ملخص
عرفت منطقة المثلث الحدودي على مدى عقود كمنفذ تجاري واقتصادي على رغم وجودها في بيئة صحراوية قاحلة وأمواج من الرمال، إذ يقطنها نحو ستة آلاف من السكان غالبيتهم من الذين يعملون في مجال التعدين التقليدي، لذلك أطلق عليها "المثلث الذهبي".
تسبب اتساع رقعة الصراع الدائر بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" لأكثر من عامين في خلق أزمات إنسانية متفاقمة لا سيما في منطقة المثلث الحدودي الرابط بين السودان وليبيا ومصر بعد سيطرة "الدعم" عليها أخيراً، إذ يواجه العاملون في مجال التعدين المنتشرين في نحو 11 منجماً للذهب وأعداد كبيرة من الأسر والشباب الذين كانوا ينوون التوغل داخل الأراضي الليبية بحثاً عن الهجرة غير الشرعية بعبور البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا، أوضاعاً مأساوية نظراً لطبيعة المنطقة الجافة والقاسية في ظل النقص الحاد في الغذاء ومياه الشرب نتيجة لإغلاق الحدود مع الجانب الليبي.
منفذ تجاري
عرفت منطقة المثلث الحدودي على مدى عقود كمنفذ تجاري واقتصادي على رغم وجودها في بيئة صحراوية قاحلة وأمواج من الرمال، إذ يقطنها نحو ستة آلاف من السكان غالبيتهم من الذين يعملون في مجال التعدين التقليدي، لذلك أطلق عليها "المثلث الذهبي".
وتتوافر في المنطقة معادن أخرى لم تكتشف حتى الآن، علاوة على أنها تعد مركزاً تجارياً بارزاً في تجارة الإبل بين السودان وليبيا، إضافة إلى إمكان الاستفادة من موقعها في تنشيط التجارة الحدودية بين الدول الثلاث السودان وليبيا ومصر، وسبق أن جرت مناقشات خلال السنوات الماضية لإنهاض المنطقة وجعلها منطقة تكامل اقتصادي، لكن سرعان ما تحولت إلى مسارات لتهريب البضائع والوقود والسلاح والمخدرات والإتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية.
أزمات حادة
سالم عبدالله تاجر متنقل بين السودان وليبيا، قال "المثلث الحدودي كان بعيداً من النزاع الدائر بين الجيش والدعم السريع، كون المنطقة تجارية ومنفذاً لعبور المسافرين الذين يرغبون بالاستقرار في ليبيا أو الشباب الطامحين في الوصول إلى أوروبا بطرق غير شرعية، لكن من المؤسف وعلى نحو مفاجئ انتقلت الاشتباكات والمعارك، التي حولت الحياة في هذه المنطقة إلى أزمات إنسانية متلاحقة تأبى أن تفارق المواطنين أينما حلوا بسبب الوجود الكثيف لمليشيات الدعم السريع وممارستها الانتهاكات والتعديات على المدنيين".
وأضاف عبدالله "هذه المنطقة كانت عامرة بالحيوية والنشاط التجاري لفترات طويلة، فالتجار كانوا يأمنون السلع الضرورية للعابرين إلى داخل الأراضي الليبية والعكس، إضافة إلى حاجات المعدنيين الذين يعملون في مناجم الذهب، لكن بعد سيطرة الدعم السريع على المنطقة تبدل الوضع لتصبح المنطقة بؤرة للفوضى والانفلات الأمني وأعمال النهب والسلب، مما أدى فرار نحو خمسة آلاف من عمال التعدين إلى مدينة دنقلا في الولاية الشمالية".
وأردف التاجر المتنقل، "باتت سوق المثلث تشهد عمليات سلب واسعة واعتقالات شملت التجار والموظفين في محليات المثلث، مما أسهم في إغلاق المحال التجارية، فضلاً عن أن الأسر التي ظلت عالقة لشهور طويلة أصابها التعثر ولم تتمكن من المغادرة لوجهتها، حيث كانت هذه السوق في السابق بمثابة شريان الحياة للعابرين من خلال ممارسة بعض المهن في حال انقطاع مواردهم المادية، والآن تشهد المنطقة أزمة مياه حادة، إذ يجري جلبها من المناجم التي تبعد نحو 70 كيلومتراً من المناطق المأهولة بالسكان، مما جعل أسعارها مرتفعة بصورة غير مسبوقة".
