Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عن التمويل وخزائن الإرهابيين والانفصاليين والمجرمين

إيرادات سنوية بين 18 و35 مليون دولار من الاختطافات وسرقة المواشي والذهب

مصادر تمويل جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" تتمثل في تعدين الذهب يدوياً والاختطافات والسرقة ونهب المواشي (اندبندنت عربية)

ملخص

أوضحت المبادرة العالمية أن تعدين الذهب أو التنقيب عنه أول مجال حيوي تعتمد عليه التنظيمات الإرهابية، إذ تقوم بالسيطرة على مواقع التنقيب بصورة مباشرة أو من خلال نفوذها على المجتمعات المحلية.

تتصاعد الاعتداءات الإرهابية والمسلحة والجرائم داخل منطقة الساحل وارتفعت معها الخسائر البشرية والمادية، وتوسعت مساحات النفوذ والسيطرة في ظل عجز الجيوش الحكومية المدعومة من قوات أجنبية. ومع الكميات الضخمة والمتطورة من الأسلحة التي باتت تملكها التنظيمات المختلفة والتي ازدادت عناصرها بصورة رهيبة، وما يستدعي ذلك من متطلبات الاستمرار والقوة، يطفو على السطح سؤال حول حجم التمويل الذي يقف وراء التقدم المتسارع للإرهاب والجريمة في الساحل.

الذهب والاختطافات والسرقة ونهب المواشي

كشفت المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة عن مصادر تمويل جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لـ"القاعدة"، وتنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى المحسوب على "داعش"، الناشط كل منهما في منطقة الساحل، وذكرت أنها تتمثل في تعدين الذهب يدوياً والاختطافات والسرقة ونهب المواشي، وأشارت إلى أن توجهاتهما تتقاطع مع عصابات وشبكات الجريمة المنظمة العابرة للحدود.

 

 

وأوضحت المبادرة العالمية أن تعدين الذهب أو التنقيب عنه أول مجال حيوي تعتمد عليه التنظيمات الإرهابية، إذ تقوم بالسيطرة على مواقع التنقيب بصورة مباشرة أو من خلال نفوذها على المجتمعات المحلية، أو طرق النقل من وإلى المنجم مقابل توفير الحراسة، مبرزة أنه يوجد نحو 2000 منقب عن الذهب يعملون داخل حقل "ناباو" جنوب غربي مدينة "غاو" في مالي وعلى الحدود مع بوركينا فاسو.

وعلى رغم أن الاختطافات انخفضت حدتها خلال الأعوام الأخيرة، فإنها لا تزال عنصراً أساساً يغذي موارد الجماعات المسلحة في منطقة الساحل، إذ تتحصل على إيرادات سنوية تراوح ما بين 18 و35 مليون دولار ولا يتعلق الأمر بالأجانب فحسب، وإنما يتعرض السكان المحليون لعمليات اختطاف "انتقائية" لا تنتهي سوى بتسليم فدية مقابل الإفراج.

أما ثالث مجال في تمويل الإرهابيين داخل المنطقة فهو سرقة المواشي التي تعد بمثابة اقتصاد غير مشروع وأساس، إذ تشير التقديرات إلى أن مداخيل هذا النهب تراوح ما بين 42 إلى 51 ألف دولار شهرياً. وتناول التقرير نهب شاحنات الوقود وبخاصة ذات سعة الـ14 ألف لتر، بغية تمويل عمليات إرهابية لا بيعها، وذكر أنه اختُطفت 14 ناقلة وقود داخل بوركينا فاسو وحدها خلال يونيو (حزيران) 2022.

"الزكاة" نقداً أو عبر المواشي والمحاصيل الزراعية

من جانبه، يقول مدير تحرير مجلة "جون أفريك" الفرنسية فرنسوا سودان إنه مع تراجع قدرات الجماعات الإرهابية على اختطاف الأجانب بسبب التضييق العسكري والاستخباراتي، باتت هذه التنظيمات تعتمد على أدوات تمويل بديلة. وأوضح أن "الزكاة" تحولت إلى أداة جبائية تُفرض على السكان سواء نقداً أو عبر المواشي والمحاصيل الزراعية، مما يخلق اقتصاداً موازياً يمول العمليات المسلحة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكشف مؤشر الإرهاب العالمي (تقرير يصدره معهد الاقتصاد والسلام) أن الاتجار بالمخدرات يعد من أكثر الأنشطة غير المشروعة ربحية من الناحية المالية، والمرتبطة بالإرهاب داخل منطقة الساحل التي شكلت منذ تسعينيات القرن الماضي معبراً رئيساً للكوكايين القادم من أميركا الجنوبية نحو أوروبا.

