ملخص
تعاني الزراعة الهندية أزمة منذ عقود، وبحسب الإحصاءات الرسمية فإن عام 2022 شهد انتحار 30 شخصاً من العاملين في هذا القطاع يومياً.
شكّلت حالات انتحار المزارعين باستمرار ظاهرة في الهند، لكن الظروف الجوية القاسية المرتبطة بالاحترار المناخي تُوسّع دائرة الجفاف وتُفاقِم تالياً الصعوبات المعيشية التي يعانيها هؤلاء وتدفع مزيداً منهم إلى إنهاء حياتهم.
تنظر ميراباي خندكار إلى الأراضي القاحلة المحيطة بها، وتوضح سبب انتحار زوجها "أمول"، وهو مزارع في ولاية ماهاراشترا غرب الهند، في العام الماضي.
كان أمول يعتمد على محصوله من فول الصويا والدّخن والقطن لسداد بعض ديونه، لكن الجفاف الذي تفاقم بسبب التغير المناخي، حطم آماله.
خفض كميات المحاصيل
تؤدي الأمطار غير المنتظمة والفيضانات والحرّ الشديد إلى خفض كميات المحاصيل في مناطق هندية كثيرة.
ويواجه القطاع الزراعي الذي يعمل فيه أكثر من 45 في المئة من القوى العاملة في أكبر دولة من جهة عدد السكان في العالم (1.4 مليار نسمة)، صعوبات مالية، فيما يغرق عدد كبير من المزارعين في الديون.
كان أمول خندكار الذي يمتلك هكتاراً واحداً من الأرض، مديناً لمقرضيه بما يعادل مئات أضعاف دخله السنوي، وبعد معاناته اليأس انتحر متناولاً السم، وترك زوجة وثلاثة أولاد.
تراكم الديون
تقول ميراباي البالغة 30 سنة بصوت مرتجف، "عندما كان في المستشفى، كنت أدعو الله ألا يموت"، كانت مشكلات الديون آخر حديث بينهما.
تصيب هذه المآسي المزارعين يومياً في الولاية التي تضم 18 مليون نسمة، وكانت تُعرف سابقاً بأراضيها الخصبة.
في العام الماضي أثرت الظواهر المناخية المتطرفة في 3.2 مليون هكتار من الأراضي الزراعية في مختلف أنحاء الهند، بحسب مجموعة الأبحاث التابعة لمركز العلوم والبيئة التي تتخذ من نيودلهي مقراً. تمثل ولاية ماهاراشترا وحدها أكثر من 60 في المئة من هذه المساحة.
قساوة حر الصيف
ويقول بالاجي خندكار، شقيق أمول، وهو مزارع أيضاً "إن الحر يكون شديداً في الصيف، حتى لو اتخذنا الخطوات التي ينبغي اتباعها يبقى المحصول غير كاف". ويضيف، "لا توجد مياه كافية لريّ الحقول، الأمطار قليلة".
بين عامي 2022 و2024، انتحر 3090 مزارعاً في ولاية ماهاراشترا، أي بمعدل ثلاثة مزارعين يومياً تقريباً، بحسب وزير الزراعة المحلي شيفراج سينغ تشوهان.
لا تحدد الإحصاءات الرسمية أسباب هذه الحالات، لكن المتخصصين يُشيرون إلى عوامل مختلفة.
يقول الأستاذ في معهد تاتا للعلوم الاجتماعية آر. راماكومار إن "حالات انتحار المزارعين في الهند هي نتيجة لمشكلات في الدخل والاستثمار والإنتاجية".
في عدد كبير من المزارع لم تتطور الزراعة منذ قرون، ولا تزال إنتاجيتها تعتمد بشكل كبير على الطقس.
ويقول آر. راماكومار، "يفاقم التغير المناخي الأخطار"، مما "يؤدي إلى محاصيل سيئة ويجعل صغار المزارعين أكثر ضعفاً اقتصادياً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ضرورة تطوير الزراعة
ويرى المتحدث ذاته أن الحكومة عليها مساعدة المزارعين على تأمين أنفسهم بصورة فضلى ضد "الظواهر المناخية المتطرفة" وزيادة الاستثمار في البحوث الزراعية لتمكين القطاع من التكيف بصورة فضلى.
ويقول المتخصص "لا ينبغي أن تعتمد الزراعة بشكل تام على موسم الأمطار".
وللتغلب على انخفاض المردود، يستثمر المزارعون في أنظمة ريّ ويستخدمون كميات إضافية من الأسمدة، لكن عدداً كبيراً من البنوك ترفض منحهم القروض، فيلجأ أكثرهم يأساً إلى مقرضي الأموال الذين يفرضون فوائد مرتفعة جداً.
تقول ميراباي خندكار من كوخها ذي السقف المصنوع من صفيحة معدنية "من الصعب تلبية الاحتياجات المعيشية من الزراعة وحدها".
كان زوجها مديناً بأكثر من 8 آلاف دولار، وهو مبلغ مرتفع في بلد يبلغ متوسط الدخل الشهري للمزرعة فيه نحو 120 دولاراً، وتعمل الأرملة حالياً في الزراعة، مما يصعّب عليها سداد ديونها.
30 انتحاراً يومياً
تعاني الزراعة الهندية أزمة منذ عقود، وبحسب الإحصاءات الرسمية، كان عام 2022 يشهد انتحار 30 شخصاً من العاملين في هذا القطاع يومياً.
في مزرعة أخرى في منطقة ماراثوادا، تولى الشيخ عمران (32 سنة) إدارة مزرعة عائلته الصغيرة في العام الماضي بعدما انتحر شقيقه شنقاً.
وسبق له أن اقترض ما يعادل أكثر من 1100 دولار لزراعة فول الصويا الذي لم ينبت قط.
تُسمَع من حوله أصوات انفجارات يستخدمها المزارعون لحفر الآبار أملاً في العثور على الماء.
وتقول والدته ختيجابي بيأس، "لا يوجد ماء حتى للشرب، فأين نجد منه لري أرضنا؟".