ملخص
خلال العامين الماضيين، واصلت وكالة الطاقة خفض توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط أكثر من مرة، مما عمق الهوة بينها وتقديرات "أوبك".
أكد الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) هيثم الغيص أن أسواق النفط العالمية تشهد حالاً من التوازن، ولا تحتاج إلى "إجراءات غير ضرورية" خلال الوقت الحالي، في مواجهة ما وصفه بـ"الإنذارات الكاذبة" التي تصدر عن وكالة الطاقة الدولية، محذراً من أن مثل هذه التحذيرات تهدد استقرار السوق وتضرب ثقة المستثمرين والمتعاملين على حد سواء.
وفي تصريحات شديدة اللهجة، اتهم الغيص الوكالة الدولية بإثارة الذعر بين المستثمرين عبر توقعات وصفها بـ"المضللة وغير الحيادية"، لا سيما في ظل ارتباطها بمواقف سياسية تتعلق بقضايا التحول المناخي والضغوط المتزايدة من القوى الغربية لتقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري، وفقاً لـ"رويترز".
وأوضح أن هذه "الإنذارات الكاذبة" لا تخدم السوق العالمية، بل تدفع إلى اتخاذ قرارات متسرعة قد تؤدي إلى أزمات مستقبلية، سواء للمنتجين أو المستهلكين، وشدد على أن ضمان استقرار إمدادات الطاقة خلال الأعوام المقبلة يتطلب ضخ مزيد من الاستثمارات في مشروعات النفط والغاز، مؤكداً أن "التخلي المبكر عن الاستثمار في الطاقة التقليدية مخاطرة حقيقية على أمن الطاقة العالمي".
تاريخ من الخلافات
تأتي هذه المواجهة استمراراً لخلاف قديم بين "أوبك" ووكالة الطاقة الدولية، تصاعد منذ عام 2022 عندما قرر تحالف "أوبك+" استبعاد الوكالة من قائمة مصادره الرسمية، معتمداً بدلاً منها على مؤسسات أبحاث مستقلة مثل "وود ماكنزي" و"ريستاد إنرجي"، بعد اتهامات بانحياز الوكالة ضد مصالح الدول المنتجة للنفط.
وخلال العامين الماضيين، واصلت وكالة الطاقة خفض توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط أكثر من مرة، مما عمق الهوة بينها وتقديرات "أوبك" التي ترى أن الطلب لا يزال في مسار تصاعدي مدعوماً بتعافي الاقتصادات الكبرى ونمو الأسواق الناشئة.
وأكد الغيص أن تجاهل الاستثمارات في قطاع النفط والغاز لا يمثل خطراً على المنتجين فحسب، بل على الاقتصاد العالمي ككل، محذراً من أن التركيز الحصري على التحول الطاقي من دون توفير بدائل كافية سيؤدي إلى فجوات حادة في الإمدادات خلال الأعوام المقبلة.
توقعات السوق
في ظل هذه المواجهة، تتجه الأنظار إلى تحركات أسعار النفط التي شهدت خلال الأسابيع الماضية حالاً من التذبذب الحاد، مدفوعة بتوترات الشرق الأوسط، خصوصاً عقب الهجوم الإسرائيلي المكثف على منشآت نووية وعسكرية إيرانية، وهو ما أثار مخاوف واسعة من اتساع رقعة الصراع وتأثيره في تدفقات النفط العالمية.