وأوضح أنه على رغم أن الجماعات الإرهابية لا تسيطر عادة على إنتاج المخدرات أو تجارتها بصورة مباشرة، فإنها تحمي المهربين وتفرض ضرائب على عمليات التهريب التي تمر عبر أراضيها، مضيفاً أن "هذا النموذج لا يدر الإيرادات فحسب، بل يساعد هذه الجماعات أيضاً على الاندماج في المجتمعات المحلية، وتعزيز نفوذها".

الاتجار في الأسلحة والمخدرات والقطع الأثرية

في المقابل، يتحدث مجلس الأمن الأممي في ما يتعلق بتمويل الإرهاب عن طرق عدة تنتهجها الجماعات الإرهابية داخل منطقة الساحل، وأولها الاتجار في الأسلحة والمخدرات والقطع الأثرية والممتلكات الثقافية والاتجار في الأشخاص، والاتجار غير المشروع في الموارد الطبيعية بما في ذلك الذهب وغيره من المعادن الثمينة والأحجار الكريمة والفحم والنفط، والاتجار غير المشروع في الأحياء البرية والجرائم الأخرى التي تلحق الضرر بالبيئة.

وكذلك استخدام المؤسسات التجارية المشروعة والمنظمات غير الربحية والتبرعات والتمويل الجماعي، والعائدات المتأتية من الأنشطة الإجرامية بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر الاختطاف طلباً للفدية، وابتزاز الأموال والسطو على المصارف ومن الجريمة المنظمة عبر الوطنية في البحر.

تمويل دول

وعلى رغم صعوبة إثبات وجود علاقات مادية موثقة بين الجماعات المسلحة ودول من خارج منطقة الساحل، فإن الاتهامات قائمة ومتكررة وبعضها صدر عن دول بصورة رسمية، وإن كانت تحت تأثير التوتر الدبلوماسي والخصام السياسي أو خدمة لأجندة معينة، إذ وجهت وزارة الخارجية بدولة مالي خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، اتهامات مباشرة إلى الجزائر بـ"دعم الجماعات الإرهابية والتدخل في الشؤون الداخلية"، في إشارة إلى دعمها لحركة "الأزواد" التي تطالب بالانفصال عن شمال مالي.

 

 

وخلال سبتمبر (أيلول) 2022 اتهم رئيس الوزراء المالي بالنيابة عبدالله مايغا فرنسا بدعم الإرهاب، وتزويد الجماعات المتطرفة بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية لزعزعة الاستقرار والأمن. 

وندد وزير خارجية النيجر بكاري ياو سانغاري باستراتيجية إعادة الاستعمار الجديدة التي تقودها فرنسا، ويتهمها بإعلام وتدريب وتمويل وتسليح الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل، معبراً عن أسفه للدعم الذي تقدمه بعض القوى الغربية للإرهاب المتفشي داخل المنطقة.

وقبل ذلك، اتهم الرئيس الانتقالي للنيجر عبدالرحمن تياني فرنسا بالرغبة في زعزعة استقرار بلاده، ودعم الإرهاب في غرب أفريقيا.

وكانت تقارير تحدثت عن تورط دولة جنوب أفريقيا في تمويل الجماعات الإرهابية، وظهر أول المؤشرات إلى ذلك خلال مارس (آذار) 2023 عندما قامت "مجموعة العمل المالي"، وهي منظمة عالمية مقرها باريس لمراقبة التحويلات المالية غير الشرعية تعمل على مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بوضع دولة جنوب أفريقيا على قائمتها الرمادية التي ترصد ثغرات في مراقبة ووقف أنشطة مالية غير مشروعة.

تأمين الممنوعات والنهب

وفي سياق متصل، ذكر مرصد غرب أفريقيا للاقتصادات غير المشروعة، ضمن المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، أن من أبرز ما يحدث أن التجار يقايضون الحشيش المغربي بكوكايين أميركا الجنوبية في غرب أفريقيا، وهذه المقايضة تستغل تباين أسعار المخدرات بين القارات وتزيد من كمية المخدرات التي تهرب براً من موانئ غرب أفريقيا، في بعض مناطق الصراع داخل منطقة الساحل.

وأكد المكتب الإقليمي للأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة في غرب ووسط أفريقيا أن الاتجار بالمخدرات مترسخ داخل منطقة الساحل، وعواقبه وخيمة محلياً وعالمياً، وضلوع عدة جماعات مسلحة في الاتجار بها لا يزال يقوض السلام والاستقرار داخل المنطقة، مشدداً على أن الاتجار بالمخدرات يوفر الموارد المالية للجماعات المتمردة في الساحل ومنها الجماعات الانفصالية شمال مالي، وأبرز أن سياسيين وقادة مجتمعيين وقياديين في الجماعات المسلحة يسهلون تجارة المخدرات داخل المنطقة.

وأوضح البرلمان الأوروبي ضمن قرار في شأن التعاون الأمني بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا داخل منطقة الساحل والقرن الأفريقي، أنه إلى جانب المخالفات القانونية التي تشتمل عليها عمليات شراء ما يسمى  "ذهب الصراع"، فإن مجرد توفير سوق لهذا الذهب يذكي الحروب الأهلية الداخلية في هذه البلاد، فضلاً عن الأضرار التي يلحقها باقتصادات هذه الدول.

وأوضح المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط أنه اطلع على نتائج تحقيق لمنظمتين غير حكوميتين داخل سويسرا، يؤكد أن إمارة دبي تعد بوابة لنقل ذهب مناطق النزاع في أفريقيا إلى مصافي التكرير السويسرية.

التبرعات الفردية

من جهة أخرى، تشكل التبرعات الفردية مصدراً آخر مهماً لتمويل التنظيمات الإرهابية، ويلجأ عدد من الأفراد بدافع الأيديولوجيا أو العاطفة إلى تقديم أموال يُعتقد أنها تستخدم لأغراض إنسانية، بينما تُحوَّل في الواقع إلى دعم العمليات الإرهابية، مستغلة وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات التبرعات الرقمية لجمع هذه الأموال، من خلال دعايات مؤثرة توهم المتبرعين بأن مساهماتهم ستذهب لتحقيق أهداف نبيلة.

هذا الاستخدام الذكي للتكنولوجيا يعزز من صعوبة تتبع مصادر الأموال، ويزيد من تعقيد جهود مكافحة الإرهاب، وتؤدي هذه الأموال المتدفقة إلى التنظيمات المسلحة إلى عواقب كارثية، إذ تمكنها من تنفيذ عمليات مدمرة تشمل الهجمات الانتحارية وتجنيد الأفراد وشراء الأسلحة.

تجفيف منابع التمويل 

يوضح المتخصص في مجال العلوم السياسية والعلاقات الدولية إبراهيم بادي أن تجفيف منابع تمويل التنظيمات الإرهابية داخل أفريقيا يمثل تحدياً معقداً، وأن الأمر يتطلب استراتيجيات متعددة الأبعاد تشمل الجوانب الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، من خلال فهم الديناميكيات المرتبطة بهذا التمويل، إضافة إلى ضرورة وجود تعاون عالمي شامل يضمن القضاء على هذه الظاهرة التي تهدد استقرار القارة ومستقبلها.

وشدد أنه لمعالجة المشكلة لا بد من تقليل اعتماد الأفراد على الموارد التي توفرها التنظيمات الإرهابية، من خلال توفير فرص عمل وتحسين البنية التحتية وتعزيز الشفافية الاقتصادية وتقوية المؤسسات الحكومية ودعم التعاون الإقليمي والدولي.

وتابع بادي أنه من الضروري فتح أفق جديد يجعل الشباب الأفارقة أكثر مقاومة لاستقطاب التنظيمات الإرهابية، مبرزاً أن الدول الأفريقية تحتاج إلى تطوير استراتيجيات فعالة لمواجهة تمويل الإرهاب، مثل تعزيز التعاون بين الدول الأفريقية في مجال تبادل المعلومات ومكافحة الجرائم المنظمة الذي يعد أمراً حيوياً، إضافة إلى تطوير القوانين وتحديث التشريعات المحلية لمواكبة أساليب التمويل الحديثة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير