ملخص
ألقى 30 مقاتلاً من حزب العمال الكردستاني، بينهم نساء، أسلحتهم في مراسم رمزية قرب السليمانية، إيذاناً ببدء مرحلة جديدة من السلام مع تركيا بعد عقود من النزاع. الرئيس أردوغان رحّب بالخطوة، فيما طالبت قيادة الحزب بالإفراج عن عبدالله أوجلان وضمانات للعودة والمشاركة في الحياة السياسية.
دشن 30 مقاتلاً من حزب العمال الكردستاني، بينهم نساء، اليوم الجمعة عملية إلقاء السلاح، في مراسم نظمت بالقرب من مدينة السليمانية شمال العراق، بعد شهرين من إعلان المقاتلين الأكراد إنهاء أربعة عقود من النزاع المسلح ضد الدولة التركية.
وأشاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالمراسم ووصفها بأنها "خطوة مهمة نحو تركيا خالية من الإرهاب". وقال، "آمل في أن تكون الخطوة المهمة اليوم نحو تحقيق هدفنا المتمثل في تركيا خالية من الإرهاب، مباركة"، مضيفاً "اللهم وفقنا في تحقيق أهدافنا لأمن وطننا... وإحلال السلام الدائم في منطقتنا".
من جهتها، طالبت الرئيسة المشاركة للجنة التنفيذية لحزب العمال الكردستاني بسي هوزات، في مقابلة مع "وكالة الصحافة الفرنسية"، بالإفراج عن الزعيم الكردي عبدالله أوجلان المسجون منذ 1999 في سجن إيمرالي قبالة إسطنبول، مؤكدة أن عناصر الحزب يريدون العودة إلى تركيا والانخراط في حياتها السياسية.
وقالت هوزات إن "ضمان الحرية الجسدية للزعيم آبو (أوجلان) قانونياً، من خلال الضمانات القانونية، أمر ضروري... هذا هو شرطنا ومطلبنا الأساسي". وأضافت، "من دون هذا التطور، من غير المرجح إلى حد كبير أن تستمر العملية بنجاح".
وطالبت القيادية البالغة 47 سنة "الدولة التركية بأن تمنحنا الحق في الدخول في السياسة الديمقراطية"، مضيفة "نحن مستعدون للذهاب إلى تركيا للانخراط في السياسة الديمقراطية ونريد ذلك... لمواصلة نضالنا من أجل الحرية والديمقراطية وتعزيز الاشتراكية الديمقراطية في تركيا".
وأكدت السيدة التي التحقت في صفوف الحزب منذ كانت في الـ16، أن المقاتلين بحاجة لضمانات أمنية للعودة إلى تركيا، موضحة "من دون ضمانات قانونية ودستورية، سيكون مصيرنا السجن أو الموت".
الخطوات التالية
وكان مسؤول تركي رفيع قال لوكالة الصحافة الفرنسية، طالباً عدم الكشف عن هويته، "إن إلقاء مقاتلي حزب العمال الكردستاني للسلاح في السليمانية يمثل علامة فارقة وخطوة ملموسة ومرحباً بها"، وأضاف "نعتبر هذا التطور نقطة تحول لا رجعة فيها".
وذكر المسؤول أن تسليم الأسلحة جزء من ثالث مرحلة من المراحل الخمس لعملية السلام الأوسع نطاقاً، التي تركز على نزع سلاح حزب العمال الكردستاني وحل الجماعة.
وقال مصدر منفصل، طلب أيضاً عدم الكشف عن هويته، إن الخطوات التالية تتضمن إعادة دمج أعضاء الجماعة في المجتمع بصورة قانونية، إضافة إلى جهود رأب الصدع في المجتمعات المحلية وتعزيز المصالحة.
أمام صورة أوجلان
وقالت مراسلة وكالة الصحافة الفرنسية قرب موقع المراسم "أحرق 30 مقاتلاً، بينهم أربعة قياديين، أسلحتهم" في كهف جاسنه على بعد 50 كيلومتراً غرب مدينة السليمانية.
وأفادت تقارير إعلامية بأن الموقع يحمل رمزية كبيرة، إذ كان يضم مطبعة خرجت منها إحدى أولى الصحف الكردية.
وبعدما نزل المقاتلون، نساء ورجالاً، درجات داخل الكهف، وقفوا أمام نحو 300 شخص وخلفهم صورة مؤسس الحزب عبدالله أوجلان، ثم ألقى قياديان بياناً بالكردية وصفا فيه تدمير السلاح بأنه "عملية ديمقراطية تاريخية".
وألقى المقاتلون في ما بعد، واحداً تلو الآخر، بنادق ورشاشات في حفرة وأضرموا فيها النار. وبكى كثيرون أمام المشهد، وهتف آخرون "عاش آبو" وهو لقب أوجلان.
ومن المتوقع أن يعود هؤلاء المقاتلون لجبال العراق حيث يتمركزون، بحسب ما قال مسؤول في الحزب لوكالة الصحافة الفرنسية في وقت سابق.