هروب التجار
في السياق، تقول المواطنة السودانية أميرة عثمان، التي ظلت عالقة في محلية المثلث لعدة أشهر إن "المثلث الحدودي يعج بمظاهر الحياة المتجددة على رغم وقوعه في منطقة صحراوية جافة يصعب التكيف مع طبيعتها، لكن ظروف الحرب أجبرتنا على التعايش قبل دخولنا ليبيا برفقة أسرتي من أجل الاستقرار فيها لأن الوضع في السودان بات صعباً ومعقداً بخاصة في جانب الأمن والصحة والتعليم".
واستطردت، "لم يكن وصولنا إلى هذه المنطقة سهلاً، فقد استغرقت الرحلة ثمانية أيام، وتنقلنا من وسيلة لأخرى تعرضنا خلالها لمطامع أصحاب المركبات، بخاصة الذين يعملون في تهريب البشر مستغلين فرار المواطنين من جحيم الحرب والبحث عن ملاذات آمنة، لذلك نفدت الأموال التي كانت بحوزتنا، مما أدى إلى بقائنا في منطقة المثلث لعدة شهور، والمشكلة حالياً أن الأوضاع هنا تتجه للأسوأ نظراً لشح السلع وارتفاع أسعارها بصورة جنونية، إذ إن غالبية أصحاب المحال التجارية هربوا من المنطقة خوفاً من أن تطاولهم عمليات النهب بواسطة أفراد الدعم السريع".
ومضت في القول "أوضاعنا تنسحب على مئات الأسر العالقة في هذه المنطقة والتي تعاني من التعثر المالي بسبب ارتفاع أسعار وسائل النقل، إذ وصل سعر تذكرة الفرد الواحد (الخرطوم- المثلث) مليون جنيه سوداني (ما يقارب 300 دولار)، والآن أمنيتنا بلوغ وجهتنا بالوصول إلى ليبيا والاستقرار بها حتى ينصلح حال الحياة في بلادنا".
ولفتت العالقة بالمثلث إلى أن "المنطقة شهدت ميلاد أطفال جدد وهذا يشير إلى تكدس الأسر العالقة، إذ إن هناك من يؤثر الرجوع إلى مناطقهم بعد تحريرها سواء في العاصمة أو الولايات التي تضررت من العمليات العسكرية، بينما آخرون وهم الغالبية العظمى يريدون مواصلة طريقهم إلى ليبيا ومن ثم عبور البحر المتوسط إلى دول أوروبا، ومعلوم أن الحرب أفقدت المدنيين ممتلكاتهم ودمرت أحلام الشباب".
تأثير سلبي
في حين، أشار الباحث الاقتصادي محمد الناير إلى أن "المثلث الحدودي غني بالموارد الطبيعية بخاصة الذهب، فضلاً عن أن السنوات الماضية كان هناك مقترح بأن تكون المنطقة ذات أهمية اقتصادية متكاملة بين مصر وليبيا والسودان، لكن لم تكلل بالنجاح".
وذكر الناير، "من المؤسف نقل المعارك إلى هذه المنطقة الحيوية والتي بلا شك سيكون لها تأثير اقتصادي محتمل، فمعلوم أن ميليشيات الدعم السريع تعمل على تدمير أي منطقة تسيطر عليها فهو هدف ومنهج تتبعهما في هذه الحرب، فضلاً عن الانتهاكات التي تمارسها ضد المدنيين، لذلك من المتوقع أن يكون هناك تأثير بالغ على فئة المعدنين الذين ينتشرون في مربعات التعدين ومناجم الذهب بهذه المنطقة".
وبيّن الباحث الاقتصادي أن ما يحدث في منطقة المثلث من توتر سينعكس سلباً على تجارة الحدود بين دول السودان وليبيا ومصر، وهو ما سيؤثر على سكان المناطق المتاخمة لهذه المنطقة التي تشهد حراكاً ونشاطاً كبيراً بالنظر لأنها منطقة حدودية وكذلك غنية بالموارد.