وعلى رغم القفزة القوية التي سجلتها أسعار الخام في أعقاب التصعيد -إذ تخطى خام "برنت" حاجز 84 دولاراً للبرميل موقتاً- فإن الأسواق عادت تدريجاً إلى حال من الحذر والترقب، مع تراجع المخاوف من حدوث تعطيلات فعلية في الإمدادات، وبخاصة أن طرق التصدير الرئيسة مثل مضيق هرمز ظلت مفتوحة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى رغم هذا التوازن النسبي، فإن البنوك العالمية الكبرى رسمت صورة مختلطة في شأن مستقبل الأسعار، فعلى سبيل المثال "جيه بي مورغان" رجح أن تقفز الأسعار إلى مستويات 120–130 دولاراً للبرميل في حال اندلاع مواجهة عسكرية واسعة تهدد تدفقات النفط عبر المضيق الاستراتيجي. وفي المقابل، يرى "غولدمان ساكس" أن ارتفاع الأسعار فوق حاجز 100 دولار يظل احتمالاً قائماً في سيناريوهات التصعيد، لكنه عاد ليؤكد أن الأسعار ستتراجع لاحقاً إلى نطاق 55–59 دولاراً للبرميل خلال الربع الرابع من عام 2025، وإلى 52–56 دولاراً عام 2026 مع عودة الاستقرار للأسواق العالمية.
من جهته، توقع بنك "سيتي غروب" أن تكون تأثيرات التصعيد موقتة بطبيعتها، مؤكداً أن قوى السوق الطبيعية ستدفع الأسعار لاحقاً إلى مسارات أكثر استقراراً، وبخاصة مع تحسن الإمدادات من الولايات المتحدة وكندا. وبدوره، أشار "كومرتس بنك" إلى أن الأسعار قد تحافظ على مستويات تدور حول 70–75 دولاراً، ما لم تحدث تعطيلات حقيقية في الإمدادات.
مكاسب وتذبذب مستمر
تشير البيانات الأخيرة إلى أن خام "برنت" استقر خلال تعاملات اليوم الجمعة، آخر تعاملات ضمن الأسبوع المنتهي في الـ13 من يونيو (حزيران) 2025، عند مستويات قريبة من 82 دولاراً للبرميل، محققاً مكاسب طفيفة بلغت 0.6 في المئة على مدار أسبوع التداول الماضي، خلال وقت تتأرجح فيه الأسعار بين الضغوط الناجمة عن تباطؤ الاقتصاد العالمي، وبخاصة تباطؤ وتيرة النمو في الصين، وبين الدعم الذي توفره التوترات الجيوسياسية.
وعلى مدار الشهر الماضي، تحركت أسعار الخام ضمن نطاق 78-84 دولاراً للبرميل، مع استمرار تأثير الأحداث داخل الشرق الأوسط، إضافة إلى تطورات الحرب الروسية-الأوكرانية، التي لا تزال تمثل عاملاً محفزاً للأسواق.
أما على المستوى السنوي، سجلت أسعار النفط العالمية مكاسب تقارب ثمانية في المئة منذ بداية عام 2025، مدفوعة جزئياً بقرارات تحالف "أوبك+" بتمديد خفض الإنتاج حتى نهاية عام 2026، وهو ما أسهم في الحفاظ على مستويات الأسعار عند نطاقات معتدلة مقارنة بالتراجعات التي شهدتها أسواق الطاقة في أعقاب تباطؤ الاقتصاد العالمي أواخر عام 2024.
رؤية مستقبلية
وعلى رغم هذه المكاسب، تبقى الأسعار أقل بكثير من المستويات القياسية التي سجلتها بعد الحرب الروسية على أوكرانيا عام 2022، عندما تجاوز خام "برنت" حاجز 120 دولاراً، ويظل تباطؤ الاقتصاد الصيني وارتفاع أسعار الفائدة العالمية من أبرز العوامل الضاغطة على الأسعار خلال الفترة المقبلة.
وفي هذا السياق، من المتوقع استمرار منظمة "أوبك" في الدفاع عن سياسة ضبط الإمدادات للحد من الهبوط الحاد للأسعار، لكنه لن يكون كافياً وحده لدفع الأسعار إلى مستويات أعلى إذا استمرت العوامل السلبية الأخرى.
وفي ظل هذا المشهد المعقد، تتمسك "أوبك" بموقفها الرافض للانجرار وراء توقعات المؤسسات الدولية، مكررة تأكيدها أن "استدامة السوق تعتمد على قرارات مدروسة تتماشى مع واقع العرض والطلب، وليس على توقعات سياسية أو إنذارات مفتعلة".