارجية العراقية إلى دمشق في أواخر عام 1994. ويعتقد بعض المحاورين أن السوريين، تماشياً مع دبلوماسيتهم الإقليمية النشطة (الوساطة في اليمن، إلخ)، ينسقون مع إيران لمصالحة مشتركة مع العراق بهدف إنشاء قوس نفوذ يمتد من طهران إلى بيروت.

على رغم أن إشاعات الاتصالات السرية بين سوريا والعراق ليست جديدة، فإن عودتها الآن، تزامناً مع حديث سوريا المتزايد عن "التضامن العربي" عقب قمة الإسكندرية، تثير التساؤلات.

خط أنابيب ينقل النفط العراقي لإيران في سرية

وفي وثيقة أخرى بتاريخ السابع من يونيو 1995 تناولت زيارة وفد إيراني رفيع المستوى إلى بغداد بين الـ21 والـ25 من مايو، لمناقشة تنفيذ القرار 598 وقضايا الأسرى واللاجئين وترسيم الحدود وتطبيع العلاقات الثنائية. أنشئت خمس لجان لحل القضايا العالقة، مع استمرار الخلاف حول ملف الأسرى. الرواية الإيرانية عبرت عن تفاؤل بتحسن الأجواء، على رغم تحفظات حول جدية التقدم وعدم تأكيد زيارة وزير الخارجية ولايتي إلى العراق. كذلك تشير الوثيقة إلى معلومات من الملحق العسكري الصيني حول نقل النفط العراقي عبر إيران على رغم قلة الأدلة.

وجاء في الوثيقة "قام وفد إيراني، برئاسة مستشار رفيع المستوى لوزير الخارجية ولايتي، بزيارة إلى بغداد خلال الفترة من الـ21 إلى الـ25 من مايو. شملت المحادثات التنفيذ الكامل للقرار 598 (قضية الأسرى، البحث عن المفقودين في العمليات، اللاجئون الإيرانيون الذين نقلوا إلى العراق في بدايات الحرب الإيرانية العراقية، ترسيم الحدود) إضافة إلى تطبيع العلاقات الثنائية.

 

كانت هذه أول زيارة متبادلة للوفود منذ أن زار وفد عراقي طهران في فبراير (شباط) 1994. ويبدو أن النتيجة الرئيسة كانت تأسيس خمس لجان لمناقشة حل القضايا العالقة. ومع ذلك وفي ما يتعلق بملف الأسرى، وهو موضع الخلاف الرئيس، لا يزال الطرفان يحاولان إثبات مطالبهما المتبادلة قبل التطرق إلى جوهر القضايا.

قدمت الرواية الإيرانية عن المحادثات صورة متفائلة، وأعطت انطباعاً بوجود تقدم وتحسن في الأجواء. ولكن، على رغم موافقة العراق على إرسال وفد إلى طهران لمواصلة المحادثات، فإن هذا التفاؤل العلني كان مضللاً في السابق. كذلك فإن غياب أي إشارة إلى الزيارة المنتظرة منذ زمن طويل لوزير الخارجية ولايتي إلى العراق قد يعكس افتقار الجانب الإيراني إلى الثقة بإمكان إحراز تقدم.

في غضون ذلك، أفاد الملحق العسكري الصيني في عمان، الذي يعتبر مصدراً موثوقاً عادة، لسفيرنا أن العراق يقوم بإرسال النفط إلى إيران عبر خط أنابيب جديد في حقل مجنون بغرض إعادة بيعه لاحقاً. "لا تتوافر لدينا أي أدلة على ذلك، ونقدر أن صادرات النفط العراقي عبر إيران قد تراجعت أخيراً عقب اعتراض البحرية الأميركية عدداً من القوارب التي تنقل النفط العراقي. يبدو أن هذا النشاط التجاري أصبح الآن ضئيلاً جداً، لكننا سنواصل مراقبته من كثب".

على رغم فشل المشروع الإيراني عام 1995 نتيجة الحصار الدولي وغياب الثقة بين بغداد وطهران، فلم تتراجع إيران عن طموحها في بناء "محور مقاومة" يمتد من طهران إلى بيروت، لمواجهة إسرائيل والغرب، وعلى رأسهم الولايات المتحدة. وعلى رغم تعثر هذا المشروع آنذاك، فقد أعادت إيران إحياءه بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، إذ استغلت الفراغ السياسي والمؤسساتي لبناء شبكة نفوذ إقليمي، عبر تأسيس ميليشيات وإذكاء الصراعات الطائفية تحت شعار "مقاومة الاحتلال".

هذا المحور أسهم بصورة مباشرة في زعزعة استقرار كثير من الدول العربية وأدى إلى دمار واسع، قبل أن يتلقى ضربات قوية نتيجة تراجع حلفائه في سوريا ولبنان والعراق وغزة وصنعاء. وقد بلغ هذا التراجع ذروته مع انتقال الصراع إلى الداخل الإيراني نفسه، بخاصة خلال حرب الأيام الـ12 التي شنتها إسرائيل بدعم أميركي، والتي كشفت هشاشة بعض أذرع هذا المشروع وأثرت في قدرته التوسعية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير