موقف دوليّ متأرجح إزاء الهجوم العسكري التركي في شمال شرق سوريا. ففي الأمم المتحدة كان الغموض سيد الموقف حيال العدوان الذي يهدد حياة آلاف المدنيين. وفي واشنطن بدا أن الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، مهتزاً نتيجة الانتقادات الواسعة التي طالته، حتى من أقرب حلفائه السياسيين والدينيين، على حدّ سواء، بعد قراره سحب القوات الأميركية من المنطقة الحدودية بين سوريا وتركيا، مما جرّأ النظام التركي على شنّ هجمات ضد الأكراد، الذين تعتبرهم أنقرة عدوا لها.
واتّخذ أعضاء الكونغرس الأميركي موقفا صارما رداً على الاعتداء التركي على سوريا، ففي بيان لمايكل ماكول، النائب الجمهوري البارز في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي، وصف المشهد في سوريا بـ"غير المقبول"، وطالب تركيا بإنهاء عمليتها العسكرية على الفور، والتي أسفرت عن سقوط مصابين بين المدنيين. وقال "يمثل هذا الغزو التركي تهديداً مباشراً لشريكنا، الأكراد السوريين، وسيخلق الظروف المواتية لعناصر داعش لإعادة فرض أنفسهم في المنطقة، بينما يشجّع في نفس الوقت بوتين وإيران والأسد".
وأشار النائب الأميركي إلى قلقه بشأن أمن المنشآت التي تحتجز معتقلي داعش وأفراد أسرهم، والتي إذا تعرضت للخطر، بحسب البيان، "فستساعد بشكل كبير في عودة داعش وتهدد أميركا".
وكان الرئيس الأميركي كشف، في كلمته التي وجه فيها تحذيرا شديد اللهجة لتركيا، مساء الأربعاء، عن عملية لنقل سجناء من أخطر عناصر تنظيم داعش الإرهابي، من سجن في شمال سوريا، حيث تتعرض المنطقة للقصف التركي، دون أن يحدد الوجهة التي تم نقلهم إليها، لكن تشير التوقعات إلى نقلهم لأحد السجون في العراق. وهدّد ترمب تركيا بمحو اقتصادها إذا قضت على الأتراك، ووصف العملية العسكرية التركية بـ"الفكرة السيئة"، وأكد أن واشنطن "لا توافق على هذا الهجوم"، مذكراً تركيا بالتزامها "ضمان عدم حدوث أزمة إنسانية"، وقال "سنحملهم مسؤولية هذا الالتزام، أميركا تتوقع من تركيا حماية المدنيين والأقليات الدينية".
عقوبات أميركية
وقدّم السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، أحد أقرب حلفاء ترمب، والسيناتور الديمقراطي كريس فان هولين، مقترحاً لفرض عقوبات على تركيا لغزوها الشمال السوري بعد الانسحاب الأميركي، الذي وصفه غراهام بأنه "خيانة للأكراد الذين يعيشون في المنطقة والذين لعبوا دورا حاسما في مساعدة الولايات المتحدة في الحرب ضد داعش".
وينصّ الاقتراح على فرض عقوبات إلزامية على تركيا ما لم تقدم الإدارة الأميركية تأكيداً كل 90 يوما على أن تركيا لا تعمل من جانب واحد في سوريا (من دون دعم أميركا لشرق الفرات وغرب الحدود العراقية)، مع سحب أنقرة لقواتها المسلحة، بما في ذلك المتمردين المدعومين من تركيا، من المناطق التي احتلتها خلال العملية التي بدأت في 9 أكتوبر (تشرين الأول) 2019.
وبموجب الاقتراح، ستُفرض عقوبات على أصول كبار المسؤولين الأتراك، بمن فيهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وكذلك فرض عقوبات على المعاملات العسكرية من خلال وقف العمل بالاتفاقات العسكرية مع تركيا، وأخرى ضد كل شخص أجنبي يبيع أو يدعم مالياً أو تقنياً أو يقوم بعمليات تجارية مع الجيش التركي، كذلك على قطاع الطاقة التركي.
كما تشمل العقوبات حظر المساعدات العسكرية والعمل بـ"قانون كاتسا" على صواريخ إس 400، حيث يعيق شراء أنقرة لها، فضلا عن تقييد تأشيرات المسؤولين الأتراك للدخول إلى الولايات المتحدة.