حضر المراسم ممثلون عن كل من حزب العمال الكردستاني في العراق، والزعيم الكردي مسعود بارزاني، ورئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني، إضافة إلى عدد من الصحافيين ونواب حزب المساواة وديمقراطية الشعوب التركي المناصر للقضية الكردية، وفق أحد مراسلي الصحافة الفرنسية.
وحضر أيضاً عناصر من الاستخبارات التركية، وفق وسائل إعلام تركية.
واضطلع حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، هو ثالث أكبر فصيل سياسي في تركيا، بدور رئيس في الوساطة بين أنقرة وأوجلان الذي يمضي عقوبة بالحبس مدى الحياة منذ 1999.
من جهتها، أعلنت سلطات إقليم كردستان العراق أنها أسقطت ليل الخميس - الجمعة مسيرتين قرب موقعين لقوات البيشمركة المسلحة في هجومين لم تتبناهما أية جهة، وذلك قبل ساعات من مراسم تسليم السلاح.
وقال المتحدث باسم الوحدة 70 في البيشمركة بمدينة السليمانية العميد أحمد لطيف لوكالة الصحافة الفرنسية، "حلقت طائرة مسيرة فوق القيادة في الساعة 22,45 (19,45 ت غ)، وأُسقطت في منطقة فارغة"، مشيراً إلى أن "الهجوم لم يحدث أية أضرار بشرية أو مادية".
كذلك قال جهاز مكافحة الإرهاب في كردستان "تم إسقاط مسيرة مفخخة صباح اليوم الجمعة في تمام الساعة 01,35 (22,35 ت. غ) قرب مواقع قوات البيشمركة في آلتون كوبري في محافظة كركوك" من دون تسجيل خسائر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حرق الأسلحة
وتمثل مراسم نزع السلاح نقطة تحول في انتقال حزب العمال الكردستاني من التمرد المسلح إلى السياسة الديمقراطية في إطار جهود أوسع لإنهاء أحد أطول الصراعات في المنطقة، وقد خلف أكثر من 40 ألف قتيل منذ 1984.
وكان حزب العمال الكردستاني الذي أسسه عبدالله أوجلان في نهاية سبعينيات القرن الماضي أعلن في الـ12 من مايو (أيار) حل نفسه وإلقاء السلاح، منهياً بذلك نزاعاً تسبب لفترة طويلة في توتر علاقات السلطات التركية مع الأقلية الكردية والدول المجاورة.
وجاء ذلك تلبية لدعوة أطلقها أوجلان في الـ27 من فبراير (شباط) من سجنه في جزيرة إيمرالي قبالة إسطنبول. وفي الأول من مارس (آذار) الماضي أعلن الحزب الذي تصنفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون منظمة "إرهابية" وقف إطلاق النار.
ولجأ معظم مقاتلي الحزب في السنوات الـ10 الماضية إلى مناطق جبلية في شمال العراق، حيث تقيم تركيا منذ 25 عاماً قواعد عسكرية لمواجهتهم، وشنت بانتظام عمليات برية وجوية ضدهم.
مرحلة جديدة
وفي مقطع مصور مؤرخ في الـ19 من يونيو، لكن بث الأربعاء، قال أوجلان "في إطار الإيفاء بالوعود التي التزمنا ها، ينبغي إنشاء آلية لإلقاء السلاح تسهم في تحقيق تقدم في العملية، وانتهاء الكفاح المسلح بصورة طوعي، والانتقال إلى المرحلة القانونية والسياسة الديمقراطية".
وأضاف الزعيم الكردي البالغ 76 سنة، "بخصوص إلقاء السلاح سيتم تحديد الطرق المناسبة والقيام بخطوات عملية سريعة".
من جهته قال أردوغان السبت للصحافيين في طريق عودته من قمة اقتصادية في أذربيجان إن جهود السلام مع الأكراد "ستتسارع قليلاً عندما تبدأ المنظمة الإرهابية تنفيذ قرارها بإلقاء السلاح".
وفي تصريح آخر قال أمام أعضاء في حزبه الحاكم، الأربعاء "ندخل مرحلة جديدة سنتلقى فيها أخباراً إيجابية في الأيام المقبلة"، مضيفاً "نأمل بأن تنتهي هذه العملية بنجاح في أسرع وقت، من دون أية حوادث أو محاولات تخريب".
وقال مصدر أمني عراقي لوكالة الصحافة الفرنسية إن عملية نزع السلاح "يتوقع أن تنتهي عام 2026، على أن يتشكل بذلك حزب سياسي جديد في تركيا".
ويأمل الأكراد في تركيا أن يمهد قرار الحزب الطريق أمام تسوية سياسية مع أنقرة، تفتح الباب أمام انفتاح جديد تجاه هذه الأقلية التي تشكل نحو 20 في المئة من سكان البلد البالغ عددهم 85 مليون نسمة.