كارثة إنسانية
وتفيد المؤشرات الأولية على الأرض بسقوط ضحايا مدنيين جرّاء الاعتداءات التركية.
وفي تعليقات لـ"اندبندنت عربية"، وصف سيهانوك ديبو، عضو مجلس رئاسة سوريا الديمقراطية، الاعتداء التركي بأنه "حرب إبادة ضد الكرد وكامل مكونات المنطقة، لا يتردد رئيس تركيا في إعلانها أو إظهارها". وتوقع كارثة إنسانية وجرائم متعددة أقلها التغيير الديموغرافي وإبادة جماعية للكرد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح ديبو أن النظام التركي يستهدف احتلال مناطق شمال وشرق سوريا، مضيفا "ما عجز عنه داعش والنصرة تحاول أنقرة أن تقوم به الآن. قبل سبع سنوات من التاريخ نفسه فشلت (النصرة) مع 49 كتيبة، سمت نفسها بالجيش الحر، في احتلال رأس العين. والشيء نفسه فيما يتعلق بفشل داعش في احتلال كوباني عام 2014. تقوم أنقرة بمحاولة احتلالها واحتلال ثانٍ لتل أبيض، كل ذلك كمقدمة"، محذرا من أن الوضع ينذر بكوارث إنسانية وخسائر هائلة بين المدنيين وممتلكاتهم.
ويرى المسؤول الكردي أن الفرصة الآن مواتية لإجماع سوري وإنجاز اتفاق أوليّ يتعلق بحماية السيادة ووحدة الأراضي السورية، وأنه يجب على السلطة السورية أن تبادر نحو التحالف مع قوات سوريا الديمقراطية التي تنظر إلى نفسها كجزء من مؤسسة الجيش الوطني السوري.
غموض الموقف في الأمم المتحدة
وفي مجلس الأمن، دعت أربع دول أوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا) إلى عقد جلسة طارئة لمناقشة الموقف. وأفاد مصدر أممي، في تصريحات خاصة، بأن اجتماعات مغلقة ستعقد الخميس لمناقشة الوضع في سوريا، دون أن يدلي بمزيد من التفاصيل. وعلى الرغم من ذلك ساد صمت أمس الأربعاء داخل الأمم المتحدة حيال الاعتداء التركي، على الرغم من الترتيبات المكثفة لأزمة إنسانية متوقعة في المنطقة الكردية.
وخلال الإفادة الصحافية اليومية، التي أدلى بها فرحان حق، نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، مساء الأربعاء، تجنب الحديث عن الهجوم التركي على سوريا. وبينما وجه الصحافيون أسئلتهم بشأن الموقف الأممي وما يتعلق بالوضع الإنساني الخطير في كوباني وقامشلي، اللتين كانتا تنعمان بالهدوء قبل الاعتداء التركي، أشار حق إلى بيان قديم صادر عن الأمين العام، قبيل الهجوم، قائلا "كما تعلمون، أصدرنا بياناً حول هذا الموضوع بالذات بالأمس فقط".
وأضاف المتحدث الأممي "يشعر الأمين العام بقلق بالغ إزاء التطورات الأخيرة في شمال شرق سوريا. يجب أن تحترم أي عملية عسكرية ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني احتراما كاملا. يجب حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية وفقاً للقانون الدولي. يعتقد الأمين العام أنه لا يوجد حل عسكري للصراع السوري. ويكرر أنه لا يمكن تحقيق حل طويل الأجل للصراع في سوريا إلا بعملية سياسية شاملة وذات مصداقية عملاً بقرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015. كما أكد مجلس الأمن أمس في بيانه الرئاسي، أنه يجب أن يحترم أي حل سيادة سوريا وسلامتها الإقليمية".
وتحمل تعليقات حق تلميحا بالموافقة على الهجوم التركي على الأراضي السورية طالما تلتزم حماية المدنيين والبنية التحتية.
فيما علّق ديبو مطالباً الأمم المتحدة بألا تكتفي بالإعراب عن القلق وإصدار البيانات، بل أن تتصرف وفق المواثيق المنظمة لعملها. وقال "هناك عمل ونية احتلال لدى تركيا ضد سوريا، وهو منافٍ للضمير العالمي وللآلية النظامية لدى الأمم المتحدة"، وتساءل مستنكرا "هل هذا جزاء قوات سوريا الديمقراطية لأنها حمت مكونات شمال سوريا وكل سوريا والعالم من خطر التنظيمات الفاشية كداعش والنصرة؟".